الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا

 

دخل الصراع في سوريا عامه الثاني عشر محدثاً آثاراً مدمرة على السكان والاقتصاد ساهمت فيها عوامل الصراع، كانهيار الأنشطة الاقتصادية والإضرار بالأصول والممتلكات الاستراتيجية للدولة والنزوح وغيرها من عوامل أدت لانهيار المستوى المعيشي للأسرة بشكل طردي منذ بداية الثورة، وارتفاع مستوى الفقر المدقع، ولا سيما في الآونة الأخيرة.

 إن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار الليرة المتواصل منذ بداية الثورة، والذي بلغ ذروته في الأيام القليلة الماضية بسقوطٍ حر، وتفاقم أزمة الطاقة المعدومة في مناطق سيطرة النظام تزامناً مع العقوبات الغربية على الاتحاد الروسي، أهم ممولي النظام بالوقود، وبالتالي لم تعد سوريا أولوية بالنسبة للروس. ونتيجة تشديد الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق العقوبات على النظام وناقلات النفط للحليف الإيراني الشيء الذي أنذر بشلل في مؤسسات الدولة والحياة العامة وأدى لإغلاقات متقطعة للمدارس والجامعات، كما وتحدثت تقارير إعلامية عن هجرة عدد من التجار من القطاعين الصناعي والحرفي إلى مصر والإمارات ودول أخرى، من مشغلي اليد العاملة في الطبقة الوسطى في مناطق سيطرة النظام. 

ضعف آلية تشغيل البنى التحتية كالقطاعات الصحية والخدماتية، أفضى إلى تعطل عملية الدوران الاقتصادي وتهالك في سوق الإنتاج، مترافقاً بضعف بالقدرة الشرائية لشريحة واسعة من المجتمع.

 تحدثت حكومة دمشق عن عجز عام في موازنة العام السابق، الأمر الذي تداركه البنك المركزي بطبع المزيد من العملة لتغطية العجز، مما أدى إلى تضخم هائل مصحوباً بارتفاع جنوني غير مضبوط للأسعار، والحديث عن رفع الدعم الحكومي عن عدة قطاعات ومواد أساسية منها الوقود والخبز. ولن يفوتنا الحديث هنا عن مافيات الأزمات المرتبطة رباطاً وثيقاً برأس النظام منذ سيطرة الأسد الأب على الحكم، مروراً بمافيات الاقتصاد العائلي والاقتصاد الموازي المرتبط بشبكة علاقات معقدة داخل وخارج البلاد، تسهم بشكل أو بآخر بإدارة السوق السوداء وأسعار الصرف واحتكار المواد الأساسية، وأهمها الوقود، ولعل شركة القاطرجي للخدمات النفطية مثال لاستراتيجية النظام في إعادة مفاصل الحياة الاقتصادية لإدارته والتخلص من وساطات وجوه المرحلة السابقة، والاستمرار في سياسة الاستيلاء على أموال الشعب السوري والتحكم بمقدّراته وتطويعها لحساب نظام الحكم، لا لخزينة الدولة ومؤسساتها.

بل وكعادته؛ جيّر النظام العقوبات المفروضة عليه كشماعة تبرير لعطالة عجلة التطور الاقتصادي في سوريا وسوء الأحوال المعيشية والفساد المتفشي في مفاصل الدولة ومؤسساتها، هذه المرة متأثراً أيضاً بتعليق عدة قروض ومساعدات من حليفَتيه روسيا وإيران، بسبب تعقيدات هذه المرحلة، فمن جهة الحرب الأوكرانية وتداعياتها على روسيا وعلى الاقتصاد العالمي على 

حد سواء. ومن جهة تعطيل إيران لخطوطها الائتمانية الثلاثة التي اعتادت أن تُقرض النظام من خلالها، فبعد عجزه عن دفع المستحقات المالية عمدت إيران لاستغلال الظروف الدولية المتشابكة وحاجة النظام للوقود وبعض الأموال القادمة من المشاريع الإيرانية، مستخدمةً تلك الورقة لتثبيت وجودها في أجندات التقاربات الحاصلة مؤخراً بين الأتراك والنظام. 

إن الحلول الغير مجدية التي تقدمها حكومات النظام المتتالية لا تحاكي الواقع، خصوصاً في ظل تفشي الفساد الظاهرة الأصيلة في دعامات نظام الحكم منذ عقود، فالانهيار الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية، وما يرافقه من فلتان أمني وانتشار للفساد والاحتكار من قبل مجموعات تحت رعاية أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة، هذه العوامل وغيرها دفع الناس إلى الشارع للاحتجاج بمطالب تنوعت بين المعيشية والسياسية، فمنذ أكثر من شهر ارتفعت وتيرة المظاهرات والاعتصامات  في السويداء مترافقة بدعوة لعصيان عام، وخرجت بشكل أسبوعي مجموعات في مدن مختلفة من المحافظة حاملةً مطالب تدرجت بين المعيشية والسياسية وإلى تحميل رأس النظام مسؤوليته في كل الأزمات التي عمت البلاد. 

وبالرغم من القبضة الأمنية الشديدة؛ سجل خروج بعض المظاهرات المتفرقة في حلب وريف دير الزور ودرعا، رافعةً شعارات تطالب بتطبيق القرار الدولي لمجلس الأمن ٢٢٥٤ بما يتعلق في الحل السياسي، وتحسين الأوضاع المعيشية.

ترافق الحراك على الأرض بحملات كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي السورية في مناطق سيطرة النظام، والتي تعبر عن سخط الشارع.  

لا يختلف الوضع في بقية الجغرافية السورية مع اختلاف قوى الأمر الواقع المسيطرة، فتردي الأوضاع المعيشية نتيجة للانهيار الاقتصادي واقع حاضر أيضاً في مناطق شمال غرب وشرق سوريا، وإن كان أقل حدة نتيجة لاعتماد  بعض الأهالي من مهجرات/ين و نازحات/ين على المساعدات المقدمة من المنظمات، بالإضافة إلى بعض المشاريع الصغرى في إطار ما صار يعرف بين السوريات/ين بالتعافي أو الإنعاش المبكر والتجارة الداخلية البسيطة، ولكنها تبقى دون المستوى المطلوب المؤدي إلى استقرار اقتصادي وعملية بناء اقتصاد بديل مستقل عن المركز، وتفعيل مشاريع خدمية أو تطوير وإعادة تشغيل البنى التحتية، لا سيما في ظل ضبابية الحل السياسي الذي قد يفضي إلى نقلة نوعية للاقتصاد السوري المعلن وفاته في الوضع الراهن.

في ظل تداخل أجندات الصراع السياسي في سوريا استُخدمت المعابر الإنسانية وآلية إدخال المساعدات كورقة ضغط سياسية، من قِبل الروس ومن خلفهم حليفهم المفلس، وهو ما حدث مؤخراً، حيث لم يستخدم الروس الفيتو على مشروع تمديد آلية تقديم المساعدات، لكنهم أكدوا أنها ستكون الأخيرة تنازلاً منهم للأتراك، ضمن سياق التفاهمات الجارية الحالية بين الأخيرين، سعياً لفتح قنوات تواصل تركية مع النظام السوري، حيث لم تعد تحتمل تركيا بدورها أي عبء جديد من الطرف السوري في حال وقوع كارثة في شمال غرب سوريا. وبالمقابل فإن الروس حريصون على وضع أكبر قدر من الموارد تحت إدارة نظام دمشق، لا سيما الأموال القادمة كمساعدات لسوريا التي يعتبرها النظام أحد مصادر تمويله في الوقت الراهن. 

وهنا نرى جلياً أن الوضع الاقتصادي مرهون بالوضع السياسي وتطوراته، ولا رفع للعقوبات ولا إعادة إعمار ولا مساعدات غربية دون حل سياسي، بينما الحلفاء غارقون كل في أزمته ومستنقعاته.

 أما بالنسبة للحضن العربي الراغب في إعادة تعويم النظام وفتح صفحة جديدة؛ فالسبب الرئيسي قد يبدو اقتصادياً بحتاً، خاصة فيما يتعلق بدول الجوار، ففي لبنان وما فيه من تداخل بين الاقتصادَين (سوري-لبناني) وتشابك المافيات المالية السياسية، والأردن كونه بوابة سوريا للخليج التي هي بوابته باتجاه تركيا وأوروبا. تلك الرغبة التي تصطدم بالعقوبات الأمريكية قيصر والكبتاغون.

 وبالتالي؛ فإن استمرارية استعصاء الحل السياسي تعني استمرارية معاناة الشعب السوري على اختلاف موقعه على الخريطة السورية القابلة للتغير في المرحلة القادمة تحت عدة سيناريوهات أكثرها تفاؤلاً لا يتوقع انفراجة قريبة على الصعيد الاقتصادي والحياة المعيشية للسوريات والسوريين. 

  أحدثت الحرب السورية تغييراً في الأدوار الجندرية نتيجة غياب الرجال المعيلين الماليين لشريحة كبيرة من عائلات المجتمع السوري، وزادت أعباء النساء السوريات مضاعفة خاصة للواتي لم يكن جاهزات للانخراط في سوق العمل المعطل والمتهالك أصلاً على اتساع الجغرافية السورية. فعملت النساء ببعض المهن البسيطة، واقتحمن مهناً كانت حكراً للرجال في المجتمع السوري، كسائقات الأجرة وعاملات في الورش كالدهان والنجارة مقابل أجور زهيدة، في ظل غياب تام لأجهزة الدولة والمؤسسات والمنظمات الأهلية التي من شأنها أن تحد من استغلال هؤلاء النساء وحمايتهن من الانتهاكات التي من الممكن أن يتعرضن لها.

 كما سُجّلت في مناطق النظام حالات لبيع بعض النساء لعضو من أعضائهن أو بويضات مجمدة، إضافة لأخريات بعن أثاث منزلهن أو خصل شعرهن، وانتشرت ظاهرة التسول الإلكتروني والتقليدي حيث أن غالبيتهم من الفتيات والفتية والنساء المعيلات، في حين يتساوى العاملين والعاملات والعاطلين عن العمل بالفقر المدقع، في ظل ارتفاع الأسعار وانعدام سبل الحياة الكريمة. بينما لا تحصل أغلب السوريات على فرص عمل آمنة أو دعم مستدام لتأمين متطلباتهن، هناك أخريات يتعرضن للعنف الاقتصادي ضمن العائلة أو العمل ولا يملكن حلول بديلة من الدعم الاجتماعي المؤسساتي والاستقلال المادي. 

نؤمن في الحركة السياسية النسوية السورية أن الحل السياسي الشامل وفق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ والتغيير السلمي واقتلاع منظومة الفساد، هو الحل الوحيد لخلاص الشعب السوري من المصير المجهول الذي يقتادهم إليه النظام بتعنته وتفريطه بمقدرات البلاد وثرواتها التي أصبحت مرتهنة لعدة دول، ومصدراً لتصنيع وتهريب المخدرات.

ونؤكد في الحركة السياسية النسوية السورية على ضرورة زيادة المشاريع المرتبطة بالتعافي المبكر المعنية بتمكين النساء لدخول سوق العمل، وإحداث مشاريع تنمية مستدامة لتشغيلهن وتأمين متطلباتهن حسب خصوصية كل حالة.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية

 

تنويه: كُتِبت هذه الافتتاحية قبل كارثة الزلزال، وتم تأجيل نشرها بسبب وقوع كارثة الزلزال