اليوم التالي ما بعد سقوط الأسد: سوريا على طريق الحرية 

عقود طويلة من القمع والانتهاكات التي رزحت سوريا تحتها، جعلت منها كياناً مرتهناً للخوف وانعدام الحريات، مما ترتب عليه الكثير من الخسائر، كان أشدها فتكاً بنسيجها الوطني وفقدان الثقة بين مكونات الشعب السوري وغياب الثقة بمؤسسة الدولة التي قامت على سياسات القمع والتمييز، كما انعدم الأمل بناء الدولة الوطنية الحديثة الديمقراطية، ذات التنوع السياسي والرفاه الاقتصادي، وذلك من خلال استيلاء حافظ الأسد على السلطة، بحيث تحولت سوريا إلى دولة أمنية تهدد مواطنيها ومواطناتها، وتشكّل تهديداً وتخريباً حقيقياً لدول الجوار، هذا ما عدا توريث السلطة بعد تعديل الدستور للابن بشار الأسد، الذي كان سبباً مباشراً في ما آلت إليه أوضاع البلاد، من ارتهان وهيمنة وتدخل قوى أجنبية، ودمار وتهجير وانهيار اقتصادي، وقضايا مصيرية عالقة حول المفقودين والمفقودات والمغيبين والمغيبات  قسرياً على خلفية التعبير عن الرأي

بعد ثورة شعبية امتدت على كل التراب السوري لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، وبعد فترة غير قصيرة من الاستنقاع السياسي والجمود في الملف السوري، برزت ظروف دولية وإقليمية جديدة جعلت الملف السوري يعود لصدارة الاهتمام الدولي، لقد كان السبب المباشر في تغير الوضع هو الحرب التي شنتها إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة في تحطيم حزب الله وإضعاف إيران واستهداف شخصيات قيادية إيرانية على الأرض السورية، مما أدى الى تقليص حجم قوات الميليشيات التابعة لها ونفوذها العسكري.

بالإضافة إلى فشل التطبيع والتواصل مع الدول العربية خاصة في ملف المخدرات وقطع العلاقة مع إيران، فضلاً عن فشل محاولات التطبيع من قبل تركيا عبر الوساطة الروسية وإضاعة الفرص التي قدمت إلى النظام للبدء في عملية سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة وفق قراراتها، أهمها قرار مجلس الأمن 2254 تخرج سوريا من أتون الحرب وتنقذها من التقسيم والانهيار.

هذا السقوط الذي انتظره طويلاً العديد من السوريين والسوريات، وتم استقباله بفرح كبير، فتح باباً لمرحلة جديدة، أعادت إحياء الأمل لدى السوريين/ات في بناء الدولة، والتحول بها إلى مسار سياسي وطني ديمقراطي، يحقق طموحات الشعب السوري في أهدافه بالحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والسلام

ترى الحركة السياسية النسوية السورية أن السوريون والسوريات يقفون معاً الآن للمرة الأولى موحدين في مواجهة تحديات هذه المرحلة الحرجة التي لا تقف فقط عند التحول الديمقراطي بإنشاء نظام سياسي تمثيلي، بل تشمل إجراء مصالحة وطنية تتضمن المساءلة والمحاسبة الدستورية لمجرمي الحرب، وإعادة الإعمار للبنية التحتية والمدن المتضررة، وتوحيد البلاد بدمج المناطق ضمن بناء الدولة الواحدة، والعمل على التعافي الاقتصادي لإعادة اللاجئين واللاجئات والمهجرين والمهجرات. وترى الحركة السياسية النسوية السورية أن كل ذلك يتطلب مقاربات شاملة وجريئة لضمان الانتقال السلمي وتحقيق العدالة والاستقرار.

تجد الحركة السياسية النسوية السورية أن هناك مجموعة من الأولويات التي يجب التركيز عليها لضمان نجاح العملية الانتقالية، وتحقيق تطلعات السوريين والسوريات في بناء دولة المواطنة الديمقراطية المدنية المستقرة.

وترى الحركة السياسية النسوية السورية ضرورة أن تبدأ حكومة تصريف الأعمال بالتجهيز والدعوة لعقد مؤتمر جامع لكل أطياف الشعب السوري ومكوناته، دونما أي إقصاء، وبحرص بالغ على مشاركة كل السوريين والسوريات من خلال الهيئات السياسية التي تمثلهم أو المنظمات والتجمعات المدنية.

كما تدعو الحركة السياسية النسوية السورية للعمل معاً على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات تمثل كل أطياف الشعب السوري ولا تقل نسبة تمثيل النساء بها عمّا تنصه البروتوكولات الدولية، لأهمية دور النساء من كافة الانتماءات السياسية والاجتماعية والعرقية بالتأثير في مجتمعاتهنَّ المحلية، وفي بناء السلام الأهلي، مما يجعل من هذا المؤتمر اللبنة الأولى في عملية المصالحة الوطنية السورية الشاملة

 وتقوم هيئة الحكم الانتقالي المنتخبة بالإشراف على مسارات متوازية لبناء الدولة، من خلال خارطة طريق تضمن حقوق ومصالح كل مكونات الشعب السوريوينبثق عنها بداية لجنة مختصة  تعمل على مقربة من منظمات المجتمع المدني والأحزاب والكيانات السياسية، لاستشفاف رأي المواطنين والمواطنات في مشروع نقاش وكتابة دستور مدني ديمقراطي قائم على مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع السوريين والسوريات، مما يجعل من الدستور الجديد وثيقة وطنية شاملة متوافق عليها، تعكس نضال السوريين والسوريات وتضحياتهم.

كما تشرف هيئة الحكم الانتقالي على لجان مختصة تعمل على قضايا العدالة الانتقالية والمساءلة والمحاسبة، وعلى إطلاق عملية المصالحة الوطنية الشفافة لإعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري، من خلال منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية سعياً إلى تحقيق الشفاء المجتمعي والتعافي الجماعي

وتشرف هيئة الحكم الانتقالي كذلك على إنشاء صندوق دعم سريع وطويل المدى للمعتقلين والمعتقلات وعائلاتهم المتضررة، هدفه تأمين كل ما يحتاجونه من دعم مادي ومعنوي ضروريان للتعافي، وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع. مع الأخذ بعين الاعتبار حساسية قضية المعتقلات من النساء تحديداً، سيما اللواتي تعرضنَ لاعتداءات جنسية، وتقديم الرعاية اللازمة لهن ولأطفالهنَّ مما تساعدهنَّ على التعافي والاستقرار في بيئة آمنة وصحية مناسبة لهنَّ. كما تشرف على برامج توعية تقوم بها منظمات المجتمع المدني تساعد على حمايتهنًَّ من الوصمة والانتهاكات المجتمعية.

تؤمن الحركة السياسية النسوية السورية بضرورة التفاعل مع القوى الإقليمية والدولية من منطلق سيادة الدولة السورية وثوابتها الدستورية، وترى أننا كسوريين وسوريات نسعى لبناء الدولة المدنية الحديثة، وتؤمن أنه لا توجد دولة قادرة على عزل نفسها عن محيطها الإقليمي أو العالمي، لذا يتطلب نجاح العملية الانتقالية في سوريا إلى قراءة دقيقة لحسابات ومصالح القوى الإقليمية والدولية.

كما يجب على الحكومة الانتقالية تصميم رؤية واستراتيجية وطنية تضمن الحصول على مشروعية دولية للمواقف السورية، ودعم إقليمي ودولي للمشاريع والبرامج، بما يسهم في خلق الشراكة الدولية، ويعيد ويعزز دور سوريا الهام على مستوى المنطقة والعالم، والذي يجب أن يبدأ بالعمل على رفع العقوبات المفروضة على سوريا وأبرزها العقوبات الأمريكية، عقوبات الاتحاد الأوروبي وقانون قيصر.

كما ترى الحركة السياسية النسوية السورية أن المظلة الدولية ضرورة لحماية ودعم الدولة السورية الجديدة، وإن الالتزام بالقرارات الأممية يعني البقاء تحت هذه المظلة الدولية التي توفر الدعم السياسي والمالي للبلاد، وتساعد في حماية حقوق الإنسان، وضمان القضاء على الانتهاكات، وتوفير المساعدات الاقتصادية لإعادة بناء البنية التحتية، ودعم الجهد العسكري لحماية الدولة ومكافحة الإرهاب، ودعم الحكومة السورية الجديدة لتحقيق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، مما يعيد دمج سوريا مع النظام الدولي ويجعل منها دولة فاعلة ذات مصداقية وقادرة على مواجهة التحديات

إن تحقيق هذه الأولويات ليس بالأمر اليسير، لكنه ضروري لضمان انتقال سوريا إلى مرحلة جديدة من العدالة والاستقرار. وتوصي الحركة السياسية النسوية السورية كل الأطراف أن تتحلى بالإرادة السياسية، والعمل بروح المسؤولية الوطنية، لتحقيق هذه الأهداف، وأن هذه الأهداف خطوات أساسية لتحقيق مستقبل أفضل.

وأن هذا المسار يتطلب عملاً مشتركاً وتكاملاً بين قوى الشعب السوري في المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية، متعاونة لتحقيق تطلعات الشعب السوري في بناء وطن ينعم بالحرية والكرامة للجميع.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية