عملية “نبع السلام”: تأثيرها على المهجرات/ين والسكان المدنيات/ين
- تاريخ النشر: 17 أكتوبر 2023
- |
تحل ذكرى عملية “نبع السلام” التركية ثقيلة على السكان المهجرات/ين من رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، إذ تتزامن هذا العام مع قصف عسكري تركي كثيف على مناطق شمال شرق سوريا، بدأ منذ فجر الخميس 05 من تشرين الأول الجاري. فقبل أربعة أعوام، في التاسع من تشرين الأول من عام 2019، أطلقت تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” عملية عسكرية، سيطرت خلالها على شريط حدودي يمتد بطول أكثر من 100 كيلومتر بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة. ومهد للعملية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من المنطقة، ما اضطر “قوات سوريا الديمقراطية” لطلب العون من روسيا التي استغلت الفرصة لتعزيز وجودها العسكري في شرقي الفرات. وفي 22 تشرين الأول 2019، اتفق الجانبان التركي والروسي خلال قمة رئاسية جمعت كل من بوتين وأردوغان في مدينة سوتشي الروسية، على انسحاب “قوات سوريا الديمقراطية”، لعمق 33 كيلومتراً داخل الأراضي السورية بعيدًا عن الأراضي التركية، وتسيير دوريات عسكرية تركية – روسية مشتركة بعمق 5 كيلومترات على طول الحدود، باستثناء منطقة السيطرة التركية الممتدة بين تل أبيض ورأس العين. كما أفضت العملية لدخول قوات تابعة للنظام السوري إلى مناطق الإدارة الذاتية، وبات لروسيا في مطار مدينة القامشلي قاعدة عسكرية مرتبطة بقاعدة حميميم في اللاذقية، تضم طيرانًا حربيًا ومنظومة دفاعات جوية.
في حين أن الهدف المعلن للعملية كان مخاوف تركيا الأمنية من وجود “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على حدودها الجنوبية؛ كانت تبعات العملية كارثية على السكان، إذ أدت لتهجير قسري كبير في هذه المناطق. بحسب الأمم المتحدة خرج نحو 180 ألف نسمة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من المنطقتين. في رأس العين/سري كانيه ومن أصل 162 ألف نسمة غادر نحو ٨٥ بالمئة من السكان، وفقدت بخروجهم تنوعها القومي والديني والاثني، ولم يتبقَ فيها سوى قلة من الكرد المسيحيات/ين والإيزيديات/ين نتيجة الانتهاكات التي تعرضوا لها على يد عناصر الجيش الوطني. وكذلك خرج نحو 70 بالمئة من أهالي تل أبيض البالغ عددهم نحو ١٢٩ ألف نسمة. ويشكل العرب نصف سكان منطقة تل أبيض، وحوالى 30 إلى 40 في المائة كرد، وتوجد فيها أقلية تركمانية صغيرة ومثلها أرمنية. أي هي منطقة عربية – كردية – أرمنية – تركمانية مختلطة. ويعزى العدد الهائل الذي غادر من سكان المنطقتين لما حدث في عفرين خلال عملية “غصن الزيتون” التركية عام 2018، أي قبل نحو عام من العملية والانتهاكات التي قام بها عناصر الجيش الوطني فيها. وعزز هذه المخاوف استمرار الفوضى الأمنية والاستيلاء الواسع النطاق علي الاراضي والممتلكات والاعتقال التعسفي والقتل والعنف الجنسي الذي يقوم به عناصر الجيش الوطني. إذ حتى بعد انتهاء العملية العسكرية لم يعد معظم من خرجوا إلى أماكن سكنهن/م الأصلية. الانتهاكات التي وثقتها تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة كان آخرها التقريرين الصادرين في أذار من هذا العام. ووثقت اللجنة “استمرار تفشي الاعتقال التعسفي والاستخدام المتزامن للتعذيب في مناطق “الجيش الوطني السوري” وخاصة بحق السكان الكرد الذين غالبًا ما تم اتهامهن/م بالتعامل مع “الإدارة الذاتية”. وقالت إنّ “أعضاء من الجيش الوطني استمروا بحرمان الناس من الحرية بشكل تعسفي واحتجاز بعضهن/م بمعزل عن العالم الخارجي وبعضهن/م الآخر بطريقة ترقى إلى الإخفاء القسري، وكذلك استمروا بارتكاب جرائم التعذيب، بما في ذلك الاغتصاب والمعاملة القاسية والقتل وأخذ الرهائن والنهب” وأكدت أن تلك الانتهاكات “كلها قد ترقى إلى جرائم حرب”.
تتوزع المهجرات/ون اليوم في محافظتي الحسكة والرقة. النسبة الأكبر من أهالي رأس العين/سري كانيه يقيمون في مخيمات غير رسمية التوينة/واشوكاني والطلائع/سري كانيه في محافظة الحسكة، بينما يقيم معظم أهالي تل أبيض في الرقة وريفها. قبيل القصف التركي المتجدد كانت قد خرجت مظاهرة احتجاجية للأهالي تطالب بالعودة إلى بيوتهن/م وأراضيهن/م كما هو حالهن/م كل عام. لكن القصف الذي طال في يومه الأول محيط مخيم واشوكاني أرغم المهجرات/ين على إيقاف الفعاليات السنوية التي كانت متنفساً لهن/م ويومهن/م الذي ينتظرونه ليذكروا العالم بقضيتهن/م.
القصف الحالي سبقه إعلان تركيا الواضح نيتها تدمير ما وصفته بالبنية التحتية لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب ردًا على هجوم أنقرة الذي تبناه حزب العمال الكردستاني ونفت قوات سوريا الديمقراطية علاقتها به، تزامن مع قصف عنيف للنظام السوري على شمال غرب سوريا. كما شهد سابقة هي الأولى من نوعها إذ أسقطت قوات “التحالف الدولي” المتمركزة في قاعدة تل بيدر، شمال غرب محافظة الحسكة، طائرة مسيرة تركية أثناء تحليقها بالقرب من القاعدة الأميركية. وكان من المتوقع أن يعقبه خفض تصعيد تركي، لكن في مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع التركي ونظيره الأمريكي قال الأخير إن بلاده تتفهم “هواجس تركيا الأمنية المشروعة” واتفقا على التنسيق كي لا تقع حوادث مماثلة.
الصمت الأميركي والأوروبي حول الهجمات التركية الحالية يمكن ربطه بالحاجة لتركيا كممر لنقل الغاز الإسرائيلي والحفاظ على التقارب التركي-الأمريكي الذي شهده هذا العام والذي وصفها الرئيس التركي بالمرحلة الجديدة في تموز من العام الحالي على هامش “قمة الناتو” المنعقدة في العاصمة الليتوانية فيلنيوس في تموز من العام الجاري، في لقاء هو الأول بعد انتخاب أردوغان رئيسًا لتركيا. كما تم خلاله نقاش تزويد تركيا بمقاتلات F-16 بقيمة 20 مليار دولار، وتحديث وتطوير نحو 80 من طائراتها الحربية الحاليّة من ذات الطراز، وهو الطلب الذي سبق وأن تعثر بسبب الشروط الأمريكية والتي كان من أهمها الموافقة على انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو.
هذا التقارب والقصف التركي الحالي لا يعني عملية برية تركية قريبة في شمال شرق سوريا، إذ لا ترغب الولايات المتحدة أن تضع قواتها وسط معارك برية لكنها لا تمانع إضعاف “قوات سوريا الديمقراطية” عبر الإضرار بسبل العيش لـ ٤ ملايين شخص في مناطق سيطرتها، إذ استهدف القصف الحالي البنية التحتية وتعرضت عشرات المنشآت الحيوية للقصف ضمنها محطات النفط والكهرباء والمياه بينما تقبل المنطقة على فصل الشتاء. تبدو الولايات المتحدة راغبة ببقاء الإدارة الذاتية “تحت عباءتها” ولا تريد طرفًا سوريا قوياً لا في شمال شرق سوريا ولا في شمال غربها الذي يتعرض سكانه لقصف وحشي مستمر من قبل النظام السوري والطيران الروسي أدى لمقتل عشرات الضحايا من المدنيات/ين وإيقاف منشآت إنسانية حيوية عن العمل في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، منذ الخميس الماضي.
إننا في الحركة السياسية النسوية السورية؛ وبمناسبة الذكرى الرابعة لـ “نبع السلام”، نجدد إدانتنا لأعمال العنف أياً كان مرتكبوها. السوريات والسوريون لا يتحملون المزيد من التصعيد العسكري الذي يقلل من فرص التوصل لحل سياسي وفق القرار 2254، الذي سيضمن العودة الطوعية والآمنة للمهجرات والمهجرين إلى أماكن سكنهن/م الأصلية. نُؤكد على أن معالجة انتهاكات جميع الأطراف لحقوق الإنسان في كافة المناطق السورية، بما فيها رأس العين وتل أبيض، واجب سياسي وأخلاقي. ويجب على المجتمع الدولي وتركيا والسلطات المحلية العمل معاً لضمان محاسبة المسؤولات/ين وتقديم الدعم للمتضررات والمتضررين، ووقف عمليات التغيير الديموغرافي.
فقط من خلال الالتزام بالعدالة وحقوق الإنسان يمكن لهذه المناطق أن تتجه نحو مستقبل أكثر استقرارًا وشمولًا، حيث يتم احترام وحماية حقوق وكرامة جميع السكان.
اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية