نساء في الخطوط الأمامية-نساء الداخل في مواجهة آثار الزلزال
- updated: 11 مايو 2023
- |
*أمل السلامات
“جنديرس أغلب أبنيتها على الأرض، وكذلك سلقين… كانت ثواني معدودة، لكنها ثواني كارثية بكل معنى الكلمة، غيرت مجرى الحياة، غيرت دوران الساعة، أحسست بأن كل شيء توقف، حتى الهواء الذي كنت أتنفسه قد توقف”، هذا اقتباس من وصف يمنى لكارثة الزلزال، يمنى التي سارعت مع العديد من النساء لتقديم مبادرات هدفها تخفيف الآثار الكبيرة التي تركها زلزال سوريا بتاريخ 6 شباط 2023 على الأهالي القاطنين في شمال غرب سوريا، والذين يعيشون أساساً ظروف حياتية ومعيشية أقل ما يقال عنها أنها صعبة.
تواصلنا في الحركة السياسية النسوية السورية مع عدد من النساء في شمال غرب سوريا، اللواتي قدمن مبادرات ساهمت في التخفيف من حدة الآثار التي تركها زلزال سوريا وتركيا.
لجنة نسائية طارئة
يمنى اليوسف؛ عضوة الحركة السياسية النسوية السورية، كانت أول ما قامت به مباشرة بعد كارثة الزلزال تشكيل لجنة مع عدد من صديقاتها النساء، لتقديم دعم أولي للمتضررات/ين من الزلزال والقاطنات/ن في مخيمات شمال غرب سوريا، تقول يمنى: “شكلت لجنة أنا وصديقاتي من أجل تقديم دعم سريع وأولي للقاطنات/ين في المخيمات. بداية قدمنا إسعاف نفسي أولي للمتضررات/ين سواءً في جندريس أو في سلقين”.
وتنتقل يمنى مع صديقاتها إلى مرحلة ثانية: “بدأنا بعد ذلك بفرز التبرعات العينية التي كانت تأتي لمساعدة الناجيات/ين من الزلزال، سواءً كانت مواد غذائية تموينية أو ملابس أو بطانيات… حيث كنا نعمل على ترتيبها ووضعها في أكياس لتصبح جاهزة للتوزيع”.
“تالياً عملنا على البحث عن الأفراد الأكثر تضرراً، كالأفراد المحتاجين للمشافي أو للعلاج أو للدعم النفسي، وذلك من أجل وصلهم بجهات داعمة قد تساعدهم، كما أننا عملنا على تأمين مبالغ مالية لهم قد تمكنهم من الوصول بأنفسهم للخدمة التي يحتاجونها”، تتابع يمنى عن مبادرتها لمواجهة آثار الزلزال التي استمرت تقريباً شهر ونصف من لحظة حصول الزلزال.
مبادرات بالجملة
نور الجندلي؛ ناشطة في المجال الإنساني والتعليمي، وتقيم في مدينة الباب، قامت نور بعدد من المبادرات الإغاثية، تقديم تدريبات، ودعم نفسي لمواجهة ما تركه الزلزال من آثار صعبة على الأهالي في مناطق شمال غرب سوريا تسردها لنا نور: “أولى المبادرات التي قمت بها، كانت تأمين /108/ سلة إسعافية للنساء تحتوي على ملابس ومستلزمات نسائية، تم توزيعها في مخيم البرازيل، الذي استقبل عائلات نزحت من منطقة جنديرس” وتتابع نور: “المبادرة أو الفكرة الثانية التي عملت عليها، هي تدريب أكثر من 50 طالب/ة جامعي/ة في مدينة الباب وعفرين وأطمة على الدعم النفسي الاجتماعي والإسعاف النفسي، لتتمكن هؤلاء الطالبات والطلاب بدورهن/م من تقديم جلسات دعم نفسي لحوالي /1000/ طفلة وطفل من الذين نزحوا من مناطق الزلزال إلى المخيمات”. وفي مجال دعم ومساعدة الطفلات والأطفال المنكوبين من الزلزال تقول نور: “تم التنسيق لافتتاح مشروع تعليمي للطفلات والأطفال، حيث استهدفنا بهذا المشروع الطفلات/الأطفال النازحات/ين بسبب الزلزال في مخيم البرازيل والمخيمات المحيطة بمنطقة الباب بالتعليم والدعم النفسي الاجتماعي، وما زال هذا المشروع مستمراً حتى اللحظة”.
نور؛ هي أيضاً محاضرة ومدرسة في الجامعة، الأمر الذي استغلته لتقديم محاضرات: “قدمت محاضرات في جامعة حلب الحرة في مدينة إعزاز، حول آلية التعامل مع المنكوبات/ين من الزلزال”.
إدارة الحالات
“لم استوعب حجم الدمار الذي سببه الزلزال، كان لدي أقارب مفقودات/ين تحت الأنقاض، وبعد فترة من الزلزال قالت فرق الدفاع المدني أنها تكاد تصبح عاجزة عن إخراج الناس من تحت الأنقاض، شعرت بالإحباط، أخذت إجازة من عملي، وانزويت في منزلي لمدة أيام بعد حدوث الزلزال” هكذا بدأت مي القاسم حديثها.
مي؛ عضوة في الحركة السياسية النسوية السورية، تعمل في مجال الحماية والصحة، لم تستطع أن تبقى بعيدة عن مساعدة المتضررات/ين من كارثة الزلزال، فهي وإن بقيت في منزلها، قررت أن تقوم بأمر يشبه إدارة الحالة وعن ذلك تحدثنا: “صحيح أنني بقيت في منزلي، لكنني لم أستوعب أن أكون بعيدة عن تقديم ولو مساعدة بسيطة لأهلنا المتضررين، استغليت وجودي في مجموعات للواتس أب مثل مجموعة الحركة السياسية النسوية السورية، مجموعات هيئة المرأة السورية، ومجموعات تنسيق الحالة… رحت أكتب على تلك الصفحات حول حالات أشخاص متضررين أو بحاجة لدعم مستعجل كالعلاج أو المال أو الخيم… فكنت أجمع معلومات عن كل حالة وأبدأ بنشرها على المجموعات بحثاً عن طرق يمكن فيها مساعدتها. مثلاً تواصل معي أشخاص من منكوبي الزلزال يحتاجون إلى خيم تأويهم، نشرت الطلب على مجموعة الحركة السياسية النسوية السورية، وفعلاً تواصلت معي إحدى عضوات الحركة وأرسلت لي رقم لشخص قد يساعد في تأمين خيم للمتضررات/ين من الزلزال، وتم تأمين خيم بمساعدته لمتضررات ومتضررين في عفرين وغيرها”.
“مبادرة بلسم، هي مبادرة ساهمت فيها لتأمين خيم لنازحات/ي الزلزال، حيث قمت أنا ومجموعة من النساء بجمع معلومات عن عدد من النازحات/ين المحتاجات/ين لخيم، وفعلاً تم تأمين خيم لهن/م وإن كان بصعوبة كبيرة، كما شاركت أيضاً بتوزيع مواد غذائية. أنا لم أذهب للمخيمات كنت أنا كمن يدير الحالة من خلال قيامي بتجهيز ملفات للمتضررات والمتضررين واحتياجاتهن/م وأعمل عل تأمينها من خلال تواصلي بجهات وأفراد قد يقدمون المساعدة” تحكي لنا مي.
قصص وتقارير مصورة
نبيهة الطه؛ عضوة الحركة السياسية النسوية السورية، وتعمل كصحفية، عن مبادرتها تقول: “قمت بإنجاز قصص مصورة عن آثار الزلزال على الأهالي في الشمال السوري، شريحة النساء كانت محط اهتمامي، حيث قمت بعمل تقارير وقصص مصورة عن احتياجاتهن، مخاوفهن، وحالتهن الصعبة بعد الزلزال. نشرت هذه التقارير والقصص في وكالات ومواقع عربية محلية، كما أنني أرسلت أغلبها إلى قنوات ومواقع غربية، فأنا أردت أن أوصل صوت النساء ووضعهن إلى الخارج”.
كما أن نبيهة قدمت مجهوداً في العمل الإغاثي: “عملت مع فريق بلسم، حيث وزعنا مستلزمات نسائية ومستلزمات للأطفال مع مجموعة من النساء”.
الصعوبات والتحديات في وجه المبادرات
“كنت أواجه صعوبة في تصوير النساء المنكوبات من الزلزال، ليس لأنهن لا يردن أن يظهرن في الصورة، بل لأنهن كن يشعرن بذلك الخذلان، بأنه لا يوجد من يسمع صوتهن أو يهتم بمعاناتهن” هذا ما تقوله نبيهة عن إحدى الصعوبات التي واجهتها في نقل صورة حية عن الظرف المأساوي للنساء بعد الزلزال.
الثقة بمصادر المال المخصصة لمساعدة منكوبات/ي الزلزال، والثقة بالأشخاص المتبرعين بالمال كانت أحياناً تؤخر تقديم المساعدة، كما قالت مي: “تواصلت مع أشخاص خارج سوريا لم أعرفهم طلباً للمساعدة وللدعم، حيث تم تواصلت معهم من خلال نساء أعرفهن على مجموعات (الواتس أب)، كنت أتردد أحياناً في التواصل معهم وطلب الدعم، لكنني في النهاية أعرف النساء اللواتي قدمنَّ لي معلومات التواصل مع هؤلاء الأشخاص، لذلك أطمئن وأمنحهم الثقة للمساعدة”. وتذكر مي صعوبات أخرى واجهتها: “بعض المخيمات مثل مخيمات سلقين كان هناك عائق أيضاً في وصول المساعدات، تأمين وسائل نقل للوصول إلى مناطق تواجد المتضررات/ين، قلة مواد الدعم المقدمة مقارنة بأعداد الناجيات/ين من الزلزال، وطبعاً هناك نقص التمويل أيضاً وكثرة الاحتياجات من خيم ولباس وطعام وشراب وتدفئة، بالإضافة إلى الاحتياجات الخاصة، فمثلاً كان هناك سيدة تعاني من كسر في الحوض وبحاجة لعناية طبية مستعجلة”.
تتحدث نور عن صعوبة أطلقت عليها العشوائية وعنها تقول: “العشوائية هي من الصعوبات التي واجهتها، فالمخيمات كانت مثلاً بحالة عشوائية، كما أن بعض الجهات الأخرى التي كانت تقدم الدعم افتقرت إلى التنظيم في تلبية احتياجات المنكوبات/ين من الزلزال”.
“بُعد مناطق الزلزال عن بعضها، عدم توافر وسائل نقل، عدم وجود داعم أو مصدر قادر على التكفل بالحالات الصعبة، وتأمين الخيم أو تأمين ثمنها لم يكن بالأمر السهل أبداً” جملة من الصعوبات تحدثت عنها يمنى، تضيف يمنى: “جاءت كارثة الزلزال على أشخاص يعانون أساساً من ظروف معيشية واقتصادية صعبة، وحدث الزلزال في فصل الشتاء حيث البرد الشديد، والأهالي لم يكونوا يملكون أساساً وسائل للتدفئة، هذا كله ضاعف احتياجات الأهالي المنكوبين من الزلزال”.
تضاعف المعاناة
ضاعفت كارثة الزلزال من معاناة الأهالي في شمال غرب سوريا، وأضافت احتياجات جديدة اقتصادية ومعيشية ونفسية، وبذلك يتضاعف الجهد المطلوب من المنظمات المحلية والدولية ومن الهيئات والمؤسسات المحلية ومن الأفراد النشطاء وغيرهم، لتأمين أدنى متطلبات الحياة، ولتأمين حياة أقل ما يقال عنها حياة كريمة للأهالي في شمال غرب سوريا، ولاسيما متضررات/ي الزلزال.
“الناس هنا متعبة، منهكة، ويعيشون ظروف نفسية صعبة. هن/م غير قادرات/ين على الحصول على أبسط حقوقهن/م. لا يوجد تعليم ومدارس هنا، والخدمات الطبية خجولة ومحدودة، البنية التحتية شبه مهدمة، والمعابر مغلقة. لم نعد قادرين على استيعاب المزيد من الكوارث” تشير يمنى إلى واقع مناطق شمال غرب سوريا.
وتطلب نبيهة من المجتمع الدولي أن ينظر بعد كارثة الزلزال إلى: “ما يواجهه الأهالي حالياً بعد كارثة الزلزال من صعوبات، لابد من وجود جهات تساعد الأهالي لتخطي الألم والخوف، هن/م بحاجة ليشعروا بالأمان والاستقرار، وتحتاج النساء خاصة إلى دعم نفسي وتلبية احتياجاتهن الخاصة”.
“أتمنى بأن لا تبق ولا خيمة في سوريا، يأتي المأوى والسكن كأولوية بالنسبة لاحتياجات جميع أهالي شمال غرب سوريا” تتمنى نور.
“أضيفت خيم جديدة لمخيمات الشمال، وهي خيم متضررات/ين الزلزال، هؤلاء فقدوا كل شيء، وهكذا ازدادت أعداد القاطنات/ين في المخيمات، الذين يعيشون في ظل ظروف إنسانية صعبة” تقول مي.
دور متطور للنساء في العمل المدني
تقول نور: “في مجموعة متطوعات الشمال السوري، كان هناك أكثر من 500 امرأة في مناطق مختلفة من شمال غرب سوريا، جاهزات ومستعدات لتقديم الدعم والمساعدة للأهالي المنكوبين، هذا ليس بغريب على النساء السوريات اللواتي سجلن أدواراً فاعلة في العمل المدني والإغاثي”.
“تمكنت النساء من ترك بصمة واضحة في كارثة الزلزال” تقول يمنى.
تؤكد نبيهة على أنه كان للنساء في شمال غرب سوريا دوراً كبيراً في تقديم الدعم لمتضررات/ي الزلزال فهن: “كن قادرات على تقديم الدعم الإغاثي والنفسي وتأمين الاحتياجات الضرورية”، وتؤكد نبيهة على أهمية التركيز على مستلزمات واحتياجات النساء والتي ازدادت بعد كارثة الزلزال.
وصفت مي العمل الذي قامت به النساء لمواجهة آثار الزلزال بعبارة: “عمل يعادل عمل الدولة” والسبب: “التشبيك، سرعة التواصل، التعاطف، وسرعة الاستجابة كانت كبيرة جداً”.
أثبتت النساء من خلال تلك المبادرات تطور دورهن في العمل المدني، وتحسسهنَّ لاحتياجات النساء المنكوبات خاصة. لكن ما يزال الشمال السوري يحتاج إلى المزيد من الدعم والمساعدة، وعلى جميع الأصعدة، والأهم هو حل جذري لمأساة ملايين من السوريات والسوريين، الذين جاءت كارثة الزلزال لتزيد من مأساتهن/م.