كلمة عضوة الأمانة العامة مريم جلبي في إحاطة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا – 18 كانون الأول/ديسمبر 2025
- updated: 18 ديسمبر 2025
السيد الرئيس، أصحاب السعادة،
أشكركم على إتاحة الفرصة لي لتقديم هذه الإحاطة واسمحوا لي بداية أن أوجه رسالة قصيرة باللغة العربية
أتوجه برسالتي إلى السوريات والسوريين في كل مكان في الداخل وفي الشتات إلى من عادوا ليواجهوا خسارتهم وجراحهم
إلى شهداء الثورة السورية الذين قالوا «لا» في وجه الظلم، ودفعوا الأثمان ولم يشهدوا يوم الفرح الكبير بسقوط الأسد.
إلى من لا يزالون في المخيمات ومن لا يزالون على قيد الأمل بتحقق العدالة
كل عام وأنتم بخير!
فلنواصل طريقنا سويا بوعي ومسؤولية وبإصرار على أن يكون صوت الشعب السوري العظيم هو مصدر كل السلطات وبوصلتها.
أصحاب السعادة،
اسمي مريم جلبي — أنا ابنة الثورة السورية من قامشلو والجولان. أمثل الحركة السياسية النسوية السورية.
وكحال كثير من السوريين فإن هذا النضال يمسني شخصيا بعمق
لقد اعتقل والدي خالص جلبي مرات عدة في سجون الأسد — كما اعتقل أقارب وأصدقاء وعشرات الآلاف من السوريات والسوريين اللأتي/الذين وسمت حياتهن/هم بالخوف والاضطهاد في ظل النظام.
كان الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 لحظة تحرر سوريا — نقطة تحول تاريخية وفجرا جديدا فتح الباب أمام بناء وطن لجميع السوريات و السوريين وأن يكون وطنا قائم على المساواة والعدالة والكرامة.
وفي الخامس من كانون الثاني/يناير 2025 عدت إلى سوريا بعد أربعة عشر عاما في المنفى. عند الحدود أبلغت بأنني كنت مطلوبة لثلاثة أفرع أمنية — إلا أن الضابط ابتسم وقال: «أهلا بك في وطنك». دخلت بلادي من دون خوف. ولاحقا اصطحبت عائلتي للمرة الأولى لأريهم أن لدينا اليوم بلدا يمكننا أخيرا أن نسميه وطنا.
ما أشاركه اليوم ليس مجرد نداء سياسي فحسب.
إنه صوت النساء والعائلات اللواتي عشن 54 عاما تحت نظام الأسد الوحشي ودفعن خلال الأربعة عشر عاما الماضية أغلى الأثمان في سبيل الحرية.
أصحاب السعادة،
الطريق أمامنا وعر ومليء بالتحديات فاسمحوا لي أن أرسم لكم معالم مسار إلى الأمام يقوم على ثلاثة ركائز مترابطة.
الركيزة الأولى — انتقال سياسي مبني على المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون
يعني ذلك كما في قرار 1325 الاعتراف بالنساء كشريكات في كامل سوريا الجديدة وكصانعات لمستقبلها الدستوري والاقتصادي والسياسي. رسالتي إلى الحكومة وإلى مجلس الأمن واضحة: نحن على أتم الاستعداد للقيام بالعمل الذي يتطلبه هذا المسار.
تشغل النساء اليوم خمسة في المئة من مقاعد مجلس الشعب ومنصب وزاري واحد ما يجعل تمثيل النساء بعيدا عما يجب أن تكون عليه. إن الانخراط السياسي الحقيقي وضمان حد أدنى لا يقل عن 30 في المئة للنساء — وصولا إلى هدف المساواة التامة — أمر بالغ الأهمية. ويشمل ذلك اللجان الوطنية والعمليات الدستورية والانتخابات والإدارة المحلية وإصلاح القطاع الأمني والتخطيط الاقتصادي.
وبنفس الأهمية ضرورة فتح الفضاءين المدني والسياسي بما يتيح للناس حرية التعبير وتأسيس أحزاب سياسية تعكس رؤيتهم لسوريا تعددية.
وهنا يجب التأكيد أيضا على دور المجتمع المدني الذي حمل عبء النضال خلال الأربعة عشر عاما الماضية كشريك أساسي.
يتعين أن يستند كل ما ذكرت إلى روح القرار 2254 (2015)، كما أعيد التأكيد عليه في القرار 2799 (2025)، بوصفه خارطة طريق لانتقال شامل تقوده سوريا ويملكه السوريون.
الركيزة الثانية — حماية حقوق الإنسان لكل سورية وسوري دون استثناء
إن المعيار الحقيقي لأي انتقال يكمن في سلامة وكرامة جميع المدنيات والمدنيين بغض النظر عن الهويات أو أماكن التواجد.
ما تزال المجازر والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي يحصد حياة الناس و يعرض فئات من المجتمع بأكملها للخطر. إننا في الثامن من كانون الأول/ديسمبر تعهدنا جماعيا على عدم التكرار – لجرائم حقبة الأسد. واليوم علينا أن نحول هذا التعهد إلى واقع.
ويعني ذلك:
- وضع حد لعمليات الخطف والتعذيب والعنف المنظم من قبل جميع الأطراف ولا سيما جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.
- جعل العدالة والمساءلة مبدأين أساسيين في مسار الانتقال السياسي مع وضع حقوق النساء في الصميم بما في ذلك من خلال الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية.
- كشف مصير جميع المختفين قسرا والمفقودين وضمان دعم عائلاتهم بما في ذلك عبر الهيئة الوطنية للمفقودين. فلا يمكن لأي أسرة أن تتعافى ما دام أحباؤها في عداد المجهولين.
- اعتماد قانون وطني شامل لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي
- والتزام بالإصلاح والامتناع عن سن أي قوانين تمييزية جديدة في مجالات الأحوال الشخصية والجنسية والعمل والتعليم، بما يتماشى مع المعايير الدولية. ويشمل ذلك التوجيه الصادر بالأمس فقط والذي يمنع الأمهات من الوصاية على أطفالهن.
- سحب تحفظات نظام الأسد على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والتي تقوض جوهر ضماناتها للمساواة وعدم التمييز بما في ذلك الحق في حرية التنقل والمساواة في الحقوق في الزواج.
كما تعني الحماية أيضا الحماية من الاعتداءات الخارجية وانتهاكات السيادة. فعندما عدت إلى سوريا في كانون الثاني/يناير، وجدت قوات إسرائيلية تحتل قريتي في الجولان. وفي الأسبوع الماضي جرى تكسير أبواب منزل عائلتي. فأنا أعرف من تجربة شخصية ماذا يعني أن يسلب الاحتلال منك الكرامة والإنتماء. إن السوريات والسوريين في الجولان كالجميع في سوريا يستحقن /ون العيش أحرارا من العنف والاحتلال والخوف.
لا يمكن لأي انتقال أن يكتسب الثقة من دون أمان ولا يمكن لأي سلام أن يصمد من دون عدالة ولا يمكن بناء أي مستقبل من دون تشاركية — تشمل جميع السوريات والسوريين والمجتمع المدني والشابات والشباب والفئات المهمشة.
الركيزة الثالثة — تعاف اقتصادي مستدام
أصحاب السعادة،
إن الاستمرار في رفع العقوبات الواسعة أمر أساسي لتحقيق التعافي الاقتصادي والذي من دونه لا يمكننا إعادة بناء بلدنا.
يعيش أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر. وتضرر أو دمر أكثر من 50 في المئة من البنية التحتية للتعليم والرعاية الصحية وثلث المساكن. ويقبع أكثر من 2.5 مليون طفل خارج المدارس.
هذه ليست مجرد أرقام — بل إنذارات بأننا من دون ضمان الكرامة الاقتصادية نحكم على جيل كامل بالضياع.
وتتأثر النساء والفتيات بأعلى النسب في هذه الأزمة الاقتصادية. فعندما يقتل الرجال أو يفقدوا أو يقتلوا أو ينزحوا، تتغير الأدوار الأسرية فإلى جانب العمل غير المدفوع وغير المرئي الذي تقوم به النساء في رعاية عائلاتهن والجرحى والمرضى تصبح ملايين النساء المعيلات الوحيدات لأسرهن. ويقمن بذلك من دون وظائف نظامية أو خدمات مصرفية أو ملكية للأراضي أو وثائق تدعمهن وفوق كل ذلك تعملن في ظل عنف قائم على النوع الاجتماعي والتمييز القانوني.
يجب أن توضع النساء في صلب خطة التعافي الاقتصادي لأنهن الأكثر معرفة باحتياجات مجتمعاتهن. كما ينبغي أن تشمل الخطة الوطنية لإعادة الإعمار المناطق الريفية والمناطق الأشد تضررا لا المدن الكبرى وحدها.
وفي ضوء هذه التحديات جميعها وفي هذه اللحظة الحساسة من مسار الانتقال في سوريا، أحث مجلس الأمن على:
- الشروع في مناقشات لاستكشاف أفضل السبل لدعم انتقال شامل قائم على الحقوق تمتلكه السوريات والسوريين وبقيادة سورية بما في ذلك من خلال تواجد جديد للأمم المتحدة في سوريا.
- المطالبة بالمشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة والآمنة لجميع النساء على جميع مستويات الانتقال في سوريا واحترام حقوقهن الإنسانية وفقا لقرارات مجلس الأمن بشأن المرأة والسلام والأمن.
- تشجيع السلطات السورية على العمل مع منظمات المجتمع المدني النسوية لوضع واعتماد وتنفيذ خطة عمل وطنية سورية بشأن المرأة والسلام والأمن تنفيذا كاملا.
- المطالبة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا والانسحاب الكامل إلى خط عام 1974 وفقا لاتفاقية فك الاشتباك إذ إن عدم القيام بذلك يعرض المدنيين للخطر ويقوض الأمن الإقليمي.
- وأخيرا فإن الشعب السوري يريد العدالة. وعلى هذا يجب محاسبة الأسد والمتعاونين معه بما في ذلك إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
أصحاب السعادة،
إن سوريا لا تحتاج إلى وصاية. إنها تحتاج إلى شراكة — مسؤولية مشتركة بين السويات والسوريين والمجتمع الدولي.
لن يبنى السلام بالترتيبات السياسية وحدها بل بالعدالة والاحترام الراسخ لكرامة كل سورية وسوري.
اسمحوا لي أن أختتم كما بدأت, باللغة العربية: عاشت سوريا حرة مستقلة وعاش الشعب السوري العظيم.
شكرًا لكن/م.