الحركات النسوية في العالم وسوريا
- updated: 7 مايو 2020
- |
*شمس عنتر
تعتبر بداية القرن العشرين علامة فارقة بالنسبة لتعليم الإناث، فقد حملت معها بذور تعليم الفتيات، في المراحل الأولى بين العامة، والمراحل الجامعية عند الطبقات البرجوازية، مما سمح لاحقاً بتوفير ملايين فرص العمل للنساء، وبسبب ظروف الحرب العالمية الثانية 1939-1945، توجهت ملايين النساء إلى سوق العمل ومارست شتى الأعمال حتى التي كانت محظورة عليهنّ، مثل انضمامهن لصفوف المقاومة بسبب نقص عدد الرجال خلال الحرب. وساعدت الحكومات حينها، بإيجاد حضانات للأطفال لتسهيل عمل الأمهات ومعيلات الأطفال خارج المنزل، لكن في خمسينيات القرن، وبعد استقرار أوضاع أغلب الدول، بدأ الإعلام بلعب دور سلبي وتوجه للنساء عبر إعلانات تأطرهن داخل بيوتهن.
كانت النساء بحاجة إلى دعم معنوي، فجاءت صرخة “سيمون دو بوفوار” مدوية في كتابها الموسوعي، “الجنس الآخر” 1949، هذا الكتاب الذي ساهم ببدء حوار حول نشأة الحركة النسوية الغربية، وفيه تناقش الكاتبة سؤالين مركزيين: كيف وصل الحال بالمرأة إلى ما هو عليه بأن تكون الآخر، ولماذا لم تتعاون النساء وتعمل جنباً إلى جنب لمواجهة الواقع الذكوري الذي فُرض عليهن. وفي عام 1970 كان للكاتبة والفيلسوفة والناشطة السياسية “دوبوفوار”، دور في إطلاق حركة تحرير المرأة.
أما الحادثة التي أشعلت شرارة لحراك النساء فكانت تجرأ تلك المرأة السوداء “روزا باركس” عام 1955، على الجلوس في مقاعد الحافلات المخصصة لذوي البشرة البيضاء في ألاباما بالولايات المتحدة، ورفضها التخلي عن مكانها لهم رغم التحذير، وقد اعُتبر هذا تمرداً وكانت سبباً لحدوث المواجهات بين ذوي البشرة البيضاء وذوي البشرة السوداء، وانضمام بعض “البيض” إلى “السود”، أعطى للحركة طابعاً إنسانياً وجعل منها حركة ضد السلطة المستبدة.
بعدها، جاءت صرخة “بيتي فريدان” لتمهد الطريق للمنظمات النسائية حين نشرت كتابها (اللغز الأنثوي عام 1963) والتي تبدأ خلاله رحلة البحثعن الذات، ذات المرأة كإنسانة والتي تقودها إلى رؤية فضاء الفكر الذي يؤدي إلى تحريرها، لاقى الكتاب صدى في الأوساط الثقافية وأسست “فريدان” بعدها المنظمة القومية للمرأة في أمريكا. تتابعت الحركات النسائية في كل بقاع العالم، وجاء الإضراب الذي دعت إليه “بتي فرين” عام 1970 للاحتفال بالعيد الخمسين لحصول المرأة على حق التصويت الذي لاقى تجاوباً كبيراً، وكان بحق عام تحرير المرأة الأميركية، حيث أقر مجلس الشيوخ بعد سنتين، تعديل الحقوق المتساوية في الدستور الأمريكي الذي يحرم التميز على أساس الجنس والذي بطل عام 1982 وأعطى المرأة الحق بالإجهاض.
في إفريقيا عانت النساء من عنف شديد، حيث كنّ تعتقلن وتلدن تحت الحراسة الشديدة، ويُنتزع منهنّ أطفالهن بمجرد ولادتهم. ومن أشهر النسويات الإفريقيات الروائية النيجيرية “تشيماماندا أديتشي” التي تُرجمت أعمالها إلى ثلاثين لغة عالمية، من أشهر أقوالها “علينا جميعاً أن نصبح نسويين، وتلقب بـ “النسوية الأفريقية السعيدة، غير الكارهة للرجال والمحبة لملمع الشفاه، التي ترتدي الكعب العالي لنفسها وليس للرجال”.
في بريطانيا كانت “إيميلي وايلدينغ” ملهمة للنساء، فقد ضحت بحياتها لتلفت الأنظار إلى قضيتها حيث رمت بنفسها تحت حوافر حصان الملك “جورج الخامس” خلال سباق “الداربي” للخيول عام 1913، وكانت مع جماعة النساء اللواتي تطالبن بحق المرأة في الانتخاب والترشح. وفي ربيع 1968 أضربت عاملات مصانع “فورد” في مدينة داغنهام البريطانية، ضد التمييز في الأجور بينهن وبين الرجال، وطالبنّ بالمساواة، واتهمت هؤلاء النساء بالشيوعية وكان يمارس عليهن كل وسائل الترغيب والترهيب لوقف الإضراب، لكن الحركة استمرت وتمكنت العاملات من انتزاع قانون الأجر المساوي عام 1970.
في الهند شنت حركة المرأة حملة ضد القتل باسم المهر وحرق الأرملة حية بالنار مع زوجها الميت، وضد الاغتصاب ورفع الأسعار وضد إدمان الرجال للكحول والعنف الأسري. واشتركت المرأة الهندية بالنضال في الرابطة الإسلامية وكان نتيجة نضالها اختيار البيجوم “جاهانارا شاه نواز” عضواً في مؤتمر المائدة المستديرة في لندن 1932، وجاء الدستور الذي صيغ عام 1937 كتتويج لنضال المرأة الهندية وتم تحرير ٦٠ مليون امرأة وتخصيص مقاعد للمرأة في أغلب المجالس التشريعية.
وفي باكستان، قاد المنبر النسائي النشاط ضد قانون الشهادة، الذي يجعل شهادة المرأة في المحكمة تساوي نصف شهادة الرجل، ووصلت المرأة الباكستانية للعمل في مجال الطاقة الذرية، مثل الدكتورة “أمينة رحمان” ، و”حجاب امتياز” و”روكسانا رضا”، وانشئ عام 1948الحرس الوطني لنساء باكستان، وكذلك فرق بحرية وسميت البيجوم “شايستا إكرام” مندوبة عن بلادها في جمعية الأمم المتحدة. تعتبر باكستان بلد التناقضات الصارخة، وخاصة إذا تعلق الأمر بالنساء، ففي عام 1988 تم انتخاب “بناظير بوتو” لمنصب رئيسة الوزراء، وفي عام ٢٠٠٧ قُتلت الوزيرة “زيل إي هوما” لانخراطها بالسياسة ولباسها “غير المناسب” كما صرح قاتلها، والوزيرة “نيلوار بختيار” التي أصدرت فتوى ضدها لمجرد أنها احتضنت مدربها بعد تحقيق نجاحها بقفزة مظلية، مما أجبرها على الاستقالة من منصبها. وتعرضت الناشطة “ملالا يوسفزي” لمحاولة اغتيال من قبل تنظيم “طالبان”، وبعد نجاتها برز نجمها كناشطة اجتماعية ونسوية، حيث أسست منظمة تعليمية وألفت كتاباً بعنوان “أنا ملالا”، وحازت على جائزة نوبل للسلام عام 2012.
أما في إيران بدأت مطالب حراك النساء بتأسيس مدارس للفتيات وإلغاء المهور الغالية، وفي عام 1907 نظمت النساء المؤتمرات ورفعن العرائض ومطالبات للبرلمان والحكومة للحصول على الموافقة لتأسيس مدارس للفتيات، وكتبن المقالات في الصحفوخاطبن رجال الدين الدستوريين المعارضين لتعليم النساء في محاولة لإقناعهم، وكانت أولى مدارس تعليم البنات قد أنشئت على نفقة النساء المؤسسات الشخصية والرسوم على نفقة الطلاب، حتى عام 1918 وتحت ضغط الناشطات، بنت الحكومة مدارس لتعليم الفتيات وتطورت بعد ذلك المطالب إلى الاعتراضات على بعض قوانين عدم المساواة والزواج القسري. ومن الرائدات في هذا المجال، “عصمت مستوفي أشتياني”، التي كانت تكتب تحت اسم مستعار “طايره” وأخذت مطالب الإيرانيات بالتطور، كرفض فرض الحجاب، ومن أبرز الناشطات في هذا المجال: “أفسانة نجم الدين”، و”شهناز آزاد”، و”شيرين عبادي” والمحامية “نسرين ستوده”، وغيرهن.
في الأرجنتين حين استلمت “إيزابيل بيرون” رئاسة الجمهورية، اعتبرت الإنجاب واجباً وطنياً، وأصدرت مرسوماً يمنع بيع وسائل منع الحمل، وهذا من الأسباب التي جعلت الناشطات تخرجن إلى الشوارع مطالبات بإلغاء المرسوم. ولم يتوقف الحراك رغم الانقلاب العسكري سنة 1987، وقد أدى لسجن 2000 شخص واختفاء 30000 شخص في عهد الديكتاتورية 1976-1982، حين تجرأت مجموعة من الأمهات على الاجتماع أمام مبنى الحكومة في “بلازا دي مايو”، وواجهنّ الاضطهاد والضرب والموت، ثم تشكلت جماعة “الجدات” للبحث عن أحفادهن، وقد ألهمت هذه الحركة النساء في كل العالم لمواجهة الأنظمة الفاشية. وجاء المؤتمر الخامس لنسويات أمريكا اللاتينية والكاريبي، حيث خرجنّ بإعلان “سان برناردو”، الذي دعا إلى ضمان الحق في الوصول إلى الإجهاض ووسائل منع الحمل بشكل آمن.
وفي ألمانيا، برز اسم الإعلامية “أليس شفارتسر” التي أثرت على مجرى تاريخ النساء في ألمانيا، فقد ألّفت ٢١ كتاباً، أشهرها (الفرق الصغير وعواقبه الكبيرة) وترجم إلى 11 لغة، وأصدرت أول مجلة نسائية عام 1977 باسم “إمما”، وكان لها دور في تعديل القانون 218 والذي يقضي بجعل النساء سيدات أنفسهن.
وللحركة النسائية الروسية تاريخ عريق، فقد تزامنت مع الوعي الطبقي للبروليتاريا، وكانت تشارك بكل الإضرابات والمظاهرات، إلى أن لبت الحكومة القيصرية حظر العمل الليلي للنساء والأطفال، ودخل حيز التنفيذ عام 1885، وكانت الحركة تزداد قوة وتنظيماً مما جعل قوة الطبقية تزداد في أوساط البروليتاريا النسائية حتى بداية القرن العشرين، حيث تجذرت الماركسية داخل الطبقة العاملة الروسية لكن عدد النساء أصبح يقل، لأن النشاط بدأ يتطلب المرأة المثقفة والجامعية وكانت أغلب النساء حينها عاملات وفلاحات، حتى قيام ثورة 1905، مما جعل المرأة الروسية تستيقظ من سباتها العميق. وجاءت ثورة أكتوبر 1917 لتمنح المرأة حق المواطنة، وتم تشكيل أول اتحاد نسائي. وكان ضمن قياديات تلك المرحلة “أنيسة ارماند” و”ألكساندرا كولنتاريا” التي كان لها ولزميلاتها تأثير كبير في التاريخ السوفيتي. وفي روسيا الراهنة لا يطرح موضوع مشاركة المرأة في العمل السياسي، لأنه يعتبر تقليداً قديماً فمجلس “الدوما” مليء بالنساء من كافة المناطق الروسية.
من أهم نتائج ذلك الحراك النسوي العالمي، الاتفاقية الدولية “سيداو”، للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعتبر مشروع قانون دولي لحقوق المرأة تتألف من مقدمة و30 مادة، يحدد فيها أشكال التمييز ضد المرأة، وقد أدخلت حيز التنفيذ عام 1980، إضافة إلى إقرار يوم عالمي للمرأة في الثامن من آذار، وتم اختيار هذا التاريخ، تكريماً لذكرى النساء الروسيات اللواتي خرجن للتظاهر بسبب ظروف الحرب، لتعلنّ إضرابا تحت شعار من “أجل الخبز والسلام” في آخر يوم من شباط، وقد وافق يوم الثامن من آذار في التقويم الميلادي موافقة القيصر على منح حق التصويت للنساء كنتيجة لذلك الاضراب.
أما في سوريا برزت “مريانا مراشي” كرائدة نسوية، فقد كتبت في عدد من الصحف عن تحرير النساء منذ عام 1870، تلتها “ماري العجمي” التي أسست مجلة “العروس” عام 1910، و”عادلة الجزائري” التي نشطت في جمعيات النساء التي تهدف للمطالبة بحقوقهن. من أولى الجمعيات ذات الطابع السياسي، كانت جمعية “النساء العرب القوميات” التي طالبت بالحقوق السياسية للمرأة، وكان لـ “سامية المدرس” دوراً فعالاً فيها عام 1948.
في عام 1967، كان الاتحاد النسائي نشطاً لكن مع استلام حافظ الأسد السلطة 1970، أصبح هذا الاتحاد منظمة شبه حكومية وتابعة للسلطة، وبعد استلام بشار حافظ الأسد للرئاسة عام 2000، بقي الاتحاد منضوياً تحت عباءة السلطة. ولم يخل الأمر من المبادرات الفردية مثل “حنان نجمة”، التي كان لها صالون ثقافي خاص في دمشق عام 1980، وكانت تطالب بتحسين ظروف النساء والأطفال في سوريا. وفي عام 2003 تشكلت لجنة سيدات الأعمال السوريات.
في عام 2011 خرجت الثورة في سوريا على كل شيء، حيث نزلت النساء إلى الشوارع وشاركنّ في التنسيقيات وظهرت الكثير من المنظمات النسائية في الداخل والخارج، إلا أن تمدد الفكر المتطرف وظهور الحركات المتشددة، أثر سلباً على الحراك، حيث جمدت الكثير من تلك المنظمات وأخذ عددها بالتقلص.
ثم تأسست “الحركة السياسية النسوية السورية” بحضور 28 سيدة سورية، في مدينة باريس تشرين الأول من عام 2017، مما جدد الأمل بالمضي نحو تفكير حر وديمقراطي، لحصول المرأة على كامل حقوقها. فمن أهداف الحركة، بناء سوريا كدولة ديمقراطية حديثة قائمة على أسس المواطنة المتساوية.
*المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة