مخيم الهول من مركز إيواء مؤقت إلى أزمة إنسانية معقدة
- updated: 8 أبريل 2025
- |
*الكاتبة: هيام
برز اسم مخيم الهول بشكل واسع في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انتهاء تنظيم داعش، إلا أن التقارير التي تصدر عن المخيم ما زالت قليلة والحصول على معلومات داخل المخيم صعبة في أغلب الأحيان، لقصة المخيم جذور تمتد إلى ما قبل ذلك بعقود حيث أُنشئ المخيم خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 بهدف استيعاب اللاجئين/ات العراقيين/ات الفارين/ات من النزاع، وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، شهد المخيم توسعاً ملحوظاً مع تدفق المزيد من اللاجئين/ات العراقيين/ات الباحثين/ات عن الأمان.
ومع تصاعد حدة الصراعات في سوريا والعراق خلال السنوات التالية، عاد مخيم الهول إلى الواجهة مجددًا، ففي عام 2016، أعيد افتتاحه ليصبح مأوى للنازحين/ات الهاربين/ات من المعارك الدائرة في المنطقة، خاصة بعد تصاعد العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش ومع اشتداد القتال في الموصل وهزيمة التنظيم في آخر معاقله في بلدة الباغوز عام 2019، حيث شهد المخيم موجات نزوح ضخمة، أدت إلى تضخم عدد قاطنيه ليصل إلى 74000 شخص في ذروة الأزمة، جزء منهم مرتبطين/ات بعناصر داعش.
تتنوع خلفيات النساء المحتجزات في مخيم الهول بين عدة فئات، أبرزهن زوجات مقاتلي تنظيم داعش، حيث دخلت بعضهن المخيم عقب مقتل أو اعتقال أزواجهن، وغالبًا ما يُنظر إليهن بعين الشك والاتهام بالانتماء للتنظيم، رغم أن جزء منهنَّ لم يكنَّ معنيات بذلك، إذ جئن قسرًا مع أزواجهن أو كنَّ ضحايا استغلال وإجبار على الزواج من قبل الأهل أو المجتمع.
كان من المفترض أن يكون المخيم ملجًأ مؤقتًا، لكنه تحول بمرور الوقت إلى مكان احتجاز طويل الأمد. ومع استمرار بقاء النساء وأطفالهن داخله، تتزايد المخاوف من نشوء جيل جديد من الأطفال الذين لا يعرفون شيئًا سوى حياة المخيم، مما يشكل تهديدًا إنسانيًا وأمنيًا طويل المدى، قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات المستقبلية في المنطقة.
الواقع الإنساني في مخيم الهول معاناة ممتدة وظروف قاسية
تعيش النساء والأطفال في مخيم الهول تحت وطأة أوضاع إنسانية مأساوية تتفاقم يومًا بعد يوم، حيث يواجهن/ون نقصًا حادًا في الخدمات الأساسية وسط تصاعد العنف النفسي والجسدي وتفتيش للهواتف المحمولة خشية التواصل مع جهات خارجية أو شخصيات تتعلق بالتنظيم، حيث يتم أغلب الأحيان احتجاز بعض النساء أثناء التحقيق معهن في غرف منفردة.
أزمة الغذاء والصحة معاناة يومية بلا حلول
تعاني الأسر داخل المخيم من نقص شديد في الإمدادات الغذائية، إذ لا يتم توزيع المساعدات الإنسانية بشكل دوري، مما يجعل تأمين الغذاء الأساسي عبئًا مرهقًا، خصوصًا على الأمهات اللواتي يواجهن صعوبة في إطعام أطفالهن. أدى هذا الوضع إلى ارتفاع نسب سوء التغذية، خاصة بين الأطفال الذين يعانون من نقص الفيتامينات والمعادن الأساسية لنموهم.
كما يشهد المخيم نقصًا في الأدوية والرعاية الطبية، مع غياب الأدوية الأساسية مما يفاقم الحالة الصحية المتدهورة داخله. يوجد عدد محدود من العيادات الميدانية، لكنها تفتقر إلى التجهيزات الطبية اللازمة من معدات وأدوية، مما يجعل من الصعب التعامل مع الأمراض المعدية التي تنتشر بسبب تردّي أوضاع النظافة وشُحّ مياه الشرب النظيفة.
يتم توفير بعض الاحتياجات الأساسية للنساء اللواتي لديهن أقارب قادرون على إرسال أموال إليهن عن طريق الحوالات، مما يسمح لهن بشراء الغذاء والمواد الضرورية من قبل إدارة المخيم، وحسب شهادات نساء من داخل المخيم يتوفر داخل المخيم سوق ويتم فيه بيع العديد من المواد الغذائية ومستلزمات المنزل.
أزمة الهوية القانونية جيل بلا أوراق ثبوتية
إلى جانب الأزمة المعيشية، يعاني المخيم من مشكلة قانونية معقدة، حيث أن العديد من الأطفال بدون أوراق ثبوتية، خاصةً أبناء المقاتلين الأجانب، مما يجعل مستقبلهم مجهولًا. كما تواجه الدول الغربية والعربية تحديات قانونية في استعادة مواطناتها من المخيم، حيث ترفض بعض الحكومات استقبال الأطفال لأنهم غير مسجلين رسميًا، أو لأن أمهاتهم غير قادرات قانونيًا بسبب التمييز القانوني ضد النساء السوريات وحرمانهن من منح الجنسية لأطفالهن. تواجه النساء السوريات إهمالاً كبيرًا، حيث لا يتم العمل على إيجاد حلول قانونية تضمن خروجهن من المخيم أو إعادة دمجهن في المجتمع.
الآثار النفسية والاجتماعية العنف والخوف الدائم
تُعد المعاناة النفسية من أخطر جوانب الأزمة في المخيم، حيث تعيش النساء والأطفال في حالة مستمرة من الخوف والذعر بسبب العنف المتكرر الذي يتعرضن/ون له، سواء من قبل إدارة المخيم والقوات الأمنية التابعة لقسد، أو داخل المخيم نتيجة خلق حالة من عدم الاستقرار من خلال رمي بعض الأسلحة ببن نساء المخيم وتصويرهن والتوثيق على أنهن مقاتلات أو جميعهن متطرفات من أجل إظهار صورة للمجتمع الدولي أن جميع المحتجزات في مخيم الهول مسلحات ومقاتلات لصالح التنظيم؛ هذا ما عبرت عنه إحدى النساء الهاربات من المخيم إلى الشمال السوري عبر رحلة تهريب خطيرة وذات تكلفة مرتفعة.
تؤدي هذه الأوضاع إلى انتشار اضطرابات نفسية بين النساء، مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، خصوصًا اللواتي فقدن أزواجهن أو أطفالهن خلال الحرب، هناك خوف أيضًا من الوصمة المجتمعية والرفض من قبل المجتمع. ينعكس هذا أيضًا على الأطفال الذين وُلدوا ونشأوا داخل المخيم دون أي فرصة لحياة طبيعية، مما أدى إلى ظهور اضطرابات سلوكية ونفسية لديهم بسبب غياب التعليم وانعدام الحماية والعيش في بيئة مغلقة دون أي أمل في مستقبل واضح.
مستقبل مجهول: إلى أين يتجه مصير سكان المخيم؟
مع استمرار الأوضاع المتردية في مخيم الهول، تبقى التساؤلات حول مستقبل النساء والأطفال داخل المخيم معلقة دون إجابة، هل ستتمكن المنظمات الدولية والحكومات المعنية من إيجاد حلول إنسانية وقانونية لمساعدتهن/م؟ أم سيبقى المخيم نقطة مظلمة في الأزمة الإنسانية التي تعيشها المنطقة، حيث يتلاشى الأمل في الخروج من دوامة العنف والفقر والمعاناة؟
تروي عائشة أم بكر (اسم مستعار) إحدى النساء المحتجزات في مخيم الهول، معاناتها قائلة: “نحن هنا منذ ما يقارب ست سنوات، لم نرتكب أي جريمة، لكننا نعيش في خوف دائم، يبدو الخروج من هذا المكان مستحيلاً لأننا لا نملك المال الكافي لنستطيع الهرب من جحيم المخيم، وكأننا محكومون بالبقاء هنا إلى الأبد نعيش في ظروف إنسانية صعبة خاصة مع وجود أطفال ومسؤوليات إضافية. على العالم أن يتحرك ويجد حل لنا وللأطفال.” بهذه العبارات عبرت عائشة أم بكر عن ملخص حياتها في المخيم.
تعكس هذه الشهادات حجم المأساة الإنسانية التي تعيشها النساء والأطفال داخل المخيم، حيث تداخلت السياسة والأمن مع الحقوق الأساسية، مما جعل إيجاد حل لهذه الأزمة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
البحث عن حلول من التأهيل وإعادة الإدماج
مع تصاعد التساؤلات حول مصير النساء والأطفال في مخيم الهول، يبرز تساؤل جوهري هل يمكن إنهاء معاناتهن/م من خلال برامج تأهيل وإعادة إدماج، أم أن واقع الاحتجاز المفتوح سيبقى قائماً؟
بدلاً من استمرار النساء في هذا الوضع المأزوم، يتطلب الأمر نهجًا أكثر إنسانية وفعالية، يرتكز على برامج إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، خاصة للنساء اللواتي قضين سنوات في المخيم، حيث يعانين من آثار نفسية واجتماعية قاسية. هؤلاء النساء بحاجة إلى دعم يساعدهن على الاندماج مجددًا في المجتمع، عوضًا عن تركهن عالقات في دائرة التهميش والشك.
يا ترى هل سيكون هناك أي قبول من المجتمع لهن بعد الخروج؟ هذا ما يقلق النساء المحتجزات، الخوف والرفض الواضح من المجتمع بعد الخروج أيضًا.
الأطفال بدورهم يحتاجون إلى فرص تعليمية حقيقية، فمن غير المقبول أن يترعرع جيل جديد في بيئة تفتقر إلى التعليم والحماية، مما قد يؤدي إلى كارثة مستقبلية. كما يجب توفير برامج تدريب مهني للنساء، بحيث يتمكنَّ من إعالة أنفسهن، خصوصًا أن نسبة كبيرة منهن فقدن أزواجهن ولا يملكن أي مصدر دخل.
على المستوى القانوني، تواجه العديد من النساء عقبات معقدة، خاصة فيما يتعلق بهوية أطفالهن حيث يوجد أطفال ولدوا لآباء غير سوريين، مما يجعلهم بلا أي أوراق ثبوتية أو جنسية، وهو تحدٍ يهدد مستقبلهم بالكامل. من الضروري إيجاد حلول قانونية تكفل حقوق هؤلاء الأطفال، سواء من خلال إجراءات تسجيل مدنية جديدة، أو عبر التعاون مع الدول المعنية.
دور المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية
لا يمكن التعامل مع قضية مخيم الهول باعتبارها شأنًا محليًا فقط، بل هي مسؤولية دولية تتطلب تدخلاً حقيقيًا من الحكومات والمنظمات الحقوقية. ومن بين الحلول الممكنة الضغط على الحكومات لإيجاد حلول دبلوماسية تسمح بإعادة النساء والأطفال غير السوريين إلى أوطانهن/م، أو على الأقل توفير أماكن آمنة لهن/م خارج المخيم، وتحسين الظروف الإنسانية داخل المخيم، من خلال ضمان وصول الخدمات الطبية والتعليمية الأساسية، لتخفيف المعاناة المتفاقمة ودفع نحو سياسات إعادة تأهيل شاملة، بحيث لا يبقى المخيم مقر احتجاز دائم يزيد من تعقيد المشكلة بدلاً من حلها.
المصير المجهول: إلى أين وما دور الحكومة الانتقالية؟
بعد سنوات على انتهاء تنظيم داعش، ما يزال مصير آلاف النساء والأطفال في مخيم الهول مجهولًا، وبينما يستمر الجدل حول من يحق له الخروج ومن يجب أن يبقى، فإن الواقع الإنساني القاسي يفرض ضرورة التحرك العاجل لمنع المخيم من أن يتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد مستقبل المنطقة بأكملها، وحتى بعد الاتفاقات المبرمة بين الحكومة السورية الحالية وبين قوات قسد لا يوجد أي أخبار أو تصريحات رسمية عن وضع المخيم.
لكن السؤال الأهم يبقى مطروحًا:
هل سنشهد تحركًا جادًا لإنهاء مأساة نساء وأطفال مخيم الهول، أم أنهن/م سيبقون مجرد أرقام في تقارير المنظمات الإنسانية، دون أي تغيير فعلي في مصيرهن/م؟