ميسا المحمود، من مدينة حلب، هجرت قسرياً إلى مدينة عفرين وتقيم فيها حالياً، تحمل إجازة جامعية باختصاص معلم صف من كلية التربية في جامعة حلب. تعمل كناشطة إعلامية ومنخرطة في العمل الإنساني والنسوي. عضوة في الحركة السياسية النسوية السورية.
ولدت ميسا المحمود وكبرت في مدينة حلب، بعد حصولها على الإجازة الجامعية من كلية التربية فرع معلم صف، عملت كمدرّسة في المدينة. قبل انطلاق الثورة عام 2011، تقول ميسا إن الجزء الأكبر من حياتها كان يتمحور حول العائلة، حيث تصف تواصلها وانفتاحها على العالم الخارجي حينها بالمحدود.
أما النقلة النوعية في حياتها فحصلت بعد بداية الثورة تقول: كمعظم السوريات والسوريين، سألت نفسي مع بداية الربيع العربي، هل سيأتي الدور على النظام السوري وت/يثور السوريات والسوريون ضده؟ وفي آذار عندما وقعت حادثة أطفال درعا الشهيرة ولم يبد رأس النظام، بشار الأسد، أي أسف أو اعتذار، تولد لدي حقد مضاعف على هذا النظام، وقررت أن أنخرط في أول نشاط يحدث في مدينتي لمناهضته، وبالفعل خرجت في أولى المظاهرات، ومع أول صرخة حرية تبدلت من شخص إلى آخر واعترتني قوة لم أشعر بمثلها في حياتي من قبل، وكأنني إحدى البطلات الخارقات اللواتي نقرأ عنهن في الكتب. تضيف ميسا: عندما أستذكر تلك اللحظات أشعر أن القوة ربما كانت موجودة لدي قبل الثورة لكنها اختفت تحت وطأة العادات والتقاليد والعيب والممنوع، لم يكن متاحاً لنا كنساء نقاش المسائل السياسية أو الانخراط في الحياة العامة بشكل كامل لأن المجتمع حصر دورنا بين جدران المنزل، لذلك فإن صرخة حرية نفضت الغبار عن سنوات الصبر على الاضطهاد السياسي والاجتماعي على حد سواء. تذكر ميسا خوف عائلتها الشديد من مشاركتها وشقيقتها في المظاهرات، فأمن النظام الذي يستهدف المتظاهرات والمتظاهرين من جهة، والخوف من انتقاد الناس لمشاركة النساء في المظاهرات من جهة أخرى، تقول ميسا: كنت أشارك أنا وأختي في المظاهرات دون علم عائلتنا، إلى أن أصيبت أختي في إحدى المرات وعندها اضطررنا لمواجهة والدي بالأمر، كانت ردة فعله عنيفة إلا أننا تفهمنا كل رواسب القمع وثقافة العيب التي تحملها ردة الفعل تلك، وهذا كان حال معظم النساء من حولنا فالعائلات لم تحبذ مشاركة بناتها في النشاطات متذرعين بفرضية ماذا لو تم اعتقالك واغتصابك بالفرع سنكون نحن الملامون لأننا سمحنا لكِ بالمشاركة، وكأنه خطأ الفتاة إن تم اعتقالها أو الاعتداء عليها من قبل مجرمين في دولة لا يحكمها القانون!
“أشعر أن القوة ربما كانت موجودة لدي قبل الثورة لكنها اختفت تحت وطأة العادات والتقاليد والعيب والممنوع، لم يكن متاحاً لنا كنساء نقاش المسائل السياسية أو الانخراط في الحياة العامة بشكل كامل لأن المجتمع حصر دورنا بين جدران المنزل، لذلك فإن صرخة حرية نفضت الغبار عن سنوات الصبر على الاضطهاد السياسي والاجتماعي على حد سواء.”
لم تمنع هذه العوائق ميسا من مواصلة نشاطها الثوري، ولم يقتصر هذا النشاط على المشاركة في المظاهرات، فمع تطور الحراك ضد النظام أسست مع زميلات وزملاء لها “تنسيقية الجامعة”، وبدأت بالانخراط في العمل الإغاثي ثم الإعلامي لنقل الأخبار سواء عن المظاهرات أو عن الاشتباكات والقصف في مرحلة لاحقة.
