عودة سوريا للجامعة العربية: تحولات السياسة الإقليمية وتأثيرها على الأزمة السورية

 

عندما بدأت الأحداث تتفاقم في سوريا في عام 2011، راقبت الدول العربية وخصوصًا الدول الخليجية تطور الأحداث بحذر، ثم سرعان ما انضمت إلى معسكر المعارضة الراغب في إسقاط نظام بشار الأسد. لم تكتفِ الدول الخليجية بتجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية أو قطع العلاقات مع بشار الأسد، بل رأت في تطور الأحداث فرصة للتدخل العسكري لإسقاط نظامه وتحقيق مصالحها السياسية والاستراتيجية في المنطقة. بدأت هذه الدول في تقديم الدعم لعدة فصائل من المعارضة المسلحة، كما دعمت المعارضة السياسية وزادت من الضغط السياسي والدبلوماسي لتغيير النظام السوري، وكان هذا الموقف مبنيًا على اعتبارين أساسيين: أن النظام السوري كان يستخدم العنف الطائفي، وكان في تحالف قوي مع إيران، مما يشكل تهديداً لاستقرار دول الخليج. بالتالي رأت هذه الدول في الأزمة السورية فرصة لتقويض نفوذ إيران من خلال السعي للإطاحة الأسد.

وبعد “النصر” العسكري الذي حققه النظام السوري بدعم من إيران وروسيا عام 2018، انقسمت الدول العربية في سوريا بين القبول بالوضع الراهن والمصالحة مع بشار الأسد، وبين الاستمرار في الضغط السياسي والدبلوماسي لتحقيق تغيير في النظام.  استعادت الإمارات والبحرين العلاقات مع بشار الأسد، في حين بقيت السعودية متمسكة بموقفها الصلب. ومؤخرًا، بدأت الإشارات تظهر بوجود تغيير في الموقف السعودي خطوات تمهيدية لاستعادة العلاقات بين السعودية وسوريا. مع رفض قطر والكويت والمغرب واليمن لهذه العودة لأسباب مختلفة، منها أن دمشق لم تتخذ أي إجراءات من شأنها أن تستدعي إعادة تأهيل النظام السوري. ومع ذلك، لم يمنعوا عودتها للجامعة العربية.

بعد مضي اثني عشرة عامًا من الحرب الدموية في سوريا التي تسببت في مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، وتشريد الملايين من السوريات والسوريين، والأراضي السورية مقسمة بين سلطات متنازعة. وعلى الرغم من التهم الموجهة إلى بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب، تم التوصل بين دول الجامعة العربية، بقيادة السعودية إلى استعادة سوريا عضويتها في الجامعة. حيث رحبت الجامعة العربية في بيانها الختامي في البند الثالث بعودة سوريا بعد سنوات من العزلة وأعربت عن أملها في أن يساهم هذا القرار في “استقرار ووحدة سوريا”.

 عودة سوريا إلى الجامعة العربية تعكس تحولاً في كيفية رؤية الأطراف الإقليمية لبقاء حكومة بشار الأسد، والتي غالبا ما تتعارض مع وجهات النظر الغربية. توصلت العديد من الدول العربية إلى نتيجة مفادها أن معالجة مشاكل سوريا تتطلب التعامل مع دمشق. الأمل هو أنه من خلال التخفيف من حدة الصراع، يمكنهم البدء في عكس المشاكل المرتبطة بها مثل شبكات تهريب المخدرات، وأزمات اللاجئات/ين، وأمن الحدود الضعيف، والدور المكثف للقوات الإيرانية والميليشيات المدعومة من طهران في سوريا.

من جانب آخر؛ تعتبر استعادة عضوية سوريا الكاملة في جامعة الدول العربية “نصرًا” هامًا للنظام السوري، حتى وإن كان رمزيًا. إنه يدل على إعادة دمج سوريا في المنطقة ويعزز شرعيته. ومع ذلك؛ فإن عملية إعادة الدمج هذه لا تحقق تغييرًا ملموسًا كبيرًا. إن سوريا في حاجة ماسة للمساعدات والاستثمارات التي لا يمكن للدول العربية توفيرها، بسبب العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الغرب، ولا سيما قانون قيصر. ومع ذلك، يُعتقد أن هذه العقوبات عابرة وأن الولايات المتحدة سترفعها أو تخففها، مما يتيح لهذه الدول وخاصة السعودية والإمارات الاستثمار في سوريا وزيادة نفوذها الجيوسياسي في البلاد.

 هنالك العديد من العوامل التي تفسر التحول في السياسة السعودية. أبرزها هو الرغبة الشديدة للمملكة العربية السعودية في تقوية صورتها كأكثر الدول العربية نفوذاً وأهمية. بالإضافة إلى ذلك، السعودية تسعى لتنويع اقتصادها وتحقيق الازدهار، مما يتطلب الأمن والاستقرار الإقليمي ومواجهة التدخل الإيراني و”الفوضى الناتجة عن ثورات الربيع العربي”. وعلى هذا النحو، قررت السعودية مواجهة إيران بوسائل مختلفة عما سبق، وقد بدأت هذا في 10 آذار 2023 بالإعلان عن نجاح الوساطة الصينية لاستعادة العلاقات بين البلدين، وفي السياق نفسه تم التطبيع مع النظام السوري.

ومع ذلك؛ إعادة العلاقات مع سوريا ليست هدفًا في حد ذاته. فبمجرد استعادة العلاقات لا يمكن تحقيق الأهداف السعودية والعربية في استقرار الأوضاع. وهذا ما تم التأكيد عليه في البيان الختامي لاجتماع الجامعة العربية والقرار الوزاري الصادر في القاهرة في 7 أيار برقم 9481، الذي يعتمد التعامل مع سوريا على أساس القرارات الدولية وبخاصة قرار مجلس الأمن 2254. والتأكيد على عودة سوريا المأزومة إلى الجامعة العربية هي خطوة تدريجية كبيرة، ومن المتوقع أن يقوم النظام السوري بالخطوة التالية.

 تطلب الدول العربية من نظام الأسد تنفيذ مجموعة من المطالب التي تعتبر شروطًا واضحة للمضي قدمًا في عملية التطبيع. الأمر يشمل ضبط حدود سوريا ومنع تسلل الجماعات الإرهابية والتنظيمات الإجرامية، بما في ذلك تجارة المخدرات، وبالتحديد المخدر المعروف بـ الكبتاجون الذي يتم تصنيعه في سوريا ويجلب أرباحًا ضخمة للمنتجين. حيث هناك تقارير تشير إلى تورط نظام الأسد في هذه الأنشطة على الرغم من نفيه لذلك.
كما تطالب الدول العربية بالسماح لدمشق بتدفق المساعدات لكل الأفراد الذين يحتاجون إليها في سوريا، بغض النظر عن المنطقة التي يعيشون فيها، سواءً كانت تحت سيطرة النظام أو خارجها. يهدف هذا المطلب إلى تحسين ظروف السوريات والسوريين داخل بلادهن/م، ويعد أمرًا هامًا لتحقيق المطلب الآخر، وهو عودة اللاجئات/ين السوريات/ين بأمان إلى وطنهن/م.

بالإضافة إلى ذلك؛ تتضمن التسوية السياسية بدء عملية تسوية دائمة للأزمة السورية من خلال المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة، وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات لإعادة بناء النظام في سوريا وفق القرار 2254. أما بالنسبة للقوات الأجنبية؛ يعتبر انسحاب القوات الإيرانية في المقام الأول وانسحاب القوات التركية في المرتبة الثانية مهمًا بالنسبة للدول العربية.

رغم صعوبة المطالب السابقة؛ إلا أنه تم التفاوض عليها كشرط للتطبيع، من جهة أخرى يسعى بشار الأسد إلى تحقيق أهداف واضحة في الحصول على دعم اقتصادي عربي لإعادة إعمار سوريا وتلبية الاحتياجات الأساسية للسوريات/ين الذين يعانون من ظروف صعبة، ويدرك أن الاستقرار في السلطة يتطلب حل مشكلات اقتصادية حادة وتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية. كما يسعى أيضًا للحصول على دعم مباشر لشرعيته والطلب من الدول العربية الضغط على الدول الغربية لتجميد العقوبات المفروضة عليه.

مع ذلك؛ يطرح السؤال ما إذا كان النظام السوري قادرًا على تحقيق الحل في ظل وجود مصالح متضاربة للأطراف المختلفة. حيث توجد دول تمتلك مصالح ونفوذًا كبيرًا في سوريا، وقد تكاد تحتلها، مثل تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة.  لذا؛ يتطلب الأمر التعامل مع هذه الاعتبارات المعقدة للوصول إلى حل دائم وشامل للأزمة في سوريا.

 لذلك نحن في الحركة السياسية النسوية السورية؛ نأمل أن تلعب الجامعة العربية ودولها دورًا فاعلاً في تسوية الأزمة السورية وفقًا للقرار 2254 وتطلعات الشعب السوري، وذلك برعاية الأمم المتحدة. وضرورة ربط أي جهود للتطبيع مع النظام السوري بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب.

مع ذلك؛ نرى أنه ينبغي أن يتعامل القادة العرب بحذر مع خطوة التطبيع، حيث إن مصافحة الأسد تعتبر تبريرًا لجرائمه. فالجرائم ضد الإنسانية ليست “وجهات نظر” قابلة للتغيير حسب المصالح. ولا ينبغي نسيان أن اللاجئات/ين السوريات/ين تهجروا بالقوة نتيجة للاضطهاد والاعتقال والقصف، وعودتهن/م تنطوي على أخطار كبيرة من الاعتقال والتعذيب والإعدام. وأن الأسد غير قادر على تحقيق الاستقرار في سوريا في ظل الفساد الاقتصادي والإداري الذي ما يزال موجودًا.  وقد حوّل نظام الأسد سوريا إلى دولة مخدرات كبرى وهو غير قادر على السيطرة عليها ومتورط بها.

 وفي نفس السياق هناك بعض التأثيرات المحتملة للتطبيع على النساء السوريات، حيث يؤدي التطبيع دون تحقيق إصلاحات حقوق الإنسان في سوريا، ودون مراعاة محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى استمرار انتهاكات حقوق النساء واستمرار العنف ضدهن. ويتواصل التعتيم على جرائم الاغتصاب والتعذيب والتمييز الجنسي التي تعرضت لها النساء في سوريا. قد تتعرض النساء للاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري والتحرش الجنسي، وتكون عرضة للعنف الجنسي في سياق النزاع. ويتم تعزيز حالة الإفلات من العقاب ويؤثر سلبًا على سلامة وحقوق النساء.

 التطبيع العربي مع النظام السوري قد يؤثر على النساء النازحات واللاجئات السوريات في الدول العربية. قد يزيد من عدم استقرار وضعهن ويزيد من التهميش والتمييز الذي يعانينه أساسًا. يؤدي التطبيع دون العمل على تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا إلى ضعف مشاركة النساء في العملية السياسية واتخاذ القرار. كذلك قد تواجه النساء تحديات في الوصول إلى المناصب القيادية والمشاركة في صنع القرارات ذات الصلة بمستقبلهن ومجتمعهن.

نأمل في الحركة السياسية النسوية السورية أن يحفز الإجماع الإقليمي بشأن سوريا على معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، والتأكيد على أن لا مستقبل لسوريا مع وجود أي حكم استبدادي.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية