العدوان الإسرائيلي على لبنان: المدنيون والمدنيات من يدفع الثمن مجدداً

 

مع اقتراب الذكرى الأولى لأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ومع إخفاق نتنياهو بتحقيق كامل أهدافه الثلاثة التي كان قد أعلنها في بداية حربه الوحشية على غزة، وهي: القضاء على حركة حماس لضمان أن غزة لن تشكل تهديداً لإسرائيل مجدداً، استعادة الرهائن، وعودة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان، والتي أضيف إليها مؤخراً هدف رابع يتعلق بالقضاء على حزب الله. تلك الحرب التي أسفرت إلى اليوم عن مقتل ما يزيد عن 41 ألف فلسطيني/ة، وتدمير قرابة 60% من البنى التحتية لقطاع غزة، بالإضافة لتهجير معظم أهلها الذين باتوا تحت خط الفقر، وقد بدأ الكيان الصهيوني بتوسيع نطاق حربه لتشمل جبهة الشمال التي يقودها حزب الله في لبنان، حيث شهدت تلك الجبهة في الأيام القلية الماضية حرباً همجية استخدم بها الكيان أسلحة نوعية مدمرة، بدأت بهجوم واسع على جميع أنحاء لبنان وأجزاء من سوريا، انفجرت فيها آلاف من أجهزة النداء (البيجر) التي تستخدمها عناصر حزب الله، أعقبها انفجار لعدد كبير من أجهزة اللاسلكي في محاولة لتوسيع نطاق الحرب. هذا التصعيد جعل صراع المحاور يتجاوز الخطوط، وأضحت الخيارات أمام الجميع حديّة، إما الرضوخ للهزيمة والخروج من المشهد، أو القبول بحرب مفتوحة دموية، واختارت الأطراف الخيار الثاني الذي تكلل بعملية نوعية تبنت بها إسرائيل تصفية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مع عدد من قادة الحزب، مما يعني أن الصف الأول والثاني للحزب تم تغييبه عن المشهد، الأمر الذي سيؤدي لاحقاً إلى تقليم أظافر الحزب ربما لينكفئ إلى موقع حزب سياسي محلي، وليتراجع دوره التوسعي الإجرامي في المنطقة، التي عانت من ميليشياته، التي ارتكبت المجازر البشعة في كل من سوريا والعراق واليمن على أيدي قواته والميليشيات التابعة لها من فاطميين وزينبيين، وغيرهم ممن أوكلت إيران للحزب قيادتهم، تلك الجرائم التي بدأت في سوريا منذ الأشهر الأولى لانطلاق الثورة السورية عام 2011، وأسفرت عن مجازر شنيعة بحق المدنيين/ات، مثل مجزرة القصير ومضايا، وغيرها من المجازر والجرائم التي ترقى لمستوى جرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني.

مرحلة تغيرات كبرى تشهدها المنطقة، وشرق أوسط جديد تتغير به قواعد الاشتباك، نظام عالمي جديد يولد من رحم حروب ونزاعات، تنافس شرس على مشاريع الطاقة والتجارة العالميين، وما يحدث في منطقتنا العربية هو جزء من صراع محاور كبير تعيد فيه قوى عظمى ودول مركزية تموضعها بين المحاور، هذه المرحلة الجديدة تقتضي خروج قوى ما دون الدولة من منظومة الصراع لتحل محلها قوى أخرى.

في ظل تلك التحولات الكبرى تصبح وتيرة الصراع أعنف وأشد، والمدنيون/ات من كل الأطراف هم من يدفعون الثمن، آلاف المدنيين/ات قتلوا إلى اليوم في غزة، آلاف المدنيين/ات قتلوا وأصيبوا في هجوم البيجر واللاسلكيات في لبنان وسوريا، عشرات المدنيين/ات قتلوا في عملية تدمير المبنى الذي استهدف نصر الله وقادته ممن كانوا يتحصنون بين الأحياء السكنية، وعشرات غيرهم قتلوا في تفجيرات مماثلة، ومع تصاعد القصف الإسرائيلي تجاوز عدد الهاربين/ات من مناطقهم المليوني نازح/ة بينهم سوريين/ات. 

تفاقم الأحداث الأخيرة أدى إلى تصاعد وتيرة العنصرية تجاه اللاجئين/ات السوريين/ات في لبنان، حيث يعيش في لبنان أكثر من 800 ألف من اللاجئين/ات السوريين/ات والمسجلين/ات لدى مفوضية الأمم المتحدة، بعضهم لا يملك أوراقًا رسمية، ما يجعلهم عرضة للترحيل أو عدم القدرة على العودة إلى سوريا، وبالنسبة للشباب، العودة قد تعني التجنيد الإجباري أو الاعتقال وربما الموت، أما النساء والأطفال وكبار السن، فغالبيتهم لا يملكون بيوتًا للعودة إليها، خاصة في المناطق التي شهدت تغييرات ديموغرافية كبرى. ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فقد عبر عشرات الآلاف الحدود من لبنان إلى سوريا، هاربين من الحرب والقصف إلى بلد ما يزال يعاني من العنف المستمر من قبل نظام الأسد والميليشيات التي قادها حزب الله في مناطق عدة، إن العودة إلى سوريا ليست خيارًا مريحاً على الإطلاق، فاللاجئون/ات الذين هجرهم النظام السوري يجدون أنفسهم مرغمين على العودة إلى مناطق ما زال يسيطر عليها هذا النظام، مع كل المخاطر التي قد تواجههم من اعتقال وتشرد وموت.

إن الحركة السياسية النسوية السورية تدين العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، والذي راح ضحيته آلاف المدنيين/ات، وتعرب عن قلقها الكبير تجاه التصعيد الحاصل مؤخراً من النظام الإيراني، وتدين استخدام سماد وأرض سوريا كملعب لتصفية حسابات المختلفين والذي ينتج عنه أيضاً سقوط المزيد من المدنيين/ات. إن الحركة السياسية النسوية السورية تطالب بالوقف الفوري للحرب المستعرة بين كافة الأطراف، وتهيب بالمجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في إحلال الأمن والسلام في المنطقة، وإيجاد حلول دائمة لسلام عادل شامل وفق القرارات الدولية لضمان حياة حرة كريمة لجميع المدنيين/ات العزل، كما تحذر من تفاقم الأوضاع التي تشهدها المنطقة والتي تنخرط بها أطراف عدة دولية وإقليمية، مما يجعل احتمالات التصعيد مرجحة.

كما تشدد الحركة السياسية النسوية السورية على ضرورة تأمين ممرات آمنة للاجئين/ات السوريين/ات في لبنان، وحمايتهم من بطش النظام السوري، في ظل واقع أمني ومعيشي متدهور يجعل من العودة إلى سوريا خيارًا محفوفًا بالمخاطر. وتدعو الحركة السياسية النسوية السورية إلى حوار وطني سوري يدفع باتجاه حل سياسي يضمن تحقيق انتقال سياسي، وعودة طوعية آمنة كريمة للاجئين/ات حين توفر البيئة الآمنة، كما يملأ فراغاً قد يحصل نتيجة تغيرات كبرى يرجح أن تشهدها المنطقة. وتعبر الحركة السياسية النسوية السورية عن مخاوفها من أن تفضي الحرب الحالية إلى تسويات تخدم مشاريع التطبيع مع النظام والتي تسعى بعض الدول إلى الدفع باتجاهها بما لا يتناسب مع تطلعات الشعب السوري ببناء دولة سورية حرة وديمقراطية.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية