هيام حاج علي، ما تزال روحي مقيمة في مدينتي حلب
- تاريخ النشر: 5 نوفمبر 2020
- |
مع انطلاق الثورة في سوريا عام 2011، كانت هيام طالبة في المرحلة الثانوية تقول: كان الأكبر منا سناً يظنون أننا لسنا مدركات/ين لمعنى الثورة، لكن على العكس، شخصياً كنت واعية لمعنى قيام الثورة ومدركة للرعب الذي يرافق السوريات/ين أثناء الحديث عن نظام الأسد، وكنت أرفض تسمية زميلات الدراسة من بنات الضباط للحراك على أنه أزمة. تضيف: نحن بنات وأبناء المجتمعات الفقيرة والمهمشة عايشنا ضغوطات النظام علينا، وكانت الثورة بمثابة الخلاص لنا.
عن دوافعها الشخصية للمشاركة في الثورة تقول هيام: كوننا نعيش في مجتمع محافظ، لم تكن مشاركة النساء في الاحتجاجات بالأمر السهل في بداية الثورة. فكرت ألا تقتصر مشاركتي في الثورة على خروجي بالمظاهرات، إنما بإمكاني أن أشارك على طريقتي، من خلال التعليم أو التطوع، لكن مع مرور الوقت، أصبحت فكرة الفتاة الثورية مقبولة ومرحب بها، وهذه إحدى ثمار ثورة الكرامة.
تصف هيام تجربتها مع التهجير القسري من مدينة حلب لريف حلب الشمالي بالندبة النفسية، تقول: رغم اشتداد القصف والحصار كان لدينا أمل بأن يتم إعادة فك الحصار عن مدينتي حلب كما حصل لفترة وجيزة قبل معاودة إطباق الحصار مرة ثانية، وأننا سنعود لممارسة حياتنا بشكل طبيعي، لم نكن نتوقع أن نضطر للخروج من بيوتنا بهذه السرعة. تضيف: سمعنا صوت الرصاص يقترب والقذائف تنهمر على الحي بشكل كثيف، ولم يكن لدي الوقت سوى لحمل طفلتي، والنظر ورائي بذهول. طريق الهروب من الموت كان مليئاً بالخوف والشعور بالعجز، لا أصدق أننا كنا نضطر للعبور فوق جثة لمتابعة طريقنا. أيعقل أن تكون هذه حقيقة؟!
بعد انقضاء “رحلة الموت” والوصول لمدينة اعزاز، بات على هيام بدء حياتها من الصفر، ومحاولة ترتيب أوراقها ومواصلة حياتها. تقول هيام: استعنت بالأصدقاء المقربين وشريك حياتي لمساعدتي على التماسك والبدء سوياً من جديد، ثم بدأت بالبحث عن عمل. تضيف: في هذه الفترة تحررت مدينة الباب وقررت الانتقال للعيش هناك كون الباب تشبه إلى حد ما مدينة حلب وبإمكاني التأقلم أسرع هناك، وبالفعل بدأت حياتي من جديد في مدينة الباب وتابعت دراستي وتخرجت وأنجبت طفلي الثاني.
عن بدايات اهتمامها بالعمل السياسي تقول هيام: نعيش في مجتمعات النساء فيها مهمشة سياسياً، حتى العمل على بناء قدرات النساء وتمكينهن للانخراط في الحياة السياسية، لم يكن سائداً حتى فترة قريبة. بالنسبة لي في عام 2018، تم تنظيم مؤتمر جامع للنساء الناشطات في ريف حلب الشمالي والشرقي بالإضافة لمناطق إدلب وريفها، شاركت في المؤتمر، ووقتها بدأت بالتعرف على مفاهيم مثل تمكين المرأة ومشاركة النساء بالحياة السياسية، تشير هيام إلى أن مضمون المؤتمر لاقى ردود
فعل سلبية من المجتمع المحيط، بسبب الفهم الخاطئ لدور المرأة، حيث اعتبر الكثيرون أن “مكان النساء في البيت ودورهن لا يتعدى حدوده”، في ذلك الوقت كانت
هيام قد بدأت بالعمل مع عدة منظمات في البحث الميداني وتلقت عرضاً من مديرة إحدى المؤسسات للانضمام لفريقهم في الباب كمتطوعة للعمل في التدريب وتمكين النساء، ومن خلال عمل المنظمة وكيفية تسمية عضواتها وأعضائها، عاشت هيام تجربة الانتخابات لأول مرة في حياتها تقول: بدأت تراود ذهني أسئلة عن مدى تهميشنا كسوريات وسوريين، وبعدها زاد اهتمامي بحضور فعاليات تناقش الحل السياسي في سوريا، وبت مؤمنة بمبدأ لا تدع أحداً يتحدث باسمك طالما أنك قادر على إيصال صوتك بنفسك.
عن التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا تقول هيام: انعدام الثقة بين المواطنات/ين والسياسيات/ين يصعّب المهمة على المهتمين بالدخول في معترك الحياة
السياسية في وقتنا الحالي، فبعد التجربة التي عاشها الشعب السوري في ظل استبداد النظام وحزبه باتت فكرتهم عن السياسية مشوبة بالخوف والتشكيك.
أما عن التحديات التي تواجه النساء السوريات في العمل السياسي تعتبر هيام أن الصورة النمطية التي وسمت بها المرأة في مجتمعنا حدّت من دورها، وفي مرحلة ليست
ببعيدة كان مستهجناً إبداء المرأة رأيها السياسي أو اهتمامها بدراسة العلوم السياسية مثلاً، ولا أنكر أن الكثيرات وافقن ضمنياً على هذا التنميط والتزمن بالأدوار التي حددها المجتمع لهن كنساء.
عن قرارها بالانضمام للحركة السياسية النسوية السورية تقول هيام: بعد أن سمعت عن الحركة ونشاطها وجدت فيها الجسم الجامع بين الفكرين النسوي والسياسي، وسعيت للانضمام لها عبر تقديم طلب انتساب. تضيف: بدأت من خلال الحركة بالتعرف أكثر على عالم السياسة والفكر النسوي، خاصة أن الكثير من عضوات وأعضاء الحركة هم من السياسيات والسياسيين أو الناشطات والناشطين، وذوات وذوي الباع في العمل السياسي والنسوي، ومنهنّ/م أعضاء في اللجنة الدستورية، وهذا ضروري لأن يكون هناك جسم كالحركة يجمع بيننا وبين هؤلاء لنفتح قنوات حوار مباشرة ونعمل بالتنسيق مع بعضنا البعض، خاصة فيما يخص المواضيع الحساسة والتي تؤرق
الكثيرات والكثيرين من المقيمات/ين في الداخل السوري، كملف المعتقلات والمعتقلين.
تعتبر هيام أنه يجب إعادة التفكير بأولويات السوريات والسوريين اليوم، فمثلاً شعار إسقاط النظام الذي نودي به في 2011 لم يعد نفسه، بسبب تغير المعطيات وتحول الحرب من نظام-معارضة إلى حرب دخلت فيها أطراف دولية عدة، فاليوم على سبيل المثال لا يجب القبول بتنحي رأس النظام، بشار الأسد، دون تطبيق مبدأ المحاسبة والعدالة الانتقالية.
تشعر هيام بمسؤولية تجاه مستقبل طفلتها وطفلها، وهذا ما يعطيها الدافع لمواصلة نشاطها السياسي والنسوي، تقول: نحن نلوم الجيل الذي سبقنا، لماذا لم يثر على
النظام ولماذا رضخ لاستبداده، لذلك لا يمكن لجيلنا أن يسكت أو يتراجع عن ثورته ويسمح لهذا النظام بالاستمرار.
عاشت هيام خلال السنوات القليلة الماضية لحظات صعبة، تقول فيها: إصابتي بالقصف، وتهدّم منزلنا، ورؤية وجه أمي تراقب كل هذه القسوة بصمت، بالإضافة إلى استشهاد أولاد أختي الثلاثة، كان لها الأثر الأقسى في نفسي.
ومن اللحظات المميزة التي تذكرها هيام خلال سنوات الثورة تقول: تعرضت لإصابة جراء القصف، وخرجت للعلاج في تركيا وكنت قلقة من ألا أستطيع العودة، ولكن الحب أقوى من الحرب، الحب الذي أعادني إلى مدينتي حلب، وشعرت أنني عدت للحياة مجدداً، ومع رجوعي كان حلم الثورة والحرية يكبر في داخلي. وتضيف موقفاً جميلاً عاشته مع طفلتها عندما كانت في عمر العامين والنصف وسألتها هيام عن علم الثورة “ما هذا؟” نظرت إليها وقالت “ثورة”، تقول هيام: طفلة لم تتجاوز الأربع سنوات فهمت معنى الثورة واستوعبت ما الذي يحدث على عكس الكثيرين الذين مازالوا لا يعرفون معنى الثورة الحقيقي.
تقول هيام لنساء سوريا: “المرأة مساوية للرجل لا تزيده ولا تنقصه بشيء، بإمكانها أن تطمح للوصل لأي مكان أو منصب تريده وتعمل لتحقيق طموحها. لا تكترثن للعوائق لأنها ستتحول في يوم من الأيام لدافع للاستمرار، لا الحرب ولا التهجير ولا مسؤولية الأطفال ولا التقدم بالعمر يجب أن يثنيكن عن اللحاق بأحلامكن”.
تقول هيام: “لدي أحلام لا تعد ولا تحصى لسوريا، أفكر بأمي ذات السبعين عاماً وأتخيل كيف عاشتها كلها بالقمع، أنا أريد أن أعيش حياة طبيعية في بلد تحفظ كرامتي وتصون حريتي بممارسة معتقداتي السياسية وطقوسي الاجتماعية والدينية دون ضغوطات. أحلم أيضاً أن نعيش كسوريات وسوريين بعيداً عن التقسيمات الطائفية والامتيازات المذهبية والطبقية والتهميش والمناطقية”.