عريضة قانونية تطالب بإلغاء تعميم وزارة العدل رقم /17/
- updated: 21 ديسمبر 2025
أصدر وزير العدل في الجمهورية العربية السورية تعميما رقم 17 تاريخ 10 تشرين الثاني 2025، وشدد التعميم الذي دخل التنفيذ منذ بداية شهر كانون الأول 2025، على المحاكم الشرعية في جميع العدليات في المحافظات فيما يتعلق بتعيين وصي شرعي خاص على القاصرين في مسائل تتعلق بالولاية على النفس، أن الأولياء على نفس القاصر هم: الأب فإن لم يكن فالجد العصبي، فإن لم يكن فالأخ الشقيق، فإن لم يكن فالأخ لأب، فإن لم يكن فابن الأخ الشقيق، فإن لم يكن فابن الأخ لأب مهما نزل، فإن لم يكن فالعم الشقيق، فإن لم يكن فالعم لأب، فإن لم يكن فعم الأب الشقيق، فإن لم يكن فعم الأب لأب، فإن لم يكن فعم الجد العصبي الشقيق، فإن لم يكن فعم الجد العصبي لأب مهما علا، فإن لم يكن فابن العم الشقيق، فإن لم يكن فابن العم لأب، فإن لم يكن فابن عم الأب الشقيق، فإن لم يكن فابن عم الأب لأب، فإن لم يكن فابن عم الجد العصبي الشقيق، فإن لم يكن فابن عم الجد العصبي لأب مهما نزل. وبهذا التعميم تكون الأم السورية قد حُرمت من حقها بالوصاية على النفس على أبنائها القصر فيما مُنح هذا الحق لرجال العائلة، حتى ولو كانت القرابة بينهم وبين القاصرين قرابة بعيدة.
على الرغم من نقدنا للعديد من الفقرات الواردة في الإعلان الدستوري، والتي لا مجال لذكرها الآن، إلا أنه أصبح المرجع الدستوري الوحيد المعتمد ريثما يتم إصدار الدستور الدائم للبلاد، لذلك رأينا مناقشة هذا التعميم، بداية، وفقا للإعلان الدستوري.
إننا نرى في هذا التعميم مخالفة لأحكام الإعلان الدستوري في العديد من مواده، وهي التالية:
المادة 2: تؤسس الدولة لإقامة نظام سياسي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، ويضمن الحرية والكرامة للمواطن. فهذا التعميم يتناقض مع هذه المادة لأنه يقيد حق القضاء بأن يكون مستقلا ويخضعه للسلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل، حين يمنح الوزارة الحق بتقييد سلطة القاضي التقديرية بمنح حق الوصاية للأم وفقا لمصلحة الطفل الفضلى التي تؤكد عليها اتفاقية حقوق الطفل، والتي أصبحت جزءا من الإعلان الدستوري بموجب المادة 12: “تعد جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري.”
وعلى الرغم من تحفظنا على المادة 3: “الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.” والتي تتناقض مع مواد تضمنها الإعلان الدستوري ذاته، خاصة المادة رقم 10، فيمكن أن نشير إلى أن هذه المادة لم تحدد مصادر بعينها لتكون جزءا من الفقه الإسلامي المعتمد. وعلى سبيل المثال ذكرت ديباجة مدونة الأسرة المغربية المعتمدة على المذهب المالكي، التي وضعها ملك المغرب، والذي هو أمير المؤمنين بموجب الدستور “تبني صياغة حديثة بدل المفاهيم التي تمس بكرامة وإنسانية المرأة. وجعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين، وذلك باعتبار “النساء شقائق الرجال في الأحكام”. كما جاء في أحكام المدونة في المادة 229: “النيابة الشرعية عن القاصر إما ولاية أو وصاية أو تقديم”، ونصت المادة 230 على أن “يقصد بالنائب الشرعي في هذا الكتاب: 1- الولي وهو الأب والأم والقاضي، 2- الوصي: وهو وصي الأب أو وصي الأم، 3- المقدم وهو الذي يعينه القضاء”. كما ورد في المادة 231: “صاحب النيابة الشرعية هو: الأب الراشد؛ الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقد أهليته”. كما أن المذهب الحنبلي والمذهب الشافعي يمنحان الأم الوصاية على أموال أولادها.
المادة 10: المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.
المادة 20: الأسرة نواة المجتمع، وتلتزم الدولة بحمايتها. ومن نافل القول أن الأم هي المساعد الأكبر للدولة في التزامها بحماية الأسرة، وتقديم الرعاية اليومية والاستقرار النفسي وضمان المصلحة الفضلى لأطفالها، وليس الأقرباء البعيدون لمجرد أنهم رجال.
المادة 21: تحفظ الدولة المكانة الاجتماعية للمرأة، وتصون كرامتها ودورها داخل الأسرة والمجتمع، وتكفل حقها في التعليم والعمل. فكيف يمكن صون كرامة المرأة ودرها داخل الأسرة في حال حرمانها من الوصاية على أولادها، الذين هم أقرب الناس إلى قلبها ووجدانها، وهي أحرص الناس على مصلحتهم، وهي الأقدر على حسن تطبيق المادة 22 من الإعلان الدستوري: “تعمل الدولة على حماية الأطفال من الاستغلال وسوء المعاملة، وتكفل حقهم في التعليم والرعاية الصحية”. وفي حال، لا سمح الله، أخلت بواجباتها نحو أولادها، وهو أمر نادر الحدوث، يمكن للقاضي حرمانها من هذه الوصاية وتحويلها لمن يراه مناسبا لضمان مصلحة الأطفال الفضلى.
المادة 48: “تمهد الدولة الأرضية المناسبة لتحقيق العدالة الانتقالية عبر: إلغاء جميع القوانين الاستثنائية التي ألحقت ضررا بالشعب السوري وتتعارض مع حقوق الإنسان”. وهذا يعني أن الدولة أبقت على صلاحية جميع القوانين غير الاستثنائية التي كانت سائدة أيام النظام الساقط، ومن بينها قانون الأحوال الشخصية بتعديلاته الأخيرة عامي 2019 و2020، والذي منح القاضي سلطات تقديرية يمنح بموجبها الحق بالوصاية للأمهات، وهذا ما يتعارض مع تعميم وزير العدل.
وعدا عن هذا التناقض الكبير بين تعميم وزير العدل وبين الإعلان الدستوري، فإن هذا التعميم يتعامى عن الواقع السوري الحالي بعد 14 عاما من النزاع، حيث أصبحت الكثير من النساء هن المعيلات والمسؤولات عن أسرهن بعد استشهاد الأزواج أو اختفائهم القسري، وبذلن الغالي قبل الرخيص للحفاظ على أسرهن وضمان حقوق أطفالهن بالتربية والتعليم والصحة والرعاية بأشكالها كافة، فهل تكون مكافأة الدولة لهؤلاء النساء بحرمانهن من حق الوصاية على أولادهن، مقابل إعطاء هذا الحق لرجال أقرباء بعيدين عن هؤلاء الأولاد، وربما لم يقدموا شيئا لهم خلال هذه المعاناة!
كما يعكس هذا التعميم موقفا متخلفا من النساء السوريات، ويكرس نظرة دونية للنساء، اللواتي ناضلن خلال الثورة السورية مع الرجال السوريين ضد جميع أشكال الاستبداد للوصول إلى دولة ديمقراطية تضمن حقوق المواطنة والمساواة لجميع بنات وأبناء سوريا، وتكفل توفير البيئة المؤاتية، على كافة الأصعدة، لتوسيع مساهمة الجميع في بناء الدولة المنشودة.
لذلك نطالب بإلغاء هذا التعميم على الفور، والمباشرة بدراسة جميع القوانين التي تميز ضد النساء من أجل تعديلها وإلغاء العديد منها، وصياغة قوانين جديدة تؤكد المكانة الرفيعة للنساء السوريات التي يستحقننها لإسهاماتهن الكبيرة في بناء البلاد وضمان وحدتها وتقدمها، وتعكس التزام الدولة السورية بتنفيذ التزاماتها الوطنية نحو النهوض بأوضاع النساء السوريات أولا، وتنفيذ الالتزامات في المواثيق الدولية التي صادقت سوريا على الانضمام إليها.