رويدة كنعان، النسوية نمط حياة
- updated: 30 يناير 2023
- |
“أخبرتني والدتي حورية، بأن ولادتي كانت سهلة، وبأنني كنت طفلة هادئة، لذلك سمتني رويدة. ورويدة تعني في اللغة العربية الهدوء والحنان، ولكنني في مراهقتي كنت غاضبة أغلب الأحيان لإني كثيراً ما شعرت بالانتقاص من كرامتي الإنسانية. أحب مشاهدة مباريات كرة القدم وأشجع منتخب فرنسا وناديي المفضلين هما برشلونة الإسباني وليفربول الإنكليزي.”، هكذا افتتحت رويدة الحديث عن نفسها.
رويدة كنعان، درست الرياضيات اختصاص “معلوماتية” في جامعة دمشق، حصلت على درجة الماجستير في العلوم الإنسانية الرقمية من جامعة باريس 8، وعلى شهادة في تحليل البيانات في فرنسا، تعمل حالياً كصحفية ومحللة بيانات وفي المجال البحثي، وهي حالياً عضوة متطوعة في الأمانة العامة للحركة السياسية النسوية السورية.
تنحدر رويدة من قرية “إفرة” وهي قرية جبلية تتبع لريف دمشق، وعنها تقول: “ساحرة بطبيعتها، طيبة جداً بأهلها، تعلمت منهم الصبر والسكينة والعطاء دون انتظار المقابل”، وتضيف رويدة: “كان والدي حريصاً على أن نقضي وقت طويل في القرية ونساعده في الزراعة، لأنه كان يعتقد أن علاقتنا مع الأرض تنمو عندما نعمل بها ونلامس ترابها. تعلمت من والدي الفلاح أن كل تفاصيل حياتنا مرتبطة بالسياسة، فكان حريصاً على متابعة أخبار العالم وسوريا، كان يقول دائماً بأن “شدة الضغط في سوريا ستولد الانفجار”، وكان ينتظر هذه الساعة (ساعة قيام الثورة)، لكنه للأسف لم يعشها”.
كانت رويدة تتنقل بين قريتها “إفرة” ومنطقة “برزة البلد” التابعة لمدينة دمشق، والتي سكنت فيها أيضاً، وقد تركت هذه المنطقة في نفس رويدة أثراً وشعوراً لطيفاً: “قبل انطلاق الثورة عشت في منطقة شعبية تدعى برزة البلد، وهي تابعة لمدينة دمشق، تميزت بتنوع سكانها، حيث أنهم من مختلف الأديان والتوجهات والمناطق الجغرافية السورية، كانت تربطني بجيراني علاقات صداقة وعلاقات إنسانية رائعة. هذا النسيج السكاني المتنوع أغنى معارفي وأكسبني نظرة أوسع. ما أزال أشعر بالود تجاه سكان برزة البلد، برغم كل ما حصل لاحقاً من اقتتال بينهم بعد عام 2011 نتيجة أسباب مختلفة”.
“فكرت بالنتائج المحتملة لمشاركتي سواءً الموت أو الاعتقال أو الفصل من عملي، كلها وضعتها أمام عيني، وافقت عليها ومضيت متخذة قرار المشاركة في الثورة.”
في ذاكرة رويدة حادثة تعتبرها أولى تجاربها مع الخوف: “أتذكر عندما كنت في العاشرة من عمري، سمعت والدي وأصدقائه يتحدثون عن المجازر التي قام بها حافظ ورفعت الأسد في حماة. مثل جميع الأطفال في العالم، أخبرت صديقاتي في اليوم التالي ونحن في طريقنا للمدرسة عما سمعته من والدي وأصدقائه. بعد ساعتين تم استدعائي لغرفة الإدارة في المدرسة، كان هناك مع المديرة خمسة رجال مخابرات ضخمين، سألوني: أين سمعت هذا النقاش؟ ومن قال ذلك؟ المخابرات في سوريا ليست كما في بلدان العالم، هم في كل مكان، حتى في مدارس الأطفال. أخبرتهم أنني سمعته من أحدهم في السوق الشعبي، لا أعرف إذا صدقوني أم لا، لكنهم غادروا الغرفة. عندها قالت لي معلمتي وهي من دير الزور “انتبهي الحيطان لها آذان” كان من الصعب عليَّ تخيل صورة الجدار بأذنان، لكني فهمت لاحقاً ما تعنيه هذه العبارة. كانت هذه تجربتي الأولى في السياسة وتجربتي الأولى مع الخوف”.
“صادف بداية ثورات الربيع العربي مع قراءتي لكتاب “القوقعة” الذي يتحدث عن سجن تدمر، حينها كنت أسأل نفسي، إذا قامت الثورة في سوريا هل سأشارك أم لا؟” تقول رويدة. وتتابع عن موقفها بعد اندلاع الثورة في سوريا: “في 18 أذار 2011 عندما سمعت خبر أول شهيد في الثورة في درعا، قلت في نفسي، لم يختلف ولم يتغير نهج الأسد الابن عن نهج الأسد الأب. لن أقف مكتوفة الأيدي كما فعل الكثيرون أثناء أحداث حماة في ثمانينات القرن الماضي، فكرت بالنتائج المحتملة لمشاركتي سواءً الموت أو الاعتقال أو الفصل من عملي، كلها وضعتها أمام عيني، وافقت عليها ومضيت متخذة قرار المشاركة في الثورة”.
شاركت رويدة في العمل الثوري في بدايته بصورة سلمية، لتكون مشاركتها بعد ذلك أكثر تنظيماً: “لم يكن لدي مشاركات سياسية قبل الثورة، ولأنني لم أكن أعرف الأوساط الثورية، بدأت في بدايات الثورة التعرف على تلك الأوساط محاولة إيجاد أشخاص موثوقين للتعامل معهم. بدأت مشاركتي الفعلية في الثورة بعد ثلاثة شهور من انطلاقتها، يدفعني للمشاركة دوافع شخصية وأخرى عامة، فدافعي الشخصي أنني لم أكن أريد أن أقف على الهامش في مرحلة التغيير في سوريا، كما فعل والدي وأصدقائه في ثمانينات القرن الماضي، أما دوافعي العامة فهي رغبتي في رؤية سوريا دولة متطورة ديمقراطية، فيها دستور يحترم الجميع، وقانون يحمي الجميع، دولة يهدم فيها الجدار صاحب الأذنان للأبد”.
تتابع رويدة عن مشاركتها في العمل الثوري: “شاركت في أغلب المظاهرات السلمية، في الكتابة على الجدران وتوزيع المنشورات، والدعوة للإضرابات والقيام بها. في نهاية 2011 أيقنت أننا بحاجة أكثر للتنظيم، وفكرت أن الأحزاب والحركات السياسية من الممكن أن تقوم بهذا الدور، وحينها كانت مشاركتي السياسية الأولى المنظمة كعضوة في حركة سياسية تدعى (حركة معاً من أجل سوريا حرة ديمقراطية)، وهي حركة تسعى إلى إسقاط النظام من خلال الاحتجاج السلمي، وترفض كل أشكال العنف والتحريض الطائفي. وتهدف الى إقامة دولة ديمقراطية علمانية حرة. وإرساء الوحدة الوطنية من خلال مجتمع مدني موحَّد”.
“أصبح إيماني ونشاطي في كل تفاصيل حياتي نسوي، فالنسوية بالنسبة لي ليست نظريات ومناهج فقط؛ إنما هي أسلوب حياة.”
