غيثاء أسعد دالي، حقوق المرأة لا تعطى مكرمة، بل تؤخذ بالعمل الجاد
- تاريخ النشر: 20 ديسمبر 2022
- |
غيثاء أسعد دالي، مدربة دعم نفسي اجتماعي وصحة نفسية في منظمة “تستقل”، عضوة هيئة عامة وميسرة مع منظمة “درب”، عضوة في شبكة اللاجئين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA، مدربة معتمدة مع البورد السويدي في التنمية المستدامة. تعمل في مجال منظمات المجتمع المدني للمرأة منذ عام ٢٠١٥، شاركت في تأسيس شبكة حماية المرأة، وعملت كرئيسة مجلس إدارة شبكة حماية المرأة ومنسقة في رابطة الشبكات السورية. وهي عضوة في الحركة السياسية النسوية السورية.
“تابوتنا مصياف والقبر وراقة” هذا ما يقوله ممدوح عدوان عن مصياف، وبها تبدأ غيثاء الحديث عن مدينتها مصياف، التي ولدت ونشأت بها: “كنت أقيم في مصياف المدينة الجبلية الجميلة، الخضراء الغناء… بلد الفكر والحريات والتنوع الديني والطائفي والفكري والإيديولوجي”.
تصف غيثاء تجربتها في العمل في مصياف بالرائعة: “عملت كمرشدة صحية في روضة الشهد الخاصة، وكنت عضوة مجلس إدارة جمعية الرجاء لذوي الاحتياجات الخاصة، وكان لي نشاط على مستوى ضيق جدًا في سوريا، من خلال المبادرات المجتمعية والعمل التطوعي مع جمعيات أهلية. خضت مجال التجارة أيضًا، وكنت صاحبة متجر نسائي خاص حيث كانت تجربة أكثر من رائعة”.
“القمع والظلم والفساد والتخلف والفقر وحدها داعية للثورة.”
“أذكر كيف كنت أطير فرحًا، وقدماي لا تستقران على أرض لحظة انتصار ثورة مصر، وكيف بكيت شوقاً، منتظرة هكذا لحظة في سوريا” تحكي غيثاء شعورها عن ثورة مصر، وتتابع: “لم ير الشعب السوري إلا الظلم والاستبداد والقهر. نتوق للحرية والتغيير، وأؤمن أن هذا حق لكل شخص، ومع ثورات الربيع العربي وتأييدي لحق الشعب في تقرير مصيره وحكامه بدأت أراقب الانفجار الفكري والثقافي العظيم الذي بدأ في سوريا ربيع 2011”.
أما دوافع غيثاء للوقوف إلى جانب الثورة: “كما قال أحدهم: لا يوجد ما يدعو إلى تشجيع الثورة بذاتها، فهي محفوفة بالمخاطر، إنما القمع والظلم والفساد والتخلف والفقر وحدها داعية للثورة. لطالما تمنيت أن أشعر بالانتماء لهذا الوطن والتغني بحبه، لكن كنت أشعر أن هذا النظام يحول دون تحقيق هذا الانتماء بمعناه الحقيقي”.
تغادر غيثاء مصياف وسوريا في عام 2015 إلى تركيا، تجتاحها مشاعر متناقضة من الخوف من التغيير القادم، ومشاعر الرغبة ببدء حياة جديدة، وما بينهما مشاعر الحزن والفقد لمدينتها ولوطنها: “لحظة خروجي من مصياف وأنا أنظر خلفي في الطريق، الذي تجتازه السيارة التي كانت تقلنا، شعرت أن أحداً يقوم باجتثاث روحي من أعماقي وبكل معنى الكلمة وبكل الألم المتخيل. لا زلت أتذكر أول يوم وصلت فيه إلى تركيا قبل 7 سنوات، كنتُ قد قررت حرق مراكبي وقطع حبالي ووصالي مع رحمي الأول، فالخروج من البلد كالولادة الجديدة، يحتاج لثقافاتٍ جديدة ولغة جديدة وتواصل جديد، ليست كل الولادات سهلة ولكن حتمًا كلها مؤلمة”.
“لا شيء بدا كاملاً، الأمور وقتها بدت ضبابية والصورة غائمة، الجديد مربك، لكنه شيق في الوقت ذاته، والمعرفة تراكمية، يبدأ السيل حبات مطر ناعمة، ومعارفنا تجتمع نقطة نقطة لتتسع مع مرور التجارب، نحن نكبر وعياً بالتجربة لا بمرور الأيام، وتبدو المغامرة في ارتباطنا ونحن ننزلق نحوها مصدر قلق ثم سعادة. كنت أذكر نفسي أن الإصرار والعزيمة والطموح هي القاطرة التي تجر أسباب النجاح، منها جاء إيماني بأنني سأصل لسكة النجاح ابتداءً من حسن اختيار الخطوة الأولى، مشدودة نحو الضوء الموجود في آخر نفق التجربة والعمل، ضوءاً افتراضياً محتملاً كان مصدراً للقلق ودافعاً للتغيير في الوقت ذاته” تتابع غيثاء.
كباقي السوريات والسوريين اللاجئات واللاجئين في تركيا، واجهت غيثاء عدد من الصعوبات والتحديات: “من الطبيعي أن أواجه ضغوط ومشاكل مختلفة من ناحية تلبية كل الخدمات، الرعاية والصحة وحاجز اللغة والانفصال عن أفراد أسرتي والعمل، وسبل العيش بعد نفاذ المدخرات التي أتيت بها من بلدي. هناك أيضًا سبب صعوبة الاندماج والخوف الدائم من حصول مشاكل سياسية تستوجب ترحيلنا مثلاً”. ولمواجهة تلك الصعوبات أو جزءاً منها تقول غيثاء: “لتخفيف وطأة الضغوطات، أقمت شبكة علاقات اجتماعية، عملت متطوعة مع الأسر السورية، وقمت بتقديم خدمات الدعم النفسي الاجتماعي”.
تلتمس غيثاء جانب إيجابي في الغربة واللجوء: “هناك الكثير من الإيجابيات التي قدمتها لي الغربة، كأن أدرس مجدداً، وفعلاً درست دبلوم علوم سياسية، ورفعت قدراتي في مجال الدعم النفسي الاجتماعي والإسعاف النفسي الأولي من خلال الدراسة والكورسات والدبلوم مع الجمعية الألمانية السورية. كانت رسالتي هي تعزيز الثقة وامتلاك مهارات الحياة وكسر الصورة النمطية، والوصول للتعافي الذاتي ومواجهة مشكلات الحياة.
دعم المرأة ومناصرتها للوصول إلى حقوقها هو ما كانت تحمله غيثاء، وهو ما تجلى من خلال عملها في منظمات المجتمع المدني في تركيا: “عملت في مجال منظمات المجتمع المدني للمرأة منذ عام ٢٠١٥، كنت أسعى دائماً لكسر الصورة النمطية، ووضع آليات للمطالبة بالمساواة الحقوقية والعدالة، ولتعزيز فكرة أن المرأة مكون أساسي في المجتمع، لها الحقوق كاملة دون تجزئتها، فمثلاً، عندما عملت كرئيسة شبكة حماية المرأة، كان جل اهتمامي النضال ضد العقلية الإقصائية للمرأة، وتعزيز حضورها في كافة المحافل والمشاركة السياسية والاجتماعية، لنخرج من قوقعة الضحية ونصبح أحراراً نبني مجتمعاً متعافياً تترسخ فيه قيم المواطنة والحقوق”.
“الحركة السياسية النسوية السورية حركة مدافعة عن النساء، قدمت العديد من الوجوه، وسعت عبر مختلف الأنشطة والحملات إلى كسر تلك الصورة النمطية عن المرأة، وفتحت أبعاداً جديدة للحراك النسوي في مجالات الاقتصاد والاجتماع، وعرت القوانين غير المنصفة والمتعدية على الحقوق.”
ترى غيثاء بأن هناك عدد من الأسباب وراء إحجام المرأة السورية عن ممارسة العمل السياسي قبل عام 2011: “من أهم أسباب إحجام المرأة للانخراط في العمل السياسي السوري قبل عام 2011، هو التهميش وإبعادها عن الحياة السياسية، وضعف التثقيف السياسي للنساء، وعمليات الإقصاء والانتقاء التي طالت مناطق كثيرة”.
لكن من وجهة نظر غيثاء: “بعد عام 2011 بدأ الحراك النسوي نتيجة عملية تراكمية مستمرة، حيث ظهرت منظمات المجتمع المدني، رغم التحديات والمآخذ الكثيرة، فلها ما لها وعليها ما عليها، إلا أن لها الدور الأكبر في وجود النساء في إدارة تلك المنظمات (وإن قل عددهن)، وحضورهن في المحافل الدولية لإيصال صوت المرأة، وهو أمر إيجابي وهام”.
تتحدث أيضًا غيثاء عن عدد من الأمور التي تجعل المرأة السورية بعيدة حاليًا عن الحياة السياسية: “المشاركة السياسية للمرأة ضعيفة ودون المطلوب وخجولة، والدور غالبًا شكلي، والمرأة مهمشة ويتم إقصاؤها، الأمر الذي قد يولد لديها ردة فعل عكسيةـ، تتمثل بابتعادها عن العمل والمشاركة السياسية. كما أن ضعف التثقيف السياسي للمرأة وعدم إيضاح دورها وأهميته في العمل السياسي والشأن العام، يلعب دورًا في ابتعادها عن العمل السياسي. أقيمت ورشات وتدريبات هدفها تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، لكن كانت مدتها قصيرة وسريعةـ، إضافة لكثافة معلوماتها، وهذه الورشات والتدريبات استهدفت عددًا محدودًا من النساء السوريات، وبالتالي لم تصل إلى الغاية المرجوة منها”.
“ماذا لو لم يكن هناك منظمات مجتمع مدني؟ ماذا لو لم تكن هناك حركات نسوية ومبادرات محقة؟” تطرح غيثاء هذه الأسئلة لتصل إلى أسباب انضمامها للحركة السياسية النسوية السورية، التي ترى فيها التغيير، حركة تسهم في كسر الصورة النمطية للمرأة في مجتمعاتنا: “الحركة السياسية النسوية السورية حركة مدافعة عن النساء، قدمت العديد من الوجوه، وسعت عبر مختلف الأنشطة والحملات إلى كسر تلك الصورة النمطية عن المرأة، وفتحت أبعاداً جديدة للحراك النسوي في مجالات الاقتصاد والاجتماع، وعرت القوانين غير المنصفة والمتعدية على الحقوق”.
تتطلع غيثاء إلى أن تعمل الحركة السياسية النسوية السورية على: “التشبيك مع الحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني في الداخل السوري، وتبادل المعارف والاستبيانات والخبرات وإقامة عمل مشترك كمركز أبحاث نسوي وبحوامل وكوادر نسائية. وأيضا التركيز على الشابات ليكنّ رائدات المرحلة القادمة”.
“النزعة التلقينية التي تعتمد خطابًا من أعلى، ستعمل على تكريس الانفصال وقد تقود للعدائية.” هذا ما تراه غيثاء أحد المعيقات التي يجب الابتعاد عنها في الحركة السياسية النسوية السورية.
“ثورة أخلاقية، بوصلة جديدة” هي ما ت/يحتاجه السوريات والسوريين لإنجاح الفعل الثوري بعد عقد من انطلاق الثورة في سوريا، وتذهب غيثاء إلى حلول وممارسات يمكن تطبيقها لإعادة توجيه بوصلة السوريات والسوريين في العمل الثوري: “على السوريات والسوريين أن يتحدثوا مع بعضهن/م البعض ضمن حلقات صغيرة، ثم تكبر هذه الحلقات، ويجب الابتعاد عمن يمتلك السلاح، ووضع خطط عملية في الاقتصاد والسياسة والمجتمع والعمل على تطبيقها لننجوا، وكذلك علينا الاعتماد على الشابات والشباب داخل سوريا وخارجها”.
أما عن سوريا التي تحلم بها غيثاء: “يستحق الشعب السوري العيش بكرامة، وكما قال خالد تاجا (خلونا نوقف نقول هاد إسلامي، وهاد شيوعي، وهاد ما بشتغل معه، ونشتغل كلنا لبلدنا). سوريا بلد المواطنة والحريات، سوريا التي تتسع للجميع وعلينا العمل نساءً ورجالاً لننهي الفوضى”.
“حقوق المرأة لا تعطى مكرمة، بل تؤخذ بالعمل الجاد. النجاح مسألة نسبية، فما يعتبره شخص ما نجاحاً، قد لا يعد كذلك بالنسبة لشخصٍ آخر. طريق النجاح طويل جداً، وقصة نجاحاتنا الشخصية ليست أمراً تفعلينه في النهاية. إنما الأمر خلاف ذلك. فحين تفكرين أن تكوني شخصاً ناجحًا وأن تمحي عن نفسك صفة أن تكوني (شيئاً عابراً) عند ذلك تبدأ القصة، قصة نجاحك الخاصة بك، رحلة طويلة ومستمرة، تستحق بذل المجهود.” هذه رسالة غيثاء للنساء بشكل عام، وللنساء في الحركة السياسية النسوية السورية بشكل خاص. وتلفت غيثاء الانتباه إلى مسألة التمستها من خلال تجاربها في العمل مع نساء ونسويات، وهي مسألة تولد لديها القلق فتقول: “أننا كنسويات لا نقوم بعملية نقد ذاتي، وقد لا نراقب وعينا النسوي أو هل نحن نسويات حقيقيات؟ فلا نتضامن بل نضطهد بعضنا البعض، أحيانًا بقصد أو بدون قصد. أنا قلقة من العنف الذي تمارسه النساء تجاه بعضهن البعض، كالعنف المهني، التنافسي، العاطفي، اللفظي، الإقصاء والتحكم، واستعداد بعض النساء لاستعباد نساء أخريات”.
تشعر غيثاء بالكثير من الإيجابية والامتنان لكل ما تعلمته ولكل ما حصدته من خبرات: “قرأت كثيرًا، تدربت كثيرًا، ودرست مجددًا بعمر الـ (45) دبلوم علوم سياسية في تركيا، وما زلت ومنذ 7 سنوات مع الجمعية الألمانية السورية للأخصائيين النفسيين. لا مجال للعودة أو للرجوع، ولا أرضى أن أعود يومًا إلى سوريا فاشلة أو خالية الوفاض. يجب أن أكون سفيرة نفسي إلى العالم أكون سفيرة بلدي وأهلي. عملي مع النساء، والشابات والشباب السوريات /ين كان من أمتع التجارب وأغناها وكم أنا ممتنة لها. عملي كرئيسة شبكة نسائية كان لها الفضل في تعلم مهارات الإدارة وتحدياتها وأهمية العمل المشترك لنقفز خارج البئر. حقيقة لا أستطيع حصر كل المواقف الإيجابية فهي كثيرة”.