نيفين الحوتري، الثورة لم تنته بعد

  

درست نيفين معهد إدارة أعمال، وعملت كمديرة مشاريع لفترة 11 عاماً. بعد انطلاق الثورة في سوريا عام 2011، بدأ اهتمامها ينصب على قضايا المرأة وسبل دعمها. تقول نيفين: بعد انطلاق الثورة أصبحت الحاجة ملحة للكوادر التدريسية، لذا عملت فترة في التدريس، بعدها شاركت بالعمل على تقييم احتياجات النساء، وهنا قررت أن أتفرغ للعمل المتعلق بالنساء، وأشغل حالياً منصب رئيسة مجلس إدارة “وحدة دعم وتمكين المرأة”.

تهجرت نيفين مع معظم أهالي الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، عام 2018، وتقيم حالياً في مدينة أعزاز، في هذا الصدد تقول: من الصعب وصف علاقتي بمكان اقتُلعت منه، فالنزوح أرحم من التهجير القسري، لأن الأول يعتبر اختيارياً نوعاً ما. تتابع: الغوطة هي شبابي وبيتي وانتمائي، في الغوطة كنت أشعر بالأمان رغم القصف، بعد خروجي منها لم أشعر بالانتماء، لأن روحي بقيت ورائي هناك. أما سوريا فهي الوطن الذي نتمسك به رغم الوجع الذي يسببه لنا. أنا من مواليد 1979، عاصرت أحداث حماة في الـثمانينات وفترة حكم حافظ الأسد، وعايشت الثورة في ظل حكم بشار الأسد، وبالرغم من كل ما ذكرت تبقى سوريا هي الوطن بالنسبة لي.

أثّر انطلاق الثورات في بلدان من المنطقة، كتونس ومصر، في نفس نيفين وكحال الكثير من السوريات والسوريين فكرت في بلدها المفتقد للحرية والديمقراطية، تقول: منذ البداية اخترت الثورة وانخرطت في صفوفها، وأيقنت أن المطالب يجب ألا تقتصر على الإصلاحات إنما يجب إسقاط النظام في سوريا، هذا النظام هو امتداد لإرهاب الأسد الأب لذلك كانت الثورة عليه حاجة لا خيار. تتابع نيفين: ضيق النظام الخناق على الغوطة باكراً وراهن على قدرة تحمل أهلها، وهنا قررت الانخراط في نشاطات لدعم الحياة المدنية كي لا تفقد المدينة مظاهر الحياة اليومية ويتسلل الإحباط إلى نفوس السكان. ركزت جهودي هنا في التدريس ومساعدة زوجي الطبيب في عيادته.

 

“يوم التهجير كان قاسياً جداً، اجتمعت الأهالي في ذهول تنظر في وجوه بعضها.”

 

تطلق نيفين على الفترة التي عاشتها في الغوطة بداية عام 2018، اسم “حياة الأقبية”، شهدت المنطقة في هذه الفترة شللاً عاماً وتوقفت سبل الحياة إثر الهجمة الشرسة للنظام على المنطقة واستهداف مفاصلها الحيوية. أدلت نيفين وقتها بشهادة لمجلس الأمن ولخصت مرارة سبع سنوات ذاقتها الغوطة الشرقية خلال سبع دقائق. تقول: قلت في شهادتي إن التهجير جريمة وهو عقاب لنا على ذنب لم نرتكبه، أكدت لهم على رفضنا للتهجير إلا أن القرار الدولي اتّخذ واختير لنا التهجير. 

تصف نيفين مشاعرها وقت التهجير تقول: كان لدي خياران إما البقاء في الغوطة وعند أول دخول للنظام سيتم اعتقالي، خاصة بعد شهادتي في مجلس الأمن، أو القبول بالتهجير وهذا ما حدث. عندما صدر القرار بتهجيرنا لم يكن لدينا أدنى فكرة عن رحلة التهجير هذه، لم يكن هناك ضمانات بعدم تعرض أي طرف
للقوافل. تتابع: يوم التهجير كان قاسياً جداً، اجتمعت الأهالي في ذهول تنظر في وجوه بعضها. استغرقت الرحلة 27 ساعة واختبرنا خلالها مواقف صعبة انتهت بإصابة طفل ووفاته خلال مرور القافلة بمنطقة موالية للنظام وتعرض بعض الشبيحة لها. 

بقيت نيفين في مدينة إدلب لمدة شهر قبل انتقالها لأعزاز في ريف حلب، ورغم صعوبة رحلة التهجير والتعب النفسي الذي يحمله المهجرات والمهجرون إلا أن حفاوة أهالي إدلب وكرمهم أنستهم المشقة، وفق وصفها. 


بالعودة لنشاط نيفين المدني والسياسي، تقول لا أدعي أنني ملمة بالسياسية بالشكل الكافي فنحن لدينا أمية سياسية باعتبارها من المحرمات في بلدنا، إلا أنني بدأت بفهم السياسة من الحياة الاجتماعية حولي، فمثلاً، تغييب النساء عن أماكن صنع القرار، ومواد الدستور المجحفة بحقهن حيث لا يمكن للأم السورية منح جنسيتها
لمولودها أو مولودتها، هذه سياسة مستقاة من واقعنا، ومن واجبنا أن نتفهم السياسية ونتعمق بها كي نكون جزءاً من المستقبل لسوريا ونشارك في بلورته. تعطي نيفين مثالاً عن انتخابات المجالس المحلية في ريف دمشق، حيث تم تخصيص صناديق اقتراع للنساء وعشن تجربة الانتخاب واختيار القائمة التي يرينها الأفضل. تلفت نيفين إلى أن التهجير لم يمنع نساء الغوطة من استكمال نشاطهن السياسي حيث وحدن جهودهن مع نساء متعطشات للانخراط بالعمل السياسي في الشمال، وأحد أهداف “وحدة دعم وتمكين المرأة” التي تتولى نيفين رئاسة مجلس إدارتها هو إعداد المرأة للانخراط في الحياة السياسية.


