يقين بيدو، أصواتنا قادرة على التغيير

عرفت يقين بيدو باسم ميرنا الحسن، وأصبح الاسم المتداول إعلامياً والتي تعرف نفسها به، ولدت في مدينة إدلب، درست علم الاجتماع لمدة أربع سنوات في جامعة تشرين في اللاذقية، إلا أنها لم تحصل على الشهادة نظراً للظروف التي شهدتها محافظة إدلب بعد اندلاع الثورة عام 2011. تقول ميرنا: حاولت الاستمرار في الدراسة افتراضياً وسجلت في جامعة “رشد” فرع إدراة المؤسسات الحكومية، إلا أنني واجهت مشاكل تقنية ولم استستغ تجربة التعلم عن بعد، إضافة إلى انشغالي بالعمل الإعلامي الذي كنت قد بدأته، كل ذلك حال دون متابعتي للدراسة. تتابع ميرنا: انصب اهتمامي بعدها على العمل الإعلامي، بدأت بالصحافة المكتوبة ثم انتقلت للعمل الإذاعي وبعدها للصحافة المرئية، كمراسلة لتلفزيون “أورينت”.

تصف ميرنا علاقتها بانطلاقة الثورة السورية بالمرحلة الحياتية الجديدة، فبالرغم من أن الأوضاع في سوريا حرمت ميرنا من تحقيق حلمها في متابعة دراستها العليا في علم الاجتماع الإعلامي، إلا أنها عملت بنفسها على صقل معرفتها الإعلامية لتكون صوت مدينتها ضد آلة القتل والقمع التي سلطها النظام على إدلب.

عن علاقتها بمدينتها إدلب تقول ميرنا: كانت إدلب تعتبر مدينة منسية ومهمشة مقارنة بمحافظات أخرى كدمشق واللاذقية، إلا أنها بمثابة الهواء الذي يبقيني على قيد الحياة، تضيف: حاولت خلال سنوات دراستي أن أوسع دائرة معارفي وألتقي بأشخاص من باقي المحافظات وأعمق انتمائي لسوريا عموماً.

بالعودة إلى عام 2011 وبداية انطلاق شرارة الثورة السورية تقول ميرنا: في البداية كنت أراقب المتظاهرات/ين وأحاول فهم تاريخ السوريات/ين مع النظام وكيف عانى هذا الشعب لعقود من سلطة الديكتاتور، بدأت أشعر بالانتماء لهؤلاء وبالتنسيق مع صديقاتي صرنا نشارك بالاعتصامات والمظاهرات، حتى في اللاذقية كنا نحاول دعم النساء والرجال الذين يخرجون بمظاهرات طيارة ضد النظام. وكلما ازداد بطش النظام كلما أصرت ميرنا على الخروج ضده كاشفة عن وجهها ومتحدية القمع.

لاحقت تهمة “إرهابيين” عائلة ميرنا، وعموم أهالي محافظة إدلب وهذا ما جعلهم هدفاً في مرمى نيران ورصاص النظام، خسروا بيوتهم وأملاكهم وفقد الكثيرون
حياتهم، إلا أن تحرير إدلب عام 2015، كان بمثابة انتصار لكل سوري حر كما تقول ميرنا.


على الصعيد الشخصي ازداد إصرار ميرنا على أن تكون صوتاً إعلامياً مؤثراً، خاصة أن هذا المجال مسيطر عليه من قبل الذكور، تقول ميرنا: أردت أن أكسر الصورة النمطية عن النساء وأثبت أننا قادرات على خدمة قضيتنا سواء كنا متعلمات أم لا، وبغض النظر عن خلفياتنا واختلافاتنا، تضيف: استطعت من خلال عملي أن أكون حافزاً لنساء أخريات ليدخلوا مجال الإعلام، وساهمت بتغيير نظرة المجتمع للمرأة العاملة في شتى المجالات.

 

“الأداء السياسي بدون تمثيل نسائي عادل هو أداء منقوص، ونتاجه سيكون حتماً منقوصاً.

 


بدأ اهتمام ميرنا بالعمل السياسي بالتزامن مع دراستها لعلم الاجتماع وعملها بالصحافة، ففضولها للإحاطة بكافة جوانب الحياة من حولها دفعها للبحث في الواقع  السياسي في سوريا، واليوم أصبحت السياسية واقعاً يومياً معاشاً يحتاج للمتابعة والتحليل لاستقراء مسار الأمور وفهم المتغيرات على الساحتين السورية والدولية وتأثيرها على السوريات/ين.

عن التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا تقول ميرنا: لطالما كان تهميش غالبية السوريات/ين عن المشاركة السياسية من أكبر العوائق في تطور العمل السياسي، فمعظم الشخصيات أو الكيانات التي حاولت سابقاً الخوض في غمار السياسية بغية التغيير، انتهت في السجون أو المنافي، حتى في الوقت الراهن مع المحاولات الحثيثة لفهم الواقع السياسي السوري، يبقى هنالك ثغرة تتعلق بالإقصاء عن المشاركة السياسية التي عاشها الشعب السوري لعقود.


أما بخصوص التحديات التي تواجه المرأة السورية في العمل السياسي تعتبر ميرنا أن أولها هي التحديات المجتمعية المتمثلة بالعادات والتقاليد والنظرة الدونية للمرأة، فالنساء موضوعات في قوالب محددة من حيث العمل، وفور خروج إحداهن من القالب ومحاولة انخراطها بالمجالات المحصورة بالذكور، كالسياسة، تصطدم بالمجتمع الرافض لها. تضيف ميرنا: حتى النساء اللواتي أصبحن عضوات في مجلس الشعب السوري أو بعض الوزارات، كان وجودهن شكلياً لتحقيق شرط تواجد العنصر
النسائي، لكنهن لسن صانعات قرار.

 

“وجود جسم سياسي نسوي سوري يضم هذا العدد من النساء، من المقيمات داخل سوريا أو خارجها، هو بحد ذاته إنجاز كبير، وخطوة لاستعادة المرأة لمكانتها السياسية.”

عن انضمامها للحركة السياسية النسوية السورية تقول ميرنا: أصبحت عضواً في الحركة عام 2019، بعد مشاركتي بعدة ندوات سياسية وتفاعلي مع سوريات وسوريين عاملات/ين أو ناشطات/ين في المجال السياسي، وكسورية مقيمة داخل سوريا أعي حاجتنا لإيصال أصواتنا بأنفسنا وليس عبر ممثلات وممثلين عنا، ووجودي ضمن
جسم سياسي من شأنه أن يلعب دوراً في تحقيق ذلك، أو على الأقل يعزز أهمية وجود أصوات نسائية من داخل سوريا في الأجسام السياسية، وأن لا نكرس فكرة التحدث
بالنيابة عن مجموعة من الأشخاص طالما هن/م قادرات/ين على تمثيل أنفسهن/م وتوصيف أوضاعهن/م.
 


من وجهة نظر ميرنا أن وجود جسم سياسي نسوي سوري يضم هذا العدد من النساء، من المقيمات داخل سوريا أو خارجها، هو بحد ذاته إنجاز كبير، وخطوة لاستعادة المرأة لمكانتها السياسية. تقول ميرنا: الأداء السياسي بدون تمثيل نسائي عادل هو أداء منقوص، ونتاجه سيكون حتماً منقوصاً. تضيف ميرنا: لتجاوز العقبات التي واجهتنا في السنوات التسع الفائتة لابد لنا أن نتوقف عند أخطائنا والتعلم منها، نحتاج لإعادة بناء الثقة ببعضنا البعض كأفراد، وبالعمل السياسي والهدف الذي خرجت الثورة من أجله.

تقول ميرنا: من المهم في المرحلة القادمة أن لا ننسى التضحيات التي قدمت، وأن نذكر بعضنا بالشهيدات والشهداء الذين سقطوا خلال الثورة، وبالمعتقلات والمعتقلين، وبكل من دفع ثمن مطالبته بالحرية، كما لابد من استعادة صوتنا السلمي والتسلح بكلمتنا في وجه آلات القتل بمختلف أشكالها.

من المواقف الإيجابية التي تتذكرها ميرنا خلال سنوات الثورة كانت يوم خروج إحدى المظاهرات الطيارة في مدينة اللاذقية ومحاولة رجال الأمن اعتقال الشبان المشاركين، إلا أن هتافات النساء ودعمهن للمتظاهرين حالت دون اعتقالهم، ومن يعلم ما المصير الذي كانوا سيلاقونه بعدها! هذه الحادثة مثالاً على قدرة أصواتنا على التغيير وعدم استكاتنا في وجه آلة القمع.

وبحكم عملها كإعلامية تصادف ميرنا أشخاصاً وأحداثاً تترك أثراً طيباً في نفسها، فعلى سبيل المثال، أثناء تغطية فعاليات خاصة بالأطفال، غالباً ما تعبر لها الفتيات
الصغيرات عن إعجابهن بها ورغبتهن بالعمل كإعلاميات مثلها في المستقبل.


بالمقابل عاشت ميرنا لحظات قاسية خلال تغطيتها للأحداث في مدينة إدلب، حيث رأت جثث أطفال قضوا بقصف النظام، كانت مشاهدات قاسية من واقع يومي معاش، حتى أن وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي تحفظت على نشرها.

عن سوريا التي تحلم بها ميرنا تقول: سوريا حرة خالية من نظام الأسد، وأن يشهد الشعب السوري محاكمة الأسد كمجرم حرب، كما أحلم بسوريا جامعة لكل بناتها وأبنائها على اختلاف معتقداتهن/م وانتماءاتهن/م، وأن نعمل على بناء دولة تحترم الحريات وتهتم بالعلم والثقافة.

رسالة ميرنا للسوريات والسوريين ولأهل إدلب خاصة، ابقوا صامدين وتمسكوا بكلمتكم، عفت رياح بثورتنا وستعصف لكننا شعب جبار ثائر انتفض بوجه النظام ودفع الكثير من دماء الشهداء، ولدينا الكثير من المعتقلات/ين، 70% من بلدنا مدمر، يجب ألا ننسى كل ذلك والفاعل يجب أن يحاسب.

ولنساء سوريا تقول ميرنا: أنتن قويات، وقفتن إلى جانب الرجال في كافة الظروف وواجهتن المصاعب، كنتن أمهات وآباء وأخوات وزوجات وملاذ لعوائلكن، وكنتن أهلاً لتحمل مسؤوليات أكبر.