أنس تللو: التحديات التي تواجه المرأة في العمل السياسي مضاعفة
- تاريخ النشر: 4 ديسمبر 2020
- |
بعد الانتهاء من دراسة الهندسة المعمارية اختار أنس متابعة دراسة الماجستير في بيروت باختصاص (سوسيو انثروبولوجيا المدينة)، أو علم الاجتماع المديني. يقول أنس: رغم دراستي للهندسة إلا أنني لم أعمل كمهندس بعد تخرجي عام 2013، نظراً لظروف الحرب في سوريا ولحظر ممارسة مهنة “من الدرجة الأولى”، كالهندسة والطب على السوريات والسوريين في لبنان. يضيف أنس: وظفت بعضاً من خبرتي في برامج التصميم والعمل الاجتماعي، وتطوعت مع عدة منظمات إنسانية منها “منظمة النساء الآن من أجل التنمية”، كداعم نفسي اجتماعي لليافعات/ين والأطفال، ثم كمدرب كومبيوتر للسيدات المشاركات ببرامج التمكين، قبل أن أستلم مهمة مسؤول برنامج التمكين، ومؤخراً مسؤول المناصرة والتواصل.
يدرّب أيضاً أنس مع “رابطة المواطنة” العاملة على مفاهيم العدالة الانتقالية والمواطنة والتنوع الثقافي وقضايا الجندر.
عن علاقته الحالية بسوريا يقول أنس: مع الوقت تحولت سوريا في ذاكرتي إلى مكان عنيف محكوم من قبل مجرمين، عدا عن أن الوطن لم يعد بالنسبة لي محصوراً بحيز مكاني جغرافي، الوطن هو المواطنات/ين والعلاقات والتفاعل بينهن/م، ومعظم هؤلاء قد أصبحوا في الخارج. يتابع أنس: قبل الثورة لم أكن أشعر بانتماء حقيقي لسوريا فحقوقنا كانت مسلوبة وتحكمها الوساطات، انتمائي كان لمحيطي الاجتماعي الصغير.
عند انطلاق الثورة لم يصدق أنس بداية أن السوريات والسوريين فعلاً قررن/وا تحدي القبضة الأمنية، خاصة أن الإعلام الرسمي كان يكذب وينفي خروج المظاهرات، بينما صفحات وسائل التواصل الاجتماعي كانت تؤكدها وتوثقها، حتى وصلت المظاهرات إلى منطقة زملكا حيث كان يسكن وبدأ في المشاركة بها.
وعن دافعه للمشاركة في الثورة يقول أنس: دافعي الأساسي كان افتقادي للشعور بالانتماء للدولة السورية، كنا دائماً كسوريات/ين معرضات/ين للابتزاز وانتهاكات الكرامة والفساد، إضافة إلى ذلك لقد رأيت بنفسي مدى سلمية المظاهرات في بدايتها في محيطي، فلم يكن هناك ما يمنعني من المشاركة، ويوماً بعد يوم زادت قناعتي وإيماني بهذه الثورة.
يسرد أنس قصة مؤلمة في الـ 2012 حيث كان قد نزح مع عائلته وأقاربه إلى منزل أقربائه في دمشق، وفي أحد الأيام خرج والده الستيني لتفقد منزلهم في زملكا وغاب لمدة خمسة أيام، قبل أن تكتشف عائلته أنه قتل على يد عناصر من النظام في بيته.
عن خروجه من سوريا إلى لبنان يقول أنس: توجهت إلى لبنان للعبور إلى تركيا للمشاركة في ورشة عمل، وكان من المفترض أن أعود إلى سوريا، إلا أن تحذيرات عائلتي والسؤال الأمني عني بمجرد خروجي وقتها منعني من العودة. علاوة على تعرضي مسبقاً للاعتقال والتعذيب مرتين في فرعي فلسطين والأمن العسكري ٢١٥ خلال عامي ٢٠١١ و ٢٠١٢ بسبب مشاركتي في المظاهرات السلمية.
وفي لبنان يصف أنس صعوبات من نوع آخر تعرض لها هو وكثر من السوريات/ين، كمنعهن/م من مزاولة مهنهم الأساسية، فالسوري في لبنان متوقع منه أن يكون مزارعاً أو عامل بناء أو عامل تنظيفات، وإلا سيتعرض للمسائلة، بالإضافة إلى صعوبة استصدار الإقامات للسوريات والسوريين وتجديدها، وهذا يحيلنا إلى كابوس الترحيل القسري الذي يرافقني أنا وكثر بسبب قرب الحدود السورية وسهولة نقل البشر إلى هناك بين الدولتين.
اهتمام أنس بالعمل السياسي بدأ متأخراً بعض الشيء، حيث لم تكن السياسة في سوريا مجالاً نزيهاً، وساهم في ذلك السياسيات/ون الذين وسموا هذا المجال بصفات منفرة، يقول أنس. ويضيف: انخرطت في السياسة من خلال اقترابي أكثر من مفهوم المجتمع المدني، عبر نشاطي المدني وعملي على التغيير المجتمعي والمساواة الجندرية والمقاربة النسوية وحقوق الإنسان والمواطنة والعدالة الانتقالية، هذا النوع من السياسية النبيلة، إن صح التعبير.
وعن التحديات التي يواجهها العمل السياسي في سوريا يقول أنس: التحدي الأساسي هو احتكار السلطة للعمل السياسي وحتى الآن رغم التغيير الطفيف الذي حدث لصالحنا في هذا المجال، إلا أن السلطة السورية لا تريد لنا كسوريات/ين أن نتعاطى بالشأن السياسي، ومن جانب آخر، لم تستطع المعارضة أن تقدم بديلاً سياسياً للمطالب الثورية واحتكرت القرار السياسي بشكل من الأشكال.
أما بخصوص التحديات التي تواجه المرأة في العمل السياسي يعتبر أنس أنها مضاعفة ويوضح: إقصاء المرأة يأتي من الطرفين نظاماً ومعارضة كونهما يتشاركان صفة الذكورية، وهذا الشيء يمكن رؤيته وضوحاً من خلال الوفود التي تمثل الطرفين في المفاوضات السياسية، حيث نسبة تمثيل المرأة في هذه الوفود ضئيلة، خاصة من جهة المعارضة، والتمثيل غالباً ما يكون نسائياً وليس نسوياً. إضافة إلى ذلك المجتمع الذي يعيق المرأة عن الوصول لحقوقها في التعليم والعمل وحصرها في واقعها “البيولوجي”، ساهم أيضاً في تغييب صوتها لعقود. ولا ننسى القوانين التمييزية المجحفة بحق النساء مثل الميراث والجنسية وما يسمى بجرائم “الدافع الشريف” وغيرها.
عن أسباب انضمامه لـ “الحركة السياسية النسوية السورية” يقول أنس: نشأت في أسرة الذكورية فيها غائبة نوعاً ما، ثم انخراطي بمنظمة نسوية مثل “النساء الآن” واحتكاكي بالنساء السوريات، واهتمامي بعمل المجتمع المدني وحقوق الإنسان، كل هذا دفعني لملاحظة الفجوة الجندرية في حياة السوريات والسوريين وضرورة العمل على سدها، والانضمام للحركة جاء لإيماني بهذا الجسم السياسي الذي تقوده نساء بمشاركة رجال داعمين. إن الحركة بعضواتها وأعضائها من الممكن أن تصل لأماكن صنع القرار، وفي أسوأ الأحوال إن لم يحدث هذا قريباً؛ فعلى الأقل خلقت هذه الحركة شبكة نساء سوريات من خلفيات متنوعة، فاعلات في سوريا وخارجها، ولديهن رؤية موحدة.
عن سوريا التي يحلم بها يقول أنس: سوريا خالية من الاستبداد العسكري والديني، أن تتقبل الأطراف اختلافاتها وتعيش مع بعضها البعض ضمن معايير المساواة والمواطنة.
ولنساء سوريا يقول أنس: السوريات معنيات بمواصلة النضال من أجل استعادة حقوقهن، عليهن جميعاً أن يدركن أن حقوقهن منقوصة، وبأيديهن فقط يستطعن تحصيلها.
كان هناك مواقف صعبة مر بها أنس خلال السنوات الثمان الماضية يذكر منها وفاة والده في الـ 2012، ووفاة صديقه في المعتقل، وتحمله لمسؤولية نقل خبر وفاته لعائلته.
أما من أجمل اللحظات التي عاشها أنس خلال السنوات الماضية يقول: في الموسم الدراسي الفائت حصلت على الترتيب الأول على دفعة الماجستير في السنة الأولى في الجامعة اللبنانية مع أنني السوري الوحيد بالدفعة، هذا جعلني سعيداً بنفسي ومُسعِداً لعائلتي التي عانت الكثير. كما أن اجتماع السوريات/ين أفراداً ومنظمات خلال العاصفة التي ضربت مخيمات اللاجئات/ين السوريات/ين في لبنان السنة الماضية، كان لفتة إنسانية مهمة، حيث استجاب هؤلاء للأزمة بطريقة عفوية واستطعنا جميعاً إنجاز الكثير من المهمات في وقت قياسي.