كلمة وعد الخطيب خلال فعالية “طريقنا نحو المساواة والعدالة والديمقراطية”
- updated: 4 نوفمبر 2025
شكرًا لميسرة الجلسة،
وشكرًا للحركة السياسية النسوية السورية على جمعنا في هذا المكان اليوم.
أريد أن أتابع من حيث توقفت زميلاتي اللواتي تحدثن قبلي عن التحديات الكبيرة التي ما زالت تواجه النساء في سوريا — من العنف، إلى الإقصاء، إلى محاولات البقاء بكرامة في ظروف قاسية جدًا.
كل ذلك حقيقي ومؤلم.
لكن اليوم، أريد أن أبقي تركيزي على شيء آخر:
على الشجاعة المذهلة لأولئك النساء اللواتي ما زلن يخلقن الحياة والمعنى وسط هذا الدمار.
نساء لا ينتظرن إعلان السلام، بل يصنعنه كل يوم بأيديهن وأصواتهن وقلوبهن.
رغم الخوف، ورغم الخسارة والتعب، ما زالت النساء في سوريا يجدن طرقًا ليجتمعن، ويتحدثن، ويقدن.
وأريد أن أريكم ثلاث صور صغيرة تعبّر عن هذه الشجاعة.
—
الصورة الأولى أريد أن أضعها بين أيديكم من بلدتي الصغيرة مصياف.
تخيلوا قاعة ثقافية قديمة، ستائرها باهتة، وكراسيها مغطاة بالغبار، والكهرباء تنقطع كل حين.
لكن في تلك الليلة، كانت القاعة ممتلئة بالناس — رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا.
الحدث كان مفتوحًا للجميع، لكن المبادرة والتنظيم جاءت من تجمع سيدات مصياف، مجموعة من النساء اللواتي يعملن منذ سنوات بطرق مختلفة لإحياء مدينتهن وبناء وعي مجتمعي حيّ.
وهذا العرض كان واحدة فقط من مبادرات كثيرة يقمن بها — مبادرات تجمع الناس حول الفن والثقافة والحوار رغم كل الصعوبات.
في تلك الليلة، جهّزن المكان بأيديهن، استعرن جهاز عرض، ونظّمن عرض فيلم من أجل سما.
ولأول مرة منذ زمن طويل، اجتمع الناس في قاعة واحدة ليشاهدوا قصة تشبههم جميعًا.
كانت هناك دموع وصمت وضحكات، ثم نقاشات طويلة عن العودة، والانتماء، وكيف يمكن أن نبني الأمل من جديد.
لم يكن العرض مجرد فيلم — كان لحظة حياةٍ خلقَتها نساء، شارك فيها الجميع.
—
الصورة الثانية هي عن امرأة واحدة من حلب.
امرأة استطاعت أن تجمع مئةً وخمسين امرأة من المدينة وريفها في قاعة واحدة للحديث عن انتخابات مجلس الشعب القادمة.
كان المشهد مدهشًا: أصوات كثيرة تتحدث بحرية، وجوه مختلفة من أحياء ومدن متباعدة، نساء جئن ليفهمن، يناقشن، ويسألن.
لم يكن وراء هذا اللقاء أي حزب أو دعم أو إذن رسمي — فقط إصرار امرأة آمنت أن الفهم هو أول خطوة نحو التغيير.
لكن وراء هذه الصورة الكبيرة هناك رحلة طويلة.
قبل هذا اليوم، كانت هذه المرأة تجوب المدن والقرى، تعقد لقاءات صغيرة في بيوت أو مراكز مجتمعية.
أحيانًا كانت ست نساء، أحيانًا عشر أو عشرين.
كنّ يجلسن في دوائر صغيرة يناقشن قضايا أساسية مثل الإعلان الدستوري، والحقوق، والمواطنة، وماذا يعني أن تكون المرأة جزءًا من صنع القرار.
من تلك الحلقات الصغيرة وُلد هذا المشهد الكبير.
من الإيمان المتراكم عبر السنوات، من الصبر والسفر والحوار، تحوّل الحلم إلى واقع.
وفي تلك القاعة، حيث اجتمعت مئة وخمسون امرأة من حلب وريفها، وُلدت لحظة حقيقية من الوعي، من الفخر، ومن الديمقراطية التي تصنعها النساء بأيديهن.
—
الصورة الثالثة من دمشق، وإدلب، والسويداء، ومدن سورية أخرى، حيث نرى عائلات المعتقلين والمختفين قسريًا.
نساء كثيرات: أمهات، زوجات، بنات — كل واحدة تحمل وجعها بطريقة مختلفة، لكن يجمعهن الشيء نفسه: الإصرار على معرفة الحقيقة.
في الشوارع، أمام المباني العامة أو في الساحات الصغيرة، يقفن حاملات صور أحبائهن، ولافتات كُتبت بخط اليد تسأل: أين هم؟
وجوههن متعبة، عيونهن فيها حزن عميق، لكن فيها أيضًا كرامة لا تنكسر.
كل واحدة فيهنّ تعرف أن مجرد وجودها في هذا المكان خطر، ومع ذلك تقف.
هؤلاء النساء لا يدافعن فقط عن أبنائهن أو أزواجهن،
إنهنّ يدافعن عن ذاكرة بلد مكسور، ويحاولن أن يجمعن ضميره المبعثر بأيديهن.
يصرخن ضد النسيان، ضد الصمت، ضد محو الحقيقة.
إنهنّ لا ينتظرن عدالة تُمنَح، بل يصنعنها بأنفسهن، بخطوات صغيرة، بكلمة، بصورة، وبإصرار على ألّا يتحوّل الغياب إلى اعتياد.
—
هذه الصور الثلاث — ضوء الشاشة في مصياف، أصوات النساء في حلب، واللافتات في شوارع دمشق وإدلب والسويداء — ليست مجرد لحظات، بل رسائل واضحة:
إن النساء في سوريا اليوم لا ينتظرن أحدًا ليمنحهن مكانًا، هنّ يصنعن هذا المكان بأنفسهن.
لكن مسؤولية حمايتهن وتمكينهن لا تقع عليهن وحدهن.
رسالتي هنا أولًا إلى السلطات السورية الحالية:
حماية النساء، ودعم مشاركتهن، ليس تفضّلًا ولا منحة — هو واجب وطني وأخلاقي.
لا يمكن بناء مستقبل لسوريا من دون الإيمان الحقيقي بدور النساء،
ولا يمكن أن تبقى المشاركة النسائية مجرد شعار في الخطابات،
يجب أن تتحوّل إلى أفعال ملموسة، وتشريعات، ومساحات مشاركة حقيقية.
ولنكن صريحين:
إنّ المحاولات القديمة التي ما زالت مستمرة — من تهميش النساء، ومنعهن من دخول المجال العام، ومن ممارسة الخطف والعنف الممنهج ضدهن،
ومن مهاجمتهن بأعراضهن وشرفهن بدل مناقشة أفكارهن —
كل ذلك يهدد اليوم ما تبقّى من هذه المساحات الصغيرة التي خلقتها النساء بأيديهن.
إذا استمرّ هذا الخوف وهذا القمع، فإنّ تلك الصور الثلاث التي تحدّثت عنها — من مصياف، وحلب، ودمشق، وإدلب، والسويداء — قد تختفي،
وقد يُطفأ الضوء الذي أشعلته النساء في عتمة هذا البلد المرهق.
لهذا السبب، نحن جميعًا — رجالًا ونساءً، في الداخل والخارج — علينا أن نقوّي هذه المبادرات، ونحميها، ونقف بجانبها.
علينا أن نكون جسرًا وسندًا لهؤلاء النساء،
حتى لا يختفي صوتهنّ، وحتى تبقى هذه المساحات حيّة،
لأنّ بقاءها هو بقاء الأمل لسوريا كلّها.
نيويورك، الثلاثاء 28 تشرين الأول 2025