سوزان خواتمي: أنا مع الثورة منذ لحظتها الأولى، ومع كل صرخة تنادي بالحرية والكرامة

سوزان خواتمي، كاتبة وصحفية من مواليد حلب، عملت في الصحافة الكويتية، مقيمة حالياً في تركيا، وعضوة في الحركة السياسية النسوية السورية.

إضافة إلى عضوية سوزان خواتمي في الحركة السياسية النسوية السورية، فهي عضوة في الهيئة التنفيذية في رابطة الكتاب السوريين، وعضوة في شبكة المرأة السورية، واللوبي النسوي السوري، وملتقى الأدباء السوريين في مرسين.

عاشت سوزان حياتها منذ الثمانينات مغتربة في الكويت، وعلمت في الصحافة كمحررة ثقافية، وكتبت في العديد من الجرائد والمجلات الكويتية، لها خمس مجموعات قصصية ورواية واحدة. في عام 2018 انتقلت إلى تركيا واستقرت في مدينة مرسين.

تقول سوزان: كان يحز في نفسي المقارنة بين دول تخطو نحو التقدم والتطور، وبين سوريا التي تتراجع في معايير التحضر شكلاً ومضموناً. نحن كسوريات/ين عشنا حالة تدجين، فلم يكن يحق لنا التساؤل لماذا تحولت بلادنا إلى مزرعة تخص المسؤولين والمتنفذين؟ لم يكن يحق لنا الاعتراض أو الانتقاد خاصة عندما يتعلق الأمر بالشأن السياسي، فالحيطان لها آذان. تضيف: علاقتي بسوريا علاقة مغترب يزور البلد شوقاً للأهل، وآخر زيارة لي كانت آخر عام 2010، قبل انطلاق الثورة بأشهر.

عن انخراطها في الثورة تقول: كانت بيني وبين السياسة قطيعة، بل ولا أذكر أنني تابعت نشرة إخبارية إلى أن قامت الثورة في تونس ومن ثم في مصر، تسمرت أمام الشاشة أتابع باهتمام تفاصيل المظاهرات والحراك الشعبي للربيع العربي، وكنت أتساءل كيف استطاعوا كسر الطوق والخروج عن طاعة حكامهم، هل هو الحلم الذي يتحقق؟

عندما بدأت تتكشف بوادر الحراك في سوريا كنت في الكويت، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي تابعت خروج أول مظاهرة في دمشق، أدهشتني جرأة المشاركات/ين من الناشطات/ين، وأعرف بعضهن/م، فأنا من جيل تربى على الخوف وتعلمَ الصمت. خشيت قسوة الانتقام- وهو ما حدث بالفعل- فأنا لم أنسَ بعد أحداث الثمانينات ونتائجها في محافظة حماة خاصة. على الرغم من المسافة بيني وبين حراك الشارع السوري تملكني شعور بالقوة والقدرة على مواجهة القبضة الأمنية الحديدية لحزب متسلط، أفلح في نشر فساد نعاني من صوره في كل موقف، وتجهيل ممنهج لشعب يملك إرثاً حضارياً ومقومات لا تضاهى لصنع المستقبل.

أنا مع الثورة منذ لحظتها الأولى، ومع كل صرخة تنادي بالحرية والكرامة، لأنها ثورة حق. في النهاية يزول الحكام وتبقى الشعوب. تضيف سوزان: شاركت في الثورة بما أتقنه، وهو الكتابة عن الثورة والوضع السوري سواء في مقالات الرأي أو في روايتي (ربع وقت) أو حتى في مضامين القصص، وفي عام 2012 عملت مع 9 أشخاص من السوريات/ين والكويتيات/ين على تأسيس فريق “بيت الياسمين” التطوعي. كنا نبيع المونة السورية في الأسواق الخيرية، ونقدم المساعدات للاجئات/ين في المخيمات، ثم تحولنا في عام 2015 إلى دعم التعليم حيث نجحنا بافتتاح مدرستين في مخيمات القادرية في البقاع الغربي في لبنان. المشروع يخدم حتى (الأزمة الاقتصادية في لبنان وتوقف التحويلات المصرفية) 341 طالبةً وطالباً في مرحلة التعليم الأساسي، ويقدم فرص عمل للمدرسات/ين المتواجدات/ين في مخيمات اللجوء.

حول حياتها في تركيا تقول سوزان: أنا وعائلتي في طور التأقلم مع حياتنا الجديدة ومحاولة تعلم لغة جديدة، وهذا ليس بالأمر السهل، إلا أن الأصعب هو شعوري بالفقدان والخسارة المعنوية، أشعر كما لو أنني خسرت إيماني بالمعنى الحقيقي للوطن، فسوريا التي يحكمها بشار الأسد وحزب البعث الأوحد ليست وطناً، ناهيك عن خسارات السوريات/ين اليومية بالأرواح والمعاناة المستمرة مع الفقر والتهجير وفقدان الأمان.

 

’’إن كانت السوريات قد تعرضن للتهميش في سنوات حكم آل الأسد؛ فالسبب ليس لضعف إمكانياتهن، بل لأن عموم السوريات والسوريين تم إسكاتهن/م وتغييب حقوقهن/م بطريقة ممنهجة ودستورية، وجاءت الأعراف الاجتماعية وسلطة المجتمع الذكوري لتضع قيوداً مضاعفة على النساء.‘‘

 

عن بدايات اهتمامها بالعمل السياسي تقول سوزان: من متابعتي للأحداث التي شهدتها سوريا منذ الـ 2011، تولد لدي اهتمام بالانخراط بالشأن العام بطريقة ما، وكان ذلك عبر الانضمام لتجمعات وحركات ناشطة تدعم الحراك ضد النظام السوري، وتعمل على بناء سوريا العظيمة كما وصفتها الراحلة مي اسكاف.

انضمت سوزان إلى الحركة السياسية النسوية السورية لقناعتها بأهمية إنصاف المرأة وتوضيح دورها النضالي خلال الثورة، لأن الحركة تهدف إلى تعزيز المشاركة السياسية للمرأة، ولكونها مؤمنة أن التنظير والتعاطف وحدهما لا يكفيان لإحداث التغيير، لذا على النساء الانخراط بأجسام سياسية والمشاركة في صنع القرار. تقول سوزان: إن كانت السوريات قد تعرضن للتهميش في سنوات حكم آل الأسد؛ فالسبب ليس لضعف إمكانياتهن، بل لأن عموم السوريات والسوريين تم إسكاتهن/م وتغييب حقوقهن/م بطريقة ممنهجة ودستورية، وجاءت الأعراف الاجتماعية وسلطة المجتمع الذكوري لتضع قيوداً مضاعفة على النساء.

تعتبر سوزان أن أبرز التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا هي انعدام وجود المناخ المناسب والآمن، والدور الصوري الذي تلعبه الأحزاب الموجودة والمنضوية تحت سلطة الدولة القمعية، إضافة إلى ذلك، تفتقد سوريا إلى مبدأ المساءلة والمحاسبة، إن كان ضمن صفوف الأحزاب أو في مجلس الشعب أو أي تشكيل سياسي آخر، وانعكست قلة الخبرة والممارسة السياسية السليمة على أداء معظم الأجسام المعارضة للنظام.

أما فيما يخص التحديات التي تواجه النساء في العمل السياسي في سوريا تقول سوزان: لطالما كانت المرأة موضع تشكيك عندما يتعلق الأمر بالسياسة، وغالباً ما يتم اشراكها كتواجد صوري. إذا افترضنا جدلاً أن النساء لم تقمن بأدوار سياسية حقيقية تذكر في السابق، فهذا بسبب التهميش المستمر لهن ومحاولات قمعهن بشتى الطرق، حتى من يدعون أنهم أنصار المرأة، لا يطبقون ذلك فعلياً على صناديق الاقتراع أو عند اختيار ممثلين وممثلات لهم في أي نشاط سياسي. تضيف سوزان: تأطرت أدوار المرأة النمطية ضمن نطاق رعاية الأسرة والإنجاب، واقتصرت تصورات عطائها على كونها زوجة وأم، هذا التحجيم نكص بتاريخ نضالها منذ الاستقلال عن فرنسا وجهود حركات التنوير والجمعيات والمنظمات النسوية التي عملت على نيل حقوق السوريات في التعلم والعمل والمساواة والمشاركة، قبل أن يحتكرها الاتحاد النسائي الذي اقتصر نشاطه على التصفيق والتطبيل ودورات الخياطة وتصفيف الشعر منذ تأسيسه وحتى قرار حله عام 2017. الثورة السورية في تمثيلاتها النسوية تسعى كي تصبح المرأة السورية جزءاً فاعلاً في المجتمع بضمان حقوقها في المواطنة والمساواة، وليس في ذلك منّة، لأنها قادرة على تحقيق النجاح في شتى المجالات.

 

’’نحن بحاجة لخلق لغة حوار بيننا، لم نعد كما في السابق ضمن اصطفافين كمعارض ومؤيد فقط، لأننا جميعاً بيادق لدول مستفيدة وأجندات مختلفة، وكلها تعمل عكس مصالحنا ورغباتنا.‘‘

 

تؤمن سوزان أن السبيل الوحيد لتصحيح مسار الثورة هو فك ارتهان الأطراف السورية لدول كتركيا وإيران وروسيا وغيرها، إذ لم تثبت هذه الدول حتى اللحظة إلا اكتراثها بمصالحها على حساب دماء السوريات والسوريين. وتضيف: نحن بحاجة لخلق لغة حوار بيننا، لم نعد كما في السابق ضمن اصطفافين كمعارض ومؤيد فقط، لأننا جميعاً بيادق لدول مستفيدة وأجندات مختلفة، وكلها تعمل عكس مصالحنا ورغباتنا.

عند سؤال سوزان عن الأمور التي تعطيها الدافع لمواصلة العمل في الشأن العام، تجيب قائلةً: أواجه نفسي في أشد لحظات اليأس وأقول إن لم يكن هناك أمل سأخترعه بنفسي، إيماني حقيقي بأن التغيير القادم لا يقتصر فقط على الخلاص من نظام شرس وأرعن، بل يشمل أيضاً مجموعة تحولات قيّمية وفكرية وأخلاقية في المجتمع، فإن لم يشهد جيلي هذا التحول، فهو للأجيال القادمة من كل بد.

تستذكر سوزان بعض المواقف الإيجابية المحفورة في ذاكرتها من السنوات التسع الأخيرة، وتقول: لحظة إسقاط تمثال حافظ الأسد في حمص وجموع الناس حاضرة تهتف للحرية، وتردد الأغاني الثورية. كانت الأصوات تخرج من حناجرهم وتسكن روحي. هي لحظة تاريخية فارقة بالنسبة لي. بينما تعتبر سوزان أن ألم كل أم سورية غيب الموت أو السجن أو الاختفاء القسري ابناً أو ابنة أو فرداً من العائلة هو ألمها.

تحلم سوزان بسوريا حرة، ديمقراطية، تعددية، دولة يحكمها القانون ويتساوى الجميع أمامه، دولة يعيش فيها الإنسان كريماً عزيزاً، وتعلي من شأن المرأة السورية وتخلصها من جملة أحكام وقوانين تمييزية لتكون نداً يشارك في تأسيس المعنى الحقيقي للوطن.

لنساء سوريا تقول سوزان: نحن قوة لا يستهان بها، وطاقة مهدورة، بجهودنا مع بعضنا البعض نشكل حضوراً فاعلاً في شتى المجالات، السياسية، الاقتصادية، العلمية، وغيرها. من واجبنا تكوين مجموعات ضاغطة للخروج من الدائرة الذكورية التي طالما حوصرنا بها.