أصوات نسوية، مقابلة مع سارة الحوراني
- تاريخ النشر: 17 أبريل 2023
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع سارة الحوراني
إعداد: أمل السلامات
أهلاً بكِ سارة،
من هي سارة الحوراني؟
انحدر من مدينة درعا وتحديداً من منطقة درعا البلد، وهي القسم القديم لمدينة درعا. حالياً للأسف أنا لاجئة في كندا منذ عام 2018 بعد سقوط محافظة درعا بيد قوات الأسد والمليشيات المساندة له. أمارس أعمالاً حرة ومتنوعة في كندا، إلى جانب متابعة دراستي في اللغة الإنكليزية.
درست الإعلام في جامعة دمشق وعملت كصحفية ومراسلة لعدد من المواقع الالكترونية العربية والسورية، الى جانب عملي الإنساني في مجال التعليم والإغاثة. التحقت بالدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” منذ بداية تأسيسه في درعا عام 2015، وما زلت أعمل فيه حتى اللحظة.
- عملت سارة كصحفية وإعلامية في وكالة “سانا” التابعة للنظام قبل عام 2011، ماذا تقول سارة عن تجربتها في “سانا” من حيث مساحة الحرية الإعلامية، المصداقية في نقل الخبر والوقائع، وجود امرأة في المجال الإعلامي وخاصة أنك وكما علمت كنت إعلامية في القسم الرياضي؟
عملت في وكالة “سانا” لمدة أربع سنوات بعد تخرجي مباشرة من كلية الإعلام في دمشق. من حيث مساحة الحرية الإعلامية في “سانا”، فجميعنا يعرف أنه لا يمكننا كتابة كلمة واحدة غير خاضعة للرقابة، وغالباً يتم العمل على الأخبار عن طريق نموذج تحريري واحد” كليشة”، ويتم تغيير الأرقام والأسماء والتواريخ فقط، وعلى الرغم من ذلك كان يتم مراجعة وتعديل الأخبار والتقارير التي تمر عبر عدة محررات/ين، ليتم نشرها في النهاية حسب السياسة الإعلامية الخاصة بمخابرات الأسد.
وكالة “سانا” أبعد ما تكون عن المصداقية الإعلامية، فهي تنشر ما يناسب سياستها، أما ما يخالفها لا يمكن التطرق إليه حتى ولو بنقاش بيننا كمراسلات/ين أو كعاملات/ين في الوكالة، فبرمجة الأخبار تتم من أعلى الهرم حتى أسفله دون استثناء، ونسبة كبيرة من العاملات/ين في وكالة “سانا” يتبعون لأحد الأفرع الأمنية التابعة لمخابرات الأسد، وكان العديد منهم يتبع أسلوب التشبيح الفعلي وكتابة التقارير الكيدية بزملائهم، لدرجة قد تصل إلى اعتقال من يخالفهم أو يتجاوزهم أو يعبر عن رأيه.
توجهت إلى تغطية الأحداث الرياضية، لأنني أحسست بوجود مساحة نوعاً ما، للكتابة وللهروب من الرقابة الحرفية. لم يكن يتواجد صحفيات في مجال الإعلام الرياضي، وقد واجهت نظرة المجتمع النمطية التي تستنكر وجود العنصر النسائي في هذا القسم، فأنا كنت أتواجد في الملاعب وأغطي المباريات المختلفة في كرة اليد والقدم والطائرة والألعاب الرياضية الفردية. بالطبع لم يكن الأمر سهلاً علي في البداية لكن دعم الأهل وزملاء العمل وبعض الشخصيات العاملة في مجال الرياضة، دفعني لمواصلة عملي وتغطية الأحداث الرياضية حتى لحظة ترك عملي في وكالة “سانا”.
- عرفت أن سارة بعد اندلاع الثورة في سوريا، تركت وكالة “سانا”، واتخذت قرار البقاء في درعا للالتحاق بالثورة، لماذا ومتى، ماهي دوافعك للالتحاق بالثورة، وكيف تجلت مشاركتك بها؟
تركت وكالة “سانا” عن قناعة تامة، خاصة بعد ما عشته من ضغوطات في تزييف الحقيقة إبان انطلاق الثورة في درعا، ذلك الزيف الإعلامي الذي كان يقول بأن المتظاهرات والمتظاهرين هن/م جماعات إرهابية ممولة من الخارج. أنا ابنة درعا، وأعرف أهلها حق المعرفة، لذلك كنت أعرف الحقيقة.
ترك الاقتحام الأول لساحة المسجد العمري في درعا من قبل قوات النظام أثراً كبيراً في نفسي، حيث أنني كنت شاهدة على الكم الهائل من الرصاص، الذي تم إطلاقه على المعتصمين في المسجد، وسمعت كذلك صرخات الأهالي المطالبة “بالفزعة” لإنقاذ المعتصمين. كان الأمر مؤلماً للغاية بأن الجيش والأمن، الذي من المفترض أن تكون مهمته حماية الأهالي والدفاع عنهم، هو من يقوم بعملية اقتحام وحشية وقتل واعتقال المعتصمين بدم بارد، ومن ثم الرقص داخل المسجد العمري، الذي لم يحترموا قدسيته عند الأهالي. كان المشهد الأقسى عندما ذهبت مع زميل لي في اليوم التالي للاقتحام إلى المسجد العمري، وشاهدنا العدد الهائل من قوات الجيش والأمن، بالإضافة إلى كميات كبيرة من (فوارغ) الرصاص، الذي استخدم لفض الاعتصام، لقد مشيت أنا وزميلي حوالي 50 متراً على (فوارغ) الرصاص.
استشهدت الشابة “ابتسام المسالمة” على أثر الاقتحام، ولم يتمكن أهلها من تشييعها كما يجب، فالأمن فرض على أهلها التشييع بصمت، فقط أربعة من أفراد عائلتها كانوا في التشييع، هنا أيقنت أنه لا يمكنني البقاء في وكالة “سانا”، التي تساند القتل بوحشية وتدلس الحقائق.
لقد شاهدت المتظاهرات والمتظاهرين كانوا شابات وشبان، أطفال وطلاب مدارس، عاملات وعمال من مختلف المهن، طبيبات وأطباء ومهندسات ومهندسين… كانت المظاهرات تضم كل أطياف الشعب بمختلف فئاته الثقافية والاجتماعية والعمرية، لقد كانت ثورة شعبية بحق. تركت وكالة “سانا” لأني لا أريد أن أقف إلى جانب روايات كاذبة تدعم القتلة.
أما قرار بقائي في درعا فهو ناتج عن قناعتي بأنه طالما يوجد في درعا مساحة للتحرك والعمل من أجل تخفيف معاناة الأهالي فليكن، كنت أعتقد بأن خروجي من درعا لا يقل إجراماً عن قتل المتظاهرات والمتظاهرين وسفك دمائهم، ولابد من العمل فيها حتى تختفي وتتلاشى تلك المساحة التي تجعلني قادرة على التحرك رغم القصف اليومي بمختلف أنواع الأسلحة.
- تنشط سارة بشكل كبير خلال الثورة في المجال الإعلامي والصحفي في مدينة درعا، فكتبت عدة مقالات ونصوص في مواقع محلية وعربية، عن ماذا كتبت، ما هو أكثر ما كنت تركزين عليه في نصوصك ومقالاتك؟
أكثر ما كتبت عنه وقمت بتغطيته، هو الجانب الإنساني والقصف اليومي الذي كان يتعرض له الأهالي. كان الجانب الإنساني والوضع المعيشي همي الأكبر، فقد كنت أكتب لإظهار المعاناة التي يعيشها الأهالي ومدى الإجرام الذي كان يرتكب بحقهم بمختلف أنواعه كل يوم.
- أيضاً ضمن حديثنا عن المجال الإعلامي بعد عام 2011، لقد شغلت منصب مديرة وكالة قاسيون الإعلامية في درعا، وكنت وما زلت رئيسة مجلس الإدارة في منصة تجمع أحرار حوران الإعلامية، هل من الممكن أن تحدثينا عن عملك هنا من منظور امرأة تشغل منصبين حساسين في المجال الإعلامي؟
شغل النساء لمناصب حساسة من وجهة نظري هو من إيجابيات ومفرزات الحراك الثوري، فبعد الثورة أصبح هناك تقبلاً لوجود المرأة في مناصب عليا في المجال الإعلامي وفي مجالات العمل المدني.
إن الهيئات والمؤسسات التي ذكرتها، هي من أفضل الجهات التي عملت معها في المجال الإعلامي، فقد تقبلت وجود النساء في مواقع ومناصب حساسة، وبالمقابل رفضت جهات إعلامية أخرى عملي معها بشكل تطوعي وبدون أجر فقط لكوني امرأة.
وكالة قاسيون من أفضل المؤسسات التي عملت معها خلال تواجدي في درعا، وتدرجت بالعمل فيها حتى وصولي إلى شغل مديرة المراسلات/ين في محافظتي درعا والقنيطرة، أما منصة تجمع أحرار حوران الإعلامية، فهي المنصة التي واصلنا عملنا الإعلامي والتوثيقي بها أنا ومجموعة من الإعلاميات والإعلاميين من خيرة شابات وشباب محافظة درعا، اللواتي/الذين حملوا على كاهلهن/م أهمية نقل الانتهاكات التي كانت تمارس على أهالي درعا والقنيطرة، ونقل الحقائق بكل مصداقية وشفافية، إن التواجد في تلك المنصة بغض النظر عن منصبي فيها، هو شرف كبير وهو مواصلة لثورتنا التي بدأناها سلمياً وتم سرقتها لاحقاً.
- ماهي رسائل سارة للنساء العاملات في المجال الإعلامي والصحفي؟
رسالتي لهن إذا كن يؤمن بعملهن وأن عملهن هو لمساعدة المظلومات والمظلومين والمقهورات والمقهورين في هذه الأرض، فعليهن أن يصمدن ويتحلين بالإرادة القوية لأنهن على حق، وبالرغم من أن العمل في الإعلام وخاصة للنساء عمل فيه عراقيل وتحديات كثيرة، إلا أنه طريق الحقيقة التي تسعى الغالبية العظمى لإخفائها وتزيفيها.
- هل تعتقدين أن الإعلاميات والصحفيات لهن ذلك الدور في النضال النسوي السوري حالياً، وإن كان فما هو؟
دورهن كبير في إظهار الظلم والقهر الذي تتعرض له فئات المجتمع، وخاصة النساء فهن الأكثر قهراً وظلما في مجتمع ذكوري متسلط يحرمهن أبسط حقوقهن، لكن لا بد من مساعدة هؤلاء النساء ليس بالكلام فقط وبالتنظير، بل بإيجاد طرق تجعل النساء قادرات على الاعتماد على أنفسهن في تأمين مصادر رزق لهن ولأسرهن، التي باتت نسبة كبيرة من النساء معيلة لها بعد الحرب، فلا يمكن إقناع امرأة بضرورة نضالها من أجل حقوقها وهي جائعة فقيرة. من خلال عملي ونشاطي في الجنوب السوري، وجدت منظمات وهيئات تدعي دعمها ومساندتها للمرأة والدفاع عن حقوقها، لكن للأسف كان جل همها جمع المال من خلال مشاريع لا أثر لها على الأرض، وأغلب موظفيها وعامليها من الذين كانوا يرددون شعارات تمكين المرأة فقط للحصول على التمويل، لذلك رفضت الانخراط بتلك المنظمات والهيئات وفضلت العمل مع صديقات وأصدقاء لي، حيث كنا نجمع التبرعات وننفذ مشاريع صغيرة لبعض النساء لمساعدتهن لتأمين مصدر دخل لهن يقيهن الاستغلال والوقوع فريسة لمشاريع خلبية هدفها ربحي فقط.
- لم تنشط سارة في المجال الإعلامي فقط، بل أيضا في المجال الإنساني، حيث قمت بتأسيس منظمة “قوس قزح” في درعا، لو تحدثينا عن تلك المنظمة، الدافع لتأسيسها، هدفها وغايتها، ماذا حققت؟
أسست منظمة “قوس قزح” مع صديق لي يدعى “أحمد المسالمة”، كان الهدف من تأسيسها مساعدة الأطفال في منطقة درعا البلد لمتابعة تعليمهم، حيث رفضت كافة المنظمات والهيئات دعم تلك المنطقة، فكان لزاماً علينا العمل بجهود فردية لمساعدتهم على التعلم قدر المستطاع، كما أننا قدمنا خدمة الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال الذين يعاني أغلبهم من اضطرابات نفسية، نتيجة تواجدهم في منطقة تتعرض للقصف والقتل والدمار بشكل يومي، لاحقاً توجهنا أيضا لتمكين النساء من خلال تنظيم دورات ومحاضرات في الإسعافات الأولية والدعم النفسي وحقوق المرأة.
لم يكن العمل سهلاً أبداً، وخاصة بعد رفض عدد من المنظمات دعم مبادرتنا مادياً، فكنا نعتمد على تأمين المستلزمات واللوجستيات من مالنا الخاص ومن تبرعات بعض الصديقات والأصدقاء الذين آمنوا بمشروعنا وأهدافه.
- المجال الذي اشتهرت به سارة الحوراني، هو المجال المدني، فأنت من أوائل المؤسسات/ين لمكتب الدفاع المدني في درعا، وشغلت لاحقاً رئيسة القسم النسائي بمنظمة “الخوذ البيضاء” (White Helmets) في درعا، ماذا أضافت هذه التجربة لسارة، وماذا أضافت سارة لها كامرأة، أين كانت التحديات فيها؟
عندما استشهد أخي الأصغر في أحضان والدتي بداية عام 2013 برصاص قناصة قوات الأسد، كنا عاجزين جميعا عن إسعافه لأننا لم نكن نملك معرفة بالإسعافات الأولية، الأمر الذي جعلني أشعر بالعجز وعقدة الذنب، لذلك التحقت بالدفاع المدني لمساعدة الأهالي وتجنيبهم تلك المشاعر التي تعيش بداخلي كل يوم. تلقيت تدريبات في الإسعافات الأولية خلال عملي في الدفاع المدني، كما تابعت عملي الإعلامي.
الدفاع المدني له مكانة خاصة في حياتي. انضممت للدفاع المدني عند بداية تشكيله في محافظة درعا أواخر عام 2014، وما زلت فيه، وسأبقى فيه حتى الممات، فهو ليس وظيفة نتركها متى شئنا أو في حال توفر عرض عمل أفضل، إنه بالنسبة لي حياة أعيشها حتى لو لم أعد متواجدة على الأرض في سوريا، سأظل متطوعة فيه حتى آخر يوم في حياتي.
في بداية عام 2018 أصبحت المسؤولة عن العناصر النسائية في الدفاع المدني في محافظة درعا حتى لحظة خروجنا من درعا. كعناصر نسائية في الدفاع المدني واجهنا تحديات كبيرة، كان منها رفض المجتمع وجود نساء في هكذا قطاع يعرف بخطورته، وللأسف واجهنا رفض وجودنا من قبل رجال ومسؤولين يعملون في منظمات ومؤسسات قريبة من نطاق عملنا، أذكر أن أحد الأطباء العاملين في إحدى المشافي الميدانية في درعا البلد كان يستهزأ من وجودنا، لكن مع مرور الأيام تقبلنا الأهالي والمجتمع، بل أكثر من ذلك صرنا نتلقى الدعم والتشجيع من قبلهم، الأمر الذي جعلنا نصمد في وجه المعاملة الذكورية التي لمسناها أيضاً في بعض العناصر الإدارية العاملة في الدفاع المدني.
من التحديات التي كنا نواجهها بيئة العمل المتسمة بالمخاطر الأمنية، حيث كان يتم استهداف مراكزنا وبشكل شبه يومي بالقصف وبمختلف أنواع الأسلحة، لكن كل ذلك كان يتلاشى مع ابتسامة أو كلمة شكر من الأهالي الذين كنا نقدم لهم المساعدة، فهم أولا وأخيراً سبب صمودنا ضد مختلف التحديات الاجتماعية والوظيفية والقصف اليومي.
- لم يتوقف عمل سارة فيما يخص النساء في درعا على الدفاع المدني أو تقديم تدريبات للنساء في المجال الإعلامي، بل قدمت تدريبات للنساء في السياسة، إضافة لتدريبهن على مصطلحات كالجندر والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وأعتقد هنا أن الاستهجان المجتمعي سيكون أكبر ولاسيما أمام مصطلحات تدعو إلى مساواة المرأة مع الرجل، وأبعد من ذلك تغيير الثقافة المجتمعية السائدة وإيصال النساء إلى مواقع القرار، في مجتمعات تحكمها السلطة الأبوية، ألم تجد سارة صعوبات في عملها في هذا الجانب، وإن وجدت كيف واجهتها سارة؟
قدمت بعض الدورات الإعلامية للنساء في درعا، وكذلك لبعض العناصر الإعلامية النسائية في الشمال السوري التابعة للدفاع المدني السوري.
أنا مع الجندرة والنسوية، لكنني أرفض أولئك الذين يربطون هذين المفهومين بالتمرد الكامل على العادات والتقاليد، فهناك عادات وتقاليد مجتمعية تحترم وهي ضرورية لتنظيم المجتمعات، كما أنني أرفض وجهة نظر البعض التي تعتبر أن النسويات فقط، هن من خلعن الحجاب أو أقمن علاقات جنسية دون روابط شرعية، أنا لا أهاجمهم هنا، لكنني أريد أن أقول بأن أولويتنا هنا ومن وجهة نظري هو تمكين المرأة اقتصادياً أولاً، حتى تتمكن من الخروج من السلطة الاقتصادية للذكر، وبعدها هي ستصبح قادرة على خوض معارك لمناصرة قضاياها الأخرى على المستوى الجسدي والمعرفي والذاتي. من تجاربي من خلال تقديم تدريبات للنساء في الجنوب على مصطلحات النسوية والجندرة وغيرها، أيقنت أهمية التدرج والتأني، بمعنى أن مجتمعاتنا ما تزال غير جاهزة لتطبيق مصطلحات كهذه، تدعو إلى الحرية الكاملة للمرأة وتحطم كل الصور النمطية المتجذرة في مجتمعاتنا منذ مئات السنين، فوجدت أنه وكي نصل لما نريد لابد من ممارسة سياسة النفس الطويل، والتدرج في تطبيق المفهومين، حتى لا ندخل في معارك وصدامات نحن بغنى عنها ضمن واقعنا اليوم.
- سمعت بأن سارة تعرضت لتهديدات ومضايقات من قبل الفصائل الإسلامية الراديكالية الموجودة في درعا، بسبب عملها الصحفي والإعلامي بشكل عام، وعملها في تمكين النساء بوجه خاص، واتهمت من قبل أفراد وجماعات كثيرة تارة بالكفر وأخرى بالإلحاد، هل هذا صحيح، وإن كان صحيحاً، كيف تعاملت سارة مع هذه التهديدات، هل استمرت في عملها، هل أثر ذلك عليك وعلى عملك؟
أولى التهديدات كانت من قبل مؤيدي النظام، وهي كانت تهديدات كثيرة، لكنها لم تجعلني أتراجع عن موقفي المؤيد للثورة. نعم، تلقيت تهديدات من قبل بعض الفصائل الإسلامية، بسبب تسليط الضوء في مقالاتي وكتاباتي على انتهاكات مارستها تلك الفصائل بحق المدنيات/ين، وتجاوزت التهديدات إلى إطلاق إشاعات عني، من قبيل أنني كافرة وهدفي من المحاضرات أو التدريبات التي أقدمها للنساء هو تدمير الأسرة وإشاعة الفساد والرذيلة بين النساء، وذلك أيضاً لم يؤثر على الطريق الذي انتهجته وهو نقل الحقيقة ومناهضة العنف ضد النساء، لا أنكر بأنني كنت أخاف غدر تلك الفصائل والتنظيمات، خاصة أنني كنت اتنقل في مناطق حوران بشرقها وغربها وحيدة أحياناً دون سلاح أو حماية، لكن سلاحي الأكبر كان دعم أسرتي وأهلي لي ومحبة أهالي درعا، الذين كانوا يعرفون من أنا ويؤمنون بعملي ومصداقيتي.
- تغادر سارة درعا وسوريا كلها في عام 2018 مع قوافل تهجير عائلات الدفاع المدني، على أثر اقتحام النظام السوري وحليفه الروسي للمنطقة، لماذا غادرت سارة مع أن النظام وبضمان روسي تعهد بتسوية أوضاع كل المعارضات/ين له وصرح بعدم تعرضهن/م للاعتقال أو المساءلة؟
أجبرنا على المغادرة لأن المحتل الروسي استثنى عناصر الدفاع المدني من أي تسوية مستقبلاً، وكانت قد وصلتني معلومات بأن اسمي من ضمن الأسماء التي لن تكون من ضمن التسويات، بل سيتم اعتقالها. يشكل الاعتقال الخوف الأكبر لي، لم أخف يوماً من القصف، فأنا غطيت إعلامياً أغلب معارك درعا، كنت قريبة دائماً من الموت، لكن الاعتقال فكرة لا أحتملها، إضافة إلى أنني أعرف كيف يتلذذ هذا النظام بتعذيب المعتقلات والمعتقلين حتى الموت، دون أي اعتبارات إنسانية أو اجتماعية أو دينية.
- تتمة للسؤال السابق، أريد أن أعرف حالة سارة الوجدانية لحظة مغادرتها درعا وثم سوريا كلها؟
عايشت لحظات استشهاد شقيقي وأبناء اشقائي وشقيقاتي، كنت أظن أن تلك اللحظات هي الأصعب في حياة الإنسان، لكن اللحظة التي وضعت فيها قدمي خارج حدود سوريا كانت الأصعب على الإطلاق، لدرجة أنني أصبت بحالة من البكاء الهستيري حتى فقدان الوعي وعدم إدراك ما كان يدور حولي، كانت كلحظة انتزاع الروح من الجسد لكن ببطء شديد جداً، وما تزال تلك الذكرى عالقة في رأسي لا تغادرني.
- في عام 2020 رشحت سارة لجائزة غاندي للسلام العالمي عن عملها في منظمة الخوذ البيضاء (White Helmets) (الدفاع المدني) لفترة طويلة في درعا، وتقدم الجائزة كل عام تقريبًا منذ العام 1960، ويتم تكريم الحاصلات/ين على الجائزة للمساهمات المقدمة في تعزيز السلام الدولي والنوايا الحسنة، ماذا تقول لنا سارة عن ترشحها لجائزة عالمية مثل هذه الجائزة؟ ما الذي يعنيه لك هذا الترشح؟
الفوز بتلك الجائزة شيء عظيم، خاصة أنه كان لتطوعي في الدفاع المدني السوري، فهذه الجائزة هي لكل سيدة متطوعة في الخوذ البيضاء لعملها الكبير وتفانيها في مساعدة الأخريات/ين، وهي اعتراف بمنظمة الخوذ البيضاء كمنظمة إنسانية تعمل في أكثر مناطق الأرض خطورة، وإثبات لبراءة منظمة الخوذ البيضاء من التهم التي يروج لها كلا من النظام السوري وروسيا وحلفائهما، ودليل على أن كل توثيقات المنظمة هي حقيقة، ولاسيما الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري وحليفه الروسي بحق الشعب السوري.
- تعيش سارة ومنذ أربع سنوات تقريباً في كندا، مما يعني حياة مختلفة وربما ضرورة للاندماج في المجتمع الجديد، ماذا تخبرنا سارة عن مجتمعها الجديد، هل تمكنت من الاندماج والانخراط في محيطك الحالي، أين كانت الصعوبات أو المعاناة إن وجدت، وكيف تتغلبين أو ستتغلبين عليها؟
كندا من البلدان الجميلة، وسهلة للعيش من حيث الحريات والتنقل دون خوف، لكنها في نفس الوقت قاسية من حيث الحياة الاجتماعية والعمل، فمن الصعوبة أن تكون فيها علاقات اجتماعية، كما أن تكاليف الحياة فيها مرتفعة كثيراً. الشعب الكندي طيب للغاية وحتى اللحظة لم نواجه أية مشاكل عنصرية على الرغم من ارتدائي للحجاب، أحب بأنه يوجد في كندا مهاجرات ومهاجرين من كافة الجنسيات والقوميات والديانات، وجميعهم متعايشين مع بعضهم البعض، إذ لا أحد منهم فوق القانون. تمكنت من تكوين صداقات مع بعض الكنديات والكنديين، وهم لطفاء وودودون. لم أجد صعوبة في اللغة فأنا أتحدث الإنكليزية مسبقاً، وأعمل على إتقانها بصورة أكبر في كندا. لم أندم يوما على اختياري لكندا للعيش فها، وكم أتمنى أن يأتي كل سوري مقهور ليعيش في كندا، حتى يستشعر الأمان والحرية ويعرف معنى التعامل بإنسانية.
- أعتقد بأن الحريات وفي كافة المجالات (الإعلام، المرأة، العمل المدني…) هي أكبر نسبيا في كندا مقارنة بمجتمعاتنا، هل لمست سارة ذلك، ماذا تقول سارة عن مساحة الحريات في كندا مقارنة بمجتمعاتنا ولاسيما في مجال المرأة؟
نعم، هنا الجميع متساوون في نظر القانون، ولا يمكن لأحد أن يتجاوز القانون دون محاسبة، يمكننا العمل والتنقل بحرية ما دمنا نحترم القانون الذي يسري على الجميع، لكن قد يكون مبكراً الحديث عن ذلك أكثر وخاصة بأننا ما زلنا نستكشف هذه البلد وقوانينها.
- ما هي خططك ومشاريعك القادمة؟
أخطط للعمل على إيصال حقيقة الصراع في سوريا، ونقل معاناتنا التي عشناها في سوريا والتي ما يزال يعيشها أهلنا هناك، إيصالها لكل شخص في كندا، للأسف الشعب الكندي لايعرف الكثير عما يجري في سوريا، فأغلبهم يعتقدون بأنها حرب بين النظام وداعش! وأنا أعمل بكل طاقتي لتعريفهم بالحقيقة وبأننا شعب خرجنا من أجل الحرية والديموقراطية.
هناك مشروعي الخاص الذي أعمل عليه وهو الطباعة على الملابس والاكسسوارات وتطوير مهاراتي في المونتاج و”الموشن جرافيك” والتصميم، وأسعى مستقبلاً لأن يكون لدي عملي الخاص مع زوجي في مجال الطباعة، لمساعدة أهلنا في سوريا مادياً من خلال مشروعنا الخاص، والتوسع به ليشمل مجال الإعلانات وإنتاجها سواء المرئية أو المطبوعة.