أصوات نسوية، مقابلة مع هبة الله بركات
- تاريخ النشر: 27 مايو 2021
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع المصورة هبة الله بركات
حاورتها رجا سليم
هبة الله بركات مصورة فوتوغراف، ومعدّة تقارير مرئية، درست لغة عربية لسنة واحدة في جامعة حلب 2015، واضطرت للتوقف عن الدراسة بسبب اعتقال أخيها. تقيم هبة حالياً في ريف إدلب، بعد نزوحها من منطقتها بريف حلب الغربي. بدايات هبة في العمل كانت بالإشراف على أنشطة متعلقة بالأطفال. حالياً تعمل كمسؤولة توثيق وميديا مع منظمة “دارنا” بريف إدلب، إضاقة لتقديم محتوى مرئي عن قصص النساء الناجحات لـ “Sy+”.
مرحباً بكِ هبة
١- كيف كانت بداياتك في مجال التصوير؟ وكيف تقبّل مجتمعك المحيط هذه المهنة التي قد يعتبرها البعض حكراً على الرجال؟
بدأت في مجال التصوير بعد خوضي تجربة الكتابة، كنت أتابع التقارير المرئية والقصص الخبرية، وتشجعت كتيراً لأن أحوّل القصص والمقالات التي أكتبها إلى مواد مصورة، وذلك لسهولة وصولها وتواصلها مع جميع الفئات من المتابعات\ين على اختلاف خلفياتهن\م الثقافية أو العلمية أو الاجتماعية.
في البداية، لمست تقبلاً من مجتمعي المحيط لممارسة مهنة التصوير، إلا أن الأمر اختلف حين بدأت بالظهور الإعلامي، فلم يحبذ البعض ممن حولي هذه الفكرة، رغم ذلك، واصلت العمل وساعدني على ذلك أنني مستقلة مادياً ولا أعتمد على أحد، لذا فلم يكن لأحد سلطة على قراراتي.
٢- هل تتوفر في منطقتك تدريبات عملية مع جهات إعلامية أو أكاديمية في مجال التصوير؟ وهل خضعتِ لمثل هذه التدريبات أم أنك طورت مهنتك ذاتياً؟
مع الأسف، تقتصر التدريبات في منطقتي على المراحل المبتدئة ولا يتم تقديم ورشات لتطوير أدوات الملمّين في هذا المجال. حالياً أنا على تواصل مع معدّة أفلام لتساعدني على صقل مهاراتي، كما أعمل على تطوير نفسي معتمدة على التغذية البصرية بالدرجة الأولى، مثلاً أتابع على موقع إنستغرام مصورين محترفين وأعوّد عيني على تذوق وتحليل الصورة الجيدة. أحب خدع التصوير وأحاول تعلمها مع الابتعاد عن تقنيات مثل فوتوشوب والتي تفقد الصورة صدقها.
في إحدى المرات كنت في بدايات اكتشافي لمتعة التصوير، لمحت برميل وقود فارغ في أحد الأزقة ومياه الأمطار تغمر سطحه، أحضرت لعبة صغيرة عبارة عن سيارة ووضعتها على سطح البرميل والتقطت الصورة، النتيجة كانت وكأن السيارة مركونة في سهل تغمره المياه. أحب تصوير الطبيعة والوجوه، إلا أن رغبتي الحقيقة أن أحترف التصوير الإعلاني، حاولت ومازلت أحاول الدخول في هذا المجال لكن الأفق ضيق فيما يتعلق بمثل هذه المهن في مجتمعنا.
٣- هبة، في مجال الفيديو، توجهين عدستك نحو القصص اليومية، وتركزين على قصص النساء وإبراز دورهن، ماذا يعني لك تصوير قصص النساء؟
يعني لي الكثير، لا أتقبل، بل أرفض أن أرى امرأة مضطهدة ومستضعفة. عشت تجربة شخصية وخرجت منها امرأة قوية وأرفض الضعف، انطلاقاً من تجربتي أسعى لتحفيز النساء ليكنّ قويات، واخترت تسليط الضوء على الناجحات منهنّ ليكن قدوة للبقية. قبل بداية مسيرتي العملية بتصوير قصص النساء، بدأت بنفسي وظهرت بمقابلة وشاركت قصتي على الملأ دون خوف، ومن هنا كانت انطلاقتي المهنية. أنا من مجتمع ريفي وحياة الناس متداخلة جداً وحرية الفرد الشخصية محدودة، كنت أنا من القلائل اللواتي درسن الإعلام، وبعد مروري بتجربة زواج وطلاق صعبة قررت مشاركة قصتي علّها تساعد أخريات على تجاوز تجارب حياتية صعبة. كان الظهور على الملأ ومشاركة التجربة بمثابة إعلان بداية جديدة لي. بعدها بدأت فتيات ونساء أخريات يتشجعن على الدخول في مجالات عمل كانت ممنوعة عليهن، مثل التصوير والعمل الإعلامي. قدمت في إحدى المرات تدريباً على التصوير لليافعات، كان ذلك التدريب بمثابة اكتشاف هؤلاء الفتيات لعالم التصوير، وسعيدة أنه كان من خلال رؤية امرأة مثلهن.
٤- ماهي أبرز القصص النسائية التي قمتِ بتصويرها؟
صورت قصصاً مع “SY+”، و”شبكة الصحفيات السوريات”، عن نساء خضن غمار السياسية والمجال الإعلامي، كقصة “إلهام عاشوري”، و”ولاء المحمد”، إضافة لقصص نساء ناجحات فقدن الزوج أو المعيل واعتمدن كلياَ على ذواتهن، كـ “وعد الحسين” وامرأة في إحدى المخيمات كرست حياتها لتكون سنداً لإخوتها المرضى.
٥-ماهي القصة التي تطمحين لتصويرها، ولماذا؟
أطمح لتصوير قصص الناجيات من الاعتقال، إحدى تلك القصص عن ناجية تخلى عنها زوجها وحرمها من أطفالها، كما وخسرت عائلتها بعد خروجها من المعتقل، واليوم تعيش وحيدة في منطقة لا عائلة لها فيها ولا أصدقاء، ورغم ذلك لم تخسر إيمانها بذاتها وتعمل كل يوم على إثبات نفسها. كيف لهذه الناجية أن تستمر لولا تحلّيها بقوة داخلية ودافع لإثبات كيانها بمواجهة واقع أليم فرض عليها.
٦- كيف تصفين الواقع النسوي ووضع النساء في منطقتك خلال سنوات نشأتك؟
كانت النساء تابعات بشكل أو بآخر للرجال، غالبية النساء ربّات منزل، والعاملة منهن كانت إما ممرضة أو مدرسة، مهن؛ كإعلامية أو مهندسة أو مصورة أو غيرها، لم تكن متاحة للنساء. أما بعد موجات النزوح والتهجير وقدوم أناس من مناطق مختلفة بدأ الوضع بالتغيير وبتنا نرى تواجداً أكبر للنساء في مجالات مختلفة، طبعاً ساعدت التدريبات وأنشطة التمكين بإعطاء هذه الدفعة الصغيرة لكثيرات كنَّ أصلاً بانتظار فرصة لينطلقن.
٧- هل من مراكز أو جهات داعمة لتمكين النساء في مكان إقامتك؟ وهل استفدتِ شخصياً منها؟
نعم يوجد مراكز لدعم وتدريب وتعليم النساء، سابقاً في ريف حلب الغربي كان لمنظمة “كش ملك” نشاطات مع النساء، وفي مدينة الأتارب حصراً كانت تقام ندوات مخصصة لهن. وفي مكان إقامتي الحالي توجد مراكز مشابهة وغيرها للرياضة وتعليم اللغات، لكن أنا شخصياً لم أستفد منها لسببين، الأول طبيعة عملي الميداني وكثرة تنقلي، والثاني طبيعة هذه التدريبات لا تلبي ما أحتاجه لتطوير نفسي مهنياً.
٨- ما مدى تبلور أهمية دور التدريبات وأنشطة التمكين التي تستهدف النساء في منطقتك؟
هذا النوع من الأنشطة بات حاجة وضرورة والغالبية تعي هذه المسألة، فالنساء بحاحة إلى تدريبات مكثفة ومستمرة، فكثيرات منهن أصبحن معيلات والمسؤولية كبيرة على عاتقهن، وفي الواقع التدريبات العملية الموجهة للنساء لا تتناسب مع الحاجة على أرض الواقع. المشكلة أن معظم التدريبات موجهة للفئة الشابة والمتعلمة نوعاً ما، وتستثني الكبيرات في السن واليافعات وغير المتعلمات. حتى التدريبات المهنية التي يمكن أن تتوجه للفئات المذكورة، لا تضمن أي استدامة عملية بعد انتهائها.
٩-هلّا شاركتنا بعضاً من نماذج العمل النسوي والنسائي في مكان إقامتك؟
ضمن منطقة سكني حالياً، لم أسمع عن تجمعات نسوية، ربما بسبب ارتباطي لليوم بريف حلب الغربي وعلاقتي مع التجمعات هناك، كمدينة الأتارب وفيها عدة تجمعات ومبادرات نسوية، مثل تجمع الأتارب النسوي الذي بات يدعم ويرشح النساء للانضمام للمجالس المحلية، وتوجد الهيئة النسائية التي تعنى بتقديم تدريبات مهنية وأنشطة تمكين.
١٠- ماهي أبرز المحطات على صعيد العمل النسوي والنسائي في منطقتك خلال التسع سنوات الفائتة؟
مشاركة المرأة بشكل واضح في المجال الإعلامي وظهورها، إضافة إلى بداية مشاركتها في مراكز صنع القرار محلياً، وفي المحافل الدولية. باتت الغالبية تسمع بحقوق النساء ودورهن حتى لو لم تشجع أو تدعم هذا الحق، لكن فكرة حضور المرأة ومشاركتها إلى جانب الرجل ومطالبها بالمساواة أصبحت تطرح على أرض الواقع، وحتى في المجتمعات المنغلقة لم تعد من المحظورات كما في السابق.
١١- هل شكّل انطلاق الثورة السورية عام 2011، تغييراً في طبيعة الواقع النسوي والنسائي في منطقتك؟ كيف؟
نعم شكل انطلاق الثورة تغييراً كبيراً، كدخول أعداد كبيرة من النساء في مجالات عمل مختلفة، حيث كان يقتصر عمل المرأة من قبل على قطاعات محددة مثل التعليم والطبابة، أما بعد 2011، كسرت عزلة النساء وبات التواصل والمشاركة بين المجتمعات المختلفة أمراً ضرورياً، كما بدأت النساء تسمع بنساء أخريات يشاركنهن تطلعاتهن ويؤمن بأدوارهن.
١٢- كيف ترين أثر الحراك النسوي على واقع المرأة السورية اليوم، سواء داخل سوريا أو خارجها؟
ما يزال الحراك يواجه صعوبات، حتى اليوم لم تحظ المرأة بحريتها الكاملة، على الرغم من كل الحملات والحراك الموجه للنساء. على سبيل المثال، في الداخل توجد نساء فاعلات في تجمعات نسوية ويعملن في الشق السياسي إلى جانب النسوي، إلا أن بعضهن ما زلن رهينات العادات والتقاليد وسلطة الزوج. كثيرات منهن رغم مشاركتهن في الأجسام النسوية والسياسية يرفضن الظهور الإعلامي مثلاً، إضافة إلى ذلك، التجمعات النسوية مغلقة على نفسها وليست شعبية أو عامة. أنا رغم نشاطي واحتكاكي بكافة الدوائر الناشطة لا يمكنني الوصول لمثل هذه التجمعات إلا عن طريق معرفة شخصية بإحداهن وهذا يتنافى مع الحاجة الملحة للتوسع والتواصل مع نساء من خلفيات وبيئات وتوجهات مختلفة.
١٣- كيف تقيمين مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية اليوم؟ ولماذا؟
مشاركة المرأة السورية ماتزال محدودة جداً، وبحاجة لتمكين ودعم أكبر من ذلك. شخصياً، أرى غياباً للأسماء النسائية في المجال السياسي، خاصة نساء الداخل. على سبيل المثال، حضرت عدة اجتماعات في مدينة اعزاز والتقيت بنساء قيل لي إنهن سياسيات أو ناشطات سياسياً، أنا كعاملة في المجال الإعلامي لم أسمع بهن، لماذا هذا التغييب؟ مثال آخر، أعلن الائتلاف من مدة معينة أنه قدم دعوة لنساء من الداخل للانضمام للائتلاف، من هن هؤلاء النساء؟ لا نعلم. المفارقة أن عمليات ترشيح النساء للمجالس المحلية كلنا نتابعها بتفاصيلها، أما على مستويات سياسية أعلى الوضع مختلف، أنا كإعلامية وناشطة في الداخل، لا أعرف أي امرأة في الميدان السياسي السوري من الداخل. ممكن أن يكون جزءاً من هذا مرده للتقصير الإعلامي في تسليط الضوء على الفاعلات السياسيات في الداخل السوري.
١٤- برأيك ماذا ينقص العمل النسوي السوري اليوم، وما هي المبادرات التي يمكن أن تقوم بها التجمعات والأجسام النسوية لتطويره، ولم تعمل عليها حتى اللحظة؟
التركيز على قصص النساء اللواتي يتعرضن للعنف والاضطهاد، ومساعدتهن وتأمين الحماية اللازمة لهن قانونياً. إلى اليوم، هناك الكثير من النساء معنفات ولا أحد يستطيع إيصال أصواتهن بسبب القيود المجتمعية، إضافة إلى ضرورة تطوير قنوات التواصل والوصول إلى شرائح مختلفة، لأن انحسار العمل النسوي بفئة معينة سوف يضعفه ويقلل من أهميته.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة