أصوات نسوية، مقابلة مع أماني العلي

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع الفنانة التشكيلية والناشطة النسوية أماني العلي

حاورتها رجا سليم

أماني العلي، من مدينة إدلب، في العقد الثالث من العمر، خريجة معهد هندسة كمبيوتر وفنانة تشكيلية. تعمل حالياً مع منظمة إنسانية كرسّامة متخصصة بموضوع مخلفات الحرب، ومع عدة مواقع إعلامية، منها “العربي الجديد” كرسّامة كاريكاتير. لديها اهتمام كبير بجميع أنواع الفن، ولدى أماني اهتمام بالطبخ الشرقي والغربي.

مرحباً بكِ أماني!

1-متى بدأ اهتمامك بالشأن النسوي\السياسي وكيف؟

حين اخترت أن أكون رسّامة كاريكاتير كان من ضمن اهتماماتي أن أوجه قلمي لملاحقة وانتقاد العنف والاضطهاد الموجهين ضد المرأة السورية عموماً، والمرأة في مدينتي بشكل خاص، حيث تعاني النساء هنا أضعاف ما تعانيه مواطناتهن في مناطق أخرى. مواجهة المجتمع في مدينتي هي عمل يومي يدخل في كل تفاصيل حياتنا ويبدأ من أبسطها، وعندما أقول عنف أقصد أشد أنواعه، أي أن حياة النساء على المحك بشكل يومي. أعتبر المرأة في إدلب بطلة حقيقية، ومناضلة من قبل انطلاق الثورات، لهذا تستحق أن تكون محور نتاجي الفني، ومع ذلك أعتبر أنني أرسم بالحد الأدنى خوفاً على حياتي، فهنا الاعتراض على أفكار المجتمع والتمرد عليها، يعتبران من ضمن المحرمات، ويعاقب عليها أي فرد (رجل)، من المجتمع دون العودة للقانون غير الموجود أساساً. 

2- كيف تصفين واقع النساء في مكان إقامتك خلال سنوات نشأتك؟ هل تغير هذا الواقع اليوم؟ كيف؟

خلال سنوات نشأتي كان واقع المرأة في إدلب سيء للغاية. بين قمع اجتماعي، وتهميش وإقصاء في الحياة العملية والفضاءات العامة، لم تعرف النساء مفهوم الاستقلالية وبناء الذات، وبالرغم من ذلك، قبلت بعضهن التحدي وحاربن سلطة المجتمع والعادات البالية وأثبتن أنفسهن. شخصياً، أعتبر نفسي من ضمن النساء اللواتي تغيرت حياتهن خلال العشر سنوات الماضية. من مدرّسة رسم في مدرسة خاصة إلى رسّامة كاريكاتير، هذه نقلة غير اعتيادية في بيئة كالتي أعيش فيها، وتمّت بعد نضال كبير وتحدّ للعائلة والمجتمع في سبيل إثبات ذاتي، فهذا حلمي الأول منذ الطفولة، ووصلت له اليوم ولن أتوقف مهما كان الثمن.

3- أماني العلي رسامة كاريكاتور وتعملين مع عدد من المواقع الإعلامية، متى وكيف بدأ اهتمامك بهذا النوع من الرسم الذي يعتمد بالأساس على النقد؟ هل درست فنون الرسم أم أنه هواية وأنتِ طوّرتِها؟

بدأ اهتمامي بالكاريكاتير منذ بداية الثورة السورية، كنت أتابع عدداً من الرسامين السوريين المعروفين، ومع كل موقف أو حدث، كنت أشعر بحاجة للتعبير عنه بالرسم، إلا أنني كنت أجد صعوبة في البدء بالتنفيذ، فأنا لم أدرس الفنون الجميلة لأن عائلتي رفضت ذلك، رغم إصراري. هنا كان أمامي تحدّ هو تعلم تقنيات الرسم لأصور الواقع كما أراه، على الورق. بالفعل اتفقت مع مدرس رسم لتعليمي بالسر دون معرفة عائلتي أو المجتمع المحيط، ففي تلك الفترة كان ممنوع من قبل الفصائل المسيطرة على المدينة، اجتماع فتاة أو امرأة مع رجل دون محرم (رجل من عائلة المرأة)، فكان التحدي أن اتعلم خلال فترة قصيرة. تعلمت خلال ستة أشهر، بدأت أولاً أتدرب بتقليد رسومات لفنانين آخرين، ثم انتقلت للكاريكاتير الاجتماعي، وبعدها الكاريكاتير السياسي.

4- حدثّينا عن فن الكاريكاتير وما الذي يميّزه عن غيره من أنواع الرسم برأيك؟ ولماذا تعتبر الفنانات السوريات النساء أقل حضوراً في مشهد الرسم الكاريكاتيري؟

الكاريكاتير فن ساخر، لا يخضع لقوانين صارمة، الهدف منه النقد بطريقة تهكمية لاذعة. بالنسبة لي هو من أقوى الفنون وأكثرها خطراً، فهو مرتبط بشكل وثيق بالسياسية، وهناك أمثلة كثيرة على رسامين كاريكاتير فقدوا حياتهم بسبب رسومات ناقدة وجهت لسلطة قمعية أو لجهة سياسية، وأعتقد أنه في الحالة السورية نحن بحاجة لعدد أكبر من رسامات ورسامي الكاريكاتير لأن ما يقوله هذا النوع من الرسم يمكن أن يخاطب عقول المتابعات والمتابعين مهما تفاوتت خلفياتهن\م الثقافية والاجتماعية ومستوياتهن\م التعليمية. للأسف الفنانات السوريات عددهن قليل جداً في هذا المجال، ليس لدي تفسير دقيق، رغم يقيني بأنهن قادرات على النجاح فيه وملامسة مواضيع حساسة ومعالجتها بطرق مبتكرة، باعتقادي أن الصورة النمطية السائدة هي أن الكاريكاتير هو فن للرجال فقط، أذكر في إحدى المرات قال لي رسام كاريكاتير إن “الرجل نجح بتفوق في هذا المجال لأن لا حدود له بالسخرية، فبإمكانه رسم ما يخطر بباله حتى المواضيع الجنسية، بينما المرأة لا تستطيع ذلك”. كان ردي في ذلك الوقت أن بروز أسماء الرجال في هذا المجال هي نتيجة طبيعية لأن معهم حصانة اجتماعية ومساحة حرية أكبر للتعبير، أما الاختبار الحقيقي فهو أن تكون محاطاً بكل القيود الممكنة وأن تحتال عليها بقلمك وأن تتمسك بفكرتك وترسمها. 

5-مضمون رسوماتِك مستوحى من الواقع السوري، عبّرتِ عن النزوح، واقع المرأة، الواقع المعيشي، الوضع السياسي، وغيرها، هلّا حدثتنا عن كيفية اختيارك لمواضع الرسم؟
أتأثر بكل العوامل والأحداث من حولي، كثير من الرسومات أنجزتها متأثرة بأصوات الطيران فوق مدينتي، وبعض الأعمال أستوحيها من تفاعل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، ما الذي يشغل بالهن\م، بماذا يفكرن\ون، والبعض الآخر، ينتج عن تراكم أفكار ومخزون تجارب ومشاعر ومشاهدات حياتية.

6- أماني مهتمة بشكل خاص بقضايا المرأة، تخيلي معي أن أمامكِ لوحة بيضاء وطُلب منك أن ترسمي عليها محتوى يعبّر عن ويختصر واقع المرأة السورية، ماذا سترسمين؟ ولماذا؟ 

أرسم مفتاحاً وخلفه الكثير من النساء. النساء تحتاج المفتاح للخروج من بيت الشخص المعنِّف. النساء تحتاج المفتاح لحل قيودها. تحتاج المفتاح كي تبدأ بدايات جديدة، وخطوات لمستقبل تقرره هي وحدها دون ضغوطات عائلية واجتماعية. 

7- أنجزتِ مؤخراً عدة لوحات تنتقد الذكورية والسلطة الأبوية على النساء في مجتمعاتنا، كيف كانت ردود الأفعال على هذه الأعمال؟ وماذا أضافت لكِ هذه الرسومات كفنّانة وكامرأة؟

كانت ردود الأفعال قاسية وذكورية، صرت أنعت بأنني “نسوية كارهة للرجال”، و”عانس لا يرغب الرجال بالاقتراب منها”، وأيضا “معليش معقدة ولذلك لحد الآن ماتزوجت” وكثير من الاتهامات بأنني “أشن حرباً على الرجال دون سبب واضح لذلك”. رغم ذلك أنا مصرة أن توجهي النسوي هو خياري الشخصي الذي أعتز به وأدين له بالفضل بكسر حاجز الخوف من آرائهم تلك، وتثبيت هويتي الفنية.  

8- خلال مقابلاتنا مع عدد من السوريات والسوريين، وصف معظمهن\م مشاركة النساء في الأجسام السياسية التي تشكلت بعد الثورة في سوريا بالخجولة، وغير الكافية، والشكلية، ما رأيكِ؟ وما الذي أعاق تحقيق مشاركة أفضل للنساء؟ 

برأيي أنها فكرة زرعت في عقول النساء والرجال منذ زمن، بأن النشاط السياسي هو فعل منوط بالرجال فقط، وأن الحياة “الطبيعية” موزعة بين عمل خارج المنزل (للرجل)، عمل داخل المنزل (للمرأة). لذلك النساء والمجتمع عموماً بحاجة لوقت كي يتم التخلص من هذه العقلية والإقرار بأن الحياة السياسية، وباقي مجالات الحياة، هي عملية تشاركية بين المواطنات والمواطنين ولا يجب أن يحدها جنس، أو دين، أو طائفة، أو نوع اجتماعي. في الحقيقة لا أخفي تفاؤلي بالجيل القادم، أظن أنه سيكون غير آبه بمثل تلك الأفكار، والمجتمع السوري بالذات أراه يشهد ولادة جيل جديد قوي ومتمرد ورافض لجميع القيود.

9- هل لمستِ تغييراً في كيفية تعاطي المجتمع مع مشاركة المرأة في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو العملية بشكل عام، في السنوات الأخيرة؟ كيف؟ وما هي العوامل التي سهّلت أو أعاقت حدوث هذا التغيير؟

نعم لمست ذلك وأعتبرها بداية مبشرة للغاية. من أهم العوامل التي حركت هذا الركود في المجتمعات السورية هي الثورة، فالحرية التي طالبت بها السوريات إلى جانب السوريين ليست فقط حرية من النظام المستبد، إنما حرية من العقليات البالية والتسلط بكل أشكاله وبغض النظر عن مصدره.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة