كبرياء الساعور، درست في جامعة دمشق كلية الآداب قسم علم الاجتماع، حاصلة على ليسانس ودبلوم دراسات عليا. عملت في وزارة التربية/قسم البحوث التربوية بين عامي (1993-2014) وفي مجال الإرشاد الاجتماعي. “كان لدي هم وهاجس في نشر ثقافة جديدة بالتعليم تقوم على احترام المتعلم ومناهضة العنف المدرسي” هذا ما تقوله كبرياء.
عاشت كبرياء فترة من الزمن في “حي المهاجرين” في دمشق، لتنتقل بعدها إلى مدينة حرستا في ريف دمشق بعد أن أصبحت مدينة دمشق نابذة لسكانها على حد قول كبرياء: “انتقلت من حي المهاجرين إلى مدينة حرستا، بعد أن ضاقت دمشق وأصبحت نابذة لسكانها، بسبب السياسات الاقتصادية التي انتهجها بشار الأسد ومن قبله والده، حيث زادت من فقر سكان المدينة وأدت إلى موجات نزوح كبيرة منها إلى مدن وبلدات ريف دمشق ولاسيما الغوطة الشرقية”.
وعن حرستا تقول كبرياء: “شهدت حرستا توافد أعداداً كبيرة من سكان مدينة دمشق مع التوسع العمراني، وحدث تفاعل بين القادمين وأهل مدينة حرستا، ولقد برز تأثير ذلك في تنسيقيات الثورة، التي لم تقتصر على شابات وشباب ينتمون لعائلات حرستا المعروفة والذين كان لهم مشاركة مهمة في الاحتجاجات السلمية. ثم تحولت إلى ظهور تشكيلات وكتائب الجيش الحر مثل بقية مدن الغوطة. في بداية انتقالي للعيش في حرستا سيطر علي شعور الحذر من الطبيعة الاجتماعية المحافظة والتقليدية للمدينة، لكن بداية الاحتجاجات السلمية إبان عام 2011، فتحت آفاق للتضامن بين الناس وقربت بينهم، لذا كانت فرصة لي للتعرف من جديد على هذه المدينة التي خرج أهلها للمطالبة بالحرية والكرامة”.
نشاط كبرياء المدني قديم ونضالها لتنال المرأة حقوقها بدأ منذ عام 2000، وعن ذلك تقول كبرياء: “كنت ناشطة في المجتمع المدني الذي جاهد للتشكل بعد عام 2000، من خلال لجان إحياء المجتمع المدني وبروز جمعيات ومنظمات تهتم بقضايا المرأة. فأنا كنت عضوة في جمعية المبادرة الاجتماعية، التي تشاركت مع جمعيات نسوية أخرى الكفاح من أجل تغيير القوانين، تحديداً قانون الأحوال الشخصية، رفع سن الحضانة للأطفال عند الطلاق بالنسبة للنساء، وحق المرأة في منح جنسيتها لأولادها”. وتتابع كبرياء: “قامت جمعية المبادرة الاجتماعية بإجراء استطلاع رأي حول قوانين الأحوال الشخصية لرصد رأي الشارع السوري وموقفه من تغيير وتعديل هذه القوانين والذي طبق في ست محافظات سورية من ضمنها مدينتي دمشق وحلب. بعد إجراء استطلاع الرأي، قام رجال الدين بحملة مضادة ضد أي تغيير في قانون الأحوال الشخصية، لتحل جمعية المبادرة الاجتماعية على أثر هذه الحملة وذلك عام 2007 بقرار من قبل وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك. في نفس العام كان قد تم إيقاف رابطة النساء السوريات عن العمل، تلك الرابطة التي ناضلت من أجل انضمام سوريا إلى اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وقامت بالحملة المعروفة من أجل السماح للمرأة بنقل جنسيتها لأولادها (جنسيتي حق لي ولأسرتي). قد كان النضال النسوي محفوف بالعوائق واستخدمت السلطة مختلف أشكال المنع والحجب والإقصاء”.
“أريد أن أقول إن ممارسة الوصاية على النساء في الأحزاب أو التنظيمات التي ظهرت بعد الثورة، وحتى قبلها، هي من أهم التحديات التي تحد من مشاركة النساء السياسية.”
“أشبه بالحلم” هكذا تصف كبرياء خروج المظاهرات في سوريا في بدايات 2011، فتقول: “عندما خرجت المظاهرات بدايات 2011 كان شيءَ أشبه بالحلم. كانت تمر المظاهرات تحت نافذتي في مدينة حرستا حيث كنت أقطن وتنتابني الغبطة العارمة. تركت الاحتجاجات والمظاهرات السلمية تغييراً واضحاً في سلوك وقيم الناس، حيث لمست تحسن ملحوظ في أخلاق الناس، وأرد ذلك لأنهم استردوا كرامتهم وشعروا أخيراً بوجودهم وقيمتهم”.
أما عن مشاركتها بالاحتجاجات فتحكي كبرياء: “مشاركتي بالاحتجاجات اقتصرت على حضور اللقاءات التي كانت تتم في دمشق، والتي كان يحضرها عدد من المعارضات/ين والمعتقلات/ين السياسيات/ين، وشابات وشباب من التنسيقيات الثورية، حيث بدأت في بدايات الثورة تكثر وتتكثف الحوارات والاجتماعات السرية منها والعلنية بين أفراد الشعب السوري المتطلع للتغيير”.
بدايات كبرياء مع العمل السياسي بدأت منذ كانت في المرحلة الثانوية: “تعود بدايات اهتمامي بالسياسة للمرحلة الثانوية، كنت قارئة نهمة للروايات، للكتب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكنت أطرح الكثير من التساؤلات السياسية، كما كنت متابعة لكل الأحداث السياسية التي كانت تجري سواءً في سوريا أو الدول الأخرى، ساعدني في ذلك وجود جو عائلي مهتم بالسياسة. في المرحلة الجامعية ساهم وجود تيارات يسارية خاصة في الجامعة، في تعميق اهتمامي بالسياسة والانتقال للعمل التنظيمي الحزبي في حزب يساري”.
عن التحديات التي تواجه المرأة في العمل السياسي تقول كبرياء: “التحديات التي تواجه المرأة في العمل السياسي عديدة وأعتقد أنها باتت معروفة للجميع، حيث يتم الحديث عنها في مناسبات عدة، لكنني أريد أن أقول إن ممارسة الوصاية على النساء في الأحزاب أو التنظيمات التي ظهرت بعد الثورة، وحتى قبلها، هي من أهم التحديات التي تحد من مشاركة النساء السياسية، وهناك غياب للممارسة الديمقراطية في معظم التنظيمات السياسية القديمة منها أو التي نشأت حديثاً”.
“بعد مضي ما يقارب العقد على الثورة السورية، وبالرغم من الانكسارات والهزائم والخسائر الفادحة التي لحقت بها، والأزمة الإنسانية المستمرة، وبعد كفاح طويل خاضته السوريات والسوريون، حملت الثورة تغييرات مجتمعية. لقد تغيرنا وجعلنا هذا نعيد تعريف أنفسنا على المستوى الفردي والعالمي، وولد لدينا وعي جديد يرفض الاستبداد والهيمنة.”
ترى كبرياء بأن الحركة السياسية النسوية السورية نجحت في تعزيز المشاركة السياسية للمرأة بالخبرة والممارسة، ونجحت في ظهور شابات سياسيات ونساء قياديات، وإلى جانب ذلك هناك أسباب أخرى دفعت كبرياء للانضمام للحركة السياسية النسوية السورية: “طلبت الانضمام للحركة السياسية النسوية السورية لأنها تشكل فضاء للعمل السياسي النسوي، حيث أجد أن باقي الأجسام السياسية نابذة للنساء”، وتتابع كبرياء عن تصورها وتوقعها لمستقبل الحركة السياسية النسوية السورية: “أتوقع أن للحركة السياسية النسوية السورية دوراً هاماً، من خلال برامجها السياسية وحفاظها على قرار مستقل، والحفاظ على استقلال القرار النسوي. من المهم أن تسعى الحركة السياسية النسوية السورية إلى بناء شراكات وتحالفات مستدامة لمواجهة التشتت السوري وتعزيز التواصل بين الحركة والنساء العاملات في الشأن السياسي”.
عن الثورة التي مضى عليها ما يقارب العقد من الزمن ترى كبرياء: “بعد مضي ما يقارب العقد على الثورة السورية، وبالرغم من الانكسارات والهزائم والخسائر الفادحة التي لحقت بها، والأزمة الإنسانية المستمرة، وبعد كفاح طويل خاضته السوريات والسوريون، حملت الثورة تغييرات مجتمعية. لقد تغيرنا وجعلنا هذا نعيد تعريف أنفسنا على المستوى الفردي والعالمي، وولد لدينا وعي جديد يرفض الاستبداد والهيمنة. لقد كونت السوريات والسوريون تجربة عظيمة، من خلال تشكل منظمات المجتمع المدني الإعلامية والإغاثية والحقوقية، وظهور آلاف الناشطات/ين السياسيات/ين والمدافعات/ين عن حقوق الإنسان”
وتعتقد كبرياء بأن الثورة ساهمت في ظهور مشهد نسوي غني: “أما على صعيد المرأة السورية التي كانت في قلب هذا النضال فقد ظهر مشهد نسوي غني، وبرزت فاعلات نسويات. لقد حدث تطور في وعي السوريات بالظلم والرغبة في التغيير وتعززت أهمية حضور المرأة في المشهد السياسي والإعلامي والحياة الاجتماعية. فبالرغم من الانتكاسات الاجتماعية والدعوات المناهضة لحقوق المرأة؛ برزت نسوية سورية لا يمكن للمجتمع أن يتجاهلها، ولقد تنوع الخطاب النسوي السوري باختلاف التجارب، وتعقد الظروف، واختلاف الهموم بين السوريات في الداخل وفي دول الشتات التي فتحت فيها آفاق للحريات، والاطلاع على سياقات عالمية، لكن ما يجمعها هو الهدف المنشود ببناء دولة على أسس ديمقراطية تضمن المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.