كلمة وجدان ناصيف خلال فعالية “طريقنا نحو المساواة والعدالة والديمقراطية”

أصحاب السعادة، الضيوف الأكارم، الشركاء الأعزاء،

هذا الصباح، قُتلت آية سلام برصاصة في الرأس، بينما كانت تسافر في حافلة تقلّ مدنيين من دمشق إلى السويداء.
قُتل إلى جانبها شخصان، وأُصيب عدد من الركاب، من بينهم امرأة وابنتاها الصغيرتان.

هذه ليست حادثة عادية يمكن تبريرها على أنها نتيجة طبيعية لبلد ما زال مدرجًا ضمن مناطق النزاع؛ بل هي جريمة رمزية عميقة تختصر المأساة المستمرة لأبناء السويداء الذين لا يزالون يدفعون أثمانًا باهظة من فقرٍ، وعزلةٍ، ومرضٍ، وقهرٍ.

كانت آية، الطالبة في معهد العلاج الفيزيائي، تؤمن بأن الأوضاع الأمنية أصبحت أكثر استقرارًا، مما يسمح لها بالسفر إلى دمشق لتقديم امتحانها الأخير والتخرج، مثل زملائها الذين أنهوا دراستهم في الصيف الماضي.
لكن الهجمات المتكررة على السويداء، والحصار المفروض على المحافظة، حالا دون ذلك.
واليوم، عادت آية إلى بيتها جثة هامدة، برصاصة في رأسها، بعد أن أُطلقت النار على الحافلة على الطريق السريع في ريف دمشق، في منطقة معروفة بأنها تحت سيطرة قوات الأمن العام وحلفائهم من بعض العشائر البدوية.

إن رمزية هذه الجريمة تتجاوز مقتل طالبة شابة؛ فهي تعبّر عن معاناة آلاف طلاب السويداء الذين حُرموا من التعليم والوصول إلى جامعاتهم، بسبب خطاب الكراهية والتحريض الطائفي والإقصاء في الجامعات والسكن الجامعي.
كما أنها تذكير مؤلم بأن الهجوم وقع على الطريق ذاته الذي كان محور الاعتداء على السويداء في تموز/يوليو 2025، والذي نفّذه الجيش وقوات الأمن العام.

والحقيقة الأعمق هي أن السلطات الحالية تفتقر إلى الإرادة السياسية لحماية هذا الطريق، وهو الطريق الوحيد الذي يربط مجتمع الدروز ببقية سوري، حيث أن الطريق الغربي، تحت سيطرة الأمن العام ومسلحين متطرفين من بعض العشائر العربية الذين استُخدموا في هجمات ذات طابع إبادي وطائفي ضد الدروز.

وقد ذُكر هذا الطريق تحديدًا في الاتفاقية الثلاثية في عمّان، التي وضعت حلّ هذه المسألة في أيدي الدول الضامنة.

كنت هنا في آذار/مارس الماضي، أتحدث عن رؤية حركتنا لإنجاح العملية الانتقالية، وعن الجهود الكبيرة التي بذلناها لإقناع السلطات باعتماد نهجٍ تشاركي وشامل، خصوصًا فيما يتعلق بمشاركة النساء.
حاولت الحركة السياسية النسوية السورية التواصل مع السلطة، ولو من طرفٍ واحد، كي تتحمّل مسؤوليتها في تحسين الأوضاع المعيشية والأمنية للشعب السوري المنهك.

لكن السلطة الانتقالية لا تزال أحادية اللون، ولم يُعَد بناء الجيش على أسس وطنية جامعة، بل يعكس ذهنية إقصائية أدّت إلى تكرار المجازر، فيما تستمر الدولة في استخدام العنف لفرض السيطرة.

في آذار/مارس، وقعت مجازر في الساحل راح ضحيتها مدنيون. واليوم، يعيش أبناء الطائفة العلوية في خوفٍ دائم، مع استمرار عمليات الخطف والقتل والانتهاكات اليومية للكرامة الإنسانية، رغم الوعود المتكررة بالتحقيق والمساءلة.

وعقب تلك المجازر مباشرة، صدر الإعلان الدستوري الذي خيّب آمال السوريين، وزاد مخاوف القوى السياسية والأقليات من عودة الاستبداد، إذ منح سلطاتٍ مطلقة للرئيس الانتقالي دون أي إشارة إلى أن الديمقراطية أو التعددية ستكون من ركائز سوريا الجديدة.

في 21 آب/أغسطس 2025، أطلق خبراء الأمم المتحدة إنذارًا بشأن موجة من الهجمات المسلحة على مجتمعات الدروز في محافظة السويداء ومحيطها منذ 13 تموز/يوليو 2025، شملت القتل والاختفاء القسري والخطف والنهب وتدمير الممتلكات والعنف الجنسي والجندري ضد النساء والفتيات.

وفي 22 تشرين الأول/أكتوبر 2025، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مسلحين جرّوا مدنيين من منازلهم وهم يصفونهم بالخنازير والكلاب والكفار قبل أن يقتلوهم.
وقد صوّر العديد من هؤلاء المقاتلين أنفسهم أثناء ارتكابهم الفظائع، ونشروا مقاطع الفيديو كـ”غنائم” على وسائل التواصل الاجتماعي، مما بثّ الرعب في نفوس الأقليات في أنحاء سوريا.

وفي مقطعٍ آخر تم التحقق منه، ظهر رجال بملابس عسكرية يوجّهون أسلحتهم نحو رجلٍ درزيٍّ يبلغ من العمر ستين عامًا يُدعى منير الرجمة، بينما كان جالسًا على درج مدرسة، وسألوه إن كان درزيًا، فأجاب: “أنا سوري”.
فصرخ أحدهم: “ماذا تعني بسوري؟ هل أنت مسلم أم درزي؟”
فأجاب الرجل: “نعم، يا أخي، أنا درزي.”  فأُطلق عليه الرصاص بسبب هذه الإجابة.

بصفتي ناشطة سياسية ومدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، لم أكن لأتخيّل حتى في أسوأ كوابيسي أن يحدث هذا مجددًا.
لقد اعتقدنا جميعًا أنه برحيل بشار الأسد انتهت محنتنا، وأن بلدنا عاد إلينا، وأننا كسوريين وسوريات سنتوحّد بعد عقود من الاستبداد المظلم وسنوات الحرب التي نهبت ودمرت سوريا.

ظننا أننا عقدنا بيننا اتفاقاً ضمنياً بأن لا نسمح بتكرار شيء من ذلك أبدًا: ألّا نقبل باستبداد جديد، ولا بسلطة تستخدم القوة والعنف لإخضاع المناطق السورية، ولا بسلطة تزرع العداء بين مكونات الشعب.
قلنا إننا لن نقبل بحصار المدن، ولا بالاعتقال التعسفي، ولا بالاختفاء القسري، ولا بالاغتصاب، فهذه الجرائم تعيد إلينا الصدمة الجماعية التي لم نتعافَ منها بعد.
لكن للأسف، كل ذلك تكرّر خلال الأشهر الماضية!

لذلك، نحمل الحكومة الانتقالية كامل المسؤولية عن هذه الانتهاكات، سواء ارتكبتها قواتها الأمنية أو الميليشيات التابعة لها، أو عبر التستر على الجناة وإنكار العدالة.
وندعو المنظمات الدولية لحقوق الإنسان إلى القيام بدورها بجدية للتحقيق وكشف هذه الجرائم، واتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذه الظاهرة المدمّرة التي تمزّق النسيج السوري.

وبوصفي امرأة سورية من السويداء، ومنتمية إلى المجتمع الدرزي الذي تعرّض لهذه المجازر، أحمل اليوم صوت أهلي هناك: الجائعين، والمحرومين من رواتبهم، ومن غذائهم، ومن حرية تنقلهم وتعليم أبنائهم.
لقد قطع أهلي كل صلة بالسلطة الجديدة، ولم يعودوا يثقون بها ولا بوعودها.

رسائلهم واضحة وصريحة:

  • إن المساعدات الإنسانية، وضمان الوصول الكامل إلى الاحتياجات الأساسية، ودفع الرواتب، وعودة المهجّرين، ودفن الشهداء هي حقوقٌ إنسانية أساسية، وليست أدواتٍ للمساومة السياسية.
  • أوقفوا الاستفزازات المتمثلة في ترويج شخصيات محلية مرفوضة لتمثيل الأهالي أو التحدث باسمهم.
  • جرّموا خطاب الكراهية والتحريض الطائفي الذي يمنع الناس من التنقّل بحرية ويقيّد حقهم في التعليم، ويهدّد السلم الأهلي في البلاد.
  • نفّذوا الاتفاقية الثلاثية في عمّان (16 أيلول/سبتمبر 2025) فورًا، وبضمانات دولية، واضحة، وملزمة.
  • تعاونوا مع الفاعلين المحليين لمعالجة أزمة التعليم، وكشف مصير المختطفين والمفقودين قسرًا، وضمان عودة العائلات النازحة إلى قراها بأمان وكرامة.

وبالإضافة إلى ذلك، نطالب بما يلي:

  • إعلان محافظة السويداء منطقة منكوبة رسميًا.
  • تسليم المساعدات الطارئة عبر آليات الاستجابة التابعة للأمم المتحدة.
  • تقديم الدعم الفني واللوجستي للوصول إلى المحتاجين دون عراقيل.
  • إدراج السويداء ضمن خطط التمويل والاستجابة الإنسانية الدولية.

أيها السيدات والسادة، إن ما أذكره هنا ليس مجرد مطالب، بل هي خطوات أساسية لاستعادة الكرامة، ومداواة الجراح، ووضع سوريا على طريق الاستقرار وبناء سلامٍ دائم.

شكراً لاستماعكن/م.

 

نيويورك، الثلاثاء 28 تشرين الأول 2025