من غزة إلى طهران… رسائل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران
- updated: 9 سبتمبر 2020
- |
*جليلة الترك
عقب انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران في أيار 2018 فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ومالية ونفطية خانقة ضد إيران، أدت إلى انهيار الاقتصاد الإيراني وتدهور سعر صرف العملة الوطنية بسبب النقص في احتياطيات النقد الأجنبي بعد تراجع الصادرات النفطية التي تشكل 80 % من مجمل الصادرات الإيرانية وهروب الشركات الأجنبية النفطية العاملة في إيران مثل توتال الفرنسية وميرسك تانكرز الدنماركية، بالإضافة إلى تخلّي مؤسسات مالية وبنوك أجنبية عن أعمالها في إيران خوفاً من العقوبات. على أثر ذلك بدأت طهران توجّه رسائل غاضبة في الخليج العربي من خلال احتجاز سفن النفط الأجنبية وتهديدها بعدم السماح لغيرها من الدول بتصدير النفط من مضيق هرمز، إضافة إلى اسقاط طائرة أميركية فوق مياه الخليج والهجوم على منشآت النفط في السعودية. في البداية استوعبت واشنطن هذه الرسائل والضربات وقابلتها بنوع من ضبط النفس، وبعد فشل الحلفاء الأوروبيون واليابانيون الذين دخلوا على خط التهدئة في تحقيق أي نجاح ، تطورت الرسائل لتشمل استهداف مباشر للمواقع العسكرية الأمريكية من قبل الميلشيات الإيرانية في العراق ولتعم المنطقة من طهران إلى غزة، صندوق البريد السياسي والأمني بين الطرفين.
فصل الساحات
وعلى وقع صميم إدارة الرئيس ترامب على الاستمرار في العقوبات ضد إيران وتماشياً مع تكثيف الضغوط عليها، بادرت واشنطن بإرسال رسالة صاعقة كان عنوانها بغداد الساحة الأقرب، حيث قامت مطلع العام الحالي باغتيال الرجل الثاني في النظام الإيراني “قاسم سليماني”، مهندس التمدد الإيراني في المنطقة خلال العقد الماضي والممسك بخيوط لعبة العسكر والاستخبارات مع الوكلاء في مختلف الساحات. الرسالة كانت حاسمة بخصوص النفوذ الإيراني الذي يزعج واشنطن والحلفاء في المنطقة بالإضافة إلى رغبة أميركية مفادها “نريد فصل الساحات” فمن الآن وصاعداً التفاوض سيكون على القطعة وليس على مجمل الملفات كما حصل في الاتفاق النووي مع إدارة أوباما. وبالفعل راحت واشنطن تتواصل بشكل مباشر مع وكلاء إيران، فتمكنت من عقد صفقة مع حزب الله تم بموجبها الإفراج عن “عامر الفاخوري” المحتجز في لبنان لتعامله مع إسرائيل وبالمقابل أفرجت واشنطن عن “قاسم تاج الدين” المحتجز في الولايات المتحدة لتعامله مع حزب الله، بالإضافة إلى ذلك كشفت إدارة ترامب عن توجيه رسائل إلى بشار الأسد، تتعلق برغبة واشنطن بإجراء حوار مباشر للكشف عن مصير الصحفي الأمريكي، أوستن تايس، الذي اختطفقبل 8 سنوات في سوريا.
حدود المناورة
التهديدات لإيرانية بعد مقتل سليماني ضلّلت الكثيرين ممن ظنوا أن الرد الإيراني سيقود لمنطقة مباشرة إلى حرب، إلا أنه كان محدوداً ولم يستتبع أردات فعل أمريكية خارجة عن المألوف. وبقيت معظم الرسائل المتبادلة بين الطرفين ضمن هذه الحدود، مما يشي بأن التصعيد بينهما وإن كان يصل أحياناً إلى ذرىً جديدة، كما في حالة مقتل سليماني وإسقاط الطائرة الأمريكية فوق مياه الخليج العربي، إلا أنّه يبقى مدروساً ومحكوماً بعدم رغبة الطرفين في الانزلاق نحو حرب كبرى، والتي من شأنها إن حصلت، أن تشعل الجبهات كلها مرة واحدة على امتداد الساحات من غزة إلى طهران. ولا شيء يضمن حينها أيضاً عدم فتح شهية بعض الدول في التدخل لتشكيل محاور متقابلة وتحوّلها إلى حرب عالمية، وهذا ما لا يسعى إليه الطرفان ضمن المعطيات الدولية المتوفرة.
الأهداف القريبة والبعيدة
طهران تريد الحفاظ على الاتفاق النووي بصيغته وأطرافه الحالية كما هي، مع تعزيز حضورها في الإقليم كتعويض عن حرمانها من السلاح النووي. بدورها ترى واشنطن في عهد ترامب أ أطرافاً أخرى غيرها في الاتفاق مع إيران مجحف بحقها كدولة تقود العالم، علاوةً على أن السلوك الإيراني في الإقليم يهدد مصالحها ويؤرق الحلفاء. لذلك تضغط واشنطن من أجل جرّ طهران إلى التفاوض من جديد معها وبشكل ثنائي فقط وتريد أن تضيف إلى الاتفاق النووي ملفات أخرى مثل تعاظم التمدد الإيراني بالإقليم وبرامج التسلّح الصاروخية. بينما تستنفز إيران الدول الأخرى، الأطراف في الاتفاق، خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي للتحرك من أجل المحافظة على الاتفاق، وتناور لكسب الوقت مراهنةً على فوز الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، وما يعنيه ذلك من عودتها إلى الاتفاق الحالي ورفع العقوبات وهو ما تشترطه طهران قبل الدخول في أي مفاوضات جديدة على ملفات أخرى.
رسائل نارية بالتزامن مع نفاذ الوقت
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ارتفعت وتيرة التصعيد متضمنة رسائل سياسية وعسكرية في كل الساحات، تفجيرات غامضة ضربت المرافق الحيوية في طهران، عقوبات بموجب قانون قيصر على الحليف الأسدي، دعم أمريكي للثورات في لبنان والعراق والتي تنادي بإنهاء الهيمنة الإيرانية وسحب سلاح المليشيات، تهديدات بتطبيق عقوبات بموجب قانون “ماغنيتسكي” على حزب الله وحلفائه في لبنان، وصولاً إلى التهديد بتفعيل آلية “سناباك” التي تعني تطبيق كل العقوبات الأممية على إيران كما كانت عليه قبل الاتفاق، الأمر الذي لا يمكن أن تحتمله طهران. يقابل ذلك ردود إيرانية هنا وهناك من إطلاق صواريخ حوثية على السعودية وصواريخ حماس على إسرائيل، إلى استهداف المواقع العسكرية والسفارة الأمريكية في العراق، وتوغل إيراني في مناطق تواجد القوات الأمريكية في سوريا عبر تأليب العشائر ضد تواجدها في الجزيرة والتهديد باستهدافها.
حقيقةً هناك قلق إيراني بالفعل من إمكانية فوز ترامب في الانتخابات، الأمر الذي سيرخي بظلاله ليس على إيران فقط وإنما على المشهد الدولي برمته، ولكن لا خيار أمام الإيرانيين سوى الانتظار والأمل بفوز الديمقراطيين. ترامب لا يملك ترف الوقت، فرصته بالفوز في ولاية رئاسية ثانية تتضاءل بعد كارثة تفشي فيروس كورونا وفشل إدارته في التعامل ، وبعد الاحتجاجات التي عمت أمريكا عقب حادثة مقتل “جورج فلويد” وبعد تعثّر الاتفاق الإسرائيلي -الإماراتي برعايته، وهو بأمس الحاجة الآن إلى ما يعزز فرصته بالفوز ومن بينها الحرب. فعلها الرئيس الجمهوري الذي سبقه، فهل يفعلها ترامب في الوقت الضائع؟
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة