وسيم حسان: بصيص النور في نهاية النفق تلمحه العيون
- تاريخ النشر: 2 فبراير 2024
- |
وسيم حسان مهندس مدني استشاري من مواليد 1964 في حي ركن الدين الدمشقي، عمل كشريك ومدير تنفيذي لشركة الشرق الهندسية الاستشارية في دمشق، انضم وسيم لتيار مواطنة السياسي المدني منذ تأسيسه عام 2011، يعمل متطوعاً في مجال الإعلام والثقافة كمدير لمنتدى المواطنة، وسكرتير لتحرير مجلة رواق ميسلون الصادرة عن ميسلون للثقافة والترجمة والنشر. انتقل وسيم مع أفراد أسرته للعيش في هولندا خلال عام 2015، وهو يعمل حالياً في مجال الاستشارات وإدارة وتنظيم المشاريع وضبط الجودة.
عاش وسيم معظم حياته في حي مساكن برزة في دمشق، ثم انتقل إلى حي جوبر ومنه إلى بلدة صحنايا في الغوطة الغربية حتى انطلاق الثورة السورية التي شارك فيها من بدايتها حيث يقول: ”شاركت بمظاهرات ريف دمشق (داريا- عسالي- القدم – حرستا- دوما – جديدة عرطوز) بينما كانت التظاهرات نادرة عن بلدة صحنايا بسبب انتشار ميليشيا الدفاع الوطني وكثرة التشبيح وطبيعة ولاءات سكان البلدة وانتماءاتهم المشتتة ”.
تركّز نشاط وسيم خلال الثورة السورية في مدينة السويداء حيث يقول: ”منذ جمعة آزادي في تاريخ 20-5-2011، نقلت مشاركاتي بالحراك إلى ساحة السويداء وانضممت لمجموعة تنظيم التظاهر السلمي، حيث كنت أشارك النشطاء في التحضيرات من تنظيم وكتابة اللافتات وبناء الشعارات ورسم اللوحات، إلى وضع خطة التظاهر وآليات حماية المظاهرات واستمرارها، ومع تطور الحراك الشعبي إلى صعود ظاهرة ”رجال الكرامة“ غدوت مستشاراً سياساً لشيخ الكرامة – وحيد البلعوس- في مسيرته المناهضة لحكم نظام الأسد حتى تاريخ اغتياله مع رفقائه إثر تفجيرين استهدفا موكبه بمدينة السويداء في الرابع من أيلول عام 2015، وقد نجوت منهما بسبب سفري خارج السويداء كوني كنت ملازماً لشيخ الكرامة غالب الأوقات، ولكني فقدت في التفجير ابن عمي الشهيد “طلال حسان“ الذي كان ضمن فريق حماية الشيخ“.
من جانب آخر يحدثنا وسيم عن دوافعه للمشاركة في الحراك الشعبي ضد نظام الأسد حيث يقول: ”عاينت فساد السلطة وعانيت من التمييز في حقل العمل طويلاً، كوني عملت مهندساً مدنياً في وزارة الدفاع حيث معاناتي مع فساد المؤسسة العسكرية أوضح وأشد وطأة، فقد شهدت حكايا النهب والسلب وإهدار المال العام، وشهدت تغلغل الأجهزة الأمنية في كل مفصل من مفاصل الدولة بمؤسساتها ومنشآتها، وراعني حجم التردي والتراجع لسوريا الحضارة بعد أن كانت من الدول السبّاقة في العلم والإنتاج بين دول العالم النامية، لتصبح تحت سلطة الاستبداد القومي والأسدي وعبر الملاحقات واعتقال أصحاب الرأي الحر، مرتعاً للقمع والطائفية المقنعة بشعارات القومجية البعثية“.
وعن تجربة الهجرة وقسوتها يحدثنا وسيم: ”لم أتصور أنني في يوم من الأيام سأدخل تجربة قاسية مثل تجربة الهجرة عبر البحر، لكنه جاء قراراً مفاجئاً صادف مشاركتي في إحدى الدورات الإعلامية في تركيا، وعليه لم يتسن لي أن أخبر أحداً من أقربائي، حتى والدتي وأخوتي لم أخبرهم، وكان أن رتب لنا المهربون في ”أزمير“ التركية ثلاثة قوارب للانطلاق قاصدين الجزر اليونانية القريبة، خمس ساعات في البحر كأنها خمس سنوات، نساء وأطفال يحلمون بمستقبل آمن لا جوع فيه ولا عنف ولا خوف من بطش الأسد، خمس ساعات إلى أن نجح قارب واحد من الثلاثة في الوصول إلى الشواطئ اليونانية، بينما اعترض خفر السواحل التركي أحد القوارب وغرق القارب الثالث الذي تصدرت أخباره وصوره صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وهو قارب الطفل إيلان“.
أما عن العيش في هولندا يقول وسيم: ”ليس من السهل أن تقتلع جذورك وتغادر مسقط رأسك بعد أن عشت في بلدك أهم مراحل عمرك، لكن رغم ذلك لم أجد صعوبة في الاندماج ضمن المجتمع الهولندي والتعلم من ثقافة هذا البلد الحر وممارسة الديمقراطية وحق الانتخاب والانتماء والتعبير، فمنذ وصولي عملت متطوعاً في منظمات المجتمع المدني، ولمست شعور الأمان والحرية ومارست حقوقي التي حرمت بها في وطني الأم، ولم أبخل على قضيتي سوريا رغم البعد جغرافياً من خلال مشاركتي في العديد من المظاهرات والفعاليات التي تسلط الضوء على حجم المأساة السورية وأهمية قضية الحرية فيها“.
وعند سؤاله عن بدايات تشكل وعيه السياسي أجابنا وسيم: ”في أسرة مكافحة نشأت، وعايشت معاناة أبناء الأسر العادية، وطالما سألت نفسي كيف تبقى هذه الأسر كادحة وفقيرة في بلد غني كسوريا وله ما له من تاريخ حضاري. وفي المرحلة الإعدادية والثانوية وتتلمذت على أيدي نشطاء من ”حزب العمل الشيوعي”، ثم انتسبت عام 1982 لحزب ”العمال الثوري العربي“، الذي بقيت نشطاً فيه عقداً من الزمن، إلى أن قامت حرب الخليج الأولى التي تركت إثرها العمل السياسي بسبب الفشل الكبير الذي بدت عليه القوى السياسية الحزبية والتجمع الوطني الديمقراطي حينها تجاه تلك الحرب“.
وعن التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا يحدثنا وسيم: ”لا شك أن التصحر السياسي في سوريا ناتج عن مستويات القمع الأمني، وتراجع الاهتمام الشعبي بالشأن العام وسيطرة الحزب الواحد على الحكم والعديد من الأسباب الأخرى. أما اليوم فإن التحديات تتمثل في ممارسات السلطة وقوى الأمر الواقع التي تساهم في تكريس المخاوف الأمنية جراء العنف الذي يطال الناشطات/النشطاء والمعارضات/ين وأصحاب الرأي، كالتغييب القسري والاختطاف والاعتقال وربما الاغتيال والموت تحت التعذيب“.
أما عن التحديات التي تواجه النساء السوريات على وجه الخصوص في العمل السياسي يقول وسيم: ”رغم انطلاقة الربيع العربي لكنه لم يمنع من استمرار الأصوات المناهضة لحقوق النساء التي مازالت عالية ومؤثرة للأسف، إلا أن النساء السوريات خلال انتفاضة الشعب السوري استطعن أن يثبتن جدارتهن وحضورهن. وكان لظهور الكثير من السياسيات الفاعلات على الساحة السورية الدور والمؤشر البليغ على حقيقة حضور النساء وأهمية دورهن برغم كل التحديات التي تواجههن، في الداخل كما في الشتات، مع أفضلية نسبية لظروف الناجيات في دول الغرب“.
”رغم كل ما حدث ويحدث فإن سوريا ولاّدة، وقد جاء حراك السويداء الأخير كخير دليل على ذلك، ولا سيما بحجم المشاركة النسائية الكبيرة، والشعارات العقلانية المرفوعة، ما يعيد الألق لمطلب الديمقراطية.”
انضم وسيم للحركة السياسية النسوية السورية في العام الثاني من تأسيسها إيماناً منه بدورها المهم في بناء سوريا المستقبل حيث يقول: ”إن للحركة السياسية النسوية السورية دوراً بالغاً في بناء التحالفات السورية وفي مواجهة الذكورية التي تُسمم معظم التيارات والأحزاب وتُشكل حائلاً يمنع اللقاء وتُفشل العمل الجماعي في تحقيق الأهداف المشتركة، وهنا تأتي أهمية المرأة السورية من مختلف التيارات الحزبية داخل الحركة السياسية النسوية السورية ومساهمتهن الجدية في تذليل التحديات وبالتالي تولي مراكز القيادة والإدارة لدعم مسيرة العمل والتحالفات السياسية سواءً الديمقراطية منها أو على المستوى الوطني، وهي الضرورية في مواجهة استحقاقات المرحلة الحالية والانتقالية في سوريا“.
وعن التحديات والمعيقات التي تواجه نشاط الحركة السياسية النسوية السورية، يحدثنا وسيم وفق مستويين حيث يقول: ”على المستوى الذاتي: إن العمل السياسي أو العمل بالشأن العام هو عمل تطوعي، وإن مساهمة العضوات والأعضاء بوقتهن/م في بناء جسد الحركة مطلوب وهو التحدي الأول، كما أن تفاعل الرجال النسويين ومشاركتهم لنضال النساء في الحركة يضيف معنى إنساني متقدم ويضرب مثلاً يقتدى في العمل الجماعي الديمقراطي دون إقصاء أو تهميش، وعليه لابد من الحفاظ على هذه الميزة النبيلة في حركتنا السياسية النسوية دوماً. أما على المستوى الموضوعي: فإن انتشار الأيديولوجية الماضوية الذكورية وحواملها من قوى وفصائل بعضها ارتهن للدعم الخارجي سيكون عاملاً قاسياً في محاربة مشاركة النساء وتحدياً كبيراً للحد من التمييز، وهنا تأتي أهمية الصبر والعمل الدؤوب في الميدان الثقافي والمدني والاجتماعي“.
تشهد الساحة السياسية السورية اليوم العديد من الأزمات، وقد سألنا وسيم، أين نحن اليوم من مبادئ الثورة الأساسية، وكيف بالإمكان إعادة توجيه بوصلة السوريات والسوريين في العمل الثوري؟ فأجاب: ”رغم كل ما حدث ويحدث فإن سوريا ولاّدة، وقد جاء حراك السويداء الأخير كخير دليل على ذلك، ولا سيما بحجم المشاركة النسائية الكبيرة، والشعارات العقلانية المرفوعة، ما يعيد الألق لمطلب الديمقراطية وقبول التنوع السوري في وطن كريم يحمي حقوق مواطناته ومواطنيه على اختلافهن/م وتنوعهن/م، ولابد ختاماً أن نستفيد من التجارب والدروس والخيبات“.
“إن مشوارنا معاً لمنع التمييز ونيل الحرية طويل ومعقد، لكن الطريق بدأ وبصيص النور في نهاية النفق تلمحه العيون الفاحصة المجردة.”
عقد ونيف ذاق خلاله الشعب السوري أصنافاً من الحرمان والخوف والألم والتجارب القاسية، ولم تخلُ هذه السنين من التجارب الإيجابية أيضاً، يشاركنا وسيم إحدى تجاربه الإيجابية التي عاشها خلال هذه السنوات حيث يقول: ” كان من الصعب في بلد يعيش ظروف الحرب أن تستطيع ابنتي الثانية ”رزان“ دراسة شغفها في مجال الإعلام وصناعة الأفلام، وخاصة بعد معاناتها من الوسط الفني بدمشق، فلم أستطع الصمود بمواجهة إصراراها الذي حملني على حسم قرار الهجرة عبر البحر إلى بلاد القارة العجوز، فاستطاعت ”رزان” بعد عام من المعاناة في مخيمات اللجوء الحصول على قبول في ”أكاديمية الفيلم الهولندية“ رغم صعوبة قبول الطالبات والطلاب بها، وصنعت مكانة لاسمها من خلال فيلمين أبدعت فيهما وفازت من خلالهما في المهرجانات، وتخرجت من الأكاديمية بدرجة امتياز، وهكذا تمضي الحياة بالانتقال من تجارب سلبية إلى إيجابية“.
ويُعرج وسيم على إحدى التجارب القاسية التي مر بها قائلاً: ”كان أسوأ ما مررت به اختطافي من مكتبي نهاية عام 2012 من قبل جبهة النصرة فقط كوني من الطائفة الدرزية، إلى أن تمكنت من الهرب بمساعدة أحد الأشخاص الذي استطاع أن يخرجني من مقر ”المحكمة الشرعية“ التي اختطفت إليها إلى بر الأمان، إلا أن صدمتي الكبرى كانت عندما أدركت أن مواجهتنا ليست فقط مع سلطة مستبدة مجرمة، بل مع عقولٍ تشبعت بفكر وأيديولوجيا الإقصاء والإنهاء ولا يتوانى حامليها عن الجريمة والإرهاب لإذلال ضحاياهم اللواتي/الذين يختلفون عنهم بالرأي والدين فحسب، حينها أيقنت بأن مشوارنا طويل جداً بعد“.
يصف وسيم سوريا التي يحلم بها قائلاً: ”إنها سوريا العلمانية الديمقراطية التي تحتفي بتنوعها وتحمي التعدد والاختلاف وتُكرم نساءها ورجالها في قيام مواطنة متساوية وفق دستور وقوانين تحترم شرعة حقوق الإنسان وتضمن حيادية الدولة واستقلالية السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، سوريا التي تضمن حرية الاعتقاد والتعبير والإعلام ومساءلة الجميع وإجراء المحاكمات العادلة للمجرمات/ين“.
ويتوجه لنساء سوريا بالقول: ”إلى زوجتي وبناتي وأخواتي، يا نساء بلادي أجمعين، ثقن بأنفسكنّ، ولا تفرطن بحرياتكنّ واستقلاليتكنّ، ولا تقبلنّ بالتبعية لأحد مهما تكالبت عليكن الظروف والأهوال، ولابد لشجرة نضالكنّ أن تثمر“.
”إن مشوارنا معاً لمنع التمييز ونيل الحرية طويل ومعقد، ولكن الطريق بدأ وبصيص النور في نهاية النفق تلمحه العيون الفاحصة المجردة، أما مطالب السوريات والسوريين المحقة، فلن تسقط بالتقادم، ولن تتحقق إلا بعملنا الدؤوب من خلال النضال السلمي والشغل بحقل السياسة وتبني قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومعاً لبناء المجتمع والدولة العلمانية الديمقراطية التعددية لكل السوريات والسوريين“