مشاركة رويدة في الثورة كانت سبباً في اعتقالها ثلاث مرات، وعن تجربة الاعتقال تحكي رويدة: “في عام 2011 اعتقلت خلال مظاهرة في شارع العمارة في مدينة دمشق، استمر اعتقالي مدة ثلاثة أيام في فرع الأمن الجنائي في دمشق بتهمة إثارة الشغب. ذكرتني التهمة بطفولتي لأنني دائماً ما كنت أثير الشغب عندما يعنفني أحدهم/ن، أو يقترب من مساحتي الخاصة، أو ينازعني على ألعابي وحقوقي. عندما كنت في السجن كان لدي الوقت للتفكير بتأثير الأحداث الصغيرة في طفولتنا على شخصياتنا. بعد خروجي من المعتقل بأربع ساعات شاركت بمظاهرة في منطقة الميدان”. أما الاعتقال الثاني فكان في شباط 2012 وعنه تتابع رويدة: “اعتقلت للمرة الثانية في شباط 2012 لمدة شهر في فرع الخطيب وفرع 285 إدارة المخابرات العامة، بتهمة دعم المسلحين والترويج لتغيير الدستور للنيل من هيبة الدولة، والسبب أنهم داهموا منزلي ووجدوا أدوية كنا ننوي إرسالها إلى مدينة حمص بعد مجزرة الخالدية. “النيل من هيبة الدولة” فكرت ملياً بهذه العبارة، هل نملك دولة بالفعل في سوريا؟ لا، نحن لدينا نظام استبدادي سيطر وتغلغل في كل مفاصل الدولة، ففكرت أن مشورانا النضالي يجب أن يستمر حتى نبني دولتنا التي نريد”.
بالرغم من أن الاعتقال الثالث لرويدة كان الأطول، والذي اختبرت فيه أشكالاً مختلفة من التعذيب، إلا أنه كان السبب في اعتماد رويدة النسوية كأسلوب حياة: “الاعتقال الثالث كان في عام 2013 وهو الأطول، حيث كان لمدة عشرة أشهر، سجنت في فرع الجوية في دمشق، وتعرضت لأشكال مختلفة من التعذيب. لم يزعجني حبسي، أكثر ما كان يزعجني فكرة أن السجن يؤخر ويعيق مشاركتي في أكثر مرحلة مهمة من مراحل بناء سوريا، لكن في السجن كان لدي الوقت للتعرف على نساء سوريات من فئات وطبقات مختلفة، عندها أدركت أن الظلم الواقع على النساء لم ينتج فقط عن الأنظمة الديكتاتورية وحسب، وإنما هو محصلة لهياكل من الظلم السياسي والقانوني والمجتمعي، عندها قررت أن أكون نسوية وأن أدافع بكل طاقتي عن حقوق النساء. أصبح إيماني ونشاطي في كل تفاصيل حياتي نسوي، فالنسوية بالنسبة لي ليست نظريات ومناهج فقط؛ إنما هي نمط حياة”.
“خرجت من السجن ضمن صفقة تبادل بين النظام السوري وفصيل “جبهة النصرة” بدل راهبات كن قد اختطفن من دير في صيدنايا من قبل “جبهة النصرة”. أثناء التبادل طلبت من ضابط الأمن أن نلتقي بالراهبات عند وصولهن، وبالفعل جلسنا جميعاً معاً، كنا 21 معتقلة عند النظام و14 راهبة وحولنا العديد من العناصر المسلحة، عندها تأكدت أن نضالنا النسوي طويل، وطويل جداً، لأن كل الأطراف تستغلنا وتستخدمنا متى تشاء لمصالحهم” تكمل رويدة.
لا تشعر رويدة بالندم رغم اعتقالها ثلاث مرات: “لم أندم يوماً على ما قمت به حيث إنني كنت أعرف مسبقاً أن للحرية ثمن وربما يكون ثمن غالٍ جداً، وإذا عاد بي الزمن للوراء أعتقد أنني سأسلك نفس المسار مع القليل من التعديلات”.
يتولد لدى رويدة الخوف بعد خروجها من المعتقل، الخوف ليس على نفسها فقط، بل على صديقاتها وأصدقائها والأشخاص من حولها، وتنتاب رويدة مشاعر سلبية تجاه دمشق وتجاه الآخرين الذين يدعون الحياة الطبيعية في سوريا: “بعد خروجي من الاعتقال كان لدي شعور بالخوف، الخوف ليس على نفسي فقط، وإنما على الآخرين من حولي، فبعض صديقاتي وأصدقائي تحفظوا على رؤيتي، خوفاً من أنني قد أكون مراقبة من قبل أجهزة النظام، لذلك اقتصرت علاقاتي على صديقاتي اللواتي تعرفت عليهن في السجن. لم أعد أرى دمشق التي أحب، أيضاً حينها أصبح لدي مشاعر سلبية تجاه الناس، الذين يعيشون حياتهم بشكل طبيعي ولا يعرفون أو ربما يتجاهلون عمداً، أنه من الممكن أن يكون تحت أقدامهم سجن وأشخاص يعذبون ويموتون من أجل حرية الجميع”.
مغادرة سوريا بات الخيار الأفضل أمام رويدة بعد خروجها من السجن، وعن كيفية مغادرتها لسوريا تحكي رويدة: “اتصل بي أحد ضباط المخابرات ودعاني لتناول فنجان قهوة في مكان قريب من أوتوستراد المزة، تحدثت بعدها مع صديقتي، وهي إحدى الناجيات من الاعتقال، وقلت لها، بأن فنجان القهوة الذي سنشربه تالياً يجب أن يكون في تركيا، وفعلاً هذا ما حدث”.
“قبل مغادرتي دمشق بيوم واحد، مشينا أنا وصديقتي في شوارع دمشق القديمة، ولأني كنت أخاف أن آخذ صور وأتعرض للمساءلة من قبل الحواجز المنتشرة بكثرة، قررت أن أطبع صور فوتوغرافية وفيديوهات قصيرة في دماغي عن دمشق، وما زلت محتفظة بها وأراجعها بين الحين والآخر لكي تبقى في الذاكرة القريبة بالدماغ” هكذا وصفت رويدة طريقة وداعها لدمشق.
عن رحلة الدخول إلى تركيا تقول رويدة: “من دمشق إلى إدلب ثم إلى تركيا بواسطة الباصات. عند الحواجز التابعة للنظام كنت خائفة من الاعتقال، وعند الحواجز القريبة من إدلب خفت أن لا أميز تبعية الحاجز للمعارضة أم للنظام، فقد كنت غير محجبة وأخبرنا السائق أنه يتوجب علينا وضع الحجاب عند حاجز المعارضة، بكل الحالات كنت خائفة ولم أشعر بالاطمئنان حتى وصلت إلى تركيا”، وعن أسباب الخوف تقول رويدة: “مقولة أن مشاركتنا في الثورة (كسرت حاجز الخوف) ليست دقيقة فسوريا (عالم من الخوف) يتجلى في كل تفاصيل حياتنا، إذا تجاوزناه في لحظة زمانية ومكانية ما، فهذا لا يعني أنه انتهى، على الأقل بالنسبة لي وخاصة بعد ثلاث اعتقالات”.
“قررت أن أعيش في تركيا فهي بلد جميل وقريبة من سوريا، إذ سيكون باستطاعتي العودة إلى سوريا متى أشاء، العودة على الأقل إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لكن بعد أشهر من تواجدي في تركيا، أُغلقت الحدود وانتهى العمل بإمكانية الدخول بدون فيزا إلى تركيا. بعد سنتين سقطت حلب بأيدي النظام وزادت العنصرية في تركيا، حينها قررت أن أكون بعيدة عن سوريا، خيراً من أكون قريبة منها ولا أستطيع الوصول إليها، فسافرت إلى فرنسا”.
تصل رويدة فرنسا وتبدأ حياة “من الصفر” كما تقول: “في الأربعين من عمري في فرنسا، بدأت من الصفر تماماً، تعلمت لغة جديدة، بنيت علاقات جديدة، طورت مهاراتي، وتابعت دراستي. كنت خائفًة عندما وصلت إلى فرنسا، لكنني الآن أخطو خطواتي الأولى وأنا مرتاحة، على الأقل لأنني غير خائفة وأشعر بالأمان”.
تضيف رويدة: “وجودي في فرنسا وخاصة أنني أمتلك صفة اللجوء السياسي، لا يعني أنه عليَّ أن انصهر في المجتمع الجديد وأنسى قضيتي التي نلت حق اللجوء بسببها، أعمل على الاندماج قليلاً في المجتمع الجديد وأتابع وأهتم وأشارك بما يجري في سوريا. كنت قد شاركت بالتمثيل في مسرحية في فرنسا – باللغة العربية – عن النساء السوريات الناجيات من الاعتقال “X ADRA”، مع أربع نساء سوريات عظيمات ناجيات من الاعتقال وشاب، والمخرج السوري الفرنسي رمزي شقير، كانت تجربة مميزة ومفيدة بالنسبة لي على المستوى الشخصي، لأن المسرح والبوح يساعد على التصالح مع الماضي وقبول الواقع”.
“كل نشاط نقوم به ويهدف إلى التغيير السياسي هو عمل/نشاط سياسي، لذلك أعتبر مشاركتي في الثورة هو فعل سياسي بامتياز” هكذا تعتبر رويدة بداية مشاركتها في العمل السياسي.
وتتابع بشكل مفصل أكثر عن مشاركتها في العمل السياسي المنظم: “سمعت في نهاية عام 2011 وفي إحدى المظاهرات هتاف “قائدنا للأبد سيدنا محمد”، وصارت تتعالى في بعض المظاهرات أصوات تدعوا لحمل السلاح، هنا شعرت بأن جهات أو أشخاص بدأت تحرف أو تجر الثورة نحو أهداف مختلفة عن تلك الأهداف التي خرجنا لتحقيقها في بداية الثورة، وأدركت أنه لابد لي أن أكون ضمن مجموعات سياسية منظمة لضبط بوصلة الثورة، فانضممت إلى (حركة معاً من أجل سوريا حرة ديموقراطية)”.
“تنتابني لحظات أشعر أن كل ما نقوم به دون جدوى، لكني أعود وأفكر أنني يجب أن أواصل نشاطي، لكي أساهم مع السوريات والسوريين بكتابة سرديتنا وتاريخنا ولكي لا تُنسى قضيتنا”.
عن التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا تقول رويدة: “ما يزال التحدي الأساسي هو عنف النظام ضد أي حراك سياسي معارض” وترى رويدة بأن عشر سنوات من عمر الثورة كانت حاجة لنتعلم: “كنا نفتقد بغالبنا للوعي السياسي الكافي للنهوض بسوريا، فاعتقد أننا احتجنا للعشر سنوات من عمر الثورة كي نتعلم السياسة. اعتقد أن النظام عمل من خلال وجوده في السلطة على إضاعة الهوية الوطنية وفقدان العقد الاجتماعي الجامع للسوريات والسوريين، إضافة إلى أنه وخلال الحرب والأزمات، يلجأ الناس لهويات غير الهوية الوطنية، ظناً منهم أنها تحافظ على حياتهم كالعشيرة والطائفة، وهذا يجعل العمل السياسي أصعب وأعقد”.
من التحديات الأخرى في وجه العمل السياسي تشير رويدة: “جعل تدويل القضية السورية العمل السياسي في سوريا معقد وتابع لجهات دولية مختلفة تسعى لتحقيق مصالحها، فخرج القرار السياسي من أيدي السوريات والسوريين، كما أن انتشار السلاح في مناطق سوريا المختلفة تحد صعب في وجه العمل السياسي، حيث لا صوت يعلو على صوت البندقية”.
“كل ما يحيط بالمرأة السورية يشكل تحد لها في العمل السياسي، بدءاً من العائلة والوصاية عليها، إما بحجة حقهم بالتحكم بحياتها أو بحجة الخوف عليها”، هكذا تبدأ رويدة حديثها عن التحديات التي تواجه المرأة في العمل السياسي، وتورد مثالاً عن ذلك: “استبعد بعض السياسيون، من الذين يعتبرون سياسيين مخضرمين، زوجاتهم وبناتهم من العمل السياسي بحجة الخوف عليهن”. تتطرق رويدة إلى عدد من التحديات تعيق مشاركة ونشاط النساء في العمل السياسي: “يمنع الموروث المجتمعي والديني المرأة من أن تنشط بالشأن العام، فحدودها بيتها(مملكتها). العنف السياسي الذي تتعرض له النساء وبشكل خاص الاعتقال، وما يرافقه من أشكال مختلفة من العنف على المرأة المعتقلة ولاسيما العنف الجنسي، يبعد النساء عن العمل السياسي. قد تتعرض النساء العاملات في السياسية للعنف فقط لأنهن سياسيات، ولعل العنف الممارس عليهن من خلال الانترنت هو أحد أهم أشكال العنف حالياً. ربما يعوق نشاط النساء في المجال السياسي أسباب اقتصادية، فلا يمكن لمن تبحث وتفكر بقوت يومها ويوم أطفالها أن تنشط سياسياً، ويمكن أن يتسبب انتمائها لحزب أو حركة ما لعدم توظيفها في منظمات المجتمع المدني “الحيادية”. من أهم الأسباب التي تعوق نشاط المرأة في المجال السياسي في سوريا، هي المنظومة السياسية الاستبدادية التي تحتاج لشرعية فتستمدها من المنظومة الدينية، وتعمل الأخيرة على إبعاد النساء عن المجال العام ترسيخاً لعقليتها الذكورية”.
وراء انضمام رويدة للحركة السياسية النسوية السورية عدة أسباب، وهي كما ذكرتها رويدة: “الحاجة إلى العمل السياسي النسوي المنظم مع مجموعة رائعة من النسويات السوريات، ضمان وجود النساء في العملية السياسية، وجود نسويات داعمات متضامنات مع النساء الأخريات، تبادل معرفي وخبراتي مع العضوات الأخريات، وحاجتي للتضامن النسوي”.
أما المعيقات والتي تواجه نشاط الحركة السياسية النسوية السورية، فتراها رويدة من خلال تجربتها في الحركة: “عدم إمكانية ترخيص الحركة وبالتالي تقييد نشاطها في دول مختلفة، عدم قدرة العضوات على المشاركة الفيزيائية في نشاطات الحركة، والعنف الذي تتعرض له بعض الناشطات والعضوات في الحركة بسبب نشاطهن السياسي ووجودهن في الحركة”.
“اعتقد ما زالت الحركة السياسية النسوية السورية بصفتها الاعتبارية، وبعضواتها وأعضائها ملتزمات وملتزمين بمبادئ الثورة الأساسية في الحرية والكرامة والعدالة، وبأهدافها بسوريا دولة مدنية ودولة محايدة لجميع الأديان. ما زلنا حركة تطالب بتغيير واقع النساء وحصولهن على حقوقهن، فهي تطالب بتغيير القوانين والدستور، وبالتالي التغيير السياسي” هكذا ترى رويدة موقف الحركة السياسية النسوية السورية وعملها بعد مضي أكثر من عقد على اندلاع الثورة في سوريا.
عند وصول رويدة إلى فرنسا، راودتها فكرة، بأنها يجب أن تمضي بحياتها دون النظر للوراء، لكن: “وقفت مع ذاتي وقلت أنا هنا ليس لأنه لدي الحلم الأوروبي، ولأنني شاركت بالثورة لهذا علي أن أتابع نشاطي المتعلق بسوريا بشكل من الأشكال، وهذا ما وجدته في الحركة السياسية النسوية السورية”، تتابع رويدة: “تنتابني لحظات أشعر أن كل ما نقوم به دون جدوى، لكني أعود وأفكر أنني يجب أن أواصل نشاطي، لكي أساهم مع السوريات والسوريين بكتابة سرديتنا وتاريخنا ولكي لا تُنسى قضيتنا”.
توجه رويدة رسالة للنساء السوريات، تحثهن فيها عن ضرورة تواجدهن في العمل السياسي، وذلك لأنه: “لا يمكن الفصل بين النسوية والعمل السياسي، وأن ما سيحقق أهدافنا بالمساواة ونيل جميع حقوقنا هو تواجدنا في الحياة السياسية، لأن عملنا السياسي هو الذي سيغير القوانين، لذلك ادعو النساء السوريات إلى المشاركة بكل الفرص السياسية المتاحة، ليس المشاركة فقط بل النضال من أجل إتاحة فرص لهن في الحياة السياسية”.
كان لكلمة ” حرية” دور في تغيير فكر رويدة وفي تغيير كل تفاصيل حياتها: “عندما بدأت الثورة السورية شاركت بها مع أني أعرف كل النتائج المحتملة، وبعد المظاهرة الأولى التي صرخت فيها بأعلى صوتي وقلت “حرية حرية حرية”، عدت إلى المنزل وقررت أن أقوم بمراجعة كل القرارات التي اتخذتها في حياتي أو اتخذها أحد عني. خلعت الحجاب، لأنني أكون مرتاحة مع نفسي بدونه ولا يوجد سبب مقنع بالنسبة لي لوضعه، قررت العيش باستقلالية تامة فكرياً وماديا،ً وفي كل تفاصيل حياتي”.
عن التجارب القاسية التي عاشتها رويدة خلال سنوات الثورة تقول: “أنا أرى أن التجربة التي أخرج منها وأنا على قيد الحياة هي بمثابة “تجربة ومرت”، أتعلم منها شيء بغض النظر كانت تجربة قاسية أم لا. فأنا لا أومن بأنه يوجد شيء سهل في الحياة. عند اعتقالي للمرة الثالثة اعتقل معي صديقي خالد (فلسطيني الجنسية)، ما زال مخفياً قسراً حتى الآن، وما زلت انتظر عودته مع عائلته وأطفاله، أرغب أحياناً بأن يعود الزمن للوراء ويتوقف قبل لحظة اعتقاله. أتمنى أن تعيش طفلته التي ولدت بعد اعتقاله معه، وتعرف عن قرب كم هو طيب وحنون وكريم وكم يحب الحرية والحياة”، تتابع عن تجربة الاعتقال: “عشت تجربة الاعتقال ثلاث مرات تعرضت فيها لأشكال عنف مختلفة، لكن من خلالها تعرفت على نفسي أكثر وعرفت نقاط قوتي ونقاط ضعفي، تعرفت على نساء أعتز بهن. علمتني الثورة أنه عليَّ تقبل الآخر مهما كنا مختلفين، وأن الاختلاف غنى، علمتني كيف أكون مرنة وصبوره وهادئة. علمتني أنه لا يوجد في الحياة أهم من زرع ابتسامة على شفاه أحدهن/م. علمتني أن أومن فقط بالإنسان وبالعلم، وبأن الحقيقة الوحيدة في حياتنا هي الموت، لذلك علينا أن نعيش حياتنا القصيرة كما نرغب نحن، وليس كما تُرسم لنا”.
“أتمنى للحركة للاستمرار لتحقيق كافة أهدافها” بهذه الجملة تختم رويدة حديثها.