الأمن الغذائي في سوريا عام 2025: أزمة ممتدة في ظل التحولات المناخية والسياسية والاجتماعية

*محمد الشماع

 

منذ بداية النزاع في سوريا عام 2011، تراجع الأمن الغذائي من حالة الاكتفاء الذاتي إلى أزمة ممتدة تُصنّف اليوم ضمن الأسوأ عالميًا. في عام 2025، تتقاطع آثار الحرب الطويلة، العقوبات الاقتصادية، النزوح الجماعي، والتغيرات المناخية القاسية، لتنتج وضعًا مركبًا يهدد حياة ملايين السوريين والسوريات.

الأمن الغذائي لم يعد مجرد قضية إنتاج أو توزيع، بل أصبح قضية وجودية ترتبط بالسلام الاجتماعي، العدالة الانتقالية، وحقوق الفئات المهمشة، وعلى رأسها النساء اللواتي يتحملن العبء الأكبر في مواجهة الأزمة. هذه الدراسة تقدم قراءة تحليلية معمقة، لتوضيح جذور الأزمة وأبعادها، مع التركيز على أثرها غير المتكافئ على الفئات الاجتماعية المختلفة.

 

السياق العام للأزمة

قبل عام 2011، كانت سوريا تحقق اكتفاءً ذاتيًا من القمح، وتُعد من الدول الزراعية المستقرة نسبيًا. لكن مع اندلاع النزاع، تراجعت المساحات المزروعة، وتضررت البنية التحتية الزراعية، وانهارت سلاسل التوريد.

بحسب برنامج الأغذية العالمي (WFP)، يعاني نحو 13 مليون سوري/ة من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 3.1 مليون في حالة جوع شديد. هذه الأرقام لا تعكس فقط نقص الغذاء، بل أيضًا ضعف القدرة الشرائية، وانعدام العدالة في الوصول إلى الموارد، خاصة في المخيمات والمناطق المدمرة.

من منظور صحفي، الأزمة ليست مجرد أرقام، بل قصص يومية عن أسر تعيش على وجبة واحدة، وأطفال يعانون من سوء التغذية، ونساء يتحملن مسؤولية إعالة أسرهن في ظروف قاسية.

 

العوامل المؤثرة على الأمن الغذائي

  1. التغير المناخي والجفاف:

شهدت سوريا في شتاء 2024/2025 موجة جفاف هي الأسوأ منذ ستة عقود، بحسب منظمة الأغذية والزراعة (FAO). تضررت 75% من الأراضي المزروعة، وانخفض إنتاج القمح البعل بنسبة 95%، وتراجعت إنتاجية القمح المروي بنسبة 30–40%، ما خلق فجوة تُقدّر بـ 2.7 مليون طن في الاحتياج السنوي.

لكن هذه الأزمة المناخية لا تؤثر على جميع الفئات بشكل متساوٍ؛ إذ تتحمل النساء الريفيات والعاملات الزراعيات العبء الأكبر، حيث يفقدن مصدر رزقهن الأساسي، بينما يواجه النازحون/ات وساكنو/ات المخيمات صعوبة مضاعفة في الحصول على الغذاء والماء.

  1. الانهيار الاقتصادي والعقوبات:

تضاعفت تكلفة المعيشة ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات، بينما لا يغطي الحد الأدنى للأجور سوى 18% من كلفة الغذاء. العقوبات الدولية وتعليق التمويل المرتبط بها أديا إلى توقف مشاريع زراعية أساسية، ما جعل الغذاء متوفرًا في الأسواق لكنه بعيد المنال عن معظم الأسر.

  1. النزوح والصراع:

يبلغ عدد النازحين/ات داخليًا 7.2 مليون شخص، يعيش معظمهم في مخيمات تفتقر للبنية التحتية. هؤلاء يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية التي تقلصت بنسبة 80% بسبب نقص التمويل. النساء في هذه المخيمات يتحملن العبء الأكبر في تأمين الغذاء ورعاية الأطفال، ما يضاعف أثر الأزمة عليهن.

  1. مخلفات الحرب والألغام:

آلاف الهكتارات الزراعية غير قابلة للاستثمار بسبب الألغام ومخلفات الحرب، ما يفاقم أزمة الإنتاج ويؤخر إعادة الإعمار الزراعي.

  1. التحولات السياسية والانقسام:

بعد سقوط الأسد في كانون الأول 2024، ظهرت حكومة جديدة تفتقر إلى الخبرة والموارد، فيما استمرت الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي بسياسات مستقلة. هذا الانقسام أدى إلى تشتت السياسات الزراعية والغذائية، إضافة إلى تنافسية واضحة في تسعير القمح بين الطرفين.

 

الإنتاج الزراعي وتغير أنماط الزراعة

بلغ إنتاج الحبوب في عام 2024 نحو 3.4 ملايين طن، أي أقل بـ 13% من متوسط السنوات الخمس الماضية، وأقل بـ 33% من مستويات ما قبل 2011. كثير من المزارعين/ات تحولوا إلى محاصيل أكثر ربحًا مثل الكمون واليانسون، وهو ما يعكس أزمة الثقة في السياسات الزراعية الرسمية. تقلصت المساحات المزروعة بنسبة 15.3% مقارنة بعام 2010، نتيجة النزوح، تدهور الأراضي، وغياب الدعم الحكومي.

 

الاستجابة المحلية والدولية

– الحكومة الجديدة: أعلنت عن مكافآت مالية لتشجيع تسليم القمح، لكن التنفيذ ظل محدودًا بسبب ضعف الخبرة والموارد.

– الإدارة الذاتية: رفعت سعر القمح إلى 420 دولارًا للطن مع دعم مباشر بقيمة 70 دولارًا، في محاولة لتعزيز الإنتاج المحلي.

– المنظمات الدولية: برنامج الأغذية العالمي (WFP) يوزع مساعدات يومية رغم تقليصها بنسبة 80%. مؤتمر بروكسل التاسع شهد تعهدات دولية، منها 131 مليون يورو من ألمانيا لدعم الأمن الغذائي. مشروع RAISE بقيادة اليونيدو يهدف إلى تحسين جودة وسلامة المنتجات الغذائية.

 

أزمة المناخ واللامساواة الاجتماعية

إن أزمة المناخ في سوريا لا تُوزَّع آثارها بشكل متساوٍ بين الفئات الاجتماعية، بل تُعمّق الفجوات القائمة. النساء الريفيات والعاملات الزراعيات هن الأكثر تضررًا من فقدان المحاصيل، حيث يواجهن فقدان الدخل وانعدام الحماية الاجتماعية. وفي المخيمات، تتحمل النساء مسؤولية إعالة الأسر في ظل ندرة الموارد، ما يجعل أثر الأزمة عليهن مضاعفًا.

النازحون/ات واللاجئون/ات يعانون من ضعف القدرة على التكيف مع التغير المناخي بسبب فقدان الأرض والموارد، بينما سكان المناطق المدمرة ينتظرون إعادة الإعمار، لكن الأزمة المناخية تجعل العودة أكثر صعوبة.

هذه اللامساواة المناخية تكشف أن الأمن الغذائي ليس مجرد قضية إنتاج، بل قضية عدالة اجتماعية وجندرية، تتطلب إدماج النساء والفئات المهمشة في التخطيط والسياسات الزراعية.

 

التحديات المستقبلية

– عجز التمويل الإنساني.

– ضعف نظم الإنذار المبكر.

– الاعتماد على الاستيراد.

– سوء التغذية لدى نصف مليون طفل/ة.

– غياب سياسات زراعية مستدامة.

– استمرار الانقسام السياسي وتشتت السياسات الزراعية.

– غياب برامج إعادة الإعمار المرتبطة بإزالة الألغام.

 

التوصيات

  1. تعزيز الزراعة المستدامة عبر دعم البذور المقاومة للجفاف وتحديث تقنيات الري.
  2. دعم صغار المزارعين/ات بقروض وأسمدة مدعومة وتدريب تقني.
  3. تطوير نظم الإنذار المبكر المناخي والزراعي.
  4. إشراك المجتمعات المحلية في التخطيط الزراعي وربط الأمن الغذائي بجهود بناء السلام.
  5. توفير مشاريع لدعم المرأة الريفية في مواجهة التغير المناخي، عبر دعم مادي وتدريب على زراعات مقاومة للجفاف، وإشراكها في وضع استراتيجيات مستدامة.
  6. تعزيز التعاون الإقليمي في إدارة الموارد المائية المشتركة.
  7. إدماج برامج إزالة الألغام ضمن خطط إعادة الإعمار الزراعي.

 

تكشف أزمة الأمن الغذائي في سوريا عام 2025 عن هشاشة المنظومة الزراعية والاقتصادية في ظل تغيرات مناخية وسياسية واجتماعية متسارعة. ورغم الجهود المبذولة، فإن التعافي يتطلب رؤية استراتيجية طويلة الأمد تستند إلى العدالة المناخية، تمكين المجتمعات المحلية، وإشراك النساء والفئات المهمشة في صياغة الحلول. إن ضمان الحق في الغذاء ليس فقط ضرورة إنسانية، بل هو شرط أساسي لأي استقرار مستقبلي في سوريا.

 

المراجع

  1. برنامج الأغذية العالمي (WFP)، تقرير الأمن الغذائي في سوريا 2025.
  2. منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، موجز حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2025.
  3. مؤتمر بروكسل التاسع (Brussels IX Conference)، بيان الاتحاد الأوروبي حول دعم سوريا.

 

*كل ما ذكر في النص يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية