فيروس كورونا: مخاوف من مأساة جديدة تترصد المعتقلات/ين السوريات/ين

*غيداء عساف

هلع كوني، رعب مؤقت من روتين يومي في معتقلات وسجون الأسد

أمام نوبات الهلع العالمية إزاء تفشي وباء كورونا والإجراءات القصوى التي تتخذها مئات الدول حول العالم للحد من انتشاره، ت/يجد السوريات/ون أنفسهن/م أمام قلق من نوع آخر مرتبط بالدرجة الأولى بالكشف عن مصير آلاف معتقلات/ي الرأي والمغيبات/ين قسرياً في سجون النظام السوري السرية والمعلنة وأوضاعهن/م الصحية، سيما أن ما يزيد عن مليون ومئتي ألف سوري قد اختبر تجربة الاعتقال خلال الأعوام الماضية، ووجود ما يقارب 147 ألف شخص لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري وفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

عبرت منظمات حقوقية وإنسانية وناشطون مهتمون بحقوق الإنسان خلال الأيام القليلة الماضية عن قلقها حول مصير آلاف المعتقلات/ين المحتجزات/ين في سجون مكتظة، رطبة وقذرة ويخضعون لظروف غير إنسانية وإهمال صحي متعمد.

شددت اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات على مطالبتها المجتمع الدولي، منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر للضغط على النظامالسوري للكشف عن مصير المعتقلات/ين والكشف عن أماكن احتجازهن/م والسماح لمنظمات حقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول إليهن/م.

إن الظروف غير الإنسانية والمرعبة التي يخضع لها المعتقلات/ون ليست بالجديدة، والمخاوف من انتشار وباء الكورونا لا تنفي حقيقة أن المرض الذي يرهب العالم اليوم ما هو إلا رقم على قائمة الأوبئة والأمراض التي سبق أن وردت في الكثير من الشهادات والتقارير، حيث ذكر السيد “مروان العش” أمين سر اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات عبر شاشة تلفزيون “أورينت” أن الأوضاع الصحية في السجون السورية لطالما كانت كارثية، وكمثال من الماضي القريب عام 2012، إذ ورد للجنة تقارير حول تفشي الطاعون في فرع 227 في عام 2012 ما أدى لصدور أمر بإعدام 70 شاباً معتقلاً.

سياسة الإنكار التاريخية

ينكر النظام السوري وجود أي حالات إصابة مؤكدة بفيروس “كورونا”، ولم يقدم أية معلومات عن انتشار المرض في البلاد حتى الآن. في الوقت ذاته، أعلنت السلطات الباكستانية عن 14حالة مؤكدة لفيروس كورونا، 8 منها لمواطنين عائدين من سوريا وفق تصريحات السيد “مراد علي شاه” رئيس وزراء إقليم السند الباكستاني.

منظمة الصحة العالمية صنفت فيروس كورونا كوباء في 11 آذار 2020، مشيرة إلى تفشي المرض في أكثر من 110 دولة وإصابة حوالي 118,000 شخص ومخاوف من انتشاره عالمياً بشكل أوسع.

الدولة الأمنية

يستحق التصريح الأول والوحيد لوزير الصحة السوري الوقوف والتأمل، حيث وجه رسالة للسوريات/ين قائلاً “الجيش العربي السوري طهر بالفعل الكثير من الجراثيم الموجودة على الأرض السورية” في إشارة للتقدم الذي أحرزته قوات النظام السوري المدعومة بالميليشيات الإيرانية وسلاح الجو الروسي شمال سوريا خلال الأشهر الماضية، والتي خلفت أكثر من 900 ألف مهجر من المدنيات/ين.

تصريح يعيد للأذهان صورة البلاد المموهة عسكرياً، الدولة الأمنية القابضة على كل مفاصل الحياة المدنية، بلاد “الأب المؤسس”، بلاد الحزب الواحد والحاكم الواحد، الذي قوض واختزل الحياة المدنية السورية بكل أشكالها إلى خطابات عسكرية بلاغية تفتقر للمرونة، وتعكس عجزاً كاملاً في الخروج عن الهوس الأمني لتناول أية مستجدات عالمية استرعت اهتمام وتجاوب كل حكومات العالم.

“يذكر أن السلطات السورية قد نفذت عبر أجهزتها الأمنية حملات اعتقالات تعسفية وإخفاء قسري للمعتقلات/ين وتعذيبهن/م أثناء اعتقالهن/م طوال عقود. إذ يتحمل نظام حكم حافظ الأسد مسؤولية عن آلاف المختفين قسرياً ويقدر عددهم بـ17000 مختفي قسرياً في سوريا في الفترة ما بين عامي 1980 و2000”. وفق تقرير “هيومن رايتس ووتش” 16 تموز 2010.

تبنى النظام السوري العديد من الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، بما في ذلك تعليق الدوام في الجامعات والمدارس وخفض عدد العاملين في مؤسسات القطاع العام. في الوقت ذاته، واصل سياسات القمع وتكميم الأفواه في مواجهة حقيقية للمخاوف الصحية التي عبر عنها أي من العاملات/ين الصحيات/ين السوريات/ين أو الجمعيات المدنية أو الإنسانية العاملة في سوريا.

لا يمكن التغاضي في قراءة السياسات الأمنية والإنكارية للنظام السوري حول أزمة صحية عالمية كتفشي وباء كورونا عن مطابقتها للسياسات الأمنية التي يتبناها هذا النظام في حروبه الداخلية والخارجية التي تستهدف وجوده، لذا لم يكن مستغرباً وفاء النظام السوري لسياساته في الإنكار والنفي والتجاهل وانعدام الشفافية التي ميزته منذ نشأته، وابتزاز السوريات/ين بأمنهن/م وسلامتهن/م كما فعل طوال السنوات الماضية من جهة، وميله لتصدير أزماته لدول الجوار والعالم، وكان آخرها حالات الكورونا التي أعلنتها باكستان قادمة من سوريا، السياسات التي تجعله ليس فقط عدواً للسوريات/ين إنما عدواً للعالم كله من جهة أخرى.

قانون قيصر

أقرت الولايات المتحدة في أواخر عام 2019 مشروع قانون يفرض عقوبات على النظام السوري كجزء من ميزانية الدفاع لعام 2020.

يجيز مشروع قانون قيصر لحماية المدنيات/ين السوريات/ين لعام 2019 فرض عقوبات إضافية وقيود مالية على المؤسسات والأفراد الذين يتعاملون مع النظام السوري.

جاء اسم القانون نسبة للاسم المستعار لعسكري سوري، سرب 55 ألف صورة لـ 11000 ضحية تعرضوا للتعذيب بشكل منهجي حتى الموت في حجز السلطات السورية منذ 2011.

في تقرير صدر في كانون الأول 2015، وجدت مجموعة المراقبة الدولية “هيومن رايتس ووتش” أن “هذه الصور أصلية ولخصت بأسباب الوفاة الأكثر شيوعًا كعدوى معوية، تتضمن إسهالًا حادًا وجفافًا. الأمراض الجلدية المعدية؛ تعذيب؛ الاضطراب العقلي الذي دفع المعتقلات/ين إلى رفض الأكل والشرب؛ والأمراض المزمنة التي لم يتلق المعتقلات/ون الأدوية أو العلاج اللازم لها.

المسلخ البشري

يمكن الرجوع هنا لمئات الشهادات الموثقة التي قدمتها/قدمها المئات من المعتقلات/ين السابقات/ين والشهود ومسؤولي السجون، والتي أسهبت جميعها بنقل الفظائع المروعة التي ارتكبها النظام السوري ضد المعتقلات/ين.

نشرت منظمة العفو الدولية في عام 2016 تقريرها “المسلخ البشري” عن الإبادة الجماعية في سجن “صيدنايا“. رسم التقرير المؤلف من 48 صفحة صورة مرعبة عن معاناة المعتقلات/ين اليومية داخل هذا السجن المعروف. وفي سياق التحقيق، قابلت المنظمة 31 رجلاً كانوا معتقلين في صيدنايا، ومسؤولي السجون، والقضاة والمحامين والأطباء الذين عملوا في مستشفى تشرين العسكري، وخبراء دوليين وأفراد عائلات الأشخاص الذين كانوا أو ما زالوا محتجزين في صيدنايا.

نقتبس هنا جزءاً من التقرير يتناول الأوضاع الصحية للمعتقلات/ين:

“كما حرم المعتقلون من مرافق الاستحمام والصرف الصحي، مما أدى إلى انتشار العدوى والأمراض مثل الجرب. كما أوضح “سمير” وأكمل شهادته قائلاً: “جميعنا تقريبًا مصاب بالجرب والقمل والإسهال. لا يمكنك حتى أن تلمس نفسك لأنك قد تصيب نفسك بالعدوى.”

دياب، ناشط حقوقي من دمشق، وصف تجربته: “كان الجرب هو المشكلة الأكبر، لقد غطت القروح الحمراء أجسادنا بالكامل…، إذا أصبت بهذه القروح في مؤخرتك، لن تتمكن من الجلوس حتى، حيث أن هذهالقروح الممتلئة بالقيح ستنفجر وتترك حفرة مكانها الذي لا يمكنك التخلص منه.استغرق الأمر مني عامين بعد إطلاق سراحي للتخلص من هذه الحفر”.

وصف أنس، مزارع من شمال سوريا، الإصابات التي مر بها هو وزملاؤه في صيدنايا: “رائحة فظيعة من المرحاض. ولكن كانت أفضل من الرائحة القادمة من الأشخاص المصابينبالجرب. تعرض زميلي في الزنزانة للضرب على أصابع قدميه وأصيب ببعض الجروح جراء ذلك في أصابع قدميه وساقه. أصبحت الجروح سوداء – أصيب بالغرغرينا. الرواق كله يمكن أن يشمه. توقف الحراس عن القدوم بسبب الرائحة. لم يستطع الطبيب حتى النظر إليه، قال إنه يجب بتر الساقين…، مات أمام عيني في يوم 17 نيسان 2014”.

أفاد محتجزون سابقون بأن الظروف التي احتجزوا فيها كانت غير صحية لدرجة أن الحراس والأطباء كانوا يرتدون ملابس واقية أو أقنعة. وفقًا لـ”عدنان”: “كان الحراس عادة يرتدون أقنعة جراحية على أفواههم حتى لا يمرضوا”. وأكد حارس سابق في صيدنايا هذه الممارسة، قائلاً: “كان الحراس يرتدون أقنعة جراحية لوقايتهم من الأمراض. يمكن أن تصاب بأمراض رهيبة من السجناء”. “مسلخ بشري” تقرير منظمة العفو الدولية، 2016.

من الجدير بالذكر أن سجن صيدنايا هو واحد من قائمة تطول من سجون النظام السوري السرية منها والمعلنة والتي لم يسمح بزيارتها وتفتيشها من قبل منظمات محلية ودولية مستقلة، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر. الأمر الذي يفسح المجال لنظام الأسد لتحويل مراكز الاعتقال هذه إلى مقابر جماعية لآلاف المدنيات/ين، غالبيتهم من المعارضين السلميين للنظام مثل المتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين؛ والصحفيين والأطباء الذين يعالجون المتظاهرين وعائلات المطلوبين.

يأمل الناشطون أن يستفيد النظام السوري من سياسة حليفه النظام الإيراني، حيث أفرج الأخير مؤقتًا عن عشرات الآلاف من السجناء في الأسابيع الأخيرة في محاولة لوقف تفشي وباء كورونا.

وأخيراً، طالب النشطاء النظام السوري بالإفراج الفوري عن سجلات المعتقلات/ين وأماكن وجودهن/م وأحوالهن/م الصحية. كما دعا المجتمع الدولي إلى النظر في هذه القضية ووضعها على قائمة أولوياته، ومحاسبة النظام السوري على أي مضاعفات صحية أخرى يمكن أن تؤدي إلى وفيات جماعية، واعتبار أي تأخير في ذلك محاولة متعمدة وصريحة من النظام لتصفية معارضيه.