العنف؛ وسيلة النظام لوقف الاحتجاجات في السويداء
- updated: 9 ديسمبر 2022
- |
*سحر حويجة
كل وسائل الاحتجاج التي عرفتها البشرية، عاجزة عن التعبير عما يعتمل في قلوب وصدور السوريات والسوريين، وهم يتجرعون كؤوس الموت من وجع وجوع وكآبة وقهر الزمن، وخوف من حاضر ومستقبل غامض. بركان يمتد عميقًا في القاع ممنوع من الانفجار، يمنعه العجز وانعدام الخيارات، في وجه سلطة هي الأخرى تبدي عجزها إلا من سطوتها وقدرتها على القمع، معلنة على الملأ ومن دون خجل أنها طرقت جميع الأبواب في سبيل تأمين الطاقة من دون جدوى.
السلطة تخاطب العالم، لينظروا إلى حال الشعب السوري كيف يعيش محروماً من أبسط مقومات الحياة، مهدداً بالموت برداً وجوعاً، والسبب العقوبات الدولية، يطالب العالم بزيادة المعونات الإنسانية لإنقاذ الشعب ورفع العقوبات الاقتصادية والبدء بالإعمار، وأن الحل يمر عبر دعم النظام من دون شروط، هذا الموقف المدعوم من إيران وروسيا بهدف تعويم النظام، يجد صداه لدى الدول تبعًا لمصالحها، كبعض الدول العربية التي فشلت في تعويم النظام، وتركيا التي أبدت استعدادها للقاء مع النظام على مستوى الرئاسة في سياق المفاوضات الجارية لحل مشكلة الحدود مع الأكراد، حيث تتفق تركيا مع النظام وروسيا في إحلال قوى النظام مكان قسد لضمان أمن الحدود التركية وتفعيل اتفاقية أضنة. عارضت أمريكا وطالبت بتنازلات من قبل النظام للسير بالمفاوضات عبر جنيف، روسيا من جانبها تساوم أمريكا في تصريح لافت، حيث أنها ربطت المفاوضات والتنازل بالملف الأوكراني مقابل التنازل بالملف السوري من قبل أمريكا والغرب. ويبدو جليًا أن النظام غير مستعجل لحل الأزمة، حيث يضع شروطًا للقاء مع أردوغان إلى ما بعد الانتخابات التركية.
الأوضاع الاقتصادية التي وصلت ذروتها مع أزمة الطاقة، تهدد إلى تعطيل المرافق الاقتصادية والتعليمية وانهيار العملة وزيادة جديدة في الأسعار. لن نبالغ القول إن الوضع أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، يمنعها ويؤجلها قوة القبضة الأمنية، وتشظي المجتمع والانقسامات المناطقية، وغياب مبادرات المعارضة وضعفها. الاحتجاجات التي تأخذ طابعًا فرديًا تنتشر على مستوى واسع وهي أحد أشكال التنفيس المسموح به، أما التجمع والتظاهر ممنوع وعواقبه وخيمة، لكن لدى الجميع قناعة أن النظام عاجز عن تقديم حلول، بل يواجه النظام الوضع بمزيد من التخبط وإصدار القرارات غير العقلانية وغير المدروسة المعادية للمجتمع، التي تؤدي إلى المزيد من إفقار الشعب السوري واستنزاف طاقاته، وتحميله أعباء الأزمة الاقتصادية والحصار الاقتصادي كاملاً، لمد الخزينة وتأمين موارد نفقاته على التسليح ودفع الرواتب، حتى تفتقت عبقرية النظام على يوم عطلة إضافي كل أسبوع خلال هذا الشهر لتوفير الطاقة. كما يعمل النظام جاهدًا على إقناع المجتمع أن الحصار الاقتصادي والمؤامرة الدولية هي السبب وراء بؤسه وفقره. مظاهر الفساد والاحتكار والرشوة وانتشار المخدرات والجريمة يعرفها حتى الأطفال.
نتيجة ذلك؛ كلما خفت القبضة الأمنية عبرت الاحتجاجات عن نفسها بقوة أكبر، والمثال الواضح على ذلك الاحتجاجات التي تتكرر في الجنوب السوري، درعا والسويداء، على الرغم من أهمية هذه المنطقة الحدودية للنظام وحلفائه لكنها تعتبر خاصرة رخوة وهشة، مناطق يصعب السيطرة عليها بقوة، في مناطق درعا يعتمد النظام على العملاء المزروعين في الأحياء حيث يكونون أهدافًا للقوى المسيطرة على الأرض، وتشكل الاغتيالات ذريعة للتصعيد العسكري من قبل النظام عبر القصف الصاروخي والجوي، كما يجري حاليًا في منطقة طفس، تحت وقع الضربات الجوية الصاروخية تجري المفاوضات، يطالب النظام في إخراج وتسليم شخصيات متهمة بالاغتيالات ومطلوبة من النظام، في المقابل يطالب الأهالي بابتعاد النظام عن حدود طفس. لذلك تتميز الاحتجاجات بطابع دفاعي وعدم الرغبة في تواجد قوى النظام.
أما السويداء التي عصت أوامر النظام ورفض شبابها التجنيد في صفوف الجيش، منذ عام 2011 حيث انسحب الجيش السوري حينها، تاركًا وراءه حالة من الانقسام المجتمعي، بين موالاة تمثلهم فئة من الزعماء المرتبطين بأجهزة الأمن، تم تكليفهم بإدارة المدينة، ومعارضة تفتقر إلى القيادة على الأرض، خسرت الكثير من كوادرها بالاعتقال واللجوء والهجرة خوفًا من بطش النظام، أثناء الحرب سيطرت حالة من الحياد، بعد رفض خمسون ألف شاب من السويداء التجنيد في جيش النظام، انضم قسم كبير منهم إلى صفوف الفصائل المسلحة، التي انقسمت بين فصائل ركزت جهودها على حماية السكان المحليين، من هجمات داعش ومن حملات اعتقال النظام، وحماية الشباب الممتنعين عن الخدمة الإلزامية، وعملت على ضبط الأمن الداخلي، أشهر هذه الفصائل وأكثرها نفوذاً حركة رجال الكرامة. كما تنتشر فصائل موالية للنظام تتألف من قوات الدفاع الوطني بالتنسيق مع رجال المخابرات، في مركز محافظة السويداء، تقوم فكرتها على تطويع الشباب في صفوفها كبديل عن الخدمة الإلزامية، إضافة لعدد من المجموعات المسلحة المزروعة في مختلف المناطق، مدعومة من أجهزة الأمن وإيران يقومون بترويع السكان وأعمال الخطف والسرقة.
حاول النظام وروسيا التدخل في السويداء بذريعة محاربة داعش، عبر تسهيل انتقال مقاتلي جيش خالد بن الوليد المبايع لداعش، من حوض اليرموك باتجاه بادية السويداء، في تموز 2018 حيث تسللت داعش من البادية الشرقية إلى مدينة السويداء دارت معارك طاحنة راح ضحيتها مئات المدنيات/ين وانتهت إلى هزيمة داعش.
عملت روسيا، أن تكون فاعلاً رئيسيًا في ملف السويداء، لإدراكها صعوبة الحسم العسكري من قبل النظام، حيث أجرت لقاءات مع وجهاء الدروز، وتدخلت في قضية الإفراج عن المختطفين، وعملت على تأسيس تشكيلات موالية لها تغريهم بالمال، وجندت الشباب في الفيلق الخامس عشر، على أن تكون خدمتهم في السويداء. كما عملت إيران أيضًا على زيادة نفوذها في السويداء، عبر تجنيد الشباب في صفوف ميليشياتها، في مساعيها للنفوذ في الجنوب السوري.
الانقسام المجتمعي في المدينة عبر عن نفسه على المستوى المذهبي، وعلى المستوى العسكري، وعلى صعيد المجتمع المدني. كما يلاحظ في السويداء وجود قوى مستقلة عن بعضها، ومنقسمة على بعضها بين موالاة ومعارضة، بشقيها المدني والعسكري والديني، وسعي العسكري للسيطرة على المجتمع المدني في مناطق تواجده، وأيضًا لشيوخ العقل دور في هذا الانقسام وفي السعي للسيطرة.
يتمتع المجتمع المدني في السويداء باستقلال نسبي عن الضغوط الأمنية والقانونية من النظام، حظيت منظمات المجتمع المدني بحضور قوي، وأثبتت قدرتها على تلبية احتياجات ضرورية من مساعدات ووساطات أهلية.
أهم الاحتجاجات التي شهدتها السويداء:
منذ كانون الثاني 2020 عادت المعارضة للنشاط ضد النظام، وامتدت الاحتجاجات الشعبية لعدة أيام في كل من شهبا وصلخد ومركز محافظة السويداء تحت شعار “بدنا نعيش”. توقفت الاحتجاجات، بعد أن داهمت جائحة كورونا المجتمع السوري، وتم حجر الناس في بيوتهم.
خرج الناس من قوقعتهم بعد الإعلان عن انتهاء جائحة كورونا، وعادت انتفاضة السويداء بحلتها الجديدة، رافعة هذه المرة سقف شعاراتها، مطالبة بالحرية وبحل سياسي للوضع السوري، وطالبت بمحاسبة الفاسدين والحرامية. حاول النظام احتواء التطور، بمقابلة الشارع المعارض بشارع موالي، كرد على المتظاهرات/ين، بهدف إظهار تفوقه والتفاف الجماهير حوله، لكنه فشل في الحشد، إلى مسيرة تأييد هزيلة، تحت تهديد الموظفات/ين، استخدم النظام وسائل ضرب المجتمع ببعضه البعض، بعد أن أوعز إلى شبيحته بالاعتداء على المتظاهرات/ين، وتم اعتقال عشرة من الناشطين البارزين في الحراك السلمي، الذين شاركوا في المظاهرات في مركز المدينة، حيث تتواجد المراكز الأمنية في المحافظة. توقف الحراك على إثر الاعتقالات، بعد تدخل الوساطة للإفراج عن المعتقلين حيث كان وقف الحراك السلمي شرطًا للإفراج عن الموقوفين. كسب النظام الجولة وأوقف المظاهرات بقوة القمع وسلطة الوساطة الدينية.
في شباط 2022 تجددت الاحتجاجات كرد على قرار رفع الدعم عن شرائح واسعة من المجتمع السوري، حيث تميزت الشعارات بالمطالب الوطنية العامة، ولم تقتصر على شعار بدنا نعيش. رفضت المحتجات/ون، وجود مظاهر مسلحة أو وجود للفصائل بأسلحتهم، تمت مؤازرة المؤسسة الدينية ممثلة بعين الزمان للمحتجات/ين، أما في الاحتجاجات السابقة كانت المؤسسة الدينية تلعب دور الوسيط بين المحتجات/ين والنظام. رغم زيادة حجم المشاركات/ين في الاحتجاجات، وإن كان العنف هو الخيار المطروح أمام النظام، غير أن تدخل روسيا لدى المحافظ وإعطاءه أوامر بمنع قمع الاحتجاجات، يشير أن الخيار لم يكن بيد النظام حينها.
ولمنع تجدد الاحتجاجات عززت قوات النظام خلال كانون الأول الماضي وجودها العسكري في المحافظة بأعداد كبيرة، تابعة لقوى الأمن الداخلي والفرقة 15، بمناسبة تدشين مشفى السويداء الوطني.
تجددت الاحتجاجات في تموز من العام الجاري، في مواجهة العصابات المدعومة من أجهزة المخابرات التي تقوم بأعمال الخطف والقتل والاتجار بالمخدرات، وتعيث فسادًا وتخريبًا. أخطرها قوات الفجر بقيادة راجي فلحوط، بعد أن تلقت إنذارًا من حركة الكرامة بتسليم العصابات لنفسها، تحت طائلة الملاحقة إضافة لمن يؤويهم، بلغت حينها حصيلة الاشتباكات 17 قتيلاً و46 مصابًا، ومازال مصير فلحوط مجهولاً.
في 4 كانون الأول، بعد انتشار دعوات التظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على خلفية تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وسوء الخدمات وفقدان الطاقة، قطعت المحتجات/ون عدة طرق في المحافظة، وانتقلوا من دوار المشنقة إلى ساحة السير يهتفون لإسقاط النظام، قام حشد من المتظاهرين الغاضبين بعد استفزاز سيارة أمن للمتظاهرات/ين لتفريقهم باقتحام مقر مبنى المحافظة وأحرقوا صور للرئيس، وتم إضرام النار في المبنى وسط إطلاق الرصاص لتفريق المحتجات/ين. راح ضحية الأحداث شخصان، أحدهما محسوب على المحتجين، والآخر شرطي من قوى النظام، التي تحرس مبنى الشرطة المجاور لمبنى المحافظة حيث حاول المتظاهرون اقتحامه.
إن تحويل مظاهرة سلمية، كما أرادت الداعيات/ين لها قد تكون نواة وفتيلاً لحركة شعبية تستمر لفترة طويلة، وتمتد إلى مدن أخرى خارج حدود السويداء، هذا السيناريو لن يقبل به النظام أبدًا، وسوف تكون بداية النهاية بالنسبة لنظام عاجز عن تلبية أي من مطالب الشعب المحقة، التي تتعلق بتأمين الحد الأدنى للعيش، فالقضاء على الحراك في مهده هو الهدف حتى لا تمتد الشرارة.
أبدى عناصر النظام في مقاطع مصورة قدرة على ضبط النفس أمام المحتجات/ين بانتظار الأوامر التي أتت بعد إضرام النار بصورة الرئيس بمبنى المحافظة، ومع إحراق المبنى اختلطت الأوراق، ويأتي التساؤل ترى من له مصلحة بحرق المبنى وما يحتويه من وثائق قد تشكل ملفات فساد؟ أم أن حرق مبنى المحافظة والشرطة سلوك له دلالته الرمزية على دولة لا وجود لها إلا بهذا الهيكل دون فعل؟
لكن عملية الإحراق خلال تواجد المتظاهرين في المبنى يشكل خطرًا على حياتهم من حريق قد يحاصرهم ومن الصعب السيطرة عليه، وذلك إما يدل على أنه فعل أهوج غير مسؤول أو فعل مفتعل، وهو الأرجح في تصعيد من قبل النظام لإحراج المتظاهرات/ين وإدانتهن/م ومحاكمتهن/م وتخويف المجتمع من المشاركة في المظاهرات السلمية، ووقف الحراك. وبدلاً عن تلبية المطالب أعلنت وزارة الداخلية ضرورة ملاحقة المعتدين. لكن تم الدفاع عن المحتجين وبراءتهم من أفعال العنف والحرق من قوى مختلفة في السويداء، كما تسربت معلومات عن استدعاء القيادة في دمشق للمحافظ وإقالته من مهامه وتكليف أمر القيام بمهامه لنائبه. هل هذا القرار لإرضاء المجتمع والتضحية بمسؤول، لأن كل ما يهم النظام الآن أن تتوقف المظاهرات.
إن اتساع رقعة الاحتجاجات على مستوى محافظة السويداء في قادم الأيام، سوف يشجع مناطق أخرى على التحرك، والاحتجاج الذي نضجت أسبابه بعد أن وصل الاحتقان إلى الذروة بانتظار إشارات البدء، لاتساع وامتداد رقعة الاحتجاج حتى تصل إلى مناطق الساحل. من المهم الإشارة إلى أن النظام سيكون عاجزًا عن حل أزمته الاقتصادية وتحقيق مطالب المحتجات/ين، ولا سبيل أمامه سوى التنازل والولوج في التسوية وفق القرار 2254، وهذه إحدى مطالب المحتجات/ين في السويداء، لذلك مع عودة الاحتجاجات واتساعها سوف تعود الكرة مرة أخرى إلى الداخل السوري، لتكون رافعة لحل القضية السورية، وإعادة الاعتبار لدور المجتمع السوري في توجيه السياسة والتأثير على مواقف المجتمع الدولي وعلى مواقف النظام وعلى مواقف المعارضة. يحتاج ذلك طبعاً إلى الكثير من الجهد، لتنظيم العمل وقيادته وتوجيهه خارج الأطر والانقسامات المناطقية والطائفية.
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية