أصوات نسوية، مقابلة مع أحلام الرشيد
- updated: 27 مايو 2021
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الناشطة الاجتماعية والعاملة في المجال الإنساني أحلام الرشيد
حاورتها رجا سليم
أحلام الرشيد، خريجة لغة عربية من جامعة حلب 1991، حاصلة على دبلوم تأهيل تربوي. تعمل مدرّسة لمرحلة الثانوية منذ عام 1993 لغاية الآن، إلى جانب انخراطها في مجال حماية المرأة والطفل كمدربة مع عدة منظمات دولية. من أولوياتها مساعدة الفئات الأضعف في المجتمع، كالفقراء وربطهم بالخدمات، إضافة إلى المشاركة في بناء قدرات الفئة الشابة والحرص على حصولها على التعليم، خاصة الفتيات. بعد تهجيرها من مدينتها معرة النعمان، تقيم حالياً في ريف إدلب الشمالي. أحلام من أبرز المبادرات والناشطات في مجال الدعم والتمكين والعمل الإنساني، تركز جل اهتمامها على النساء والفتيات، حائزة على الوسام الذهبي والمرتبة الأولى على مستوى الوطن العربي لعام 2018، في مؤتمر “صنّاع التغيير” الذي أقيم في العاصمة اللبنانية بيروت.
مرحباً بك أحلام،
١- كيف بدأ اهتمامك بالعمل الاجتماعي والإنساني؟ ولماذا؟
لطالما لفت انتباهي، خلال مسيرتي في مجال التعليم، الطالبات والطلاب الذين لا يساعدهن\م الظرف الاقتصادي والاجتماعي على مواصلة تعليمهن\م، فكنت أبذل قصارى جهدي لمساعدتهن\م ودعمهن\م إلى أن يحصلوا على أعلى الدرجات. وبعد الحرب والنزوح ازدادت الحاجة وازداد وجع الناس، وشحّت الخدمات لدرجة كبيرة، فقررت أن آخذ المسؤولية على عاتقي، فهؤلاء هم أهلي وبنات وأبناء بلدي، فكيف لا أخصص جزءاً من وقتي وعملي لدعمهن\م. ظروف الحرب فرضت عليّ رؤية نساء تنام على الأرصفة وأطفال يتضورون جوعاً، فقررت أن أكون لهن\م الأحلام التي يبحث عنها الجائع والبردان والخائف والعطشان والمتألم.
٢- أحلام من مدينة معرة النعمان، كيف تصفين الواقع النسوي ووضع النساء في منطقتك خلال سنوات نشأتك؟
أنا ابنة قرية صغيرة، وكان دور النساء في تلك المنطقة خلال نشأتي، مقتصراً على العمل بالأرض، والزواج، والحمل والإنجاب، ومع مرور الوقت شقّت المرأة طريقاً آخر، وأصرت على أن تسير به رغم الأعراف والتقاليد والقيل والقال. أنا واحدة من اللواتي سمعن كلاماً قاسياً ومحبطاً لأنني أصريت على إكمال تعليمي رغم جميع الانتقادات من أقاربي ومن بعض أهالي القرية، فالمرأة “خلقت لتتزوج وتنجب وقبرها هو بيت زوجها”، كما كانت تقول لي جدتي. فيما بعد بدأت جموع الطالبات تسير إلى الجامعات. بالنسبة لي قاومت كل الأقاويل وتفوقت على كل أقراني ودخلت الجامعة من أوسع أبوابها، إنها حلمي وهدفي ولم أكن لأتنازل عنه مهما كلفني الأمر من تضحيات.
٣- لأحلام الرشيد مبادرات فردية على الصعيد العمل الإنساني والخدمي والاجتماعي والحشد والمناصرة، حبذا لو حدثتنا عن هذه المبادرات، من المستفيدات\ين منها وكيف تعملين عليها؟
مبادراتي وليدة الظرف الذي أمر به، فقناعتي كامرأة، أن تكوني قدوة يحتذى بك في الإنجاز والعمل الإنساني، خير من أن تكوني في آخر طوابير المتواكلات/ين. من هذا المنطلق بدأت بأخذ المبادرات وامتنعت عن انتظار المساعدات والبقاء رهينة الوقت والإجراءات، فمثلاً حين كانت الطالبات والطلاب في بدايات النزوح يقطنون الخيام ولا توجد مدارس تستقبلهن\م، كنت أقوم بتجميع طلاب المرحلتين الثانوية والإعدادية إناثاً و ذكوراً في خيمتي وأقوم بتدريسهن/م حتى وصلن/وا إلى الجامعات وبعضهن/م تخرج الآن من كليات الطب والهندسة. إلى جانب ذلك، أقوم بتقديم تدريبات أون لاين، لبناء قدرات الشابات والشباب وتمكينهن\م ومساعدتهن\م في الحصول على فرص عمل مناسبة. بالتوازي مع ما سبق، أقوم بجولات على النازحات\ين والذين تقدر أعدادهن/م بالآلاف، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي والمادي والغذائي والطبي لهن\م حسب إمكانياتي، وربطهن\م بالخدمات التي تقدمها المنظمات، ومساعدة من منهن\م بحاجة طارئة إلى مأوى، من خلال استقبالهن\م في منزلي أو ربطهن\م بمنظمات تقدم المأوى. وفي ظل وباء كورونا نظمت حملات توعية للنساء والأطفال في مخيمات النزوح، عبر تصميم وطباعة ملصقات تشرح طرق الوقاية من هذا الفيروس، كما قمت بخياطة ما يقارب الـ 1500 كمامة، بشكل تطوعي وفردي ووزعتها على الطالبات والطلاب والزميلات والزملاء والنساء في المخيمات، وخاصة مخيمات الأرامل كونه يتعذر عليهن شراء الكمامات، وبتعليمهن كيفية خياطة الكمامات وتشجيعهن على خياطتها وتوزيعها على محيطهن مقابل مبلغ رمزي، حسب الإمكانيات لتشجيع قاطنات وقاطني المخيم على ارتدائها من أجل تقليص عدد الإصابات بالفيروس، والحد من انتشاره في المخيمات التي هي أقل حظاً من غيرها من البيئات من الناحية الصحية.
وبما أن المبادرات تأتي بسبب الحاجة فأيضاً شاركت بالتنسيق لتأمين دواء مجاني للأطفال الذين يعانون من نقص النمو، حيث تم تنظيم أكثر من حملة لتوفير إبر الأتروبين للأطفال المحتاجين.
وفي كافة الظروف لا أنسى اهتمامي الأول، وهو التعليم، لذا أحرص على تقديم مراجعة كل عام لطالبات وطلاب المرحلة الثانوية، لضمان تحصيلهن\م العلمي الممتاز قبل كل امتحان، ولهذا الغرض ولضمان ديمومة هذه الخدمة ووصولها لأي محتاج بغض النظر عن خلفيتها\ه، أسست مركز “الرشيد” عام 2017 وهو مركز لبناء القدرات ويقدم دورات المرحلتين الثانوية والإعدادية بشكل مجاني، ويعتبر أول مركز تدريبي في الشمال وقريب من المخيمات. خرّج المركز إلى الآن آلاف المتدربات والمتدربين وعملنا مؤخراً على توسعته وتخصيص أماكن للإقامة مجهزة بكافة المعدات اللوجستية والتقنية.
٤- ما التحديات التي تواجه النساء وعملهن في منطقتك؟ وهل من نشاطات موجهة لهن لدعمهن بهذا الخصوص؟ هلا شاركتنا بعض الأمثلة؟
التحديات في منطقتي هي العادات والتقاليد أولاً وأخيراً، فأي عمل تفكر المرأة بالقيام به يقابلها المجتمع بكلمات “عيب، وحرام، وأنت امرأة، وهذا للرجال”، لدرجة أن زوجة ابني مهندسة مدنية وبسبب ظروف الحرب لم تستطع إكمال تعليمها في عامها الأخير من الجامعة، وعندما فكرت أن تكمل تعليمها في إدلب وإذ بكلية الهندسة هي فقط للذكور، وأنتن\م قدروا مدى الإحباط الذي أصابها. كلما فكرنا كنساء بالإقدام على عمل معين، نخاف من الآثار الاجتماعية المترتبة عليه، من عزلة ولوم ووصمة، وأكبر تحد هو ألا نفكر بتخطي هذه التحديات وأن نرضخ للواقع.
نعم هناك نشاطات مقدمة من المنظمات ومن بعض المؤسسات التي تعمل على توفير الفرص والتعريف بالحقوق والدعم والتمكين، على سبيل المثال، نقوم بالمناصرة والتحضير لدعم أو رفض مشروع أو قرار ما، ونخطط لاجتماعات مع شخصيات سياسية معروفة في المحافل الدولية لتمرير مشروع ما أو إيقاف حملة ما، أو تقديم مساعدات للنازحات والنازحين، والمشاركة بأنشطة مثل الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وأنشطة ومؤتمرات لإيصال أصوات الداخل إلى المعنيات/ين.
٥- ماهي التحديات التي واجهتها أحلام بشكل شخصي في هذا المجال؟ وكيف تعاملت معها؟
التحدي الأول هو المجتمع، “أين تذهبين، وماذا تعملين، ولماذا تقودين السيارة في المخيمات_ حتى أن الأطفال يركضون ورائي وينادون “يا الله حرمة تقود السيارة”، ولكن مع الوقت وجلسات رفع الوعي لدى النساء والرجال، أصبح في المنطقة أكثر من 30 امرأة تقود السيارة الآن. التحدي الآخر هو التخويف من الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنني لم أبال بذلك، والآن بتنا نرى نساء أكثر تتجرأ وتشارك تجاربها وقصصها على المنصات الافتراضية بكل جرأة وثقة. ومن التحديات التي تؤرقني هي أنني كضريبة لعملي خارج المنزل ، يتوجب علي أن أقوم بعمل مضاعف في البيت وللأسرة، ولأنني لم أنجب بنتاً_ أولادي كلهم ذكور _كنت أحتاج إلى أنثى صديقة تحدثني، وتساندني وأساندها، وتحكي لي عن رغباتها وآمالها، لكنني أشعر أنني الأم والأخت والبنت والزوجة والموظفة والمدرسة لأولادي، فزادت علي الأثقال والأعباء، ولكنني أؤمن أن المصاعب تصهر الإنسان ليكون أفضل.
٦- كيف تصفين عملك في بداياته بالـ 2012، والآن، من حيث مشاركة النساء، الأثر والتغيير الذي أحدثه أو لم يحدثه هذا النوع من النشاط والأعمال؟
سؤال جميل لأنه يشعرني بقيمة ما فعلت، وذلك من خلال ما أرى على أرض الواقع من تغيير. ففي عام 2012 كنت أعاني من صعوبات جمة لإقناع الناس بأمور تخص حقوق المرأة وحقوق الطفل، والتوعية الصحية، وتوضيح الأمور الخاطئة في عاداتنا وديننا مثل أخذ مهر المرأة أو راتبها، أو إقناعها بتحمل التعنيف من الرجل، أو التمييز بين الإناث لذكور، أو تشجيع الزوجة زوجها على الزواج بأخرى لأنها “لا تنجب إلا الإناث” وفق ما يعتقد البعض، وغيرها الكثير من العادات والسلوكيات المغلوطة التي ساهمت بتدهور وضع النساء. وفي عام 2013، وقفت لأول مرة وأعطيت تدريباً في العنف القائم على النوع الاجتماعي للنساء والرجال، أحسست أنني بدأت بتليين صلابة بعض الآراء، وتوضيح الكثير مما يعاني منه مجتمعنا في دهاليز العقول، وبدأت وكأنني أقود سفينة على وشك الغرق وعلي أن أغير شيئاً ما، منذ ذلك الوقت إلى الآن لا أبالغ إن قلت أن تغييراً حصل في مجتمعي بنسبة 70 %. والآن وبعد تدريب حوالي 7000 متدربة ومتدرب على مدار 7 سنوات، لمست النتائج بعيني وبقلبي، الجميع يريد أن يتغير نحو الأفضل. الكثير من الرجال أصبحوا يتحدثون عن العنف القائم على النوع الاجتماعي ويدافعون عن حقوق المرأة وعن قناعة، وغالبية النساء كوّنّ وعياً بحقوقهن في المجتمع ويتحدثن عن العدالة المجتمعية والقانون والسياسة والحقوق والمشاركة في صناعة القرارات إلى جانب الرجال، وأطفالاً حققوا شيئا من التعافي النفسي في ظل الحرب والقهر والنزوح.
٧- في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تواجهها أغلب السوريات والسوريين، أين هي السياسية في حياة نساء منطقتك اليوم؟ هل تلاحظين اهتماماً من قبلهن بالسياسة والعمل والتمثيل السياسي؟ كيف؟ وما الأسباب برأيك؟
هذه الظروف جعلتنا كنساء نفكر في مستقبل بلدنا وأنه لا بد أن تكون لنا مشاركات على كافة الأصعدة بعد أن كنا مهمشات، فالسياسة تفرض نفسها على يومياتنا حتى لو لم نبحث عنها. بسبب الأوضاع والواقع الأليم الذي نعيشه، بات لنا نحن مجموعة من النساء في المنطقة مشاركات سياسية في مؤتمرات ومبادرات، على سبيل المثال، عملنا على توقيع عريضة من نساء إدلب ورفعها إلى مجلس الأمن لمنع دخول الجيش إلى إدلب وقد تم قراءة العريضة في جلسة المجلس، هذا فعل سياسي.
السبب الأول لمشاركاتنا السياسية، ولو كانت متواضعة، هي الظروف التي تعيشها البلاد، وأقول متواضعة لأن وضع المرأة في الداخل السوري ضبابي إن صح التعبير، ومحكوم بأمزجة الفصائل المتعددة وسيطرة بعض الأطراف التي تحد دور وعمل ومشاركات المرأة.
٨- كيف تقيمين مشاركة المرأة السورية عموماً، في الحياة السياسية وأماكن صنع القرار، في الوقت الراهن؟
بشكل عام تحاول المرأة إثبات وجودها ودورها في كافة المجالات، وخاصة في الحياة السياسية، سيما أن المستقبل يحمل في طياته الكثير من الخطط والإمكانيات لتواجد المرأة وأهمية هذا التواجد. برأيي أنه لا قرارات، ولا نجاحات، ولا حوارات ذات أثر، إذا لم تكن المرأة جزءاً لا يتجزأ من صناعة هذه القرارات، ففي الوقت الراهن لا بد من تأهيل وتجهيز نساء قياديات على مستوى عال جداً من المسؤولية، لتكن جنباً إلى جنب مع الرجل في تحمل المسؤولية الوطنية، بالتساوي نساءً ورجالاً.
٩- هل شكّل انطلاق الثورة السورية عام 2011، تغييراً في طبيعة الواقع النسوي والنسائي، وعلاقة النساء بالسياسة في الشمال السوري عموماً برأيك؟ كيف؟
نعم بكل تأكيد، فالمرأة قلتها وأقولها كانت مهمشة في المجتمع وكانت مغمورة المواجع، وكانت محدودة ضمن نطاق البيت، أما الآن وبرغم الحرب والفقد والدمار، إلا انها ظهرت في ساحات المظاهرات، وفي المحافل السياسية والدولية، وفي الإدارة، وفي القيادة، وفي المجالس المحلية واللجان المجتمعية، وأثبتت نفسها وحققت حضوراً لم يعد بالإمكان تجاهله أو التعامي عنه.
١٠- ما الذي تطمحين له على الصعيد العملي، والشخصي إن أردتِ مشاركتنا؟ وفيما يتعلق بالشأن السوري عموماً؟
أتمنى أن تنتهي الحرب ويجب أن تنتهي لأنها دمرت كل شيء، وأنا أعمل الآن وعملت سابقاً وسوف أواصل العمل بكل ما أوتيت من أفكار وقوة لأصل إلى ما أصبو إليه، بلد السلام والأمان، بلد العدالة والحرية. أتمنى أن يكون لي درواً فعالاً في خدمة أهلي وبلدي في المرحلة القادمة. أتمنى أن نعيش بسلام، ويجب ومن حقنا أن نعيش بسلام.
١١- هنا مساحة حرة نتركها للمشارِكة لإضافة ما ترغب، خارج نطاق الأسئلة
أنا كأحلام، المرأة السورية التي عملت وتواجه يومياً سؤال: “كيف توفقين بين عملك الوظيفي الطويل وعملك التطوعي المتعدد وبيتك وعلاقاتك المجتمعية واعتنائك بنفسك”، أقول لهم إيماني بنفسي وبعملي، فالعمل الإنساني التطوعي والتعامل الحسن يعطي قوة وصحة ورضا للمرء، وهذا كله ينعكس نوراً على القلب والوجه والحياة.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة