مواقع التواصل ملاذاً آمناً للنساء للإفصاح عن الانتهاكات التي يتعرضن لها
- updated: 9 ديسمبر 2020
- |
*سلوى عبد الرحمن
حكايات صادمة تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ترويها نساء من مختلف الدول العربية، ومن كافة الأعمار، عن قضايا تحرش واغتصاب تعرضن لها من قبل أشخاص، غالباً ما يكونوا من دائرة المعارف أو الأقارب، وعن تعنيف أسري تعرضن له من قبل الأزواج.
بدت لهجة النساء على الفيس بوك والانستغرام وتويتر أكثر جرأة من ذي قبل، ليلاحظ أن هذه المواقع باتت ملاذاً آمناً لهن، يروين فيها تفاصيل انتهاكاتهن، عبر مجموعات أو صفحات نسوية مخصصة لهذا الغرض.
لربما يبدو لمتابعات/ي هذه المجموعات والصفحات أن نسبة العنف تتزايد ضد المرأة، لكن لا يوجد إحصائيات دقيقة لكم العنف الذي تتعرض له النساء في المجتمعات العربية، باعتبار الحديث عن بعض تلك القضايا هو نوع من التابوهات، لكن الجرأة باتت أكبر الكترونياً، وأصبح المجال للإفصاح عنها أوسع، خاصة إذا كانت المتحدثة تستخدم اسماً مستعاراً، أو مهاجرة لدولة أوروبية فيها قوانين تحميها من السلطة الذكورية.
انتهاكات السوريات وطرق التعاطي معها
قليلة هي نسبة النساء السوريات اللواتي يلجأن للمواقع الالكترونية بغرض عرض انتهاكاتهن، خصوصاً اللواتي يعشن في الشمال السوري، باستثناء قلة منهن، تروي قصصها على صفحات مخصصة لذات الغرض، كصفحة “ت متحررة” على فيسبوك.
المهندسة فاطمة الحجي، مديرة مركز “أنت الحياة والسلام” في إدلب والذي يعمل على مناصرة قضايا المرأة، تؤكد أن نسبة قليلة جداً من النساء تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للإفصاح عما يتعرضن له من انتهاكات، وتقدر هذه النسبة بـ نصف بالمئة.
تحدّد هذه الفئة بمن يمتلكن جوالات، وجرأة على البوح، وبمن يعتقدن أن مواقع التواصل مكان ثقة، وراحة للتعبير عن مشاعرهن وآرائهن، بحسب الحجي، التي أكدت أن نسبة العنف ضد النساء ازدادت في عموم سوريا بنسبة 60 بالمئة، بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
تتعرض نسبة كبيرة من النساء في الشمال السوري لانتهاكات عدة، على رأسها خلال فترة النزوح والهجرة بسبب الحرب، وأخرى من الأهل أو الأقارب بسبب سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، حيث تزداد الخلافات الأسرية، وغالباً ما تدفع المرأة ثمن هذه الخلافات، باعتبارها العنصر الأضعف في المشهد، والتي يراها أصحاب الفكر الذكوري “مفششة” للضغوطات، في ظل عدم وجود قوانين جدية تحميها من العنف المرتكب ضدها.
قد تلجأ بعض النسوة لأذية أنفسهن أو اللجوء للانتحار في ظل غياب شبه كلي للمنظمات أو للجمعيات أو حتى قوانين تدافع عن قضاياهن، علماً أن عدد تلك المنظمات في الشمال السوري يصل لأكثر من ألفي منظمة وجمعية، لكنها تركز في تدريباتها على فئة معينة، ولا يمكنها الوصول لكل النساء الموجودات في الشمال، خاصة تلك اللواتي يعشن ظروفاً اجتماعية تمنعهن من الخروج من بيوتهن، أو الاحتكاك مع الآخرين.
براءة العبدو (اسم مستعار) إحدى النساء المعنفات في الشمال السوري، والتي استخدمت الأسلوب الالكتروني مؤخراً للفضفضة، كتبت في صفحتها على فيسبوك، عن معاناتها في البوح ما قبل هذا الأسلوب: “كنت أجد في الكتابة على الورق متنفساً في كل مرة اتعرض فيها للعنف من زوجي أو أهله، لكن سرعان ما كنت أمزقها خوفاً من وقوعها بيد أحدهم، والتي يمكن أن تودي بحياتي لأنها باعتبارهم فضح لأسرار البيت والأسرة”.
وعن خوفها من البوح للأهل، واللجوء للأسلوب الالكتروني تكمل العبدو: “حتى أنني لم أكن أروي لأهلي ما أتعرض له من انتهاكات كالضرب والسخرية، خوفاً من تأنيب إخوتي لي، أو أخذي إليهم عنوة دون أطفالي، لذلك كنت أصمت، لكني الآن عملت حساباً على الفيس بوك باسم مستعار، وأكتب عن كل ما أتعرض له من تعذيب، كلما سنحت لي الفرصة، دون أن يعرفني أحد”.
من جهتها تحاول المراكز النسائية العاملة في الشمال السوري مساندة المرأة المعنفة، حيث أطلقت فاطمة الحجي حملة لمناصرة المرأة، بعنوان “نحن هنا لأجلك”، ولتشكيل فريق قانوني لتوثيق الانتهاكات ضد النساء، والعمل على حمايتهن، وربما ينبثق عن الحملة إيجاد مأوى للنساء اللواتي يتعرضن للعنف، ويرفضن العيش تحت وطأة العنف في الشمال السوري، بهدف إيقاف العنف ضدهن، ومساندة المعنفة، كي لا تؤذي نفسها، وتبحث عن حلول بديلة من خلال مشاركة أقرانها في قضاياها.
ونوهت الحجي إلى أنها ممتعضة من أداء المنظمات التي تدعي حماية المرأة، لأنها عملياً لم تحل أي مشكلة بعد سنوات طويلة، ومازالت الانتهاكات ترتكب ضد الأطفال والنساء، ولم تعالج المنظمات المشكلة كما يجب، وغالب كوادرها غير مؤهلة لهذا العمل، أو لطريقة التعاطي مع المشكلات النفسية للنساء، وأحياناً يسخر عاملو هذه المنظمات من مشاكل النساء.
أشارت الحجي إلى أن الحل الأنسب للتخفيف من وتيرة العنف ضد النساء، هو استهداف الرجال بجلسات توعية ودعم نفسي لحماية المرأة.
البوح عن التحرش والاغتصاب حاضر على مواقع التواصل وغائب عن الحاضر
تروي سيدات مهاجرات على مواقع التواصل قصص تحرش أو اغتصاب، تعرضن لها خلال وجودهن في بلادهن، منهن نساء سوريات، وتقل مشاركة السوريات من الداخل، تقول لمى العيس (اسم مستعار)، إحدى السوريات المهاجرات التي نشرت عن تجربتها: “حين كنت في العاشرة من عمري تعرضت للتحرش من قبل أحد أقارب والدي، لكني لم أكن أجرؤ أن أتحدث عن تلك المسألة، خاصة بعدما تطلقت والدتي، تطور الأمر وبدأ يبتزني لأعطيه المزيد، وكنت قد بلغت الـ 15 من عمري، لكنني في نهاية المطاف هربت إلى والدتي، التي زوجتني من أحد أقاربها، إلا أن تلك الحادثة لا تفارق مخيلتي، ويخطر دائماً ببالي أن انتقم منه لما تركه من ندبة في حياتي”.
غالباَ ما تكون القصص التي تبوح بها السوريات قصص حدثت في الماضي، وتركت آثارها في نفوس ضحاياها، في حين يقل أو يندر بوح اللواتي يتعرضن للتحرش أو الاغتصاب بشكل فوري، وذلك بحسب تصفحنا لبعض الصفحات التي تعنى بهذا النوع من الانتهاكات، ولا يوجد تفسير لغياب بوح اللواتي يتعرضن لهذه الانتهاكات في الحاضر، سوى الصمت وتجنب البوح لا على أرض الواقع، ولا على مواقع التواصل الاجتماعي.
السكوت سببه الخوف وليس الرضا، والنظرات المجحفة للضحايا
تصمت غالبية ضحايا العنف والتحرش والاغتصاب بسبب الخوف، الخوف من الجاني، الخوف من المجتمع والسمعة، والخجل الذي يكون طبعاً فطرياً للمرأة في العموم، والمرأة الشرقية بالخصوص، بحسب ما عبرت عنه أغلب النساء اللواتي كتبن قصصهن على مواقع التواصل.
في كل حالات العنف والاعتداء ينظر إلى المرأة على أنها جسد مقيد، لا يمتلك أي قرار أو إرادة حرة، ويمكن للرجل استباحته حين يرى فرصة مناسبة للانقضاض على الضحية، وتعامي المجتمعات عن حوادث العنف المنزلي والاغتصاب والاستهانة بها خوفاً من العار أو القتل زاد من ارتفاع نسبة العنف.
كما يرجع غالبية الناس السبب في قضايا العنف والاعتداء الجنسي إلى قلة أخلاق الفتاة، أو انجرارها وراء ملذاتها، حتى وإن كانت صغيرة، أو إلى المفاتن التي تظهرها داخل البيت وخارجه. “اللي مابتدلي زمبيلها ماحدا بيعبيلها” مثل شعبي تتداوله السوريات/ون، يتهم المرأة بشكل مباشر أنها السبب في ميول الرجل وانجراره نحو التحرش بها.
إن توجيه الأنظار إلى ما ترتديه المرأة التي تتعرض للتحرش أو مدى اظهارها للحياء، هو إجحاف اجتماعي بحق مظلمتها، يتم من خلاله تبرير العنف الجسدي واللفظي على الضحية، ومن ثم لومها على نتيجة فعل المعتدي.
وربما يكون مكان تواجدها أيضاً مبرراً للاعتداء عليها، أو طبيعة عملها، من خلال مخالفتها للعرف والرموز الاجتماعية، إضافة لعجز النساء أيضاً وخوفهن من الإفصاح عن تلك الاعتداءات.
غالباً ما يلجأ المعتدي لاستخدام حياء الضحية وصمتها كوسيلة لادعاء الرضى والتمتع، ليتحول سكوتها سلاحاً كاتماً للصوت ضدها، بحسب ما كتبت أكثر من امرأة عن تفاصيل تجاربهن التي نشرت على مواقع التواصل، لذلك على المرأة أن لا تقلل من حجم الإساءة التي تتعرض لها، حتى لا يتحول لتطبيع وعرف واغفال لحقوق أجيال بأكملها.
والجدير ذكره أن هذه الاعترافات على مواقع التواصل الاجتماعي تثير ضجة بين أوساط متابعات/ي هذه الصفحات، وخلافات بين مؤيدة/مؤيد للحديث عن هذه الانتهاكات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين مستنكرة/مستنكر لها باعتبارها قضايا عائلية خاصة مثلاً، ويمكن حلها بأي شكل لاحقاً، إضافة لتكذيبها من قبل البعض، واعتبارها قصص مؤلفة وليست صحيحة، وبذلك يقلل من أهمية البوح بها، ويذهب غاية نشرها، وأخذ العبر منها بوجوب إيجاد حلول.
ترفض كثير من الدول تطبيق قانون حماية الأسرة، لذلك تسعى النسويات في العالم العربي لتغييرها من أجل الحد من حالات العنف والاعتداء الجنسي.
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة