قراءة في كتاب فاطمة المرنيسي “هل أنتم محصنون ضد الحريم” الجزء الأول
- updated: 21 يوليو 2020
- |
*أسامة العاشور
عملت كتاباتُ المرنيسي على تقويض التصور الثابت عن المرأة في الثقافة الذكوريّة مثل: المرأة الشيء، والمرأة الدونيّة، والمرأة المثال، والمرأة الرمز… لصالح بناء نموذج المرأة الإنسان واعتمدت تفكيك مفهوم الحريم في الثقافة السائدة وتعرية الجانب المستتر والمخفي مما كان يجري في أروقة قصور هارون الرشيد وردهات سرايا السلطان عبد الحميد ورؤية المستشرقين له فماذا يحصل حين يختزل الملك أو السلطان كيان المرأة بالجسد ؟وعندما تأسر المرأة “سيدة الغواية” “صاحب السلطة والثروة الدراية”.
فمن هي فاطمة المرنيسي ؟
ولدت في فاس عام ١٩٤٠، لعائلة بورجوازية محافظة مقربة من الحركة الوطنية المغربية وعاصرت في طفولتها ظاهرة “الحريم” في بيوت الطبقة الغنية. درست في الرباط، قبل أن تنتقل إلى فرنسا ثم إلى أميركا. عملت باحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط، وبكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس)، وعضواً في مجلس جامعة الأمم المتحدة.
أسست مبادرة “قوافل مدنية من أجل حقوق المرأة “، كما ساهمت في إطلاق تجمع “نساء، أسر، أطفال”. في المغرب وتوفيت في مدينة برلين تشرين الثاني 2015.
مشروعها الفكري:
حاولت تفكيك الأنماط الاجتماعية التقليدية من خلال التناول المباشر للنصوص الإسلامية، أو من خلال نقد الأدبيات الفقهية ذات الدور الحاسم في إنتاج القوانين الوضعية والتي تكرس الأطر الاجتماعية لوضعية المرأة العربية المسلمة. ورأت فجوة بين النص الديني – كإطار متقدم لحرية المرأة – ودور المرأة في بداية التاريخ الإسلامي بالتعامل مع الجنس وتوزيع السلطة في الفضاء الاجتماعي، وبين الواقع التاريخي الذي اتخذ منحى تراجعياً تقييدياً في عصور ما بعد النبوة، أدّى إلى أن تبقى صورُ المرأة النمطيّة السلبيّة متجذّرةً في الوعي الذكوريّ.
في بداية التسعينيّات تخلّت المرنيسي عن النسويّة لتكرّس نفسَها في نشاطين أساسيين: كتابة الرواية، وتدعيم المجتمع المدنيّ في المغرب.
منهج المرنيسي:
للكشف عن سيطرة التصوّر الذكوريّ في المنظور الثقافيّ والدينيّ والاجتماعيّ، وتغييب حضور المرأة وحقوقها اعتمدت المرنيسي “الكتابة المتحوّلة” كوسيلةً تعبيريّة لا تراعي الايقاع التاريخي الخطي الذي يضبط سير الوعي أو تطور اللغة بل تعاقب للقطائع و الانشقاقات و التصدعات والاختلافات.
جاذبية المرنيسي:
تجمع المرنيسي في شخصيتها ومسيرتها الأدبية والعلمية والعملية جوانب من الرائدة النسوية جوليا كريستيفا، والتي قدّمتْ سنة 1986 دراسة عن النقد الأدبيّ النسويّ أوضحتْ فيها ضرورة المساواة بين المرأة والرجل في الصور والشفرات والعلامات والدلالات التي تتجلّى في الآداب والفنون، وفي غيرِها من النظم التي تصوغ العقول ووجهاتِ النظر، وتصوغ من ثم السلوكَ تجاه الآخر في المجتمع. كما تشبه في بعض أطروحاتها الاجتماعيّة والإبداعيّة، فرجينيا وولف، التي اتّهمت العالمَ الغربيّ بأنه مجتمعٌ أبويّ منع المرأةَ من تحقيق طموحاتها الفنيّة والأدبيّة، إضافةً إلى حرمانها اقتصاديًّا. وهي تشبه سيمون دو بوفوار، التي تزعّمت الحركة النسائيّة حينما أصرّت على أنّ تعريف المرأة ينبع دائمًا من ارتباطها بالرجل، فتصبح “آخرَ” (موضوعًا) يتّسم بالسلبيّة، بينما يكون الرجلُ ذاتًا سِمَتًها الهيمنةُ والرفعةُ والأهميّة.
مؤلفاتها:
“الحريم السياسي”، “هل أنتم محصنون ضد الحريم”، “الجنس والأيديولوجيا والإسلام”، “ما وراء الحجاب”، “الجنس كهندسة اجتماعية”، “الإسلام والديمقراطية”، “شهرزاد ترحل الى الغرب”، “أحلام الحريم”. كما كتبت شبه سيرة ذاتية تحت عنوان “نساء على أجنحة الحلم”.
حصلت المرنيسي في 2003 على جائزة أمير أستورياس للأدب مناصفة مع سوزان سونتاغ. وفي 2004 على جائزة “إراسموس” الهولندية إلى جانب الدكتور صادق جلال العظم والإيراني عبد الكريم سوروش، كما اختيرت عام 2003 عضواً في لجنة الحكماء لحوار الحضارات التي شكلتها اللجنة الأوروبية برئاسة رومانو برودي.
هل أنتم محصّنون ضدّ الحريم:
في كتابها هذا توجه المرنيسي نقدها إلى وضعية المرأة في المجتمع الغربي وتشير إلى واقع الاستلاب والعبودية المقنعة التي يسوّق إعلامياً وينظر إلى المرأة بوصفها دمية أو عارضة أزياء. وتحاول إبراز التصورات التي رسمتها وكرستها المخيلة الغربية لنساء الشرق، وأصبحت نسقًا سيطر على كافة الأعمال الأدبيّة والفنيّة على اختلافها؛ كالرسم والباليه والسينما، انطلاقاً من مصطلح الحريم وصورته الذهنية كمكان متخيّل، مليء بالإثارة والسّحر والرغبات الدفينة، التي تصور المرأة كمحظية مستسلمة Odalisque وهو ما نراه في أعمال جان دومنييك آنجر (1780 ـ 1867) ودولاكروا (1798 ـ 1863) وصولاً إلى هنري ماتيس (1869 ـ 1954) وبابلو بيكاسو (1881ـ 1973) وهو ما جعل الغربي يقع أثيرًا لهذا السّحر، ويسعى خلف أسطورة الشرق الغامض الشبق الغير عاقل الكسول الذي يستحق أن يُستعمَّر وأن يُضبَّط و توصّلتْ المرنيسي إلى مجموعة من الأفكار المتميّزة، منها:
– توضيحَ مفهوم الحريم، وتصحيحَ التأويل الخاطئ له.
– أنّ الارتباط العضويّ بين الغزو العسكريّ وعبوديّة النساء شكّل ثابتًا بالنسبة إلى كلّ ثقافات الحريم: اليونانيّة، والرومانيّة، والإسلاميّة ـ التركيّة.
– لم يرتبط الحريمُ بمجيء الإسلام، بل تأتّى مع ثقافات سابقة عنه، كالمنظومة الاجتماعيّة الرومانيّة واليونانيّة.
– استمرار الحلم بالحريم يسيطر على الإنسان الغربيّ كذلك، رغم ثوراته الاجتماعيّة الكبيرة. لكن واقعه السوسيوثقافي يحُول بقوة بينه وبين انعكاس هذا الهوس واقعيا فيستعيده عبر الفن ولكن ما هو مفهوم الحريم ؟
يتبع …