our team

سميحة نادر

سميحة نادر حاصلة على الإجازة في التربية وعلم النفس قسم رياض الأطفال ومختصة في التخاطب لذوي الاحتياجات الخاصة، انتسبت للحزب الشيوعي في العام 1986، تقيم حالياً في ألمانيا. 

بدأت سميحة حديثها عن مدينة حمص، التي انتمت إليها بعد زواجها لتكون حمص مُستقرَّاً لها ومنزلاً، فتقول عنها: “حمص المدينة الهادئة والمتميزة بأهلها الطيبين وحلاوة معشرهم، مدينة التعددية الطائفية والقومية ووضوح الطبقية بينها وبين ريفها، ميزات شغلتني فيما مضى، وأضافت سبباً لحبنا أنا وزوجي لنثبت في علاقاتنا أن ليس كل علوي هو ضابط مخابرات، كما أنه ليس كل سني هو من جماعة الإخوان المسلمين، حمص الجميلة هذه تمكن منها النظام بفتنة طائفية مكنته من السيطرة على أحيائها”.

عند انطلاق الثورة وخروج أول مظاهرة في درعا، كانت سميحة مع والدتها في مشفى أمية بدمشق، وتعبر عن تلك اللحظة بالقول: “بعد الانقطاع المفاجئ للبث التلفزيوني في المشفى، خرجت مسرعة مع تسارع وتيرة التهامس والوشوشة داخل المشفى، لم أفهم شيئاً حتى تمكنت من الحصول على الخبر الذي أثلج صدري، نعم هي المظاهرات في درعا، هي الحرية التي ننتظرها، هو الشعب الذي صرخ في وجه نظام مستبد تعج سجونه بمعتقلات/ين اعتقلوا لأنهم عبروا فقط عن آرائهن/م”

وعن مشاركتها في الثورة تقول سميحة: “عدت إلى حمص مباشرة، شاركت في مظاهرات الخالدية، لكني اضطررت للهروب فيما بعد إلى ريف حمص الشمالي خوفاً من شبيحة النظام، في الريف شجعت النساء على التظاهر والمشاركة وعدم الخوف من حقهن في ذلك تجاه وطنهن وأنفسهن، فأنا أؤمن بأهمية مشاركة المرأة في كل مجال، فكيف في ثورة الحرية ضد كل أشكال الاستبداد والاضطهاد، الخوف سجننا طويلاً وحان الوقت لأن نقوم كنساء بدورنا في نيل حريتنا ضد سلطة النظام والمجتمع”.

“أسعفت الجريحات والجرحى، واستقبلت النازحات/ين من المحافظات الأخرى، وعملت في الدعم النفسي للطفل والمرأة، وعملت ضمن اختصاصي في معالجة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى أن قصف الطيران الروسي قريتنا في ريف حمص الشمالي، ليجعلنا ننزح إلى قرية كانت تحت سيطرة تنظيم داعش وجبهة النصرة”. 

خرجت سميحة من سوريا إلى ألمانيا خوفاً على أبنائها من الاعتقال أو أن يفرض عليهم حمل السلاح، “في أخر يوم من امتحانات الثانوية العامة، قام أحد حواجز النظام بإيقاف ولدي بهدف إلحاقه بالخدمة العسكرية، لكنه نجا من هذا الموقف بمساعدة أحدهم وإسكات الحاجز بالمال ليخلي سبيله”.

عن النزوح وقسوته تحدثنا سميحة قائلة: “لا أنسى فرحة بعض القرى التي نزحنا إليها وشماتتهم بالنازحات/ين، رغم احتضان قريتنا لهم فيما مضى، يبدو أن الحرية والكرامة لم تكن سبباً للمشاركة في الثورة للعديد من الناس، وهذا ما أوصل الثورة إلى ما هي عليه الآن”.

“هربت من سوريا، نعم هربت من واقع حول حلم الحرية إلى كابوس ربما لن نفيق منه لأعوام، هربت ومررت لأول مرة منذ خمس سنوات على أحد حواجز النظام التابع لأمن الدولة، يحوم حولي شبح الاعتقال، أوصيت ولدي بأن يختم على فاه إن اعتقلت، أودعت لديه النقود وأورقنا الهامة، لحظات قاسية كأنها أعوام تجاوزناها بشراء ذمة الحاجز، فشراء الذمم هو المخرج الوحيد للخروج من أصعب المواقف في بلد بات الولاء فيه للنقود، وللنقود فقط”. 

وتمزج سميحة في سردها لنا سرد الضاحك الباكي من أحد المواقف فتقول: “ساعدني صغر حجم أبنائي بتجاوز أحد حواجز داعش، فادعيت أنهم صغاراً لم يبلغوا سن الرشد، ولم أصرح لهم بشخصيتي الحقيقية، فلو صرحت لقتلونا على الفور حتى وإن كنا ثواراً، ولا أنسى عندما قلت لفظ “داعش” في أحد المرات كيف ارتفع السلاح في وجهي يهددني أحدهم بالقول: قولي الدولة الإسلامية”. 

عن إشكالية الانتماء وحب الوطن تقول سميحة: “قبل الثورة كانت أسباب الهجرة كثيرة كما كانت الهجرة متاحة لي، لكن حبي لسوريا منعني حينها. حتى بعد انطلاق الثورة لم أكن لأهرب لو كان ثمة مكان آمن أعيش فيه مع أبنائي في سوريا، لكن أين الأمان في بلد أصبح قانونه السلاح ولا صوت فوق صوت البندقية. هربت لعلي أحصل على الأمان في بلد تشبه سوريا ولو قليلاً، لكن سوريا لا تشبه ولا يشبهها أي بلد آخر، ولا يمكن لأي بلد آخر أن يحتل قلبي كما احتلته سوريا، رغم ذلك لم أجد صعوبة في التأقلم، بل الصعوبة كانت في عدم تقبل أبنائي للحياة الجديدة، فقد عاشا في سوريا وعايشا ثورتها وتحسسوا في قلبيهما حب سوريا وانتمائهما لها”.

عن انتسابها لحزب العمل الشيوعي تحدثنا سميحة قائلة: “كان عمري 17 عاماً عندما تعرفت على حزب العمل الشيوعي من خلال زوجي، وبعد زواجي انتسبت للحزب عام 1986، ومن خلال الحزب عرفت أجوبة للعديد من الأسئلة التي كانت تدور في ذهني عن أسباب اغتناء عائلة أو عائلتين في قريتي وفقر باقي الأهالي فيها، عن كره أبي وأخي الكبير للنظام، وعن أسباب اعتقال السياسيات/ين، ونبذ البعثيين للشيوعيين، وغير ذلك من الأسئلة الكثير وجدت إجابتها لدى الحزب، لقد تعلمت الكثير من خلال تجربتي في الحزب، كانت تجربة رائعة ومميزة صقلتني وساهمت في بناء شخصيتي”   

 “استطاع حزب البعث تحويل سوريا إلى مزرعة ورثها الأسد الابن بقوة القبضة الأمنية التي أفرغت سوريا من كل أشكال العمل السياسي، القبضة التي ازدادت شراستها بعد انطلاق الثورة السورية، قبضة جعلت العمل السياسي سراً، خوفاً من الاعتقال، قبضة تميزت بالاغتيالات السياسية، واستثمرت رجال الدين أبواقاً لما تريد تسويقه، قبضة جذّرت حكم آل الأسد وجعلت سوريا كلها تنتمي لشخص الرئيس بشار الأسد الولد”.

 

“ارتفعت وتيرة التحريض ضد النساء كثيراً، أصبح مصطلح النسوية تهمة تعاقب عليها المرأة وتتعرض للعنف من بيئتها المحيطة بها بسببها.”

 

عن التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا تقول سميحة: “التحديات تواجه المرأة والرجل، فالعمل السياسي كان صعباً في ظل حكم الفرد المستبد ونظامه الشمولي، وما يزال صعباً سواء في مناطق سيطرة النظام أو مناطق سيطرة المعارضة، وربما كانت صعوبة العمل السياسي بالنسبة للمرأة أشد وطأة، فالمرأة كانت وما زالت تعاني من اضطهاد السلطة الحاكمة والمجتمع الذكوري. حتى بعد انطلاق الثورة التي حاولت المرأة من خلالها أن تحصل على حقوقها وتمارس حرية التعبير والرأي سياسياً وإعلامياً، بقي المجتمع تلك العقبة التي تريد إرجاعها للبيت مستخدماً جميع الطرق التي تساهم في بقائها مسجونة بين أربعة جدران، بالتشهير حيناً والتحرش حيناً والتنمر أحياناً أخرى، ونعتها بالفجور والتخوين والعمالة، كل ذلك تخويفاً لها لمنعها من ممارسة حقها خشية أن تصبح ولاية الرجل عليها في مهب الريح، فكان قتلها بداعي “جريمة الشرف” مبرراً بل محموداً من يقوم به”.

تابعت سميحة حديثها حول المعيقات التي تعترض النساء في الداخل السوري قائلة: “ارتفعت وتيرة التحريض ضد النساء كثيراً، فقد أصبح مصطلح النسوية تهمة تعاقب عليها المرأة وتتعرض للعنف من بيئتها المحيطة بها بسببها. هذا يؤدي إلى غياب العديد من النساء عن المشاركة في أي عمل من حقها أن تشارك فيه، ويمنع أيضاً أي أحد من مساعدة نساء الداخل والمساهمة في تمكينهن وتعزيز مشاركتهن بالشكل الذي يجعلهن فاعلات ومؤثرات في مجتمعاتهن، فمن جهة قيود العادات والتقاليد، ورجال الدين ومؤسساتهم الدينية من جهة أخرى، قيود تلاحقهن حتى في المهجر. يدعون بأن المرأة لا تفهم في السياسية، فيتهمون المرأة بشيء هم يمنعونها عنه”.

 

“أحلم بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية والسياسية الكاملة والفعلية بين الرجل والمرأة.”

 

عن سبب انضمامها للحركة السياسية النسوية السورية تقول سميحة: “لأنني ما زلت مؤمنة بأن للمرأة دوراً سياسياً يجب أن تمارسه وتشاركه مع الرجل في سبيل بناء الوطن والإنسان، أن تشارك في كتابة دستور يحميها ويحفظ حقوقها ويعترف بإنسانيتها. ورغم كل ما حدث فما زالت المرأة تبذل الجهد في عملها السياسي وتناصر القضايا العادلة وتدعم مثيلاتها من النساء لتصبح وإياهن صانعات للقرار، متحديات لجميع الصعوبات، كاسرات للقيود البالية التي كبلتهن لسنوات، فها هي اليوم تشارك في المحافل الدولية تقف على منصات الجوائز الحقوقية والسياسية والأدبية وتتكلم بصوت حر قوي، صوت يعتبر بحد ذاته ثورة”. 

“إن غياب الحياة السياسية عن سوريا أدى لضعف الخبرة السياسية لدى الغالبية العظمى من الأفراد والقوى العاملة في الشأن العام، ومازال العنف هو صاحب الموقف في كافة المناطق السورية، وكل ما حدث خلال سنوات الثورة يؤكد لنا بألا مكان للعمل السياسي في المنظور القريب، وأن الحل السياسي بعيداً جداً، لكنه يجب أن يبقى خيارنا الاستراتيجي الأساسي والمركزي لخلاصنا ونجاة وطننا، ولا بد من العمل باستمرار وبناء التحالفات السياسية على أمل أن تتوافر البيئة المناسبة لصياغة مشروع سياسي وطني متماسك وقوي نستطيع من خلاله توجيه البوصلة، وربما يكون الحراك السلمي في مدينة السويداء هو من يدير البوصلة ويعيد الثورة سيرتها الأولى لكل السوريات/ين بكل أطيافهن/م ومكوناتهن/م، لعلنا نعيش جمعياً فيها بسلام وحب”.

عن سوريا المستقبل التي تأمل أن تعيشها سميحة تقول: “إنني أحلم أن أرى سوريا دولة ديمقراطية لامركزية، تعتمد الأكثرية السياسية البرلمانية، دولة المواطنة مبدؤها، ويسودها القانون، دولة مستقلة لها سيادتها، وتحمل شعار السلام وتنبذ الحروب، أحلم بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية والسياسية الكاملة والفعلية بين الرجل والمرأة، أحلم أن أحمل هوية سورية وطنية بكل فخر واعتزاز”.

تتوجه سميحة للنساء السوريات اللاتي تحملن الكثير وبذلن الجهد وواجهن التحديات تقول: “لم أرى في سنين مهجري الثمانية أجمل منكن، أيتها المرأة السورية تستحقين العيش بأمان، تستحقين الحصول على حقوقك، فليس في قلبك موضع إلا وفيه معتقل أو شهيد من لحمك ودمك، يا من تحملت عبء قلبك وعبء الحياة وصرخت ضد الاستبداد وكنتِ أقوى من الحرب وما فعلته من قتل ونزوح وتهجير، فلا تركني بعد كل هذا أو تستسلمي، واستمري مدافعة عن حياتك وحقوقك فأنت تستحقين الحياة، بل أنت الحياة”.
عن ذكرياتها القاسية حدثتنا سميحة قائلة: “كانت الساعة الرابعة عصراً، عندما خرجت من مركز المعالجة الفزيائية الذي كنت أعمل فيه، متجهة إلى المنزل، ما هي إلا مسافة قصيرة قطعتها حتى هوت قذيفة هاون على مدرسة ابتدائية قريبة من مركز العلاج الفيزيائي، فعدت مسرعة لأطمئن على أطفال المدرسة وعلى شابان تركتهما في المركز لترتيب بعض الأغراض، لقد أصيب الشبان بجروح خفيفة، لكن الفاجعة كانت في طفل يحمل بيده سندويشة زعتر قد قضم منها قضمة واحدة قبل أن تخرج القذيفة أحشائه من جسده الصغير، كانت لحظة عصيبة عليّ، وقد حفرت في ذاكرتي”. 

“من حق طفل الزعتر أن تتم محاسبة المجرم، ومن حق جميع الأطفال والنساء وكل الشعب السوري أن يحاسب المجرم على ما فعله بسوريا وأبنائها وبناتها، أتمنى أن يتحقق ذلك وأن نصل للعدالة ونعيشها، وأن أرى المرأة السورية قد وصلت مبتغاها وحققت آمالها، فهي تستحق”.