سارا هنيدي، والصرخة الأولى للحرية
- updated: 30 مارس 2020
- |
كانت سارا هنيدي طالبة في صف الحادي عشر، عندما انطلقت الثورة عام 2011، بدأت مشاركتها في الثورة من خلال كتابة منشورات ضد النظام على حسابها في موقع فيس بوك، مستخدمة اسمها الصريح مما كان سبباً في تلقيها الكثير من التهديدات فيما بعد، كما كانت تشارك وتنسق بين المظاهرات الطيارة التي كانت تخرج في السويداء وقراها. كانت سارا تريد المشاركة في إحدى المظاهرات، وعندما منعتها عائلتها من الخروج، خرجت من شباك غرفتها، تقول إنها لا تنسى اللحظة التي صرخت فيها وقالت “حرية” لأول مرة بصفتها مواطنة أولاً، وفتاة ثانياً، في مجتمع ينتقد المرأة إذا ضحكت بصوت عالٍ فكيف إذا صرخت ونادت بالحرية!
في الوقت الذي انطلقت فيه الثورة، ورغم أن سارا كانت لم تتجاوز السابعة عشر بعد، إلا أنها كانت قد كونت فكرة كاملة عن النظام الفاسد الديكتاتوري الذي يحكم بلدها وذلك من خلال القراءة، والتجارب الشخصية لأشخاص تعرفهم، الأقوال والهتافات لتمجيد القائد التي كانت مجبرة على حفظها عن ظهر قلب في المدرسة، وغيرها الكثير، كل ماسبق كان بالنسبة لها سبباَ كافياَ ومنطقياَ للثورة، وبالتالي صدمت لفكرة أن الكثيرين ممن حولها لم يشاركوا في الثورة، إلا أنها كانت تحاول أن تلتمس لهم الأعذار المتعلقة بخوفهم على أطفالهم وانشغالهم فقط بتأمين لقمة عيشهم، ومعرفتهم الجيدة بظلم وبطش هذا النظام، بحكم أنهم أكبر منها سناً، وعاصروا عهد الأسدين، الأب والابن. تقول سارا إنها أرادت ثورة على السياسة والمجتمع والدين والتقاليد والقانون الذي لا يحمي المرأة، ويبرر جريمة الشرف على سبيل المثال.
“الخطوات الصغيرة التي يتم تحقيقها الآن ستولد إنجازات أكبر مستقبلاً، التغيير يتطلب وقتاً، ففي السابق لم نكن معتادين أصلاً على فكرة وجود نساء تمثل الشعب في الساحة السياسية، الآن، وبفضل الحركة ومثيلاتها أصبح هذا الأمر مألوفاً، وبالتالي بعد مدة من الزمن ستصبح فكرة وجود المرأة في مكان صنع القرار بديهية أيضاً”.
يرجع اهتمامها بالعمل السياسي إلى إدراكها بأن السياسة تحكم حياتنا اليومية والشخصية وليست منفصلة عنهما وبالتالي تقول سارا: “يجب أن نكون على قدر كافٍ من الوعي السياسي، وأن ندرك حقوقنا وواجباتنا كمواطنات ومواطنين، خاصة وأنه قبل الثورة كان الحديث عن السياسة شيئاً محظوراً على الشعب، وبالتالي فإنه كان من الطبيعي أن يواجه العمل السياسي الكثير من التحديات بعد الثورة، والتي كان أهمها التشتت والانقسامات، والتطرف، والتبعية لجهات خارجية”. أما عن التحديات التي تواجهها سارا شخصياً في عملها في السياسة كامرأة، هي عدم أخذ آرائها السياسية أو كل ما تحاول مشاركته على محمل الجد، فقط لمجرد أنها امرأة. وقلقها المستمر على عائلتها التي لا تزال موجودة في سوريا، والتي تدرك أن عملها السياسي قد يعرضهم للخطر بشكل يومي.
انضمت سارا إلى الحركة السياسية النسوية السورية، لأنها وجدت فيها تجسيداً لكافة الأفكار والأهداف التي تؤمن بها، ولأنها تعمل باتجاه زيادة تمثيل النساء في الساحة السياسية، وحققت خطوات مهمة في هذا المجال، كما أنها تسعى جدياً في الوصول بالنساء إلى مكان صنع القرار جنباً إلى جنب مع الرجل، لأنها تؤمن بأن سوريا التي تهدف لبنائها هي سوريا الديمقراطية التي يتساوى فيها جميع المواطنون نساءً ورجالاً. كما ترى سارا أن الحركة ألغت الشرخ أو المسافة بين النساء في داخل سوريا وخارجها وهذا شيء إيجابي جداً.
تؤمن سارا أن الخطوات الصغيرة التي يتم تحقيقها الآن ستولد إنجازات أكبر مستقبلاً، وأن التغيير يتطلب وقتاً، حيث تقول: “في السابق لم نكن معتادين أصلاً على فكرة وجود نساء تمثل الشعب في الساحة السياسية، الآن، وبفضل الحركة أصبح هذا الأمر مألوفاً، وبالتالي بعد مدة من الزمن ستصبح فكرة وجود المرأة في مكان صنع القرار بديهية أيضاً”.
تضيف سارا، “أنا لا أعتبر أنني شاركت في الثورة مقارنة بغيري من الأشخاص الذين كانوا أشجع مني بمئات المرات، إلا أنه وبالنسبة لفتاة كانت تعيش في السويداء في ذلك الوقت، حيث الأغلبية قررت الوقوف على الحياد أو على الأقل، التزام الصمت، كان المعارضون معرضين لملاحقة وتدقيق مضاعف، وبالتالي فإن مجرد المشاركة في مظاهرة صغيرة أو كتابة رأي معارض على الفيس بوك كانت أسباباً كافية لتجعلني مستهدفة من قبل النظام، رغم أنني كنت أحسب خطواتي دائماً، إلا أنني كنت خائفة جداً من الاعتقال كوني فتاة، خاصة عندما كنت أسمع عما تتعرض له النساء في المعتقلات، لذلك، بعد أن أنهيت المرحلة الثانوية، قررت أنني لن أدرس في جامعة دمشق، حينها اضطررت لمغادرة سوريا 2014 لوحدي بعد تلقي العديد من التهديدات، وبقي أهلي هناك لأننا كنا مختلفين بالرأي”.
توجهت سارا أولاً إلى لبنان، وعملت هناك في مجال الترجمة مع أكثر من منظمة، ولكنها لم تتمكن من التسجيل في الجامعة هناك بسبب صعوبة دفع الأقساط، إضافة إلى تعقيدات استصدار الأوراق المطلوبة كونها سورية، عندها توجهت إلى تركيا، وتنقلت في البداية بين مدينتي غازي عينتاب وأنطاكيا، حيث عملت أيضاً في مجال الترجمة مع اللاجئات/ين، وشاركت في تدريبات الدعم النفسي، وتدريبات تقوية النساء وتأهيل الأطفال. تقول سارا إنه في تركيا لم يكن لديها خيار آخر، واستمرت في العمل مع اللاجئات/ين حوالي ثلاث سنوات إلى درجة أنها بدأت تنسى حلمها، وهو متابعة الدراسة في الجامعة والكتابة والنشر، إلى أن بدأ اللاجئون يغادرون إلى أوروبا بحراً. تضيف سارا أنها حاولت الذهاب إلى أوروبا بحراً إلا أنها تراجعت في آخر لحظة بسبب خوفها من البحر خاصة وأنها لا تعرف السباحة، لذلك بدأت بمراسلة الجامعات الأميريكية والتقديم للحصول على منحة دراسية، إلى أن تم قبولها في جامعة “ديبول” بشيكاغو وانتقلت لتبدأ رحلة جديدة في الولايات المتحدة. وخلال السنة الأولى هناك تمكنت سارا من إيجاد عمل كمترجمة مع منظمة ريفيوجي–ون لمساعدة اللاجئات/ين، حيث كانت تدير برنامج التعليم المنزلي المخصص للنساء والأطفال، وكانت تحاول أن تبقى قريبة من مجتمعها، ولم ترد أن تنسلخ عنه بسبب البعد فكانت تنشر مقالاتها باللغة العربية، كما كانت على تواصل يومي مع أشخاص في سوريا لتعرف ما كل مايجري هناك بالتفصيل. تؤكد سارا أن دراسة السياسة في أميركا ساعدتها جداً على فهم المعنى الحقيقي للعمل السياسي.
“أحلم بسوريا آمنة لا مكان فيها للخوف من النظام أو من الآخر، سوريا تحتضن الجميع على اختلافاتهم، وتساوي فيما بينهم في ظل قوانين عادلة، تحمي وتحترم المرأة، سوريا التي لا تجرم الحديث عن السياسة“.
تقول سارا إن عملها في ترجمة كتاب يوميات سميرة الخليل ساعدها جداً في التأقلم مع المكان الجديد، لأنها شعرت أنها من خلال ترجمة وتوثيق هذه القصص التي عاشها هؤلاء الأشخاص، بما فيها من معاناة يومية من الحصار وغيره، جعلها تشعر بأنها تساهم بإبقاء هذه القصص حية في أذهان الناس، رغم لحظات الإحساس بالذنب التي كانت تنتابها لأنها اختارت مغادرة البلد.
تعتقد سارا أنه لكي نستمر في النضال والدفاع عن قضيتنا علينا ألا ننسى أن عدونا الأول والإرهابي الأول هو نظام الأسد، ويجب محاسبته، واستراد حق الشهيدات والشهداء، والمغيبات/ين، والمهجرات/ين، كما يجب أن نعمل معاً لكتابة تاريخنا الحقيقي للأجيال القادمة، وأن لا ندع النظام وأعوانه يحرفون الحقيقة ويكتبون تاريخاً مزيفاً يشوه ويلغي وجود الثورة.
إضافة لصرختها الأولى للحرية، التي أطلقتها في مدينتها مع بداية الثورة، ومن ثم اختبارها لشعور الانتماء لأبناء بلدها ممن عملت معهم ولأجلهم خلال سنوات وجودها في تركيا، تقول سارا إن أجمل اللحظات التي مرت بها خلال سنوات الثورة كانت لحظة حصولها على موافقة نشر كتاب يوميات سميرة الخليل.
أما أسوأ اللحظات التي مرت بها خلال تلك السنوات، فكانت كتيرة ومنها استشهاد ابن عمها على يد الجيش العربي السوري الذي كان أول شهيد في محافظة السويداء، إضافة إلى أنها كانت كلما تسمع أصوات القصف على جيرانها في درعا، كانت تشعر بالذنب، وبالعجز وبالقهر لعدم قدرتها على فعل أي شيء لأجلهم. كما تضيف أنه من أصعب اللحظات التي عاشتها كانت عندما خرجت أول مظاهرة في مدينة شهبا، وهاجم الشبيحة المتظاهرين الذين ساعدت بعضهم على الاختباء خلف منزلها وفي منزل جيرانها الذي هاجمه الشبيحة بالحجارة حوالي ساعة كاملة، حيث تقول أنها كانت من أطول الساعات التي مرت عليها. بالإضافة لكثير من اللحظات التي لا تزال غير قادرة على التحدث عنها إلى هذا اليوم.
تحلم سارا بسوريا آمنة لا مكان فيها للخوف من النظام أو من الآخر، سوريا تحتضن الجميع على اختلافاتهم، وتساوي فيما بينهم في ظل قوانين عادلة، تحمي وتحترم المرأة، سوريا التي لا تجرم الحديث عن السياسة.
تقول سارا لنساء سوريا: “إنه يجب علينا أن نعمل بجد لنحصل على ما نريد، ويجب على بعض النساء أن تنسى الطريقة التي تربت عليها وأقنعتها بأنها أقل من الرجل، وتتعلم إعادة برمجة ذاتها، لنظرتها إلى ذاتها وإلى النساء الأخريات، لكي تخرج من القوقعة التي أراد لها المجتمع والدين والتقاليد أن تبقى بداخلها. نحن كنساء تجمعنا أفكارنا وإنسانيتنا، وأهدافنا، ويجب أن نبقى يداً واحدة لنحصل على حريتنا، لاشيء يمكن أن يمنعنا من الوصول إلى هدفنا إذا ما أردنا ذلك”.