أسامة العاشور من مواليد 1960، من مدينة حلب، مهندس زراعي، حاصل على دبلوم صناعات غذائية من جامعة حلب، عمل سابقاً كـمدير جودة في شركة غولف مولر، وهي شركة سورية تركية، مركزها مدينة حلب. مقيم حالياً في ألمانيا، ويعمل مع الصليب الأحمر الألماني لمساعدة اللاجئات واللاجئين السوريات/السوريين والعرب.
يقول أسامة إن اهتمامه بالسياسة بدأ في سن مبكر من خلال اهتمامه بالأدب، حيث كان قارئاً نهماً للأدب العربي والعالمي، والأدب يصقل النفس البشرية، ويعزز الحس الإنساني، والتطلع إلى الحرية عند الفرد، وانعكس ذلك من خلال تمرده على الظلم والمواجهات الصغيرة لرفض التنميط “كنا نرفض اللباس الموحد في المدرسة والانتساب الإجباري لاتحاد شبيبة الثورة، واتحاد الطلبة، وحزب البعث، والمشاركة في مسيرات تمجيد القائد”.
انتسب أسامة في أواخر السبعينات إلى رابطة العمل الشيوعي التي تحولت إلى حزب في أوائل الثمانينات، ثم اضطر للتخفي بعد الحملة الأمنية على الحزب. اعتقل عام 1982، وبعد عشر سنوات من الاعتقال، أحيل إلى محكمة أمن الدولة العليا، حكم عليه بـ 15 سنة سجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة، وحرمان من الحقوق المدنية بمقدار مدة الحكم. وقبل انتهاء مدة الحكم بسنتين، نُقِل أسامة ورفاقه إلى سجن تدمر، لرفضهم العفو المشروط بالولاء لرأس النظام. ولم يخرجوا حتى عام 1998 بجهد دولي بعد مرور فترات متفاوتة على انتهاء أحكامهم. شارك بعد ذلك بربيع دمشق وظاهرة المنتديات، ولجان أحياء المجتمع المدني، وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وشارك في دعم تنسيقيات الثورة، وإغاثة النازحين كما أنه عضو اللجنة القانونية لشبكة المرأة السورية، وعضو في الحركة السياسية النسوية السورية.
وعن دوافعه للمشاركة في الثورة يقول أسامة: “الثورة كانت حلم كل مواطن سوري حر تشغله قضايا الهم العام التي يعاني منها كل سوري وكل سورية، كالاستبداد والفساد واحتكار السلطة والثروة من قبل عائلة حاكمة ومالكة لسورية ولشعبها، وغياب العدالة والقانون وانفلات القمع والتدهور على المستوى الحضاري والإنساني والاقتصادي، ولكوني أيضاَ معارض سياسي تعرض لقهر إضافي واستثنائي أكثر من غيره كالاعتقال لمدة طويلة، والحرمان من الحرية والدراسة والعمل، ولقاء الأهل والسفر، والتعذيب الممنهج لكسر الإرادة ومحو الذاكرة، والمحاولات للقضاء على المستقبل الفردي حتى بعد الخروج من السجن الأول، والاعتقالات المتكررة وإن لمدد محدودة قبل الثورة؛ جعلني ذلك مقتنعاً أن الانخراط في الثورة هو واجب أخلاقي وإنساني، وضرورة وطنية وسياسية، إلى جانب الضرورة الحياتية والشخصية”.
أولى مشاركات أسامة كانت في مظاهرة في ذكرى الجلاء يوم 17 نيسان 2011، في حلب حيث جاء الأمن وفرق المتظاهرين بالقوة. يقول أسامة إنه ومع تزامن وصول النازحين من درعا وحمص وإدلب والريف الحلبي، وزيادة الحاجة لتأمين الغذاء والمأوى والخدمات الصحية للنازحين، شارك في إنشاء ما سمي “مبادرة أهالي حلب” التي هدفت إلى تأمين الاحتياجات الغذائية للنازحين وإسكانهم وجمع التبرعات لمساعدتهم، والمساعدة على إصلاح البنية التحتية لمحطات الكهرباء والمياه المتضررة. كما شارك أسامة مع تنسيقيات في مدينة حلب لتفعيل الحراك السياسي السلمي، ومع منظمة “بلد” لتوزيع المساعدات الغذائية على النازحين بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري.
يقول أسامة إنه عندما ازدادت وتيرة المظاهرات، وخرج الريف الحلبي عن سيطرة النظام تدريجياً، تم تجميع بعض تنسيقيات المدينة والريف في إطار سياسي أوسع سمي”أحفاد الكواكبي” لإعطاء زخم للعمل السياسي والمدني والإعلامي والإغاثي، ليدخل الجيش الحر بعد ذلك إلى حلب الشرقية تموز 2012، مما اضطر أسامة للنزوح المتكررهو وعائلته بعد تعرض منزله للقصف. يضيف أسامة أنه عندما سيطر الجيش الحر على المدينة توسع هامش الحراك السياسي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وشارك في مظاهرات عديدة كانت تخرج يومياً تقريبا في هذه المناطق، كما شارك في مؤتمر حريتان للفعاليات الثورية في منتصف آب عام 2012، وتم تشكيل لجنة تحضيرية لتجميع كل القوى المدنية والسياسية في مدينة حلب وريفها واتخذ قرار بتحويل التنسيقيات إلى مجالس محلية بعد موافقة الأهالي على الأشخاص المرشحين لإدارة هذه المجالس.
اعتقل أسامة في أيار 2013، ثم أفرج عنه بعد شهرين، وبقي تحت المراقبة الأمنية، فانتقل إلى ريف مدينة حلب، ثم سافر إلى تركيا ليبقى هناك عدة أشهر قبل الانتقال إلى ألمانيا، مكان إقامته الحالي.
يستذكر أسامة أحد المواقف الجميلة التي عاشها خلال الثورة قائلاً إنه أثناء مهاجمة الشبيحة لإحدى المظاهرات الطيارة التي كان يشارك فيها لتفعيل الحراك الشعبي في المدينة، هرب هو وثلاثة من رفاقه من ملاحقة الشبيحة لهم، ليختبئوا في مدخل مظلم لإحدى البنايات، وهناك فوجئوا بسيدة ترتدي ثوب الصلاة تخرج من الظلام وبيدها شمعة، تفتح باب منزلها وتطلب منهم الدخول بسرعة، لتقول لهم مهدئة من روعهم يمكنكم الانتظار هنا حتى يذهب الشبيحة، “ابني سيعود بعد قليل وسيفرح برؤيتكم فهو مثلكم ضد العصابة الفاجرة وأخوه شهيد…”، وعندما أصبح بإمكانهم المغادرة، وقفت خلفهم وهتفت بصوت عالٍ: “بدنا حرية، غصباً عنك يا أسد”. يقول أسامة إنه مدين لتلك السيدة التي أنقذت حياته من اعتقال آخر، وأنه لن ينسى قوتها ورباطة جأشها في تلك اللحظة. “أنا بكل خبرتي وتجاربي، وقفت عاجزاً أمام ثبات تلك السيدة”.
أما عن أكثر المواقف الحزينة التي كان أسامة شاهداً عليها وأثرت به كثيراً فيقول “أعلن النظام في منتصف الشهر الأول من عام 2013، أن بإمكان طلاب الجامعة العودة للدراسة وتقديم الامتحانات، صدق الطلاب وعد الأمان، كان ذلك اليوم بمثابة عرس لهم وتوافدوا إلى الجامعة وتجمهرت كل مجموعة منهم عند كليتها، وقبل الدخول إلى الامتحانات حلقت طائرة تابعة للنظام فوقهم ورمت صاروخين عند دوار كلية العمارة، قتلا على الفور حوالي 87 شابةً وشاباً، وأصابا 160 آخرين بجروح، كان أسامة ممن سارعوا لإنقاذ الجرحى ولملمة أشلاء الضحايا المتناثرة في كل مكان. يقول إنه بعد دقائق من تنظيف المكان أتى إعلام النظام ومعه عدد من الشبيحة ليصوروا ما دعوه مسيرة شعبية تندد بما تتعرض له سوريا من مؤامرات خارجية وأنهم يستنكرون المجزرة، في وقت كان فيه مئات المدنيين شهوداً على قصف طائرة جيش النظام للضحايا وليفلت الفاعل حتى الآن من العقاب ولتسجل الجريمة (المجزرة) ضد مجهول.
يعتبر أسامة أن التحدي الأول والأكبر الذي واجه العمل السياسي في سوريا هو وجود نظام ديكتاتوري، قمعي، فاسد، يُجرم السياسة، ويُلغي كل أشكال الحوار ويُصادر أي دور للمجتمع المدني ويسد منافذ الإصلاح، ويعتمد على الولاء الشخصي للرئيس بدلاً من الولاء الوطني، والذي تحول بعد الثورة إلى نظام قاتل وتحول رموزه إلى مجرمي حرب، حولوا سوريا الوطن إلى مناطق نفوذ لقوى وإرادات دولية وإقليمية، وفتتوا اللحمة المجتمعية والوطنية عبر شحن العصبيات القومية والدينية والطائفية. أما التحدي الثاني فهو تنامي التشكيلات العسكرية والسياسية الإسلامية المتطرفة التي تمكنت من مصادرة روح الثورة وقيمها، وحاصرت وصادرت قرارات المدنيين في أماكن سيطرتها، وألغت كل أشكال العمل السياسي والمجتمعي بقوة سلاحها وبشرعية دينية خاصة بها. وبالنسبة للتحدي الثالث، يرى أسامة أنه كان سقوط كتير من القوى والمؤسسات السياسية التي ادعت تمثيل الثورة في فخ الارتهان لقوى خارجية، وغرقها في الفساد المالي، مما أساء لهذه القوى والمنتسبين إليها ولمفهوم العمل السياسي ككل، مما أدى إلى عزوف قطاعات واسعة من الشعب السوري الثائر عن العمل السياسي لأنه أضحى مرتبطاً بالفساد والارتهان. أما عن التحدي الرابع الذي واجه العمل السياسي برأي أسامة فهو بقاء القوى السياسية الوطنية التي لم ترهن نفسها للخارج مذررة ومتنابذة في ما بينها أسيرة لصراعات أيدولوجية وشخصية قديمة بدلاً من توسيع المشترك فيما بينها وتآلفها، مما حرمها من الوصول إلى القواعد الشعبية والتحول إلى قوة مؤثرة. “كما أن هناك عاملاً مهماً أثر كثيراً على انخراط النساء في العمل السياسي وهو سيطرة النظرة الذكورية على السياسة التي تربط كل قيم الإنجاز والفعالية في المجال السياسي بالرجال دون النساء، وهذه النظرة مسيطرة على جميع القوى السياسية نظاماً ومعارضات وقوى إسلامية”.
“بمشاركة المرأة في الثورة، تطورت نظرتي النسوية، وأصبح لقضية المساواة في الحقوق والكرامة الإنسانية للمرأة بعداً أساسياً في تصوري لأي تحول ديمقراطي في سوريا.”
عن اهتمامه بالنسوية، يعتبر أسامة، أنه لكي يكون الإنسان نسوياً، فذلك ثمرة جهدين متضافرين، هما التربية والتّثقيف الذّاتي، يقول: “بالنسبة لي شاء القدر أن أحظى بتربية لا تفرّق بين الصبيان والبنات وتحرص على أن تكون للفتاة شخصيتها وخياراتها، وأن دور الأخ ليس فرض رأيه على أخته بل حماية قرارها، كما كانت والدتي نموذجاً نسوياً متقدماً فبعد وفاة والدي المبكّرة، توظفت والدتي وكانت المعيلة لنا أثناء دراستنا وأكملت دراستها في نفس الوقت. وعندما اعتقلنا نحن أولادها الخمسة (ثلاثة ذكور وبنتان) في الفترة الممتدة من بداية الثمانينات حتى أواخر التّسعينات، واجهت الظلم والقهر وكل ضغوط الفروع الأمنية برباطة جأش وكانت تدعمنا ونحن في السجن وتُصمم على زيارتنا أينما كنا عندما يُسمح لها بذلك”.
يضيف أسامة أن باكورة وعيه بالقضيّة النسوية كانت من خلال قراءة كتاب “أصل العائلة والملكيّة الخاصّة والدّولة” وكتب “الكسندرا كولونتاي” و”روزا لوكسمبورغ” و”نوال السعداوي”، و”فاطمة مرنيسي” وغيرها من الأعمال الأدبية والمسرح والسينما، يقول أسامة: “فيلم الموت حباً وفيلم بيت الدمية وضعاني أمام مراجعة ذاتية لوعيي الذكوري ككل، وبمشاركة المرأة في الثورة، تطورت نظرتي النسوية، وأصبح لقضية المساواة في الحقوق والكرامة الإنسانية للمرأة بعداً أساسياً في تصوري لأي تحول ديمقراطي في سوريا”.
يعتقد أسامة أن من الصعوبات التي تواجه الرجل النسوي في مجتمعنا هو أنه مجتمع أبوي، قائم على اضطهاد الذكر للأنثى، وبالتالي فإن السلطة الذكورية، كأي سلطة، ترفض كل من يشكك بمشروعيتها ذكراً أو أنثى فهي سلطة قائمة على القوة وليس على الحق، كما أن الرجل النسوي يعاني أيضاً من التشكيك بنشاطه وموقفه ليس فقط من قبل الرجال بل من قبل النساء أيضاً، لأنه يرى أنه مهما حاول بعض الرجال دعم القضية النسوية تبقى شريحة معينة من النساء محترزة منه لأن الرجل باعتقادهن تسلطي بجوهره، وما يميز الرجال عن بعضهم هو درجة التسلط فقط.
“إن الحركة السياسية النسوية السورية تؤكد وتعمل في كافة لقاءاتها على ضرورة رفع نسبة مشاركة النساء في كل الهيئات السياسية، والهيئات التمثيلية المنتخبة والمعينة لتصل إلى 30% على الأقل وصولاً إلى المناصفة، كما أنها تقدم فرصة كبيرة للنساء والرجال النسويات/النسويين ليتمكنوا وينخرطوا في العمل السياسي على أسس أخلاقية وإنسانية، وبمعايير النزاهة والشفافية، وبمطالب واضحة من أجل مستقبل أفضل لسوريا”
أما عن انتسابه للحركة السياسية النسوية السورية يقول أسامة: “يشرفني أن أكون أول رجل ينضم إلى الحركة السياسية النسوية السورية، ولذلك سببان: الأول أخلاقي لأني أرى أن إنسانيتي كرجل تكون منقوصة عندما أعيش في عالم يضطهد المرأة ولا أناضل ضد هذا الاضطهاد، أما السبب الثاني فهو سياسي، فالحركة قدمت رؤية سياسية جديدة تطمح إلى رفع كل أشكال الظلم والقهر على الصعيد العائلي والمجتمعي والمؤسساتي والسياسي عن الشعب السوري بتعدديته وتنوعه، بوسائل لا عنفية وصولاً إلى دولة ديمقراطية تعددية قائمة على أسس المواطنة المتساوية، بضمانة دستور متوافق مع منظور الجندر”.
وفيما يتعلق بإنجازات الحركة السياسية النسوية السورية على صعيد دعم وتعزيز مشاركة المرأة في العمل السياسي يقول أسامة: “إن الحركة تؤكد وتعمل في كافة لقاءاتها على ضرورة رفع نسبة مشاركة النساء في كل الهيئات السياسية، والهيئات التمثيلية المنتخبة والمعينة لتصل إلى 30% على الأقل وصولاً إلى المناصفة، كما أنها تقدم فرصة كبيرة للنساء والرجال النسويات/النسويين ليتمكنوا وينخرطوا في العمل السياسي على أسس أخلاقية وإنسانية، وبمعايير النزاهة والشفافية، وبمطالب واضحة من أجل مستقبل أفضل لسوريا”. ويضيف أسامة أن الحركة السياسية النسوية السورية أمام عدة مهام ملحة، أولا: استنهاض النساء السوريات ليكن فاعلات وقياديات في أماكن تواجدهن وتشجيعهن على الانخراط في الأدوار الغير نمطية للمرأة، كاختراق كافة ميادين التعليم والعمل، وميادين النشاط العام بشقيه المدني والسياسي. ثانياً: الاهتمام بالتواجد المنظم والملموس على الأرض. ثالثاً: تعزيز المنظور النسوي لدى النساء والرجال، وخوض الصراعات السياسية بمنظار إنساني وأخلاقي وسلمي، مع تعزيز دور المرأة في صناعة القرار. رابعاً: التشبيك مع منظمات المجتمع المدني، وخاصة المنظمات التي تعنى بقضايا المرأة لبناء حوامل اجتماعية للتغير وللقضية النسوية. خامساً: العمل مع القوى السياسية المعارضة، للضغط باتجاه حل سياسي عادل، وزيادة نسبة تمثيل النساء داخل هذه القوى، وتمكين المرأة من الوصول إلى مراكز صناعة القرار. سادساً: العمل مع الآخرين على بناء تحالف دولي للضغط باتجاه حل سياسي وفق القرار 2254، من مرجعية جنيف وقطع الطريق على المسارات البديلة كمساري أستانة وسوتشي. سابعاً: العمل على كتابة دستور ديمقراطي متوافق مع الجندر يضمن المساواة الكاملة بين النساء والرجال في المرحلة الانتقالية وفي سوريا المستقبل.
“سوريا التي أحلم بها وأعمل لأجلها هي سوريا الدولة المدنية، الديمقراطية، القائمة على أساس المواطنة المتساوية لبشر متساوين نساءً ورجالاً وجميع مكونات الشعب السوري في الحقوق والواجبات والكرامة الإنسانية، سوريا حرة خالية من الطغاة، ومن الأبد والاستبداد والفساد، سوريا حرة خالية من الغزاة سواء كانوا جيوش أجنبية أم ميليشيات طائفية أو قومية، سوريا حرة تُنصف فيها المرأة وتُلغى كل أشكال التمييز والعنف ضدها وتتمثل مناصفة مع الرجال في كل مواقع الإدارة والتشريع واتخاذ القرار”، يقول أسامة.