التعليم في سوريا تحديات وحلول – شمال غرب سوريا نموذجًا
- تاريخ النشر: 25 يناير 2024
- |
*كبرياء الساعور
واقع التعليم في سوريا لا يبشر بخير، وينذر بمستقبل سيء للأجيال، حيث يعاني نظام التعليم في سوريا من نقص التمويل والتفكك والعجز عن تقديم خدمات آمنة ومستدامة لملايين الطفلات والأطفال، في العام الماضي أعلن منسقو الاستجابة في سوريا أن مليونين ونصف من الطفلات والأطفال خارج التعليم، أما الطفلات والأطفال الذين تمكنوا من الالتحاق بالمدارس فإنهم يتعلمون في بيئة تعليمية تفتقر للحد الأدنى من المقومات الأساسية، صفوف مزدحمة ومباني تحتاج لتأهيل وصيانة وتوفير مرافق الصرف الصحي والتدفئة فضلاً عن نقص الكوادر التعليمية والكفاءات.
يعد التعليم من أسس التعافي المبكر للمجتمعات بعد النزاعات، ويلعب دوراً في الاستقرار النفسي والاجتماعي وبناء السلام، إن المساعدة في توفير تمويل لتعليم طويل الأمد يمكن أن يسهم فيه سد فجوة التعليم في سوريا، وبناء رأس مال بشري يساعد في إعادة بناء سوريا عندما يحل السلام. لذا يحتاج التعليم في سوريا إلى تدخل عاجل لتوفير التمويل والموارد والخبرات لإعادة بناء البنية التحتية في التعليم وبناء القدرات البشرية.
كما نحتاج إصلاح شامل للتعليم والمناهج وتغيير في فلسفة التعليم بحيث يتوافق مع ظروف ونمط حياة الطالبات والطلبة، تعلم من أجل التغيير والعيش، يعتمد على أن ت/يكون الطالبات والطلبة شركاء فاعلين في عملية التعلم، لا مجرد مستهلكين للمعرفة يخزنونها ويحفظونها، لكن المعلمات/ين السوريات/ين مازالوا يمارسون التعليم بالطرق التي تعلموها باعتماد أساليب الحفظ والتلقين بدل بناء المهارات.
ومن الأهمية بمكان توفير برامج تعليم للمتسربات/ين من الفتيات والفتيان الذين حرموا من أي فرص في التعليم، برامج تعليم مهني تعيد دمجهن/م في المجتمع ومشاركتهن/م في عملية البناء والتنمية.
تشكل الحالة الاقتصادية عقبة أساسية في التعليم، فعند الحديث عن بداية العام الدراسي لا بد لنا من أن نتذكر الأزمة المعيشية التي تعيشها كل أسرة سورية في تأمين احتياجات بناتها وأبنائها من لباس مدرسي وكتب وقرطاسية ومواصلات ليتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة، غير أن انتشار الفقر بين الأهالي وتدهور التعليم جعل عشرات آلاف الطفلات والأطفال خارج النظام التعليمي وغير معنيين بالمدرسة.
فالفقر هو السبب الأكبر لترك الطفلات والأطفال المدرسة في ظل ارتفاع تكلفة التعليم، علمًا أن معظم الأسر السورية تحت خط الفقر، فهناك جيل كامل مجهول المستقبل لا نعرف كيف يعيش ويفكر.
التعليم في شمال غربي سوريا
كشفت دراسة لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، حول “احتياجات جيل ما بعد الحرب… الفجوات التعليمية في شمال غرب سوريا” إلى أن نسبة 13% من الطفلات والأطفال لم يعرفوا المدارس، كما أن نسب التسرب تتصاعد لدى فئات الطفلات والأطفال في المرحلة المتوسطة والثانوية، حيث وصلت إلى ثلاثة أرباع الطلبة من الفئات العمرية بين (12 – 17).
كما يعتمد التعليم في شمال غرب سوريا على المبادرات الفردية ومنظمات المجتمع المدني، وهي غير قادرة على تلبية الاحتياجات الكبيرة واستيعاب أعداد الطفلات والأطفال في سن المدرسة.
يعاني قطاع التعليم من نقص الدعم والتهميش من قبل المنظمات الدولية والمحلية مما أدى إلى انخفاض أعداد المدارس التي تستوعب الطفلات والأطفال في سن المدرسة، وانتشار التعليم الخاص المرتفع التكلفة، يضاف إلى ذلك غياب القوانين والتشريعات التي تكافح ظاهرة عمل الطفلات والأطفال التي انتشرت بشكل كبير.
كما أن انتشار الفوضى في إدارة التعليم نظرًا لتعدد المرجعيات وغياب جهة واحدة أو مركز يدير العملية التعليمية، وعدم وجود قواعد ناظمة تضبط العلاقة بين المعلمات/ين والإدارة التعليمية أدى إلى غياب الثقة لدى الأهالي والمعلمات/ين.
لقد كان لزلزال 6 شباط العام الماضي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا أثرًا في تدهور أوضاع التعليم في الشمال السوري، حيث أدى إلى تدمير قسم من المدارس وفقدان العديد من الكوادر التعليمية بالإضافة إلى نزوح الأهالي.
وأشارت دراسة لوحدة الاستقرار والدعم في سوريا هدفت إلى رصد الوضع الحالي للمدارس واحتياجات قطاع التعليم في شمال غربي سوريا في محافظة إدلب وريف حلب بعد الزلزال، إلى أن أكثر من 1009 بناء مدرسي تعرض لأضرار متفاوتة، بينها 15مدرسة تحتاج إلى هدم وإعادة بناء، وبقية المدارس بحاجة إلى ترميم.
كما بينت الدراسة أن 7% من المعلمات/ين في المدارس التي شملها التقييم لم يتقاضوا رواتب عن العام الدراسي 2022- 2023، وأكثر من نصف الطالبات والطلاب لا يمتلكون كتب مناهج مدرسية، أما الغالبية العظمى من المدارس فلا يوجد فيها خدمات إرشاد نفسي.
أما بالنسبة للمخيمات في محافظة إدلب وريف حلب فقد بينت الدراسة أن هناك 189 مخيم فقط يحتوي على مدارس من أصل 1270 مخيم في الشمال بدون أي مرافق تعليمية ومدارس.
إن قطاع التعليم في شمال غرب سوريا يحتاج إلى دعم سريع على مختلف المستويات بدءًا من البنى التحتية مثل ترميم المدارس وتأهيلها وإعادة بناء المدارس التي دمرها الزلزال، بالإضافة إلى توفير رواتب مستدامة وعادلة للمعلمات/ين، وتدريب وتأهيل المعلمات/ين، ومن المهم توفير خدمات الإرشاد النفسي نظرًا للاحتياج الشديد لخدمات الدعم النفسي لجميع الطالبات والطلاب بعد الزلزال.
يترافق ذلك مع دعم التعليم غير الرسمي بمختلف أنواعه، والموجودة حاليًا سواءً كان برامج تعليم محو أمية أو تعلم ذاتي أو تسريع التعليم، لأنها أساليب من الممكن أن تسهم في عودة الطفلات والأطفال المنقطعات/ين والمتسربات/ين إلى المدرسة.
كما لفتت الأبحاث والدراسات لقطاع التعليم في سوريا، إلى غياب أي دور لأولياء الأمور والمجتمع المحلي في التعليم.
إن إعادة النظر بالعلاقة بين قطاع التعليم والسلطات المحلية والمجالس المحلية غاية في الأهمية، نظرًا لغياب أي شكل من المشاركة المجتمعية بين المدرسة من جهة وبين أولياء الأمور والمجتمعات المحلية من جهة أخرى.
حيث أن العلاقة بين المدرسة والمجتمع المحلي تكتسي أهمية خاصة، لا سيما في البلدان التي تعاني من نزاعات لأنها تسهم في إعادة بناء الثقة والتضامن بين أفراد المجتمع وتوفير بيئة تعليمية آمنة ومحمية للطفلات والأطفال وتلبية احتياجاتهن/م النفسية والاجتماعية، والأهم من ذلك تعزيز مشاركة الأهالي والمجتمع المحلي في صنع القرار والإشراف على العملية التعليمية، وتحسين جودتها بالاستفادة من الموارد والخبرات المحلية بدعم المدرسة، وتقديم فرص تعليمية تناسب السياق المجتمعي للمدرسة.
إن المشاركة المجتمعية في التعليم لها دور أساسي في تمكين المجتمع، هناك تجارب أحدثت فرق كبير في عملية التعليم نتجت عن تدخل المجتمعات المحلية من خلال لجان أولياء الأمور والمعلمات/ين أو مجالس المدارس أو جمعيات الأهالي والفرق التطوعية أو مشاريع تعليمية بدعم من المنظمات الدولية لتغطية وتعويض الفجوة التعليمية.
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية