احتجاجات إدلب… اختلاف في الدوافع وتوافق في الشعارات وغياب النساء عنها
- updated: 16 مايو 2024
- |
*سيرين العوض (اسم مستعار)
في جلسة نقاش نسائية حول الحراك الأخير في إدلب، اتفقن فيها على أن اندلاع الاحتجاجات المناهضة للجولاني منذ 25 من شباط الماضي، أمرُ متوقع وبديهي في ظل القبضة الأمنية المحكمة لحكومة الإنقاذ وجهازها الأمني، إضافة لكثرة الضرائب وضياع حقوق المدنيات/ين، كما أنهن اختلفنّ على تبعيتها، وتراهنّ على استمراريتها.
ووسط حماس النقاش بقيت “ريم” -إحدى الحاضرات- تلتزم الصمت لفترة طويلة، كانت بين الحين والآخر ترمق المتحدثات بنظرات غضب تارة، وتأييد بهز رأسها تارة أخرى، إلى أن علمنا لاحقًا أن شقيقها البالغ من العمر 28 عامًا وهو أب لثلاثة أطفال، معتقل منذ ما يقارب العامين ونصف العام في سجون هيئة تحرير الشام دون تهمة أو محاكمة.
تختصر ريم الحكاية بمشهد روته عن ردة فعل والدتها تجاه الاحتجاجات: “أمي انبسطت كتير وصارت كل يوم تحكي مع صورة معلقة عالحيط لأخي المعتقل وهو حاضن ابنه، قربت إن شاء الله بشوفك بين أولادك يا روحي”.
احتجاجات إدلب… اختلاف في الدوافع وتوافق الشعارات
في السنوات الماضية لم يكن السكان في إدلب يعترضون بشكل مباشر على سياسة حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام وجهازها الأمني، إلا وتوجه لهم إنذارات أو تهديدات أو يتعرضون للاعتقال وربما الإخفاء، لكن على ما يبدو أن الحال تبدل وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة بعد ما سمي بـ “ملف العملاء”.
شملت الاعتقالات التي نفذتها الهيئة المئات من قاداتها العسكريين وبعض الموظفين في مؤسساتها، بـتهمة “العمالة” مع نظام الأسد وحلفائه والتحالف الدولي، إذ وصل عددهم نحو 1000 شخص -بحسب مصادر عسكرية- بينهم أصدقاء الجولاني المقربين كأبو ماريا القحطاني (قتل اغتيالاً بعد خروجه)، لينتهي التحقيق في آذار المنصرم بإطلاق سراح بعض المعتقلين تباعاً ممن لم يثبت تورطه بحسب بيان لحكومة الجولاني.
بعد شهر تقريبا، تواردت أنباء عن شهادات لحالات تعذيب تمارس ضد المتهمين بـ “ملف العمالة” في سجون الهيئة، ثم مقتل أحد المعتقلين التابع لجيش الأحرار تحت التعذيب، لتتمدد بعدها الاحتجاجات إلى عدة قرى وبلدات في ريفي إدلب وحلب للمطالبة في تحسين الواقع الاقتصادي وتبييض السجون من معتقلي الرأي، وتشكيل مجلس أعلى لقيادة المنطقة، وتنحي الجولاني، وتقويض جهاز الأمن العام.
ميز نشطاء وناشطات دوافع المحتجين المشاركين في التظاهرات، والتي توزعت بين ناشطين عسكريين يتبعون بشكل أو بآخر لفصائل عسكرية، تظاهروا للمطالبة بأقارب أو أصدقاء معتقلين في سجون الهيئة، وفئة الناشطين الثوريين المستقلين وهم يمثلون الشريحة الأكبر في الاحتجاجات، يعتبرون أن الجولاني كبشار الأسد عدو للثورة، أما الفئة الثالثة فهم متظاهرون من حزب التحرير كانوا قد وجدوا في هذه الاحتجاجات فرصة للمطالبة بمعتقليهم لدى الهيئة، إضافة لشرائح جديدة بدأت تلتحق تباعًا بالمظاهرات لتشمل مدنيين وعسكريين ومعلمين وطلاب ومحامين وتجار وعمال نظافة إضافة لموظفين في محكمة الأحوال الشخصية والقائمة تزداد.
لكن بغض النظر عن اختلاف شرائح المحتجين ودوافعهم، كانت المطالب والشعارات موحدة بين كل المحتجين كإطلاق سراح معتقلي الرأي، وإسقاط الجولاني، وتنحي جهاز الأمن العام، وتحسين الواقع المعيشي.
غياب النساء عن المظاهرات المناهضة للجولاني
تغيب النساء بشكل شبه كامل عن المظاهرات الأخيرة في إدلب، حتى الناشطات اللواتي كن بالعادة لا يسجلن غياباً عن أي وقفة أو تظاهرة. “حلا الإبراهيم” وهي ناشطة حقوقية تثبت وجودها ومشاركتها بكافة الفعاليات الثورية ترى أن: “التظاهرات ترتبط بالعسكرة وخلافات بين قادة في هيئة تحرير الشام، ولا يمكن للنساء المشاركة فيها وهي على نهجها الحالي، رغم وجود بعض اللافتات التي توافق عليها السوريين/ات في محاربة كافة أشكال الظلم والاستبداد وبناء سوريا الديمقراطية”.
أما بالنسبة لتواجد عشرات النساء في الاحتجاجات الأخيرة في إدلب فقد كن من حزب التحرير، اللواتي يتظاهرن قبل الحراك للمطالبة بأبنائهن وأزواجهن المعتقلين من الحزب لدى الهيئة، حيث نفذت الأخيرة في مطلع العام الماضي حملة اعتقال استهدفت شخصيات فاعلة في “حزب التحرير”.
“حزب التحرير” يعرّف نفسه بأنّه “حزب سياسي مبدؤه الإسلام وعمله السياسة، ويعمل من أجل استئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة إلى العالم”، تأسس عام 1952 ويسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
ووفق آخر تقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يوجد ما لا يقل عن 156 ألفًا و757 شخصًا، بينهم أكثر من خمسة آلاف طفل و10 آلاف سيدة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام والأطراف المسيطرة، من بينهم أكثر 2500 شخص، 47 منهم طفلًا و45 سيدة، معتقلون أو مختفون قسرًا في سجون “هيئة تحرير الشام”.
السيدة (م.م) ناشطة في منظمات المجتمع المدني توضح أن: “النساء هن المتضررات الأكبر من وجود هيئة تحرير الشام في إدلب، بدءًا من التضييق على لباسهن مع بداية سيطرتها على المنطقة ووصولاً إلى ملاحقة نشاطات النساء، وتَعمد إبعادهن عن المشاركة السياسية سواءً في المجالس المحلية أو المناصب القيادية في مؤسساتها”.
وأضافت بأن: “الجولاني غيَّرَ الكثير من أهداف الثورة، وقتل وهجر واعتقل الآلاف من السوريين/ات، مؤكدة أن الشعب السوري خرج ضد نظام مجرم للمطالبة بحقوقه وحرياته، لذلك لن يقبل بعد تضحيات 13 عامًا أن يعود تحت حكم وظلم مجرم آخر بحجة الدين.
على الرغم من انخراط المرأة السورية في جميع أشكال التظاهر والاحتجاج منذ بداية الثورة 2011 بشكل واضح وفعّال، إلا أن هذه المشاركة بدأت تتراجع بشكل ملحوظ في عموم المظاهرات والنشاطات السياسية لأسباب كثيرة، أبرزها الأمنية والمجتمعية، فضلاً عن التخوف من آثار الاعتقال المؤلمة كالتعذيب والاغتصاب الذي سببه نظام الأسد وما رافقه من وصمة اجتماعية لكثير من الناجيات، كل ذلك يسهم في إحجام السيدات عن المشاركة.
“بسام أبو عدنان” باحث مختص بشؤون قضايا السكان والمجتمع في مركز جسور للدراسات يرى بأن: “مشاركة النساء اقتصرت على نساء من حزب التحرير وأمهات بعض المعتقلين في سجون الهيئة، وأن غياب الناشطات السياسيات عن الحراك يعود لوجود تيارات إسلامية متشددة كحزب التحرير ومنشقين عن الهيئة وبقايا حراس الدين وغيرهم، ولو كان النشطاء المدنيون هم أصحاب السلطة الأعلى في الحراك، لشاهدنا مشاركة نسوية واسعة”.
وعود كاذبة وإصلاحات بسيطة… الجولاني يفشل في امتصاص غضب المحتجين
من الواضح لحد اللحظة أن الجولاني فشل في إدارة “ملف العملاء” رغم التدابير والتغييرات التي يعمل عليها مع حكومته لامتصاص غضب المحتجين، فعقب الاحتجاجات اتخذت هيئة تحرير الشام إجراءات لاحتواء صراع محتمل داخل الهيئة، هو بغنى عنه في ظل توسع رقعة المظاهرات ضده منها: صرف تعويضات مالية لأغلب القادة العسكريين المفرج عنهم، إصدار عفو عام عن بعض المساجين وفق شروط، وطرح مبادرة لإعادة تشكيل جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ وتشكيل ديوان المظالم والمحاسبة وجهاز رقابي أعلى، وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية، ومكافحة الفساد، ومنع الاحتكار، وتفعيل دور المجالس المحلية والنقابات المهنية، لكن على مايبدو أن هذه الإصلاحات لم تلبي تطلعات المحتجين وهو ما يبرر استمرار المظاهرات وتوسعها.
في هذا السياق أضاف “بسام أبو عدنان”: “إن مطالب المحتجين لن تتحقق كلها، لكن قد يكون هناك إصلاحات على الصعيدين السياسي والاقتصادي خاصة وأن المشاركة الشعبية حتى اليوم محدودة، وأن الحركات القادرة على إسقاط نظام أي سلطة تحتاج لثلاثة شروط وهي غير موجودة، الأول دعم شعبي واسع كما حصل عام 2011، الثاني وجود انقسام عمودي في جسم نظام السلطة، وهذا ما حصل خلال ملف العملاء، حيث ظهر شرخ بين العسكريين والهيئة لكن على ما يبدو أنه تم تجاوز هذا الشرخ حاليًا، ثالثًا الدعم الخارجي واعتقد حتى اللحظة لم تؤيد أي جهة فاعلة هذا الحراك إعلاميا سواءً دول أو منظمات لكن من الجيد وجود ضغط لتحقيق إصلاحات تهيأ مستقبلاً لإصلاحات أكبر”.
بينما تختتم ريم حديث الجلسة بغصة: “في حال استمرت التظاهرات أم توقفت، اتسعت أم تقلصت، إلى متى سيبقى مصير المعتقلين/ات مجهولاً؟ وتبقى أمي وأمهات المعتقلين/ات يحاكين الأمل المعلق داخل صورة على جدران منازلهن؟”.