أكبر أزمة اقتصادية تضرب البلاد منذ سنوات
- updated: 14 ديسمبر 2022
- |
*ديما المحمد
يواجه الشعب السوري أوضاعاً اقتصادية ومعيشية هي الأسوأ منذ سنوات وخاصة في مناطق سيطرة النظام، خاصةً بعد تفاقم أزمة شح المحروقات التي أدت إلى شلل تام في كل المفاصل الحيوية في البلاد. وشهدت المحافظات والمناطق السورية أزمات خدمية ومعيشية خانقة، أدت إلى توقف وسائل النقل المعتمدة على الوقود غير الموجود أصلاً، إضافة إلى انقطاعات الكهرباء المتكررة والتي وصلت إلى 22 ساعة يومياً في مدينة دمشق. الظروف الصعبة تلك ستتفاقم خلال الفترة القادمة خاصة مع دخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة وازدياد الحاجة إلى وسائل التدفئة المعتمدة على الكهرباء أو على الغاز والمازوت، إلى جانب ذلك تعطلت شبكات الهاتف المحمول والانترنت في العديد من المناطق، ولم تسلم الأفران والمخابز من تلك الأزمة فقد أغلق بعضها بشكل مؤقت لحين حل مشاكل ندرة الوقود في البلاد.
أما النظام وحكومته فقد عبرت تصريحاتهم وإجراءاتهم عن العجز وقلة الحيلة وهو ما زاد من قلق المواطنات/ين، فقد صرح وزير النفط في حكومة النظام السوري بسام طعمة أن الحكومة في إطار المحاولات ولا توجد حلول مستقبلية وأن اعتماد البلاد في مصادر الطاقة على التوريدات الخارجية بنسبة 90% ومن مصدرين؛ الأول عبر الخطوط الائتمانية مع الجانب الإيراني، والثاني عبر الطرق غير المشروعة من شمال وشرق سوريا، مما جعل الموضوع خارج حدود سيطرتهم وخاضع لظروف بيئية وبحرية ولاعتبارات دولية ولمدى توفر القطع الأجنبي حسب تعبيره.
عندما تأخرت التوريدات اضطروا إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، كالترشيد وتخفيف الاستهلاك فقد تم تخفيض مخصصات وسائل النقل العامة إلى النصف تقريباً في أغلب المناطق. كما أعلنت عطلة رسمية في الدوائر الرسمية يومي الأحد في الـ 8 والـ 18 من شهر كانون الأول لهذا العام. إضافة الى العديد من قرارات الإغلاق والعطل التي طالت مركز خدمة المواطن/ة في دمشق وبرنامج التعليم المفتوح في جميع جامعات مناطق النظام وبعض الأفران، وحتى كرة القدم لم تسلم من تلقي آثار الأزمة الحالية حيث تم تأجيل مباريات الدوري حتى بداية عام 2023 لصعوبة تنقل الأندية.
اقتصرت تصريحات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على اتهام السوق السوداء باللصوصية والسرقة، للتغطية على الفشل الحكومي. وأسندت في يوم 5 كانون الأول مهمة بيع المحروقات لشركة B.S للمشتقات النفطية ورفعت السعر إلى 5400 ليرة سورية لليتر المازوت و4900 للبنزين مع بقاء السعر السابق 2500 ليرة للمحروقات الموزعة عبر شركة المحروقات الحكومية سادكوب. والجدير بالذكر فإن شركة B.S مرخصة في لبنان وتتبع لشركة قاطرجي السورية -والتي يمتلكها الأخوين حسام وبراء قاطرجي الخاضعين لعقوبات غربية نتيجة تورطهم في دعم ميليشيات موالية للنظام السوري – تستجر النفط من مناطق شرق وشمال سوريا وتستورد النفط الخام وتكرره في مصفاتي حمص وبانياس مقابل أجر يدفع للحكومة السورية، وتبيع المازوت والبنزين للقطاع الخاص بسعر أعلى من السعر الرسمي.
ولابد من الإشارة إلى أن أزمة الوقود هذه قد تكون الأشد، لكنها ليست الأولى من نوعها فلقد سبق وأن ضربت البلاد أزمات مشابهة في الأعوام السابقة. ففي عام 2019 شهدت المناطق التابعة لسيطرة النظام وعلى رأسها دمشق، أزمة في نقص الوقود الذي يكلف الاحتياج اليومي منه بـ 8 ملايين دولار أمريكي في مناطق سيطرة النظام السوري، ذلك نتيجة توقف الخط الائتماني بين سوريا وإيران منذ تشرين الأول من عام 2018 (الخط الائتماني بين البلدين هو مجموعة من التسهيلات المالية التي تتضمن الاقتراض عند الطلب، والسحب المكشوف بدون قيود، مقابل تقديم المُقترض تأمينات وقد تم تخصيص هذا النوع من القروض في تأمين المشتقات النفطية وتوريد الأغذية والأدوية والمحروقات وترميم المحطات الكهربائية مقابل شروط معينة يلتزم بها الطرفان وامتيازات تمنح لإيران مقابل ذلك) وكان من تبعات ذلك، ازدحاماً في محطات الوقود، وشلل في المرور وباقي مرافق الحياة في البلاد، وتم رمي السبب وراء ذلك التوقف إلى العقوبات الأمريكية على البلدين وصعوبة أو منع وصول السفن المحملة بالوقود إلى سوريا، أما عن الحليف الأكبر للنظام السوري روسيا، فقد نقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن المحلل الاقتصادي الروسي (أنطون شابانوف) بأنّ نقل الوقود من موسكو إلى دمشق عملية صعبة للغاية، بسبب غياب البنية التحتية البرية اللازمة لنقله كالأنابيب أو حتى النقل البري، وبأنّ نقل الوقود الروسي لسوريا سيضاعف تكلفته أكثر من 20 ضعفاً وهذا يشكل خسارة تجارية للجميع.
عجزت حكومة النظام من منع تكرار تلك الأزمات، في حين ركّز الإعلام الرسمي والمقرب من النظام على رمي تلك الأزمات على عاتق “الحصار” أو “المؤامرة” وفي بعض المرات كان التلفزيون الرسمي السوري ينقل صورة طوابير السيارات الممتدة مئات الأمتار، والتي من الممكن أن يطول انتظارها أياماً قبل أن تحصل على كميات قليلة من الوقود، واصفاً إياهم “بالصامدين في وجه الحرب الاقتصادية”، وعملوا على تسليتهم بنزول فرق الرقص الشعبي إلى الشوارع وتوزيع الورود للسائقين في محاولة لامتصاص الغضب.
تترافق أزمة الوقود الحالية مع تدهور كبير في سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية منذ بداية العام الحالي، حتى وصل منذ أيام إلى سعر 5800 ليرة سورية مقابل الدولار الأمريكي الواحد. الانهيار المديد للعملة السورية منذ 2011، أدى أيضاً إلى انخفاض متوسط الدخل في القطاع العام للفرد الواحد إلى 18 دولار أمريكي في الشهر الواحد. إن انخفاض قيمة الليرة السورية بهذه الطريقة المخيفة يرافقها ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وتآكل القدرة الشرائية للأفراد وفقدان قدراتهم على تأمين احتياجاتهم الحياتية المختلفة والتي اقتصرت في السنوات الأخيرة على الضروريات خاصةً وأن غالبية السوريات/ين يعيشون تحت خط الفقر بحسب تقارير الأمم المتحدة.
انعكاسات وتأثيرات الأزمة المعيشية الحالية على الشارع السوري:
وصف الإعلام السوري الموالي للحكومة الوضع الحالي بالقاهر والغير محتمل، وبأن هذه الظروف تجاوزت مرحلة الصعوبة والتعقيد وأصبحت أكبر من قدرة الناس على الاحتمال، حيث يتحدث الناس عن وقوفهم لساعات طويلة في انتظار وسيلة نقل تقلهم إلى أماكن عملهم أو إلى المشافي في حالة المرضى أو حتى إلى المدارس والجامعات، وقد لا يجدون أي واسطة نقل ويعودون إلى منازلهم. أما عن الأسعار المرتفعة فقد تحدثت سيدة أنها اشترت دواء وبعض الحاجيات الضرورية للمنزل بمبلغ 145 ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ هو الحد الأدنى للأجور الشهرية للموظفات/ين في القطاع العام، وهو حسب ذات السيدة لا يكفي لمصروف يوم واحد. وفي قطاع الزراعة تحدث بعض الفلاحين وأصحاب الأراضي عن ارتفاع شديد قي أسعار الأسمدة والبذار ومعظم تكاليف الزراعة وأنها تفوق قدرة الفلاح على تأمينها، هذا أدى ببعض الفلاحين إلى ترك الزراعة وترك أراضيهم والعمل بمهن لا تتطلب تكلفة عالية، وهذا في الأشهر القادمة سيؤثر حتماً على توفر المحاصيل الزراعية والغذائية.
أما في مجال الكهرباء وبحسب حديث بعض الشباب، أن الكهرباء قد تأتي ساعة كل ثمان أو تسع ساعات قطع متواصلة، وفي هذه الساعة قد تقطع الكهرباء أكثر من عشرين مرة بسبب الأعطال في خطوط الكهرباء، وشبهت وسائل الإعلام المحلية الموالية للنظام التقنين الكهربائي بأنه أكثر من جائر، وأنه تحول إلى كابوس.
أبو رامي معقب معاملات في دمشق ذكر لنا أن أحوالهم صعبة جداً ، لا يوجد مواصلات وإن وجدت فالمبلغ خيالي ، وتحدث عن فقدان المواد الأساسية اللازمة للمعيشة من مازوت وبنزين وغاز وكهرباء، وأن الحكومة تعاقب كل من يشتري بنزين أو مازوت من السوق السوداء بغرامات وسجن للبائع والشاري أيضاً. أما أم محمود في حلب فلقد أكدت توافر النقود معها لأن ابنها يقيم في ألمانيا ويزودها شهرياً بما يكفيها، لكنها في ظل الأزمة الراهنة أصبحت لا تجد شيئاً تشتريه بهذه النقود، وأن برودة منزلها فوق قدرتها على الاحتمال، وهي لا تجد أحداً يبيعها لترات قليلة من المازوت لتتدفأ بها هي وعائلتها.
يلقي النظام السوري اللوم في أزماته الاقتصادية وانهيار الليرة وتردي مستوى المعيشة على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من قبل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة، متناسياً سوء الإدارة والفساد المتفشي في كل مفاصل الدولة الحيوية، متنصلاً من مسؤولياته وعجزه الدائم عن إدارة مثل تلك الأزمات، وإنكاره الدائم بأنه وعبر كل هذه السنوات قد صرف موارد البلاد على الحرب وتسليح الميليشيات المحلية والأجنبية التي قاتلت إلى جانبه وقتلت وشردت أكثر من نصف الشعب السوري على مدار 11 عاماً.
كما أن عدم جدية هذا النظام ومرونته في التعامل مع القرارات الدولية وخاصة القرار 2254، الذي رسم خريطة لحل سياسي ينهي الأزمة السورية، واعتماده على الداعمين الروسي والإيراني للبقاء في السلطة قد يكون نجح عسكرياً فقط، لكنه فشل في باقي الأصعدة، ولا سيما اقتصادياً، فقد فشل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى في إدارة البلاد وإخراجها من قاع وجحيم الأزمات التي تعصف بها كل عام ومن كل الجهات.
*المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية