أمل نعيم، ناشطة حقوقية ومدافعة عن حقوق النساء، حاصلة على الإجازة في الحقوق من جامعة دمشق، وعضوة في اللوبي النسوي السوري، وفي التحالف السوري الديمقراطي، ومنسقة اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية، تقيم حالياً في هولندا.
تنحدر أمل من مدينة السويداء السورية التي أحبتها ورسمت فيها أحلامها وطموحاتها حيث تقول: “تربطني بمدينة السويداء قصص وأحلام لم تتحقق، تعلمت الصلابة والقوة من حجارتها السوداء، حلمت بعائلة جميلة تعيش بسلام، وما أن بدأت فرحتي بالأمومة ترتسم أمام عيناي وأنا انتظر وأعد عدتي لاستقبال طفلي الأول حتى فوجئت باعتقال زوجي من قبل عناصر الأمن الذين شوهوا فرحتي وفرحة زوجي بطفل ولد لأب في المعتقل وأم وحيدة حزينة لا تعلم متى يشاركها زوجها فرحة مولودهما الأول.” ثلاث سنوات قاسية عاشتها أمل قبل أن تبتسم لها الحياة مرة أخرى بنجاة زوجها من الاعتقال لتعود بعدها لترتيب حياتها وتأسيس عائلة لطالما حلمت بأن تعيش معها بحب وسلام، تقول أمل: “لمد تدم فرحتي كثيراً فما هي إلا فترة وجيزة حتى وصلت الفاجعة التي دائماً ما كنت أتخوف منها في ظل حكم نظام مستبد ألا وهو خبر اغتيال زوجي الذي كان تشييعه مظاهرة، مظاهرة كسرت حواجز الخوف، وعلت فيها هتافات إسقاط النظام كما كان يحلم أن يعيش هذه الهتافات وهذه المظاهرات في حياته، لكنه عاشها محمولاً على الأكتاف مودعاً لأحلامه وأسرته وطفليه الذين لم يتجاوزا سن الرابعة”.
“لقد كانت كرامة الإنسان هي المبدأ الأساسي في حياتي، لذا انتميت إلى الثورة السورية بكل جوارحي، وقررت ألا أتوقف لحظة واحدة عن النضال في سبيل الكرامة والحرية، لا سيما قضايا النساء والعنف الممارس بحقهن.”
كانت أمل على يقين بأن الثورة في سوريا لابد آتية، وعن مشاركتها في الثورة تقول: “تابعت الربيع العربي بحماس طفل يتوق للحرية، وأنا على يقين بأن الليل لابد منجلي، وما هي إلا أيام وثارت مدينة درعا ثم حوصرت، كنا في السويداء في مقدمة المظاهرات السلمية القليلة حينها، وكحال كل السوريين/ات آمالنا معلقة على الثورة لنيل الحرية، يملؤنا فرح خفي وسري يدور في قلوبنا لتحقيق حلمنا بدولة علمانية خالية من مظاهر الاستبداد يسودها قانون يليق بنا كسوريين وسوريات”.
حلمت أمل بحياة كريمة وآمنة في سوريا وقانون يحترم كرامة الإنسان بالدرجة الأولى، تقول أمل: “عانينا كثيراً في مدينة السويداء التي تعامل النظام معها كمدينة نائية تفتقر لكل وسائل التنمية، فكان الفقر وهجرة الشباب والشابات من سماتها الأساسية، إضافة إلى انتشار الفساد والقوانين الظالمة بحق المواطنين لا سيما النساء. منذ صغري تمردت على كل شيء وكنت رافضة لسياسة النظام التي قهر بها سوريا ودمر شبابها ونسائها، رفضت الانتساب لأي حزب أو الاشتراك في أي حركة سياسية في ظل حكم نظام الأسد، فهذه الكيانات لم تكن إلا صورة جامدة يحركها النظام كيف يشاء، لقد كانت كرامة الإنسان هي المبدأ الأساسي في حياتي، لذا انتميت إلى الثورة السورية بكل جوارحي، وقررت ألا أتوقف لحظة واحدة عن النضال في سبيل الكرامة والحرية، لا سيما قضايا النساء والعنف الممارس بحقهن”.
لم تكن الهجرة من سوريا مندرجة ضمن أحلام أمل، بل كانت متمسكة ببلدها ومدينتها السويداء إلى آخر نفس، إلا أن خوفها على أبنائها وعلى حياتها من التهديدات المباشرة التي وصلتها من سلطات الأمر الواقع دفعها لاتخاذ قرار الرحيل، تقول أمل: “وصلت إلى هولندا منذ عدة أشهر، بعد أن أمضيت سنين الثورة محاولة المشاركة في التغيير من خلال ثورة الكرامة، لقد بقيت مقاومة في سوريا حتى النهاية، إلى أن تبلورت لدي قناعة بأنه عليّ حماية أبنائي مما حل بنا، خاصة بعد أن أصبح العمل المدني والسياسي غير آمن، وكذلك العمل القانوني الذي كان يأخذ من أرواحنا قطعة إثر قطعة في كل مرة أتجول فيها في القصر العدلي، وأنا أرى كل ما حولنا يتغلب على العدالة، بل ويقتلها”
رحلة شاقة عاشتها أمل في طريقها إلى بلد لا تعرف عنه شيئاً، فتحدثنا عن تجربتها بالقول: “لم يكون وصولي إلى أوروبا وصولاً سهلاً بطبيعة الحال، فخيبة الغربة القسرية موجعة، لقد وصلت إلى هولندا وكل شيء فيها غريب عني، اللغة والتعبير والبيئة وعبء مسؤولية طفلاي في بلد جديد، لقد شعرت بأني أولد من جديد، وكأنني طفلة بعمر أطفالي الذين حملوا معي ذاكرة مملؤة بذكريات قاسية ومؤلمة، نعيش في مركز لجوء كأرقام يتم إيوائهم وإطعامهم، يضيع الوقت وأنا أتأمل ماذا حل بالسوريين والسوريات في بقاع الأرض، ألمس في مكاني الاختلاف وصراع الهويات الفرعية وتمزق الهوية الوطنية بقلب يتألم. بداية صعبة وتفرد ووحدانية، لا أستطيع الانسجام فالجميع غرباء، لا العرب يتقبلون هويتي ولا أمتلك لغة للتواصل مع الهولنديين/ات”.
“أي عمل تقوم به النساء في مناهضة الصور النمطية والسلطات القمعية هو عمل سياسي.”
بدأت أمل العمل السياسي مع انطلاق الثورة السورية وتتحدث عن ذلك قائلة: “لقد فرضت عليّ الثورة أن انخرط في العمل السياسي وأكون جزءً من كل الحوارات والتكتلات الفاعلة في السويداء، ففي السابق لم يكن ثمة تثقيف سياسي في سوريا ولا حياة سياسية، وكانت الصورة النمطية المفروضة على النساء تبعدهن عنه، وكنت دائما أنخرط في جلسات وحوارات سياسية ولا أجد ما هو مقنع في ظل حكم استبدادي يتحكم بالسياسة بأسلوب ذكوري، من خلال حزب البعث الذي استثمر في توجيه السياسية بشكل مركزي قمعي.” وتتابع أمل حديثها عن التحديات السياسية وكيف اختلفت بعد انطلاق الثورة، حيث تقول: “لا يمكن التغلب ببساطة على التعقيدات الإقليمية والتوازن بين المصالح المختلفة، وبرأيي لا يمكن نجاح أي عمل سياسي في سوريا إن لم يكن مبنياً على الشفافية والواقعية لتحقيق تطلعات الشعب السوري بأكمله. وحتى بعد استمرار الثورة السورية لأكثر من عقد، مازالت الحياة السياسية بعيدة عن معظم النساء، ومازالت الكوتا لزيادة فرص وصول النساء مفقودة في قانون الانتخابات، يترافق ذلك مع سعي النساء المستمر في تأمين الحياة الكريمة لهن ولعوائلهن، مما يجعل الحياة السياسية من كماليات الحياة في ظل الظروف السورية الراهنة”.
تحدثنا أمل عن التحديات التي تواجه النساء لا سيما في العمل السياسي حيث تقول:” كثيرة هي التحديات التي تثقل كاهل النساء، فالمعاناة ترافقهن في جميع جوانب الحياة على المستوى المجتمعي والقانوني والاقتصادي، وتُفرض عليهن أعمالاً رعائية وسلطة بطريركية تحد من مشاركتهن الفعالة في العمل السياسي ووصولهن إلى مراكز صنع القرار، ومن وجهة نظري فإن كل ما حولنا اليوم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسة، وأي عمل تقوم به النساء في مناهضة الصور النمطية والسلطات القمعية هو عمل سياسي، وأي قرار تأخذه النساء في حياتها هو جزء من المساحة الاجتماعية والسياسية”.
وعن دوافعها في الانضمام إلى الحركة السياسية النسوية السورية، تقول أمل: “إن الحركة السياسية النسوية السورية تمثل حراكاً نسوياً مهماً في القضية السورية، فهي منبر نسائي مهم قادر على إثبات وجود النساء على المستوى السياسي، فوجدت فيها القناة التي من خلالها تستطيع النساء، وأستطيع معهن، أن نوصل أصواتنا لنقول للعالم بأننا قادرات على خوض جميع المجالات وخاصة المجال السياسي، والحركة السياسية النسوية السورية تعتبر داعماً أساسياً لتطلعات النساء وتضامنهن وقدرتهن على المشاركة في الحل السياسي ومتابعة القضية السورية من منظور نسوي. لقد انضممت للحركة السياسية النسوية السورية لأنني أتوقع أن تُحدث تغييراً جذرياً في الحياة السياسية، واستمرار النضال لبناء سوريا التي نحلم بها.”، تتابع أمل حديثها عن الحركة السياسية النسوية السورية ودورها على الصعيد السياسي وتعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي قائلة: “للحركة دور مهم فهي تُعد حركة رائدة في العمل السياسي، وصوت مهم ومسموع في طرح الرؤى السياسية النسوية، وإن تأسيسها خطوة هامة نحو تحقيق التغيير والمساهمة في بناء سوريا دولة ديمقراطية دون تمييز بين مواطنيها/مواطناتها”
لم تتغير مبادئ الثورة السورية بالنسبة لأمل برغم كل ما مر عليها من أزمات وتقلبات في المشهد السياسي، لكنها ترى بأن المشهد السياسي ازداد تعقيداً حيث تقول: “لقد أصبحت الثورة أشبه بحرب أهلية دامية نتيجة تدخل الأطراف الدولية والإقليمية، واستمرار سلطة نظام فاسد ومجرم يعرقل كافة الحلول السياسية. هذا ساهم في انحراف بوصلة الثورة وأصبح السوريون والسوريات مشغولون بالبحث عن السلام والأمان في ظل التشرذم والصراع، ويمكن إعادة توجيه بوصلة العمل الثوري من خلال التعرف على التنوع الثقافي والإثني في سوريا، وتقريب الناس من بعضهم البعض، فمما لا شك فيه أن السوريين والسوريات يجهلون ثقافة وهوية بعضهم البعض، وهي فرصة لتوضيح الاختلاف والتعريف بهذا الغنى الثقافي، على أمل الوصول لهوية وطنية جامعة، بعد تطبيق الحل السياسي، ومعرفة مصير المفقودين والمفقودات، والإفراج عن المعتقلين والمعتقلات”.
“لم يتوقف حلمي لحظة في الوصول إلى سوريا التي نحلم بها، دولة المواطنة المبنية على المساواة والحرية والديمقراطية، وسأبقى مستمرة فمازال للحلم بقية من أجل النساء السوريات، ومن أجل أطفالي وأطفال سوريا ولأننا أصحاب قضية محقة، لن تنتهي إلا بتحقيق مطالب الشعب السوري”.
“سوريا أجمل بلد في عيوني ولم أتوقف لحظة عن حبها وعن حلمي بالوصول للمرحلة التي يتلاشى بها الفساد، وننعم بدولة سورية يتساوى فيها الأشخاص أمام القانون، ويكون لهم الحق في الحماية المتساوية التي يكفلها القانون دون أي تمييز، فالمساواة مبدأ إنساني يكسر دوامات الفقر، ويمنح النساء الفرص للنهوض بسوريا المستقبل ومعالجة الأسباب الجذرية للصراعات والأزمات”.
وعن النساء السوريات تقول أمل: “النساء السوريات صامدات قويات، سواءً كن داخل سوريا أو في بلاد اللجوء، لقد استطعن رغم كل الانكسارات أن يقلن للعالم أنهن قادرات أن يحدثن فرقاً واضحاً في ظل الصراع المستمر وأن يصنعن التغيير، وبوجود سلطات الأمر الواقع مازالت تستهدف النساء التي تعلو أصواتهن للمطالبة بالحقوق”.
“إن النساء في الحركة السياسية النسوية السورية نسويات سوريات رائعات ومنارات يمكن أن نبني على نضالهن ونستمر به للوصول لمجتمع أكثر عدالة وإنصافاً للنساء”
تشاركنا أمل إحدى تجاربها الإيجابية خلال سنين الثورة قائلة:” لم أقدم نفسي يوماً كامرأة مكسورة خسرت والديها وزوجها في عام واحد، بل عشت شجاعة وطموحة، وعدت لصفوف المدارس واجتزت الشهادة الثانوية بتفوق بالرغم من مسؤولياتي تجاه عملي، ودرست الحقوق بتفوق وحب، وكان الاطلاع على الفروع المتعددة لعلوم القانون بوابة لنشاطي الاجتماعي والسياسي، وقد كان أجمل ما جنيته خلال العشر سنوات الأخيرة لحظة قسم اليمين لممارسة مهنة المحاماة، كنت أمثل المرأة السورية في هذه اللحظات، ورغم كل الانكسارات والعنف الممارس ضد النساء، ورغم الحرب كنت أقف في المحكمة وأصدقاء وصديقات العمل حولي يؤكدون بنظراتهم أنني قدمت الكثير لعملي ووطني بحب وتفاني، وأرى في عيون أبنائي فرحتهم بأنني كنت أم ناجحة فتحت أبواب أغلقتها التحديات المجتمعية في وجهي، لقد كان قضاة المحكمة يضعون لي شعار المحاماة ويستقبلونني بحذر (محامية وناشطة نسوية ثائرة)”
وعن التجارب المؤلمة التي عاشتها، تقول أمل: “لقد كانت تجربتي المؤثرة في حلم خططت له كثيراً، وهو أن أنقل تجربتي لزوجات وأمهات ضحايا النزاع في سوريا، النساء قضيتي العامة وزوجات وأمهات ضحايا النزاع قضيتي الخاصة، تمنيت أن أقترب منهن وأساعدهن، سمعت النساء يروين قصصهن مع الفقد ويوثقونها كي لا يتلاعب أحد بها، حكايتهن التي تقول للعالم نحن النساء السوريات، واجهنا كل الظلم والحرب والفقد، وصرخنا في وجه قانون جائر، وثرنا ضد السلطات الأبوية، لنبني السلام في أولادنا، ونصنع جيل سوريا المستقبل، لقد أثرت هذه التجربة في نفسي كثيراً، حيث أن الشعور بالعجز لتغيير واقع النساء السوريات هو أكثر ما يؤلمني”.
وتنهي أمل هذا اللقاء بقولها: “يبقى الأمل الوحيد في تضامننا كنساء، والاستمرار في النضال لأجل نساء سوريا ولأجل سوريا المستقبل”.