السوريات والسوريون في ألمانيا بين الصدمة والتضامن
- updated: 10 سبتمبر 2024
- |
*كبرياء الساعور
(في مدينة الحب زولينغن حيث حل الشر، نحن نقف إلى جانبكم. من سوريا إلى ألمانيا.. نرفض العنف والكراهية نحمل الحب في قلوبنا) كلمات لأغنية انتشرت على مواقع التواصل بعد حادثة زولينغن مباشرة.
بعد الإعلان عن هوية الشاب الذي ارتكب جريمة زولغين تصاعدت مخاوف اللاجئات السوريات واللاجئين السوريين الهاربين أصلا من العنف والاضطهاد في بلادهم.
هاجم شاب سوري في أواخر شهر آب الماضي مجموعة من الأشخاص كانوا يحتفلون في مدينة زولينغن الألمانية في الذكرى 650 لتأسيس مدينتهم، أودت الحادثة بحياة ثلاثة أشخاص كما أصيب ثمانية بجروح. ذكرت وسائل الإعلام أن الشاب “عيسى الحسن” من مدينة دير الزور قد وصل إلى ألمانيا قبل سنتين في عام 2022، وكان قد صدر بحقه قرار ترحيل بسبب ما يعرف ببصمة دبلن التي تقضي بإعادته إلى بلغاريا.
أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن العملية، حيث أفاد أن الشاب الذي نفذها قام بذلك انتقامًا للمسلمات والمسلمين في فلسطين وفي كل مكان في إشارة إلى الحرب على غزة، علمًا بأن هذا التنظيم الإرهابي ارتكب جرائم بشعة وأصبحت فظائعه معروفة بشكل واسع بحق آلاف السوريين وخصوصًا النساء.
من الجدير بالذكر أن ألمانيا تشهد حوادث طعن عديدة، لكن هوية القاتل كلاجئ أججت الجدل المشتعل أصلاً في المجتمع الألماني، حول الهجرة وسياسات اللجوء، على أعتاب الانتخابات حيث يبدو أن اليمين المتطرف يحاول أن يستغل هذه الحادثة من أجل زيادة حظوظه في الانتخابات المرتقبة، ويشن هجوم على الائتلاف الحاكم ويتهمه بالفشل في حماية المواطنات والمواطنين.
ما هي تداعيات هذه الحادثة على سياسات اللجوء وحقوق اللاجئات واللاجئين، وأثارها السياسية على الأحزاب السياسية والمجتمع الألماني؟
تعتبر ألمانيا دولة أساسية ومحورية في استقبال اللاجئات واللاجئين في الاتحاد الأوروبي، حيث استقبلت قرابة مليون لاجئ/ة سوري/ة بالإضافة إلى جنسيات أخرى، وفي الحديث عن تنوع تركيبة اللاجئات السوريات واللاجئين السوريين تشير الإحصاءات إلى أن الطبيبات السوريات والأطباء السوريين يأتون في مقدمة الأطباء المهاجرين إلى ألمانيا من حيث العدد.
في دراسة عن اللجوء في ألمانيا أجرتها مؤسسة ألمانية برتسلمان عام 2022، نشرت على موقع مهاجر نيوز كشفت الدراسة بأن قضية اللجوء تحمل أوجه إيجابية وسلبية، لكنها أشارت إلى تغير في مزاج المجتمع الألماني لجهة تقبل اللاجئات واللاجئين، فلقد قام مئات الآلاف من الأشخاص في ألمانيا بمساعدة الفارات والفارين من الحرب في سوريا وبلدان أخرى من أجل العمل على دمجهم واستيعابهم في ألمانيا.
كما يرى كثيرون من الألمان بحسب الدراسة أن الهجرة فرصة لمعالجة المشاكل الديموغرافية والاقتصادية في ألمانيا حيث تعالج الهجرة شيخوخة المجتمع من خلال استقبال طاقات عمل شابة وتقدم تعويض عن النقص في العمال المهرة.
كما أشارت الدراسة إلى أن حوالي ثلث العينة يعتقدون أن ألمانيا لا تستطيع أن تستقبل المزيد من اللاجئات واللاجئين، بالمقابل ذكرت الدراسة أن خمس من تم استطلاع رأيهم من السكان لديهم موقف رافض ومتشكك في قضية اللجوء. توصي الدراسة بأن النجاح في تحقيق اندماج اللاجئات واللاجئين في المجتمعات المضيفة بشكل أفضل يتطلب قوانين جديدة لتسريع عمليات اللجوء والاندماج، وتسهيل الاندماج في سوق العمل.
التداعيات السياسية لهذا الهجوم الإرهابي على الانتخابات والأحزاب السياسية، لم يتوقف تأثيره فقط على أحزاب اليمين المتطرف، بل أن أحزاب يمين الوسط بدأت بالتحول بضغط من المجتمع واليمين المتطرف باستخدام خطابات شعبوية.
تعمل الأحزاب السياسية خاصة اليمين المتطرف على توظيف هذه الجريمة لخدمة حملاتها الانتخابية، الأمر الذي دفع يمين الوسط إلى التأكيد على تشديد سياسات اللجوء وتنفيذ مخططات الترحيل، في ظل سجال إعلامي وسياسي في ألمانيا انعكس على خطابات الأحزاب السياسية، وباتت تدعو لترحيل اللاجئات واللاجئين المخالفين إلى أفغانستان وسوريا مع ما يحمله هذا من أخطار على المرحلين.
بالمقابل هناك أحزاب وسياسيات وسياسيين طالبوا بعدم استغلال هذه الحادثة لأغراض سياسية وبتجنب تعزيز الكراهية ضد اللاجئات واللاجئين.
وفي ظل الركود الاقتصادي تواجه اللاجئات واللاجئون والمهاجرات والمهاجرون تحديات أكبر في اندماجهم في المجتمع، خاصة أنه بعد 7 تشرين الأول زادت حالات التمييز ضد اللاجئات واللاجئين، وارتفعت نسبيًا التوترات العرقية والدينية.
إن التركيز على اللاجئات واللاجئين فقط لا يعكس الصورة الحقيقية للأحداث، ولا يقدم حل فعلي. إن دولة مثل ألمانيا هي دولة القانون حيث ينص الدستور الألماني على أن الكرامة الإنسانية حق لكل إنسان دون تمييز ويدعو للحفاظ على الحقوق الأساسية والمساواة، فهذا النوع من الخطاب له تداعيات على التعايش والتماسك الاجتماعي في ألمانيا.
إن الاندماج هو أحد أهم الطرق للحفاظ على التماسك في المجتمعات وأمنها وسلامتها.
ترى خبيرات وخبراء بالاندماج بأنه ينبغي ألا تترك الشابات والشبان المهاجرين القادمين من بلاد شهدت حروباً للحرمان من فرص الاندماج، وبدون متابعة ودعم نفسي.
لذا فإن تحسين شروط الاندماج الاجتماعي للاجئات واللاجئين والمهاجرات والمهاجرين في توفير فرص التعليم الجيد، والحصول على فرص عمل، وتحدي حواجز الاندماج والسعي لتمكين اللاجئات واللاجئين من التفاعل مع المجتمعات المحلية المضيفة لبناء الثقة، وبذلك تكون اللاجئات واللاجئين مكسبًا فعليًا لتحقيق ازدهار المجتمع.
الخشية من الوصمة
عندما تقع جريمة في أحد بلدان اللجوء تتساءل السوريات والسوريون بهلع عن هوية المجرم، ومن خلال إلقاء نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي للاجئات السوريات واللاجئين السوريين في ألمانيا، نلمس المخاوف وتصاعد القلق والتوتر عقب هذه الحوادث والخوف من اتهام جميع اللاجئات واللاجئين، بعد أن فروا من بلادهم للبحث عن مأوى آمن وفرص حياة أفضل، لكن وصم اللاجئات واللاجئين يعود إلى تشويه الصورة العامة وانتشار الأخبار المزيفة، فعندما يرتكب شخص معين جريمة ينبغي ألا يتم تعميم الشكوك والانتقادات على جميع اللاجئات واللاجئين.
التضامن مع ضحايا العملية الإرهابية
شهدت ألمانيا تجاوبًا مؤثرًا من اللاجئات واللاجئين، وشاركت السوريات والسوريون في ألمانيا من شرائح مختلفة في وقفات إنسانية للتضامن مع عائلات الضحايا، كما نفذوا العديد من الوقفات الصامتة حدادًا على أرواح الضحايا للتعبير عن شعورهم بالألم والحزن نفسه الذي يشعر به المجتمع الألماني، حيث نشرت ناشطات سوريات وناشطون سوريون دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إحداها تحت عنوان: (نحن سوريون نحب ألمانيا وندين أي انتهاكات ضدها) في محاولة للتأكيد إن هذه الجريمة الإرهابية موجهة ضد الإنسانية وضد كل الأديان، هذا يظهر رغبة اللاجئات السوريات واللاجئين السوريين بالأمان والسلام.
إن هكذا حوادث يمكن أن تكون فرصة سانحة للتأكيد على توحد الجميع والوقوف معًا في مواجهة الإرهاب والعنف.
إن مشكلة ألمانيا ليست مع المهاجرات والمهاجرين واللاجئات واللاجئين، وإن التركيز عليهم لا يأتي بالحل، كما أن السلام والأمان حق للجميع بغض النظر عن ديانتهم أو جنسيتهم. لذا يجب التأكيد أن أي إجراءات في مواجهة هذه العمليات الإرهابية والجرائم، يجب أن تتم دون مس التماسك الاجتماعي، أو تحميل اللاجئات واللاجئين عبء ذلك، بل ينبغي أن تكون حقوق الإنسان متضمنة في جميع الأوقات وفي قلب أي إجراءات في سياق مكافحة الإرهاب.
لا بد من العمل على تعزيز أعمال التضامن والاعتراف باختلافاتنا الثقافية، في الوقت الذي نقر فيه بتماثلنا وأن قضيتنا واحدة، إن بناء التماسك والتلاحم الاجتماعي عبر التضامن اليوم هو الأمل المرجو، وبمثابة وسيلة حيوية في هذه المرحلة التاريخية بينما تستحوذ على العالم مشاعر الوحشة والاغتراب، من المهم بناء التضامن والعمل على تعزيز التسامح في المجتمعات وبين الثقافات المختلفة لتوسيع التضامن الإنساني.