عن التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا تقول نيفين: من أبرز التحديات غياب القرار المحلي، فالعملية السياسية تسير في طريق محفوف بالمصاعب، والمصالح الدولية المتضاربة، إضافة إلى الأمية السياسية وتخوف الكثيرات/ين من الخوض في غمار السياسية، فالسياسة في سوريا كانت مقترنة بحزب البعث فالشخص السياسي هو شخص حزبي بالضرورة، وهذه نتيجة لرزوح سوريا تحت حكم نظام الأسد لأكثر من أربعة عقود. 

أما عن التحديات التي تواجه المرأة في العمل السياسي، تقول نيفين: لدينا تحديات بعضها مشتركة مع الرجل، وبعضها تواجه النساء فقط، فالنساء مثلاً تتم محاربتهن بشخوصهن وحياتهن الشخصية، وفي مجتمع مثل مجتمعنا لابد أن تتردد المرأة قبل وضع نفسها تحت الأضواء، فالتشهير في مجتمعنا أخطر على المرأة منه على الرجل. وتضيف: تقف الشهادات والخبرات السابقة عائقاً في وجه الكثيرات من الراغبات بالترشح لبعض المناصب والوظائف المتعلقة بالعمل السياسي، ومن أين لمعظمهن أن يثبتن خبرة سابقة في بلد يعيش قمعاً سياسياً لكافة شرائحه، واجتماعياً في كثير من المناطق.


عن الحركة السياسية النسوية السورية تقول نيفين: سمعت عن نشاط الحركة وسعيها لإيصال صوتنا نحن المحاصرات والمحاصرون، ومحاولاتها لمنع عمليات التهجير، ومعرفتي بعضوات في الحركة وثقتي بهن، كل هذا جعلني أرغب بالانتساب لها. تضيف: عضوات وأعضاء الحركة عبارة عن خليط من كل سوريا وهن/م فاعلات/ون على مستوى الحركة وخارجها، كل يوظف طاقاته وخبراته لدعم الوجود النسوي، وبتصوري ما ستنجزه الحركة لسوريا
المستقبل سيكون شبيهاً بنا جميعاً، وشاملاً لكل السوريات والسوريين.

 

“كل ما يتعلق بالظلم والاستبداد يترك أثراً عميقاً في الذاكرة، فتهجيري من بيتي الذي احتضنني، وكان حصني الداخلي، هو من أسوأ التجارب، وهذه التجربة غيرت في شخصيتي.”

 

 

تعتبر نيفين أن المراجعات الثورية هي أساس في تصحيح مسار الثورة، فالثورة لم تنتهِ، الثورة فكر وبحاجة إلى إعادة بلورة، ويمكن أن يكون للحركة دوراً في هذا
التصحيح، فالسوريات والسوريون بحاجة أن يجتمعن/وا ويتواصلن/وا ويعملن/وا للبناء معاً، وإلا فسوريا متجهة لمستقبل غامض.

تستمد نيفين الدافع لمواصلة العمل الثوري من كمية الانكسارات والخسارات التي شهدتها السوريات والسوريون، تقول: لو كنا شهدنا انتصارات في الثورة لكنت توقفت عن نشاطي، لكن إذا أنا توقفت، وغيري توقف، سنترك رسم ملامح مستقبلنا في أيدي مجهولة، ولا يهمها صالحنا وصالح بلدنا.

أكثر ما يسعد نيفين ويعطيها شعوراً بالنجاح هو رؤية نساء فاعلات في المجتمع، خاصة أنها تعاملت خلال عملها مع نساء وساهمت في دعمهن وتمكينهن، ومن هؤلاء النساء من كن مغيبات تماماً وملازمات للمنازل، إلا أنهن بعد تجربة كسر الصورة النمطية للنساء، أدركن أهمية أدوارهن وتشجعن على الدراسة والعمل والنشاط المدني والسياسي. بالمقابل تبقى تجربة التهجير هي الأقسى خلال السنوات التسع الماضية، تقول نيفين: كل ما يتعلق بالظلم والاستبداد يترك أثراً عميقاً في الذاكرة، فتهجيري من بيتي الذي احتضنني، وكان حصني الداخلي، هو من أسوأ التجارب، وهذه التجربة غيرت في شخصيتي.

عن سوريا التي تحلم بها تقول: أحلم بسوريا تضمن لي حريتي وحرية الآخرين، وأن يكون الشخص الذي يمثلني في الرئاسة أو البرلمان ضامناً/ضامنة
لحقوقي، وأن تكون سوريا عادلة لا يقصى فيها أحد.

لنساء سوريا تقول نيفين: باستطاعتنا صناعة أدوار وقرارات حقيقية تشبهنا، لكل منا دور اختارته لنفسها، عليها تأديته سواء في السياسة أو غيرها، لكل منا صوتها الخاص، لا صوت ينوب عنه، نحن شريكات في هذا المجتمع لنا حقوق وعلينا واجبات، إن حُجمت أدوارنا يعني أن نصف المجتمع معطل، ونحن الآن نعيش في بلد تدمرت بنيته التحتية ومقوماته، وبحاجة لكل فرد فيه للنهوض به مجدداً.