التمييز ضد النساء والفتيات من ذوات الإعاقة
- تاريخ النشر: 5 أغسطس 2021
- |
*كبرياء الساعور
تعد ذوات/ذوي الإعاقة من الفئات السكانية الأكثر تضررًا في الأزمة الإنسانية التي شهدتها سوريا، آلاف السوريات والسوريين من ذوات/ذوي الإعاقة يكافحون للبقاء على قيد الحياة في دول اللجوء أو مناطق النزاع، في ظل ظروف معيشية صعبة والتهديد المستمر بالعنف خاصة ضد النساء والفتيات، حيث تعاني النساء ذوات الإعاقة من أوجه ضعف خاصة في الوصول للخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والخدمات التعليمية.
تواجه النساء والفتيات ذوات الإعاقة في مجتمعنا تمييزًا مضاعفًا، غالبًا ما يكنَّ أكثر حرمانًا من الرجال ذوي الإعاقة، تكمن وراء هذا التمييز المزدوج الاتجاهات السلبية تجاه المرأة بالإضافة للاتجاهات السلبية نحو الإعاقة، والتي عادة ما تتقاطع مع مستوى الثقافة ومستوى التنمية، فالإعاقة مسألة نسبية ترتبط بالمجتمع والبيئة، وهي نتيجة تفاعل مع الحواجز التي يفرضها المجتمع على هذه الفئة بشكل يقيد مشاركتها في الحياة والمجتمع.
تعرف الإعاقة بحسب اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: “يشمل الأشخاص ذوي الإعاقة أولئك الذين لديهم عجز حركي أو نفسي أو ذهني أو حسي طويل الأمد، الذي حين يتفاعل مع الحواجز المختلفة يعيق مشاركتهم الكاملة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين”.
تقول منظمة الصحة العالمية: إن المعاقات/ون أقل حظًا من غيرهم فيما يخص الخدمات الصحية والتعليمية والفرص الاقتصادية، كما أكدت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة في توصيتها العامة رقم (18) أن النساء ذوات الإعاقة قد يخضعن لتمييز مضاعف على أساس نوع الجنس والإعاقة، كما أن النساء والفتيات ذوات الإعاقة أكثر عرضة للعنف والإساءة أو الإهمال أو الاستغلال، سواءً داخل المنزل أو خارجه.
وتدعو اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدول إلى ضمان استفادة الأشخاص ذوي الإعاقة خصوصًا النساء والفتيات وكبار السن من ذوي الإعاقة من برامج الحماية الاجتماعية والحد من الفقر.
تسببت سنوات الصراع في سوريا الممتد ة على مدار عشرة أعوام إلى ارتفاع كبير بأعداد ذوات/ذوي الإعاقة حيث كشفت احصائيات الأمم المتحدة أن 2.8 مليون لديهن/م إعاقات وعجز دائم، في حين لا توجد جهود كافية لضمان حصول ذوات/ذوي الإعاقة على المساعدات الضرورية.
تعيش النساء والفتيات السوريات من ذوات الإعاقة ظروف حياتية صعبة، من التهميش والعزلة الاجتماعية. يقول وائل أبو كويت، المدير التنفيذي لمنظمة سند، التي تعنى بدعم الأشخاص من ذوات/ذوي الإعاقة: إن أبرز التحديات التي تواجه النساء ذوات الإعاقة في فترة الصراع هي عمليات النزوح بسبب القصف، نواجه حالات حرجة حيث لا يجوز لشخص غريب من خارج العائلة أن يمد يد العون للمرأة المعوقة لإنقاذها من القصف في بيئة تحكمها ثقافة مجتمعية محافظة، كما أنه من الصعوبة بمكان نقل الأجهزة والأدوات المساعدة مثل الكرسي المتحرك أو العكازات، فالناس تحت القصف يريدون النجاة بأرواحهم. يتعذر توفير بيئة صحية وآمنة ومستقرة لتقديم خدمات لذوات/ذوي الإعاقة بسبب عمليات النزوح المتكرر.
يأتي في مقدمة التحديات التي تواجهها المنظمات العاملة مع ذوات/ذوي الإعاقة الوصول لهذه الفئة بسبب النظرة المجتمعية لذوي الإعاقة، وخاصة النساء والفتيات، وقيام أسر ذوات الإعاقة بمنع خروج النساء والفتيات من المنزل بسبب التقاليد والخوف من ظهورهن في المجتمع.
من التحديات أيضًا التي تعيق دمج ذوات/ذوي الإعاقة في المجتمع هي الاستبعاد من التعليم.
ناهدة شابة كفيفة من مواليد 1984، تعيش في محافظة إدلب – جبل الأربعين، حرمت من التعليم في المدارس النظامية وحتى في مدرسة المكفوفات/ين الموجودة في مدينة إدلب كونها بعيدة، تقول ناهدة: “كنت منعزلة لا أتواصل مع الآخرين لشعوري بالتهميش ومشاعر الشفقة من قبل الأقارب، الحرمان من التعليم جعلني منطوية على نفسي.” كافحت ناهدة من أجل قبولها في المعهد الذي تدرس فيه حاليًا، حيث تم رفضها بسبب إعاقتها لكن إصرارها على التفوق والنجاح أكسبها مكانتها بجدارة، تضيف ناهدة: “التعليم فتح لي آفاق جديدة، اليوم أريد إكمال تعليمي الجامعي.”على الرغم من أوضاع المنطقة التي تتعرض لقصف متكرر، تقول ناهدة “غبت عن الوعي بسبب الخوف عندما قصف الطيران الحي وانهار المنزل المجاور، مازالت حالات الهلع تداهمني كلما تكرر القصف على منطقتنا”.
أميمة شابة 26 عام أصيبت بإعاقة حركية في سن الخامسة جراء حادث في طفولتها، تتذكر أميمة أن أصعب اللحظات هي تلك التي عاشتها أثناء قصف الطيران، حين أجبرت على الهرب بدون كرسيها المتحرك. تعتبر أميمة نفسها محظوظة لوجودها في أسرة داعمة، فقد حرص والدها أستاذ المدرسة على تعليمها بالرغم من استغراب الناس لوجود فتاة تذهب للمدرسة على كرسي متحرك في بلدة صغيرة، حيث العرف المجتمعي يقضي أن الفتاة المعاقة تبقى في المنزل، تطمح أميمة اليوم إلى إكمال تعليمها الجامعي، وتفخر أسرتها بكفاحها وحرصها على تطوير ذاتها وسعيها لاكتساب مهارات قيادية، فهي اليوم رئيسة فريق المناصرة لذوي الإعاقة في منظمة سند.
تدعو أميمة المنظمات التي تعمل على تمكين المرأة إلى دعم النساء والفتيات ذوات الإعاقة، تقول أريد أن يسلطوا الضوء على قضية الإعاقة، وتوفير فرص تدريب وتأهيل النساء بهدف دمجهن في المجتمع، كما ينبغي تركيز الجهود على التوعية المجتمعية للتعريف بحقوق ذوي الإعاقة وتغيير النظرة السلبية.
هناك صلة وثيقة بين الفقر والإعاقة فإن ذوات/ذوي الإعاقة وعائلاتهن/م أكثر فقرًا، لارتفاع تكاليف العلاج ونفقات التأهيل، والتي تشكل عبء على كاهل الأسر، كما أن ضعف الرعاية الصحية قد تتسبب بمشاكل صحية وإعاقات.
سعاد شابة في عمر العشرين فقدت بصرها بسبب غياب الرعاية الصحية وندرة الأطباء في زمن الحرب حيث كانت بحاجة لإجراء عمل جراحي عاجل لزرع قرنية، وبعد أن لجأت إلى تركيا قامت بإجراء الجراحة في المشافي التركية لكن العملية فشلت نظرًا لتأخر العلاج.
ترى سعاد أن أبرز التحديات التي واجهتها هي حرمانها من التعليم، وجدت سعاد فرصتها عندما أتيحت لها دراسة طريقة برايل، حيث اتقنتها بفترة قصيرة. تقول: لقد زاد طموحي لإكمال الدراسة لكنني في بلد غريب أواجه صعوبات عديدة بسبب حاجز اللغة وصعوبة التنقل. ترى سعاد أن الوصمة الاجتماعية للإعاقة ونقص وعي الأهل تمنع الكثير من الفتيات من ذوات الإعاقة من الخروج من المنزل. حاولت سعاد مساعدة شابة كفيفة بعمر 16 عام، لكن أهلها عارضوا بشدة السماح لها بتعلم طريقة برايل “شو بدها تستفيد من الدراسة خليها باركة بالبيت ما بدنا نسمع كلام الناس” كما تحدثت عن الضغوط المجتمعية التي تتعرض لها عائلتها “ليش مخلين بنتكم تطلع لحالها”، تعتقد أن الدعم النفسي والاجتماعي بأهمية الدعم المادي، فالتشجيع الذي تلقته ومشاركتها بالمناصرة لذوي الإعاقة جدد ثقتها بنفسها وعزز قدرتها على التواصل، تقول سعاد: لقد صار لحياتي معنى وطموحي أن أكون منتجة وفاعلة ومستقلة.
شفاء شابة من داريا، العمر 25 عام، لديها إعاقة حركية، تعيش حاليًا في مدينة غازي عنتاب، أثناء الحرب نزحت عائلتها من داريا إلى دمشق- حي ركن الدين، كانت قد حصلت على شهادة التعليم الأساسي لكنها لم تتمكن من متابعة تعليمها بسبب ظروف النزوح وصعوبات التنقل من المنزل إلى المدرسة، اليوم في تركيا نجحت شفاء بعد طول انتظار في استكمال الأوراق الثبوتية اللازمة للتسجيل بالدراسة لمتابعة تعليمها. شفاء شابة نشيطة لم تحل الإعاقة بينها وبين المشاركة بتقديم العون للاجئات/ين السوريات/ين، فقد عملت متطوعة أثناء لجوء أسرتها إلى لبنان مع الأمم المتحدة، حيث انضمت شفاء إلى الفريق الذي يعمل في الإغاثة، واليوم هي عضوة في فريق المناصرة لقضايا ذوات/ذوي الإعاقة.
تشرح اللقاءات السابقة مع فتيات من ذوات الإعاقة أشكال التمييز والظلم وتعقيد تجارب النساء السوريات ذوات الإعاقة مع الحرب واللجوء.
لازال صوت النساء ذوات الإعاقة ضعيفًا في منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية، ونحتاج لمزيد من الجهود من أجل التصدي للتمييز ضدهن ولتفعيل مشاركتهن في المجتمع.
*استخدمنا مصطلح ذوات/ذوي الإعاقة نسبة إلى اعتماده من قبل الأمم المتحدة، لأن مصطلح ذوات/ذوي الاحتياجات الخاصة قد يشمل الاحتياج الخاص دون وجود إعاقة جسدية.
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة