أصوات نسوية، مقابلة مع إلهام عاشور
- تاريخ النشر: 27 مايو 2021
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الناشطة الاجتماعية والفاعلة في مجال تمكين المرأة إلهام عاشور
حاورتها رجا سليم
إلهام عاشور 28 عاماً، ناشطة اجتماعية وفاعلة في مجال تمكين المرأة. ولدت في الكويت، وهي من مدينة أعزاز في ريف حلب، لم تحظ بفرصة لإكمال دراستها رغم محاولاتها الالتحاق بالمعاهد أو الجامعات الكائنة في أعزاز. تقول إلهام إنها لم تلحظ أي تمييز بينها وبين أخيها من العائلة أو المجتمع خلال سنوات طفولتها، إلا أن هذا تغيّر مع انتهاء مرحلة الطفولة وبدأت تلاحظ محدودية الفرص والتنميط الممارس على النساء، من هنا نشأ حلمها في التغيير والعمل مع ومن أجل النساء.
أهلاً بكِ إلهام
١- كيف بدأ اهتمامك بالعمل الاجتماعي والنسوي؟ ولماذا؟
كنت إحدى المؤسسات لفريق نسائي في مدينة أعزاز يعمل على قضايا النساء، كما عملت مع فريق “سوريانا” لمدة 4 سنوات، وهو فريق نسائي تأسس عام 2015 في مدينة أعزاز، يعمل على مناصرة قضايا النساء وبناء قدراتهن لتكن فاعلات في مجال الحياة العامة، بالإضافة إلى ذلك تسلمت إدارة مكتب المرأة في المجلس المحلي في منطقة أعزاز، والذي تم افتتاحه للمرة الأولى لمدة 6 أشهر ثم إغلاقه نظراً لحداثة التجربة وبالتالي عدم توفر الإمكانيات والخبرات اللازمة لإدارته حينها. في الواقع لم يكن لي دور فاعل خلال تلك الفترة، بسبب عدة تحديات أهمها حداثة التجربة ككل وتحديات تتعلق بشخصيتي. بعدها بدأت بالعمل مع مكتب التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة، كانت هذه التجربة نقلة مهمة بالنسبة لي كوني بدأت ألمس تأثير دوري كداعمة للنساء، وتسنى لي التعرف على عمل المؤسسات المحلية، والعمل بشكل أكبر على إحدى القضايا التي طالبت بها خلال 5 سنوات، وهي توظيف النساء في المجالس المحلية، كنت قادرة، من خلال تجربتي الشخصية، على فهم السياق والتحديات التي تعيق ذلك.
خلال السنوات الماضية عملت مع عدد كبير من النساء والرجال على تغيير واقع النساء، وفي الحقيقة أنا أؤمن بأهمية الشراكة بين النساء والرجال للوصول إلى التغيير الذي نريد، هذه الشراكة من شأنها تصحيح المفاهيم الخاطئة حول دور النساء، وتضع النساء جنباً إلى جنب مع الرجال، حيث يبذل الطرفان نفس الجهد، ويقوم كل بدوره، دون سلطة لأحد على أحد.
٢- تعملين في مجال مناصرة المرأة وتمكينها منذ عام 2015، هل حدثتنا أكثر عن طبيعة عملك والنشاطات الموجهة للنساء التي تقمن\تقومون بها؟
أعمل في مجال المناصرة وبناء قدرات النساء، عملت مع فريق “سوريانا” وكنت إحدى المؤسسات، بالإضافة لدوري بالعمل مع المجالس المحلية والنساء في المجالس المحلية، الأمر الذي ساعد على صقل شخصيتي وعزز قدرتي المهنية ضمن مجال المناصرة، وأكسبني أدوات أفضل لفهم طبيعة واقع النساء وكيفية دعمهن. أعتقد أن العمل في بيئتنا الاجتماعية صعب جداً، كانت وما زالت المحافظة على استمرار عمل الفريق عبئاً كبيراً، خاصة أن العمل مع النساء يحتاج دائماً إلى استثناءات وفقاً للأدوار المعتادة التي فرضت عليهن، لذا لدي شعور دائم بالمسؤولية تجاه تعزيز دور النساء ودعمهن في مواجهة سلطة العادات والتقاليد التي طالما حدت من طموحهن.
٣- ماهي التحديات التي واجهتها إلهام بشكل شخصي في مجال عملك؟ وكيف تعاملت معها؟
واجهت وأواجه تحديات كثيرة على كافة الأصعدة، مجتمعياً وعائلياً وشخصياً، كوني من سكان المنطقة فهذا يشكل امتيازاً وتحدٍ في آن معاً، فأحيانا يعيقني هذا الأمر عن العمل بحرية، وأحياناً أخرى يكون بمثابة دافع لي كوني على معرفة ودراية بتفاصيل المجتمع واحتياجاته. على الصعيد الشخصي اختلفت بشكل كامل منذ عام 2015، أعتقد بأن أحد أهم تحدياتي هي شخصيتي، أسعى بشكل دائم لأن أكون أقوى، غالباً ما أشعر أن الطريق في هذا المجال شاق وأن البيئة هشة، لذا يلزمني مواصلة العمل على صقل شخصيتي لكي أستطيع المواصلة مع كل هذه الصعوبات المرافقة لمحاولات التغيير في الواقع النسوي وخلق حالة تشبهنا. يجب الإقرار أننا بحاجة إلى شريكات أكثر من شركاء، هناك الكثير من الداعمين بدءاً من عائلتي، وليس انتهاءً بصديقات وأصدقاء ومعارف، ولكني بحالة بحث دائم عن نساء داعمات وشريكات، أنا لا أحبذ العمل بمفردي، أؤمن بالعمل الجماعي ومن خلال تجربتي أقول إنه قليل جداً، لذا أطمح بأن نتمرس به أكثر لأنه السبيل الوحيد لتوحيد تطلعاتنا.
٤- كيف تصفين عملك في بداياته في الـ 2015، والآن بعد مرور خمس سنوات، من حيث مشاركة النساء، الأثر والتغيير الذي أحدثه أو لم يحدثه هذا النوع من النشاط والأعمال؟
العمل مع النساء غاية في الصعوبة، تارة أشعر باليأس والعجز، وتارة بالفخر والقوة. خلال فترة عملي كنت أبحث بشكل مستمر عن النتائج، وهذا ما كان يحبطني ولكن فيما بعد فهمت أنني لا أعمل لأصل لنتيجة سريعة، إنما أنا جزء من مجموعة تعمل لتؤثر وتغير بالعمق في بيئة من الصعب العمل بها، البيئة السورية فيها الكثير من الترسبات، أحدها التربية الذكورية التي ما زالت عالقة في المجتمع، فالتحديات لا تتعلق بالنساء فقط وإنما بالرجال أيضاً، هناك الكثير من التحديات التي قد تواجه أي امرأة ممكّنة أو غير ممكّنة، فلكل حالة تحديات خاصة بها، ولكن خلال سنوات عملي لاحظت تزايد أعداد النساء المهتمات والشغوفات بالتغيير، هذه الزيادة هي الدافع الأساسي لي لأواصل علمي، فواقع النساء آخذ بالتغير بشكل تدريجي، ونسبة النساء الفاعلات والمشاركات في مختلف نواحي الحياة ترتفع، وهنا أود التشديد على واجب النساء الفاعلات في أماكن صنع القرار بإشراك أصوات نسائية جديدة في الحراك النسائي والنسوي.
٥- تساءلتِ في مقابلة معك عن أسباب غياب النساء عن أماكن صنع القرار، وفقاً لتجربتك العملية الملامسة لواقع النساء، ماهي الأسباب برأيك؟
برأيي من الأسباب عدم توفير فرص حقيقية للنساء ضمن أماكن صنع القرار. قبل أن نفكر بوصول النساء إلى أماكن صنع القرار علينا التفكير بالمدة الزمنية التي كن فيها مغيبات عن المشاركة في الحياة السياسية، فالكثيرات يحتجن لدعم وتأهيل يتناسبان مع المتغيرات السياسية والاجتماعية لتولي مناصب قيادية، بالإضافة لضمان مساحة جيدة لهن ضمن المؤسسات التي كن مقصيّات عنها على مدى عقود، وتعاون من قبل العاملين والقائمين على هذه المؤسسات.
دعيني أشارك تجربة من أحد المجالس المحلية، أعتقد أنها نموذجية، حيث تم توظيف امرأة مهجّرة تلقت الدعم والتمكين وتم تأمين بيئة مناسبة وداعمة لها خلال العمل، اليوم أصبح لها مشاركة ملحوظة في اتخاذ القرار، ولديها فهم واضح لآلية عمل المجلس، وقدرة على تمثيل المجلس في الاجتماعات، ولديها خبرة في عمل كافة المكاتب ووصول لكل المعلومات. لقد كان لدى هذه السيدة شغف بالعمل ورغبة بإثبات ذاتها في هذا المجال، بالطبع ما تزال بحاجة للتعلم والخبرة حالها حال أي شخص يسعى لتطوير ذاته ولكن هذا مثال عن آلية دعم النساء في أماكن صنع القرار.
مثال آخر عن إحدى النساء والتي تلعب الآن دوراً كبيراً في خلق علاقات لمجلس محلي آخر مع المنظمات، وكانت فاعلة بشكل كبير في العملية الانتخابية الأخيرة، ومساهمة بحشد النساء والرجال، وتقديم التسهيلات للمنظمات والتنسيق معها، وكانت مستعدة للترشح لولا أنها مهجرة، لذلك نحن بحاجة لفهم السياق وفهم التجربة التي قد تختلف من مجلس لآخر ومن مكان عمل لآخر، فهناك مجالات تحتاج للعمل بشكل آخر وباستراتيجيات مختلفة، وأعطي هنا أمثلة عن عمل النساء في المجالس المحلية باعتبارها الهيئات التي تمثل الإدارة وصنع القرار المحلي.
في مجلس آخر استطاعت إحدى النساء وبمجهود فردي أن تحث المجلس على تضمين إجازة إرضاع للموظفات المرضعات، ضمن سياسة المجلس. وهذا ما أقصده بضرورة فهم السياق والاحتياجات، ففي أي مؤسسة سواء مدنية أو مؤسسة حكم محلي، نحتاج لفهم الواقع لنستطيع خلق تأثير ملموس لدى النساء داخل هذه المؤسسات. وأود أن أشير إلى أن وصول النساء لأماكن صنع القرار لا يقتصر فقط على مؤسسات الحكم المحلي، وإنما منظمات المجتمع المدني، لذلك علينا أن نعمل مع النساء والمؤسسات لنصل لحوكمة نسوية بالحد الأدنى.
٦- في نفس السياق، ذكرتِ أن منظمات المجتمع المدني تفتقر للوجوه الجديدة، حدثينا عن هذه النقطة، وما الأسباب برأيك، وأين يكمن الخلل؟
باعتقادي أن السبب يعود لعدم تخصيص ميزانيات من شأنها تدريب نساء جدد لتولي مهام جديدة، معظم المنظمات المحلية تفتقر لمصدر دعم ثابت لذا تجد صعوبة بتأمين فرص تدريب وتوظيف مستدام، ولا ننسى غياب ثقافة التطوع ضمن هذه المنظمات أو ضمن المجتمع عموماً، علاوة على غياب ملحوظ سابقاً للنساء عن هذه الأوساط عندما كانت القيود مفروضة على عمل المجتمع المدني وكان بشكل أو بآخر رديف لمؤسسات الدولة.
٧- كيف تصفين انخراط واستجابة النساء للنشاطات الموجهة لهن، وهل أحدثت تغييراً ملموساً في حياتهن؟ على أي أصعدة؟
كانت هناك استجابة كبيرة من النساء المضيفات والمهجرات خلال السنتين الأخيرتين للنشاطات التي تقام في مناطقهن، بدأنا نلمس رغبة حقيقة لديهن بالتغيير والتعلم والتطور على كافة الأصعدة، كثيرات منهن بتن يستثمرن الوقت والفرص لتحصيل أكبر قدر من المعرفة والمهارات على الصعيد الثقافي والتعليمي والسياسي.
٨- هلّا شاركتنا بعضاً من نماذج العمل النسوي والنسائي في أعزاز وريف حلب عموماً؟
هناك الكثير من الأمثلة، منها العمل مع النساء لرفع الوعي في مجال بناء السلام، ومحاولة تشكيل فرق نسائية في مناطق تساعد على خلق بيئة للنساء لبناء قدراتهن للحصول على فرص للعمل والمشاركة، تعزيز قدرات النساء الموظفات في المؤسسات، توثيق قصص النساء ومشاركتها لزيادة التشجيع، الضغط على مؤسسات الحكم البديل لتوظيف أو تأمين فرص تطوع للنساء، تطوير دور النساء في الإعلام، إشراك النساء في الاجتماعات العامة مع المؤسسات ليكن جزء من صنع القرار.
٩- هل شكّل انطلاق الثورة السورية عام 2011، تغييراً في طبيعة الواقع النسوي والنسائي في ريف حلب؟ كيف؟
بالطبع كل ما سبق ذكره تحقق بعد انطلاق الثورة، قبل ذلك لم يكن في أعزاز أو الريف الشمالي أي نوع من الحراك المدني الموجه للنساء أو الرجال. خلال عام 2015 بدأ فريق “سوريانا” بخلق حراك نسوي في المنطقة، والذي واجه صعوبات كبيرة بدءاً من تقبل المنطقة والنساء لفكرة وجود حراك يطالب بتعزيز دور النساء، إضافة إلى استهجان فكرة وجود نساء ممكنات يطالبن بأحقية المشاركة في المؤسسات والاجتماعات والعمل وإدارة المشاريع والتغيير ضمن المنطقة.
١٠- كيف تقيمين مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية اليوم؟ وما مدى تبلور أهمية التمثيل السياسي النسائي لدى النساء في منطقتك على وجه الخصوص؟
جيدة على المستوى المحلي، وتحتاج لتطوير على المستوى الوطني والدولي، مع العلم أن تحقيق نسبة مشاركة على المستوى المحلي أصعب، بسبب تجذر العادات والتقاليد التي تحد من دور المرأة، في مجتمعنا لم يكن التغيير سهلاً حتى على مستوى مشاركة الرجال في الحياة السياسية والمدنية؛ فما بالك بالنساء اللواتي يواجهن ضغوطاً مضاعفة. ماتزال محاولاتنا قائمة للعمل مع النساء ليكون لهن دور على المستوى المحلي كالمشاركة في الانتخابات، والتوظيف في المؤسسات، والانخراط في أنشطة المجتمع المدني، رغم التحديات التي تحول دون مشاركة الكثيرات. النساء أنفسهن أصبحن على يقين أنهن منافسات لا يستهان بهن في المشهد السياسي على الصعيد المحلي، على سبيل المثال في إحدى الانتخابات المحلية تعرفت إلى نساء رغبن بالترشح وكن واثقات أن باستطاعتهن الفوز بعضوية المجلس المحلي، لكن على اعتبار أن الانتخابات كانت تحدث لأول مرة في الريف الشمالي هذا شكل عامل تخوف لدى بعضهن، فمن جهة خشين من ردة فعل المجتمع على ترشحهن كنساء واحتمالية عضويتهن لاحقاً، ومن جهة ثانية تخوفن من أن تتم محاربتهن سياسياً من قبل البعض غير الراغب بوجود العنصر النسائي في الهيئات السياسية المحلية، وهذا ما دفعهن، وفي اللحظة الأخيرة، للانسحاب.
١١- برأيك ماذا ينقص العمل النسوي السوري اليوم، وما هي المبادرات التي يمكن أن تقوم بها التجمعات والأجسام النسوية لتطويره، ولم تعمل عليها حتى اللحظة؟
هناك سيدات ممكنات عليهن تمثيل النساء بالشكل الصحيح من خلال إشراك النساء والعمل معهن، وليس من خلالهن أو بدلاً عنهن. علينا التفكير بالعمل على قضايا النساء بشكل نوعي بمستوى عالي، والعمل بشكل أكبر على محورين، الأول مع النساء، والثاني مع المؤسسات، بالإضافة للقوانين والسياسات وتأمين بيئة آمنة لجميع النساء الراغبات بالعمل، نحتاج للعمل سوياً لرسم خارطة العمل النسائي والنسوي.
أخيراً، أمنيتي أن تؤمن كافة النساء بالتغيير، وبقدرتهن على إحداثه.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة