الصراع على المنطقة… سوريا إلى أين؟
- تاريخ النشر: 8 نوفمبر 2024
- |
تستمر شدة الصراع في المنطقة دون وجود أي مؤشرات على قرب أو شكل النهاية التي ستستقر عليها، وفيما تظهر إسرائيل كقوة مهيمنة، تستمر في حرب إبادتها ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وتتصاعد فيها أصوات اليمين المتطرف لإعادة احتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وتطلق العنان لمستوطنيها وجنودها للقيام بالانتهاكات بشكل وقح وسافر وغير معترِف بأي شرعة دولية أو قوانين أو اتفاقيات. لتستفيد من فرصة لم تتح لها منذ أمد بعيد، فهي اليوم ليست خارج إطار السيطرة بالعكس فهي تحصل على الدعم غير المشروط سواءً إعلامياً أم عسكرياً، ليس فقط من راعيتها أمريكا بل ومن كثير من الدول الأوروبية التي لوت قوانينها الوطنية لتوائم احتياجات الدولة التوسعية الاستيطانية في المنطقة.
ومع توسع رقعة الحرب لتشمل لبنان، الذي تحول كذلك إلى دولة مستباحة، يبدو أن الهدف منها يتجاوز القضاء على حزب الله بعد كل الضربات المدمرة والاغتيالات المركزة التي طالت قيادات الصف الأول والثاني والثالث حتى من الحزب وأنصاره، وكذلك مخزون الأسلحة التي يمتلكها، فلقد تعدى هدف الحرب إبعاد حزب الله عن الحدود الشمالية وإقصاءه إلى ما وراء الليطاني، ليصبح تحويل جنوب لبنان إلى منطقة خالية من السكان بعد تسوية القرى والبلدات فيه على الأرض. كما يبدو أن الحل الذي تم طرحه من إعادة العمل بالقرار 1701 وكأنه يحتاج إلى أشهر طويلة من الدمار والتهجير والقتل حتى يصبح قابلاً للتطبيق، وقد لا يكون كذلك حسب أجندات آلة الحرب الإسرائيلية.
من جهة ثانية، وبعد انتظار لشكل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية، بدا الرد الإسرائيلي وكأنه جاء متناغماً، بل وأكثر من ذلك متفقاً عليه، وذلك بعد الدعوات الأمريكية والدولية لعدم توسيع رقعة الحرب أكثر، فهل كانت إسرائيل فعلاً راضخة لهذه الضغوط بحيث وفّقت ردها ضمنه؟ وعلى الرغم من محاولة إيران تحجيم خسائرها والحد من حجم الضرر الذي أصابها، إلا أنه كما يبدو كانت الضربات تهدف للحد من قدرات إيران العسكرية وخاصة ما يتعلق بإنتاج الصواريخ البعيدة المدى، بينما نأت هذه الضربات عن مناطق إنتاج وتصدير النفط. وعلى الرغم من ذلك فلا يبدو أن هذا الملف أصبح من الماضي، فما تزال الحرب الإعلامية والدعوات للرد والرد المضاد واستعراض القوة مستمراً بين الجانبين.
سورياً تبدو الأوضاع أكثير تعقيداً، فما بدا كاستنقاع طويل ظهر فيه النظام السوري كمنتصر يسعى الجميع لقبوله مجدداً والتطبيع معه، يبدو أنه انتهى ودخلت سوريا في مرحلة جديدة ومتفجرة من التصعيد الذي لا يعرف مصيره:
- فبسبب تصاعد الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله وإيران، تحولت سوريا لساحة تصفية الحسابات معهما، خاصة وأنه بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تزايدت العمليات الإسرائيلية ضمن سوريا ضد أهداف إيرانية ومواقع تابعة لحزب الله، كما تزايدت عمليات الاغتيال في الأراضي السورية، والتي لم تعد تراعي سقوط ضحايا مدنيين/ات أو استهداف مناطق سكنية مكتظة، خاصة وأنه بعد توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان ومناطق تمركز حزب الله، تحولت سوريا إلى مناطق تمركز جديدة لقياداته وعناصره، بالإضافة إلى القيادات الإيرانية والتي أصبحت ضمن نطاق الاستهداف الجديد لإسرائيل من خلال عمليات الاغتيال النوعية التي قامت فيها في مناطق دمشق. كما تحولت عدة مناطق سورية أخرى إلى مناطق استهداف لكونها مناطق تخزين أسلحة، كما الضربة التي استهدفت مخازن أسلحة قرب مطار حميميم في اللاذقية أو الضربة الأخيرة في السويداء التي استهدفت مناطق تخزين أسلحة. وحسب احصائيات هناك أكثر من 100 ضربة إسرائيلية لمناطق سورية مختلفة خلال السنة الأخيرة فقط.
- شهدت سوريا دخولاً للقوات الإسرائيلية في الأراضي السورية من جهة القنيطرة والجولان السوري، حيث أعادت تمركزها بعد إزاحة السياج الحدودي داخل الأراضي السورية، وهو ما تبرره إسرائيل بضرورة الدفاع عن النفس ضد الهجمات الإيرانية والميليشيات التابعة لها سواء حزب الله أو الحشد الشعبي.
- وفي الإطار نفسه يمكن ملاحظة التدخلات الإسرائيلية المباشرة والشبيهة بالعملية التي تمت في منطقة مصياف، نجد اختطاف مواطن سوري بعملية تدخل بري في القنيطرة بحجة تعامله مع الحرس الثوري الإيراني.
- وفي مناطق شمال سوريا لم يكن الوضع أفضل حالاً، حيث تصاعدت وتيرة الضربات الروسية وضربات النظام لشمال غرب سوريا، فيما تصاعد التوتر بين الفصائل في المنطقة. كذلك جاءت الضربات التركية لشمال شرق سوريا لتستهدف البنى التحتية وذلك بعد العملية التي تبناها حزب العمال الكردستاني في أنقرة. بالإضافة إلى التوترات المستمرة المرتبطة بالتواجد الإيراني في المنطقة، وهو ما تمظهر كذلك بتزايد عمليات داعش التي استغلت الأوضاع المتوترة في المنطقة لتعيد نشاطها وتمددها.
إن الأوضاع في المنطقة عموماً وسوريا على الخصوص لم تكن في أي وقت على هذا القدر من عدم اليقين والغموض. فللأسف كل شيء خاضع للتكهنات والتوقعات والتساؤلات، ومرتبط بالقوى الإقليمية والدولية أكثر مما هو مرتبط بالسوريين/ات أنفسهم مهما كان الطرف الذي ينتمون إليه، فهل ستتصاعد حدة المواجهة بين إيران وإسرائيل أكثير مما هي عليه حالياً؟ وهل سيكون على النظام السوري الخروج عن صمته المطبق تجاه الانتهاكات الكبيرة الواقعة على أراضيه والقيام بخطوات تضمن بقاءه ونفوذه في مناطقه والخضوع للإملاءات الروسية والخليجية ومن وراءها إسرائيل، وبالتالي فك الارتباط مع إيران والقيام بخطوات حقيقية تجاه حزب الله وملف الكبتاغون، لا سيما أن التوقعات ترجح انتقال نفوذ حزب الله إلى سوريا وبالتالي تحول الأراضي السورية إلى ساحة حرب محتملة بين إيران وإسرائيل؟.
وهل سيكون الوضع الحالي مؤاتياً لتدخل أوسع من تركيا في الأراضي السورية وضم المزيد من الأراضي الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية إلى مناطق الجيش الوطني وبالتالي النفوذ التركي؟ خاصة وأن الحديث التركي عن التطبيع مع النظام تمَّ نعيه بالقول أنَّ النظام ليس جاهزاً له، والأوضاع في المنطقة تشهد تصاعداً عسكرياً غير مسبوق؟
وأخيراً، هل سنشهد تحولات مهمة مرتبطة بوصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، وهو المعروف بدعمه غير المشروط لإسرائيل وجرأته على اتخاذ قرارات لم تكن أمريكا تقوم بها سابقاً مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟
كل ذلك وأكثر يترك المنطقة وسوريا على صفيح ساخن يدفع فيه سكان المنطقة رجالاً ونساءً الثمن الأكبر، زيادة في أعداد النازحين والنازحات واللاجئين واللاجئات سواء كانوا سوريون/ات أم لبنانيون/ات أم فلسطينيون/ات، فكيف والشتاء على الأبواب وبدأنا نسمع أصوات الاحتياجات الكبيرة لمواجهته، وسط تشتت وتضارب في القرارات والمصالح الدولية والإقليمية لا يعرف كيف وعلى ماذا سترسو.
إننا في الحركة السياسية النسوية السورية، نرى أن على المجتمع الدولي والأمم المتحدة اتخاذ ما يجب من إجراءات لضمان تنفيذ القرارات الدولية التي تجعل المنطقة أكثر استقراراً وأمناً سواء القرار 2254 وجميع القرارات الدولية ذات الصلة وتحديداً 2118 وبيان جنيف، أو القرار 1701 الخاص بلبنان أو قرار حل الدولتين الخاص بفلسطين. فشعوبنا عانت الأمرين وما تزال تدفع الأثمان الكبيرة، وما لم يتم تحقيق الاستقرار ووضع حد للدول الأقوى والخارجة عن السيطرة في المنطقة سواءً إيران أو إسرائيل، فلن يكون لنا مستقبل آمن لعشرات السنين المقبلة.
اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية