كلمة دوريس عواد خلال فعالية “طريقنا نحو المساواة والعدالة والديمقراطية”
- updated: 6 نوفمبر 2025
أصحاب السعادة، الزملاء والشركاء المحترمون،
يشرفني أن أتحدث هنا في مكاتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة؛ هذا المكان الذي يقوم على الإيمان بأن السلام والعدالة والمساواة ليست امتيازات، بل حقوق إنسانية عالمية.
بعد يومين فقط، سيحيي العالم مرور خمسةٍ وعشرين عامًا على اعتماد القرار 1325، ذلك الوعد التاريخي الذي أكّد أن النساء لن يكن إلى جانب مسارات السلام فحسب، بل في مركزها.
واليوم، بعد ربع قرن، علينا أن نسأل أنفسنا بصدق: هل وفينا بهذا الوعد؟
بالنسبة للنساء، لا سيما النساء في مناطق النزاع — وعلى رأسها سوريا — فهذه ليست لحظة احتفال، بل لحظة حقيقة. أربعة عشر عامًا من الصراع والنزوح والانهيار الاقتصادي جعلت سوريا ضعيفة وفي مرحلة انتقالية غير مستقرة. قد تكون المؤسسات قد تغيّرت، لكن عقلية الإقصاء والخوف والعسكرة لم تتغير.
ومع ذلك، لا بد أن أشير إلى علامة ذات دلالة مهمة: وجود الممثل الدائم للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة بيننا اليوم — وهو حضور كان لا يمكن تخيّله في ظل النظام السابق. وأنا أقدّر خلفيته في مجال حقوق الإنسان، وأرى في ذلك حليفًا محتملًا.
لكن، لكي يكون هذا التحول حقيقيًا، لا يكفي مجرد الحضور؛ بل يجب أن يمتد إلى الاستماع — الاستماع إلى أصوات السوريين، وخصوصًا النساء، اللواتي دفعن الثمن الأكبر في هذا النزاع. ويجب أن يشمل ذلك تبنّي خارطة طريق لبناء الثقة بين السلطات الجديدة والمجتمع. فالثقة لا تمنح بل تُكتسَب.
خلال الشهرين الماضيين، ومن خلال برنامج المشاورات الوطنية للحركة السياسية النسوية السورية — والتي أسستها زميلتنا وجدان هنا — عملنا كفريق واحد في تنظيم حوارات ومشاورات مع 120 امرأة سورية من 12 منطقة: من إدلب إلى دمشق، من السويداء إلى اللاذقية، من حلب إلى القامشلي، حمص، دير الزور، الرقة، عفرين، ودرعا. تنوعت خلفياتهن الاجتماعية والمناطقية والطائفية، لكنهن اجتمعن حول هدف واحد: صياغة رؤية مشتركة لإعادة بناء سوريا وضمان عدم تكرار مآسي الماضي.
وقد شكّلت أصواتهن ورقة سياسات ستُنشر قريبًا، تعكس تجاربهن وأولوياتهن وإرادتهن السياسية. ليست هذه الوثيقة نظرية؛ بل خارطة طريق لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع. فمطالبهن ليست هامشية بالنسبة للعملية السياسية؛ بل هي جوهر العملية السياسية ذاتها. وإذا ما جرى الأخذ بهذه الأولويات، يمكن لسوريا أن تنتقل من الانتهاكات إلى العدالة، ومن الهشاشة إلى الاستقرار، ومن الخوف إلى الكرامة والثقة.
إن نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا يتوقف على الاعتراف بثلاث حقائق أساسية — تنطق بها النساء اللواتي يعشن هذه التجارب يوميًا:
أولًا: الأمن
تتحدث السلطات عن الاستقرار، لكن النساء في مختلف المناطق يصفن حياة تقوم على الخوف والإفلات من العقاب والصمت. في غياب سيادة القانون، تتعرض النساء للاختطاف والتهديد والاستهداف. وتظل أجسادهن ساحات لمعركة السيطرة، وإرسال الرسائل، ومعاقبة المجتمعات، وتمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي.
هذه ليست مسألة أمنية فقط؛ إنها فشل سياسي — فشل في الحماية، وفشل في الإصلاح، وفشل في إدراك أن السلام دون أمن النساء ليس سلامًا على الإطلاق.
ويجب أن نبدأ بمعالجة الجرح. لأن تجاهل الجرح يعني أنه سيستمر في النزف، وسيظهر في كل محاولة لإعادة البناء.
لقد مزّقت مجازر الساحل في آذار والانتهاكات التي طالت مجتمع السويداء هذا الصيف جرحًا وطنيًا عميقًا — عبر الهوية والمنطقة والثقة.
في السويداء، ما تزال المدارس مغلقة أو شبه مشلولة، وتعليم جيل كامل على المحك. وفي الوقت ذاته، أصبحت عمليات اختطاف النساء والفتيات سلاحًا للترهيب، وسُجل أكثر من مئة حالة خلال الأشهر الأخيرة. هذه ليست جرائم فردية؛ بل تهديدات بنيوية للسلام ولأساس الحياة العامة.
يجب أن يصبح هذا الملف أولوية وطنية — من خلال التحقيق والمساءلة والوقاية واستعادة الأمن الفعلي للنساء والفتيات.
إصلاح القطاع الأمني ليس إجراءً تقنيًا، بل منعطفًا أخلاقيًا يفصل بين إعادة إنتاج الماضي وبناء مستقبل جديد.
ثانيًا: العدالة
لا يمكن للعدالة في سوريا أن تكون انتقائية. لا يمكن معالجة جرائم الماضي وتجاهل جرائم الحاضر. النساء في مشاوراتنا يرفضن أي عدالة تقسّم الضحايا بحسب هوية الجناة. لأن العدالة التي تقسّم الألم ليست عدالة؛ بل شكل آخر من العنف.
العدالة الحقيقية تحولية — تهدم الأنظمة التي جعلت الانتهاكات ممكنة:
الإفلات من العقاب، الفساد، والسلطة الأبوية التي جعلت العنف أمرًا عاديًا.
ثالثًا: المشاركة
وجود امرأة أو اثنتين في مواقع مرئية لا يجعل العملية شاملة؛ هذا مجرد رمزية.
والتمثيل دون تأثير ليس تمكينًا؛ بل استعراض.
النساء في سوريا لا ينتظرن الدعوة إلى أماكن صنع القرار؛ هن يطالبن بصياغة هذه الأماكن ذاتها. وهن يقدمن خارطة واضحة:
- لإصلاح دستوري
- وحوار وطني شامل
- وإصلاح عاجل للقطاع الأمني، لأنه من دون جهاز أمني يحمي بدل أن يسيطر، لن يصمد أي دستور ولن يستمر أي سلام.
إلى المجتمع الدولي
رسالة النساء واضحة:
- موّلوا مبادرات السلام الشاملة والشفافة والخاضعة للمساءلة.
- اربطوا كل دولار لإعادة الإعمار بالتزامات قابلة للقياس: مشاركة شاملة، عدالة متساوية، وإصلاح أمني قائم على حقوق الإنسان.
- ادعموا المجتمع المدني الذي يبني الجسور بين المجتمعات المنقسمة ويعمل على السلام الأهلي واستعادة الثقة.
إلى السلطات السورية — مطالب من الميدان:
- إصلاح القطاع الأمني ليصبح قوة وطنية مهنية تحمي جميع المواطنين بالتساوي، وتخضع فيها الأسلحة لسلطة الدولة وحدها.
- إعادة بناء القضاء على أسس الاستقلال والنزاهة والكفاءة والمساءلة.
- إطلاق عملية حوار وطني على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية لإعادة بناء الثقة والعقد الاجتماعي.
- تجريم خطاب الكراهية والتحريض مع حماية حرية التعبير، لضمان حماية النسيج الاجتماعي.
- ضمان مشاركة النساء بنسبة لا تقل عن 30% في جميع هيئات صنع القرار — ليس كرمزية، بل كشرط للشرعية والاستدامة.
- إعطاء الأولوية للتعليم والخدمات في المناطق المتضررة مثل السويداء والساحل، لضمان قدرة الفتيات على العودة الآمنة إلى المدارس كأساس للسلام.
لا يمكن بناء الثقة دون أمن حقيقي. ولا يمكن بناء السلام دون عدالة شاملة. ولا يمكن إعادة بناء دولة بأدوات أبوية كانت من أسباب انهيارها.
إن تطبيق نسبة 30% ليس رمزية، بل استراتيجية بقاء. فالقيادة النسائية ليست منحة، بل قدرة.
أصحاب السعادة، لقد أمضى العالم خمسةً وعشرين عامًا يناقش كيفية إشراك النساء في بناء السلام.
نساء سوريا لم يعدن ينتظرن. لقد بنَيْن الطاولة.
خارطة طريقهن ليست قائمة مطالب؛ بل هندسة لسوريا ديمقراطية وسلمية.
السؤال لم يعد: هل سنستمع؟ السؤال هو: هل سنمتلك الشجاعة لنتبع قيادتهن؟
لأن السلام ليس صمت البنادق. السلام هو حين يصبح صوت العدالة أعلى من صوت الخوف.
نيويورك، الثلاثاء 28 تشرين الأول 2025