عن دوافع ميسا الشخصية للمشاركة في الثورة وتبنيها كقضية شخصية لغاية اليوم، تقول: في البداية كانت مشاركتي نابعة من حقد دفين على هذا النظام بسبب كل ما سمعناه عن مجزرة حماة، وكل ما عشناه كسوريات وسوريين من قمع للحريات واستلاب للحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية وغيرها من الممارسات السياسية التي انعكست على حياتنا وفرصنا في الحياة، والدافع الآخر لانخراطي في العمل الثوري هو وضع حد لدور العادات والتقاليد والممارسات الذكورية التي عشنا نحن النساء ضحايا لها طوال حياتنا، عندما صرخت حرية لم أعد “ضلعاً قاصراً” ولا “جناحاً مكسوراً” كما اعتادت مجتمعاتنا وصفنا كنساء. تضيف ميسا، مع استمرار الثورة، أضيف سبب جديد لتمسكي بمطلب الحرية وهو استشتهاد ابني، الذي أصيب برصاص قناص. ابني الشهيد وأخيه كانا رفيقا دربي في الثورة وابني دفع حياته في عمر الثامنة عشر في سبيل إيمانه بالثورة، وأنا أحترم خياره لكوني مدركة أن للحرية ثمن باهظ يدفعه كل من يطالب بها.
بسبب عملها كمراسلة حربية، تعرض منزل ميسا لمداهمات من قبل عناصر النظام فاضطرت للتنقل بين أكثر من مكان لتفادي الاعتقال، كما أنها تعرضت للاعتقال على أيدي عناصر “جبهة النصرة”، تقول: لم يرق عملي الميداني للجبهة، واتهموني بـ “الردة” فأنا بنظر هؤلاء العناصر امرأة مطلقة مكانها الطبيعي حسب رأيهم هو البيت، وبعد تدخلات ووساطات من عدة أشخاص تم إطلاق سراحي.
خرجت ميسا من مدينة حلب إلى مدينة الأتارب في الريف الغربي، ثم تعرضت للتهجير القسري وتقيم حالياً في مدينة عفرين، عن هذه التجربة تقول: في مكان إقامتي الحالي لا أشعر أنني أعيش في سوريا، الأمر والنهي في هذه المنطقة للأتراك، والآن يريدون إقناعنا بالانضمام لدورات دمج مجتمعي مع الأكراد من أهل المدينة، ما الذي ستقدمه هذه الدورات سوى تعزيز الشرخ، فبرأيي نحن بنات وأبناء بلد واحد ولا نحتاج لدروس لنعيش مع بعضنا، تحول كلانا لضحايا، الكردي الذي استبيحت مدينته ونحن الذين تهجرنا رغماً عنا وبتنا وكأننا نعيش على حساب تهجير واضطهاد الأكراد. تضيف، كل ماحدث ويحدث أدخلني بحالة نفسية حرجة فبعد كل التجارب القاسية التي مررنا بها بتنا لا نملك حتى البت في خياراتنا الشخصية.
“انتسبت للحركة السياسية النسوية السورية مدفوعة برغبتي بأن أكون ضمن جسم يتناول السياسة من منظور نسوي.”
بالعودة لبداية اهتمام ميسا في السياسية تقول إن حبها للعمل الإعلامي دفعها للبحث أكثر في الشأن السياسي، فكما تقول: السياسة والإعلام مرتبطان بشكل وثيق، هذا ما تعلمته من التدريبات التي تلقيتها ومن تجربتي العملية، كما أن العمل الثوري لاينفصل عن الشأن السياسي، فبعد الثورة أصبح التعمق في المفاهيم السياسية وفهم ماهية القرارات والتشكيلات والمفاوضات، من أساسيات الحياة اليومية لكثيرات منا.
أما عن التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا قبل 2011 والآن، تقول: التحديات قبل 2011 كانت متمثلة بإقصاء المواطنات والمواطنين عن السياسية والتطرق لها، إلى جانب تحكم النظام وحزب البعث بكافة مفاصل المشهد السياسي، أما بعد 2011 وعلى صعيد المعارضة، أرى أن التحديات مشابهة مع اختلاف المسميات، فالكثير من متصدري المشهد السياسي السوري اليوم من جانب المعارضة ليسوا من أصحاب القرار الوطني الحر، إنما يتبع معظم هؤلاء لجهات خارجية لا تعنيها إرادة الشعب السوري وما الذي يريده لمستقبل بلده.
عن التحديات التي تواجه المرأة السورية في ميدان السياسية تقول ميسا، تحاول المرأة السورية اليوم جاهدة الانخراط في الحياة السياسية، ومنهن ذوات خبرة وتوجه سياسي مقنع ومحق إلا أنهن يصطدمن بهيمنة السياسيين الرجال، الذين رغم كل جهود التوعية التي تبذلها نسويات ونسويون سوريات وسوريون لإرساء مفهوم التمثيل النسائي العادل في الحياة السياسية، غير أنهم ما زالوا متصدرين للمشهد السياسي بأداء ذكوري ركيك. تضيف: من المحزن أننا مازلنا في إطار المطالبة بنسبة تمثيل مقبولة للنساء في المشهد السياسي، أسأل نفسي، في ظل السنوات العشر الماضية، ما الذي قدمه الرجل ولم تقدمه المرأة؟ على العكس الضغط مضاعف على النساء، فحتى في أعتى ظروف الحرب لم يخف الضغط الاجتماعي على المرأة.
وعن دافع ميسا للانضمام إلى الحركة السياسية النسوية السورية تقول: كنت أبحث بشكل جدي عن جسم أو منبر سياسي أعبر خلاله عن رأيي وأطور ضمنه معرفتي السياسية، اطلعت على أجندة الحركة وتواصلت مع بعض عضواتها، وأعبجت بفكرة أنها حركة سياسية ونسوية فأنا مهتمة بأن أكون ضمن تجمع يتناول السياسة من منظور نسوي، وإلا أشك أننا سنكون قادرات\ين على إحداث تغيير حقيقي، وبعد أن أصبحت عضوة في الحركة ورغم تفاوت الخبرات بيننا إلا أن الجو السائد بين العضوات والأعضاء هو الاستماع لآراء الجميع واحترامها، وعدم تصدير أي شخصية على أنها هي المرجع أو الشخص الأساسي في الحركة، الجميع متساويات ومتساوون، وهذه تجربة معظمنا لم ت/يختبرها من قبل. أما عن الدور الذي تتوقع ميسا أن تلعبه الحركة في مستقبل سوريا، تقول: بناءً على رؤية الحركة وكيفية عملها لتحقيق تطلعاتها ببناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية والمساواة، أتوقع أن يكون لها دوراً مهماً في المشهد السياسي الحالي والمستقبلي، كل ما علينا هو مواصلة العمل والصبر على رؤية أهدافنا تتحقق فالعمل السياسي يحتاج نفساً طويلاً ومثابرة.
عن سوريا التي تحلم بها ميسا تقول: أحلم بسوريا مستقرة على أسس متينة من الحرية والعدالة والمساواة، سوريا تقدر المواطنات والمواطنين بعيداً عن خلفياتهن\م الاجتماعية والسياسية والدينية والطائفية وغيرها.
وبشكل خاص أحلم أن أجلس يوماً من الأيام على شرفة منزلي في مدينة حلب وعلى مرأى مني بيوت حلب عامرة بأهلها.
لنساء سوريا تقول ميسا: نساء سوريا أقوى من الحرب، حرب طويلة بكل أهوالها لم تكسركن، فكرن بقدراتكن وبحاجة البلد لكن، لأنكن جزءاً لا يتجزأ من سلامها وسلامتها.
رغم كل الظروف القاسية، الشخصية منها والعامة، التي مرت بها ميسا إلا أنها تعتبر أنه لابد من وجود ملمح إيجابي وسط هذا الضباب ألا وهو نظرتها لنفسها اليوم كامرأة مستقلة، قوية، صاحبة تجربة حياتية، وكجزء من حراك ثوري محق.