ماذا وراء زيارة  الرئيس أحمد الشرع للولايات المتحدة؟

منذ سقوط نظام بشار الأسد وهروبه خارج سوريا، وتسلم أحمد الشرع رئاسة المرحلة الانتقالية لمدة خمس سنوات عبر اجتماع الفصائل المتحالفة مع هيئة تحرير الشام في عملية ردع العنوان وإعلان مؤتمر النصر وتنصيب نفسه رئيسًا للجمهورية بصلاحيات تشريعية وتنفيذية شبه مطلقة، وتعين أسعد الشيباني وزيرًا للخارجية؛ أصبحت  وزارة الخارجية الواجهة السياسية والدبلوماسية للدولة والناطقة باسمها والمعبرة عن توجهاتها السياسية والاقتصادية.

وبرز نشاطها منذ الأسابيع الأولى لتولي السلطة في دمشق، حيث تكثفت الزيارات الخارجية، وكانت حسب أهمية العلاقة والتأثير بمصير السلطة الجديدة، حيث بدأت من دول الجوار الإقليمية: السعودية، قطر، الإمارات، الأردن، تركيا…، ومن ثم إلى بعض الدول الأوروبية لحضور مؤتمرات عديدة، توجت بزيارة الرئيس الانتقالي إلى فرنسا بدعوة من الرئيس ايمانويل ماكرون، ثم إلى روسيا، وأخيرًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. 

كان واضحًا محاولات القادة الجدد إقناع دول المنطقة والدول المؤثرة في الملف السوري بأنه قد حصل تغيير في فكرهم وهناك انتقال من الفكر السلفي الجهادي إلى فكر منفتح على العالم وتخليهم عن مشروع إنشاء الدولة الإسلامية (وفق الشعارات الداعشية أو شعارات بعض التنظيمات السلفية الجهادية الأخرى). لكن هذا المسار لم ينعكس على الداخل السوري، حيث شهدنا ممارسات طائفية وانتقامية كان أشدها عنفًا المجازر الطائفية في حمص وحماة والساحل، ومن ثم في السويداء جنوب سوريا.

كما تم تبني اقتصاد السوق المفتوحة المبني على المنافسة والقبول بكل أنواع الاستثمارات الأجنبية دون تحديد أولويات للإنتاج أو لدور الاستثمار الخارجي في الاقتصاد السوري أو انعكاسه على الاقتصاد السوري ومصلحة سوريا والمواطنين/ات، فالمهم بالنسبة لهم تخليهم عن ما تبقى من القوانين الاشتراكية وسعيهم إلى خصخصة القطاع العام. 

أما سياسيًا، فلم تتبلور توجهاتهم أكانت قومية أم أيديولوجيا دينية معتدلة، لكن بدا واضحا ابتعادهم ومعاداتهم لأفكار البعث في مفهومه حول المسألة القومية والوحدة العربية والقضية الفلسطينية وأفكار الديمقراطية والعلمانية، وكل ما يمت بصلة إلى الأفكار المعادية للعثمانية، وطبعًا معاداة الجمهورية الإيرانية وامتداداتها طائفيًا وسياسيًا. 

ولفهم سلوك هذه السلطة، من المهم التعرف على المعطيات التي أدت إلى وصولها للسلطة، والتي تمت في مرحلة ما قبل سقوط نظام بشار الأسد، خاصة التفاهمات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والتركية والقطرية رغم استشعار بعض الملامح منها وهي: القطع مع الإيرانيين وطرد حزب الله والحشد الشعبي من سوريا، وعدم الاستمرار بالعداء لإسرائيل وعدم مواجهتها، أيضًا التعاون مع التحالف الدولي الذي هو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للقضاء على داعش، وقد يكون هنالك الكثير من التفاهمات السرية الأخرى غير المعلنة.

فإذًا زيارة الشرع في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 تستند على مجموعة من المعطيات السابقة وإعلان لبعض التفاهمات المتفق عليها قبل وصوله إلى واشنطن، حيث بدأت بهدية رفع أسماء قادة دمشق عن لوائح الإرهاب العالمية، ومن ثم الإعلان عن انضمام دمشق إلى التحالف ضد داعش والقوى الجهادية الأخرى، واستكمال تعويم الرئيس الجديد لسوريا والايحاء العالمي بالثقة والرغبة بمساعدته في تخطي العقبات السياسية والاقتصادية، خاصة المتعلقة بإعادة إعمار سوريا. 

وعند النظر في الزيارة لا بد من تذكر ملف العقوبات، فالولايات المتحدة فرضت عقوبات عديدة على سوريا أهمها قانون قيصر، والتي تقيد التعاملات الاقتصادية مع دمشق، حيث يسعى  قادة دمشق الآن بمساعدة السعودية وقطر وتركيا إلى رفعها كخطوة ضرورية لإعادة الإعمار، مع إصرار واشنطن على بعض الاشتراطات لوقف العمل بقانون قيصر، وذلك لأسباب كثيرة أهمها مسألة الثقة بالقيادة الجديدة فيما يخص موضوع الإرهاب الإسلاموي وموضوع استقرار سوريا وحماية الأقليات واندماج قسد في الدولة السورية.

كذلك يمكن أن يكون أحد أهداف الزيارة هو إعادة الدمج الإقليمي والدولي للدولة السورية، فالزيارة التي ترافقت مع دعم إعلامي كبير الدعم  تعد تحولاً دبلوماسياً من العزلة إلى الحوار والسعي لخلق شراكات جديدة، بما في ذلك التعاون في مكافحة الإرهاب والتعاون الاستخباراتي. وتعتبر الزيارة أيضاً محاولة  من الشرع للاستفادة من الاعتراف الدولي به وخاصة الولايات المتحدة، من خلال التعبير عن رغبته  في استقرار الدولة وفي حل المشاكل القديمة والتوترات المناطقية، خاصة في شمال شرق سوريا وجنوبها.

لكن يبقى السؤال الأهم:  هل كانت الزيارة مفيدة للشعب السوري أم هي مفيدة للقيادة الجديدة في سوريا؟ هذا يعود بنا إلى دور الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، فلا شك أن الولايات المتحدة وسعت نفوذها في المنطقة على حساب تراجع الدور الروسي فيها، وأصبحت أكثر قدرة على بسط سيطرتها السياسية والعسكرية في مواجهة الصين وروسيا، خاصة أن هذا يعتبر أولوية أميركية تستبق العوائد الاقتصادية، وبالذات بعد الصراع الدولي على النفوذ التي أبرزته الحرب الأوكرانية.

هذا يؤكد أن أنظمة المنطقة أعطت موافقتها على هيمنة الولايات المتحدة الصريحة والواضحة على كل دول الخليج والشرق الأوسط وشمال ووسط أفريقيا ووسط آسيا، مما يجعل الصين محاصرة عسكريًا، وهو مقدمة للحصار الاقتصادي، فالوضع العالمي في حالة إعادة تموضع، وكما يقال في الأدبيات السياسية إعادة تقاسم الأسواق ومنابع المواد الأولية ومناطق النفوذ السياسية والعسكرية. 

على هذا الهامش بما يخص سوريا فهي جزء من المشروع الأميركي الكبير وتعمل على استقراره بما يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل، ويمكن أن نلحظ تسهيلات كبيرة (مشروطة أحيانًا) لاستقرار السلطة الجديدة ومساعدتها على حل المشكلات الداخلية، خاصة مع قسد والجنوب السوري، وكذلك ضرب القوى المتطرفة التي تسعى للسيطرة.

لا ننسى أن الشعب السوري بحاجة إلى استقرار ولو مشروط بعد هذه الفترة الطويلة من الحرب الأهلية، وتدمير كل مقدرات الدولة والمجتمع ووصوله إلى حافة الفقر والتشرد، وواقعيًا لن يستطيع هذا الشعب القيام بفعل سياسي حقيقي ضد كل انتهاكات أميركا أو إسرائيل أو أي سلطة استبدادية داخلية أو بناء دولته التي يحلم بها كدولة مواطنة دون الاستقرار وإعادة الإعمار وتطور الوضع الاقتصادي، ونحن اليوم بحاجة لمحاربة الفقر وعودة المهجرين/ات وتحسين البنية التحتية. 

أما بالنسبة إلى السلطة الانتقالية فهذه فرصة كبيرة لتثبت رغبتها بالاستقرار وبناء مؤسسات الدولة وبسط السيطرة وتحقيق الأمن والأمان للشعب وعمل ما يلزم لتحسين أوضاع الناس الاقتصادية، ولا شك أن التوازنات الدقيقة الداخلية والخارجية تحكمها، وهذا يتطلب مشاركة جميع الوطنيين/ات في سوريا للضغط باتجاه أن تكون هذه الفرصة المقدمة حقيقية، لتشمل حوار وطني حقيقي بين جميع مكونات الشعب تنتج عنه مصالحة وحكومة وطنية موسعة تهيئ الأرضية المناسبة للتقدم بخطوات واضحة نحو الاستقرار، وتفتح المجال لبناء الأحزاب، والانتهاء من الحلول عبر الحروب الأهلية، والانتقال إلى العمل السياسي وفق متطلباته المعروفة.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية