الجيل الشاب والعمل السياسي خصومة إلى متى؟
- updated: 28 يناير 2021
- |
*عُليّا الشلق (اسم مستعار)
يشهد المجتمع السوري على المستوى السياسي خللاً واضحاً منذ أكثر من نصف قرن، انعكست آثاره السلبية على الفئة الشابة، التي حين بدأت
بالثورة عام 2011، لم تكن متمرسة بالعمل السياسي ووجدت نفسها بحاجة لقدماء الساسة ونُخَبِها.
لطالما حملت صفة الشباب حزمة من القيم الإيجابية كالأمل والتفاؤل ومواكبة العصر، ولعل هذا ما جعل من لقب “الرئيس الشاب” الأكثر حضوراً في تعداد صفات رئيس النظام السوري بشار الأسد، و”ثورات الشباب” الصفة الطاغية على ثورات الربيع العربي، لكن ماذا عن الخصومة بين الشباب والعمل السياسي؟
يعرّف الشباب حسب الأمم المتحدة على أنهنم: الأشخاص ممن تتراوح أعمارهنم بين ١٥ و٢٤ عاماً.
كما تعرّف المشاركة السياسية على أنها: تلك المجموعة من الممارسات التي يقوم بها المواطنات/ون، أو يضغطون بها بغية الاشتراك في صنع وتنفيذ ومراقبة القرار السياسي؛ اشتراكاً خالياً من الضغط الذي قد تمارسه السلطة عليهنم.
ماذا عن الحياة الحزبية والسياسية في سوريا قبل الثورة؟
عاشت سوريا بعد الاستقلال من الانتداب الفرنسي حالة جزئية من الديمقراطية. وكانت تلك الفترة غنية بالأحزاب والتشكيلات السياسية. كما لوحظ فيها نشاط طلابي وجامعي ونقابي واضح، كانت المرأة شريكاً أساسياً فيه.
لكن هذه الفترة سرعان ما انتهت، وأصبحنا نحن والأبدية سُكان هذا البلد! الرئيس إلى الأبد، والحزب الواحد إلى الأبد، وعضو مكتب سياسي للأبد، وجبهة وطنية تقدمية مخلصة للأبد!
بعد وصول الرئيس الأسبق حافظ الأسد إلى سدة الحكم، وهيمنة حزب البعث بموجب المادة الثامنة للدستور، تمت مصادرة الحياة السياسية في سوريا، دون أن يكون هناك صوت للأحزاب الأخرى المندرجة في الجبهة الوطنية التقدمية، والتي كانت شريكاً بكذبة التنوع الحزبي وانفتاح الحياة السياسية في سوريا. وكان العمل الحزبي المعارض ضرباً من المغامرة، حيث إن كافة الأحزاب والحركات تأسست ونشطت في ظل ظروف وبيئة غير صديقة وربما عدائية، تلقت ضربات مؤلمة من قبل الأجهزة الأمنية أثرت بشكل كبير على قدرتها، وأضعفت كوادرها، وأفشلت العديد من برامجها ونشاطاتها. وكنتيجة لتكرار استهدافها، اتجهت نحو العمل السري تحاشياً لبطش السلطة الذي استمر رغم تسلم الأسد الابن وحلول ما يسمى ربيع دمشق.
أما الشباب السوري كانت حياته الحزبية في ظل نظام الأسد تبدأ بمرحلة طلائع البعث وشبيبة الثورة ثم تتوج بتنسيب إجباري لحزب البعث لطلاب المرحلة الثانوية. حيث كان الحزب يعني لهؤلاء الشابات والشباب المنتسبات/ين طوعاً أو كرهاً درجات إضافية تعطيهنم الأولوية لدخول اختصاصات جامعية لا تستطيع الطالبة أو الطالب غير المخلصةص للبعث الحصول عليها عند تساوي الفرص! نعم فأن تكونينن (عضواً عاملاً) في سوريا يعني أنك تستطيعينع تجاوز القانون والخطوط الحمراء يا رفيقةق!
إذاً كان الاستبداد كمنتِج لثقافة الخوف والتسلط عاملاً أساسياً حال دون وجود ثقافة حزبية ناضجة في سوريا.
الحياة السياسية في سوريا الثورة
في الوقت الذي نشأ فيه جيل سياسي كامل على الخوف من العمل السياسي وكان بديله العمل السري، أوجد الجيل السوري الشاب؛ والذي كان عماد الثورة ومكونها الرئيسي، مجالاً مختلفاً للعمل عند انطلاقة الثورة السورية. وكان الأسبق في أخذ زمام المبادرة بالدعوة للمظاهرات، حيث طور وسائل للمشاركة غير التقليدية باستخدام الفضاءات الافتراضية. وقام عبر لجان التنسيق وعلى مدى عدة أشهر بخلق حركة حقيقية قوية في الشارع، تمكنت من صنع ثورة تنادي بإسقاط النظام، وما يعكس أهمية الحراك الافتراضي في نقل الحركة أو الوعي على الأرض هو الخوف الذي أبداه النظام منها، وقيامه بقطع خدمات الإنترنت والاتصالات.
هؤلاء الشابات والشباب كانوا وقوداّ الثورة ومحركيها ومتخذي قراراتها الأولى، لكنهنم لم يكونوا أبداً سياسياتها وسياسييها والمتحكماتين بمجرياتها.
حيث أفرزت الثورة السورية عدداً من المجالس والهيئات والتكتلات السياسية ذات الأيديولوجيات المختلفة، من «المجلس الوطني السوري» عام ٢٠١١، في مدينة اسطنبول التركية إلى «الائتلاف الوطني السوري» الذي تم تشكيله في أواخر عام ٢٠١٢ و«هيئة التفاوض السورية» في ٢٠١٥ في العاصمة السعودية الرياض، مروراً بأحزاب وشخصيات سياسية كثيرة.
لم تستطع هذه الكيانات المعارضة أن تخلق مناخاً ديمقراطياً بداخلها يسمح للشابات والشباب بالصعود في السلم التنظيمي أو إضافة الأفكار الجديدة، فضاقت هذه الأحزاب بمن فيها. وشكلت منصات التواصل الاجتماعي برلماناً مفتوحاً للناشطات والنشطاء الثورياتين يحمل أصواتاً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يتناول ويتفاعل مع مختلف القضايا في الساحة السورية دون أن يكون له صوتاً يسمع.
شيخوخة مبكرة للعمل السياسي الثوري
لم تكن المعارضة السورية منفصلة عن حركات الاحتجاج الشبابية بل كانت تتفاعل معها وتدعمها، لكنها لم تتخل عن شيخوخة خطابها ورموزها وبرامجها، بل وجدت في الثورة فرصة لتجديد دورها، وعلى ما يبدو صناعة الأبد الخاص بها، حيث استفادت من تعثر الخطوات الأولى لجيل الشباب الذي لم يمارس السياسة إلا عبر التنسيقات واتحاداتها وغياب الخبرة والتجربة لديهنم، لتطرح نفسها كممثل عن ثورة السوريات والسوريين من جيل الشباب الذين تعرضوا للتهميش قصداً في الوقت الذي كانوا فيه متحفزاتين للانخراط في الحقل السياسي، وطامعاتين بمساعدة هذه القوى والشخصيات ذات التاريخ النضالي الطويل على تعلم السياسة وممارستها وربما احترافها لكنهنم وجدن/وا أنفسهنم أكثر ثورية وأقل سياسة! حاولت الناشطات والناشطون الثورياتون البحث عن صيغة مناسبة لتوحيد صفوف المعارضة فنشأت تشكيلات ذات فعالية محدودة في المشهد السياسي العام منها (حركة معاً، وائتلاف اليسار السوري، وتيار مواطنة، وتيار بناء الدولة، وحزب وعد، والبرلمان الشبابي السوري الذي كان هدفه فرز قيادات سياسية شبابية لكن المشروع تم اخماده).
لا يخفى علينا أن النظام الديكتاتوري هو السبب الرئيس في ابتعاد الشابات والشباب عن العمل السياسي. كما أن أزمة المشاركة الشبابية في الحياة السياسية بعد الثورة تكمن في أن هذه الأخيرة لم تصل بعد إلى درجة النضج وفهم معنى الحزب السياسي، وبأن ممارسة العمل السياسي ليست عيباً أو حكراً على أحد.
وفي ظل هذه الانقسامات أصبحت أولويات الجيل الشاب مختلفة، ففي حين يبحث البعض عن فرصة لترتيب حياته والخروج من الفقر، يبحث آخر عن موطئ قدم داخل مؤسسات المجتمع المدني والانخراط في العمل التطوعي كبديل لكون هذه المؤسسات تقترب من قضاياه، ويسعى آخر للبحث عن قنوات للمشاركة السياسية في بلدان لجوئه، وهناك بعيد يؤثر العزلة.
إن كل ما يجب أن تسعى إليه القيادات السياسية الحالية هو تفعيل الدور الشبابي، وعدم الاستمرار الممنهج في تجاهل هذه الأصوات، والعمل على فتح قنوات ما بين الجيل السياسي القديم والجيل الجديد، ونذكر هنا أن الحركة السياسية النسوية السورية الجامعة للجيلين بمؤسساتِها، وعضواتها وأعضائها، بادرت باستقطاب الشابات والشباب لتأهيلهنم سياسياً، وقد تبنت مبدأ في تمكين الشابات والنساء سياسياً عبر ما يسمى التدريب عبر التجريب، اقتناعاً منها بأن الخبرة تأتى مع الممارسة، وأن الصبر على الجيل الشاب ضروري ليأخذ فرصته بإجادة التجريب والتعلم من الأخطاء واستلام دفة القيادة.
كما ينبغي على الائتلاف الوطني أن يعترف بمجالس المحافظات داخل سوريا كشريك في القيادة السياسية، ويسعى إلى تمكينها ومنحها امتيازات للقيام بهذا الدور، بدلاً من التعامل معها باعتبارها ذراعاً تنفيذية وحصر دورها بالخدمي.
وأخيراً، على النخبة الشبابية المهتمة بالسياسية المطالبة بدور أكبر من المراقبة والتعليق على الأحداث اليومية والتفاعل سلباً وإيجاباً مع ما يحصل على الساحة السورية، وعليها أن تنتقل نحو الممارسة السياسية بأدوات السياسة المعروفة. فصاحبات وأصحاب المصلحة يتحدثنون عن أنفسهنم، ولا يتحدث غيرهنم عنهنم.
شاباتنا وشبابانا متظاهراتين وبالقرب من الغارات، متطوعاتين ومسعفاتين، ناشطاتين ومصوراتين وساسة وصاحبات وأصحاب مشاريع، وأخذهنم على محمل الجد ضرورة ملحّة، وليس خياراً…
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة