نزهة تحت القصف
- تاريخ النشر: 18 أغسطس 2019
- |
عندما تهجرت أنا وعائلتي من برزة إلى معرة مصرين في إدلب لم نكن نخرج للتنزه إلا فيما ندر، فنحن لا نعرف أحداً في هذه المدينة، وأيضاً لبعد المناطق عن بعضها البعض والظروف الاقتصادية الصعبة بعد التهجير.
تعرفت بعد فترة على مجموعة من السيدات، وخططنا قبل رمضان بأيام قليلة لأول نزهة لنا مع أطفالنا تحت أشجار معرة مصرين، كنا ٦ نساء وعشرة أطفال، خلال نزهتنا وبينما كان الأطفال يلعبون حولنا سمعنا صوت الطائرة الحربية، بدايةً حاولنا أن نخفف من خوفنا بالمزاح وبعض القصص كوننا اعتدنا على صوت الطائرة، لكن مالم نكن نتوقعه أن تكون الضربة قريبة جداً من مكان تواجدنا، أثر ضغط الضربة علينا، حملت سيدة من السيدات طفليها وركضت هاربة، حاولت أن أبقى هادئة، ولكن الطائرة لم تتوقف عند هذه الضربة فتتابعت الضربات الثانية فالثالثة وهنا فقدنا صوابنا، لم نعد نسمع سوى صوت بكاء الأطفال، وارتسم الرعب على وجوهنا، حملنا أطفالنا على أكتافنا وركضنا جميعا نحو منزلٍ قريب لصديقة لنا، وصلنا سالمين ولكن لم تتوقف الطائرة عن القصف، وهذه المرة توقعت أن تكون الضربة قريبة من منزلي، وهنا وبشكل لا إرادي صرخت بملء صوتي باسم زوجي وانهرت بالبكاء، دقائق قليلة لكنها مرت كالسنين وأنا أحاول الاتصال معه لاطمئن عليه، وعندما سمعت صوته واطمأننت أنه بخير قررنا أن يأتي إلينا لنعود معه إلى منزلنا، بالرغم من أننا لا نستطيع حماية بعضنا من قصف الطيران ولكن شعورنا بأننا متواجدون في مكان واحد كان يعطينا القليل من الأمان والاطمئنان.
عدت لمنزلي وتوقفت الطائرة عن القصف، كم كان شعوراً صعباً أن أعلم بعد قليل أنني عندما حمدت ربي لخروجي سالمة وعائلتي من هذه الغارات هناك عائلة بكاملها قضت تحت ركام القصف، وبقي رضيعهم ابن الثلاث شهور على قيد الحياة لتتكفل به عائلة من جيرانهم.
ابنتي ذات العامين والنصف أصبحت تصرخ في الليل خلال نومها وتخاف من أي صوت في النهار، وتكرر هذه العبارة “يا ماما يا بابا أجت طيارة… كنا نلعب… خفنا… ضربت… صوت… أنا خفت… أبكي…” كسرتني عبارتها التي لم تتوقف لحظة عن تكرارها على مدى أسبوعين، فكرت حينها بترك المكان فلم أكن أحلم يوماً أن يعيش أولادي هذا الخوف، كانت فترة صعبة ومازالت، لكن ما تغير اليوم أنني قررت البقاء في سوريا، لن أخرج من بلدي فأولادي ليسوا أغلى من باقي الأطفال الذين يعيشون هنا، سأربي أولادي في سوريا، سأربيهم على حب وطنهم والتضحية من أجله.
الشهادة من عضوة الحركة السياسية النسوية السورية بسمة الشامي (اسم مستعار)، فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية.