المأساة السورية وعلاقتها بالتوتر على الحدود البيلاروسية والبولندية
- updated: 16 نوفمبر 2021
- |
*صبا الحكيم
طالما استغلت قضية اللاجئات/ين السوريات/ين كورقة ضغط لجني مكاسب سياسية وتحويلها من قضية إنسانية إلى سياسية، تستغلها بعض الحكومات لتوظفها لخدمة أجنداتها وللضغط على الدول الأخرى لتحقيق مكاسب إما اقتصادية مثل لبنان وتركيا والأردن، أو عقائدية مثل إيران التي تسعى للتغيير الديمغرافي للتخلص من السنة وتوطين مليشيات شيعية بدلاً منهم ونشر المذهب الشيعي الجعفري لذلك تهتم بالتعليم وفتح الجامعات والحسينيات، أو مكاسب سياسية مثل روسيا وإيران ومؤخرًا بيلاروسيا.
روسيا مثلاً وظفت قضية اللاجئات/ين لعودتها كقطب عالمي وليكون لها وجود في المياه الدافئة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ولقطف ثمار تدخلها في الحرب السورية ولإعادة تأهيل الأسد ونظامه ودعت لعقد مؤتمر في عام ٢٠١٩ في دمشق لإعادة اللاجئات/ين إلى سوريا وبالتالي السماح بتدفق أموال إعادة الإعمار ومن ثم الاستحواذ على المشاريع لصالح شركاتها، ولكن المؤتمر فشل فشلاً ذريعاً.
مازالت القضية السورية تستغل لخلق الأزمات ولن يسود الأمن والسلام إلا إذا تم الانتقال السياسي إلى دولة القانون والمواطنة الكاملة لكافة مواطناتها ومواطنيها وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254. وكلما تأخر الحل كلما ازدادت الأزمات وزادت التعقيدات وانتقلت لمستوى أعلى من عدم الاستقرار وازدادت أعداد اللاجئات واللاجئين الذين يفرون من الجوع والخوف والاعتقال والقصف الذي مازال يمارس على المدنيات/ين وخطوط التماس وخاصة في الشمال الغربي لسوريا.
كل ذلك أدى إلى أزمة جديدة وهي أزمة اللاجئات/ين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا. أي على الحدود الشمالية للاتحاد الأوروبي حيث استغلت بيلاروسيا ورئيسها لوكاشنكو قضية اللاجئات/ين السوريات/ين والعراقيات/ين والافغانيات/ين واليمنيات/ين وبدأت بإعطاء تأشيرات دخول إلى بيلاروسيا ومن ثم يتم نقلهن/م إلى حدود بولندا أو لتوانيا أي حدود الاتحاد الأوروبي ليدخلوا إليه.
الأوروبيون يرون أن الأزمة الحالية افتعلها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي كرد فعل على العقوبات التي فرضت على بلاده عقب اتهامات لنظامه بتزوير الانتخابات وما أعقبها من قمع شرس للمعارضة.
يتواجد الآن حوالي خمسة آلاف لاجئ من الرجال والنساء والأطفال ومن جنسيات مختلفة على الحدود وفي الغابات يعانون البرد القارس ونقص المياه والطعام وغياب الرعاية الصحية ولقد تم تسجيل ما لا يقل عن عشر حالات وفاة.
صرح مسؤولون أوروبيون أن بيلاروسيا تعمل على ابتزاز الاتحاد الأوروبي وتقوم بعمل تهريب للبشر وتمنع اللاجئات/ين من العودة إلى بلادهن/م بعد أن تقطعت بهن/م السبل.
لقد تضامنت ألمانيا مع بولندا واتصلت المستشارة الألمانية ميركل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطلبت التدخل لوقف أعمال بيلاروسيا الغير إنسانية على الحدود البولندية، لكن رد بوتين بأن روسيا لا تستطيع فعل شيء وأن على الاتحاد الأوروبي التعامل مباشرة مع السيد لوكاشنكو، كما دعا إلى مساعدة بيلاروسيا بتقديم المساعدات والأموال للتعامل مع تدفق المهاجرات/ين واللاجئات/ين ورفع العقوبات.
وقامت بولندا بوضع أسلاك شائكة على طول الحدود مع بيلاروسيا وأرسلت جنود وقوات حرس الحدود لحماية حدودها وفي المقابل يوجد قوات وحرس حدود على الطرف المقابل، وهذا يخلق تخوف من افتعال مشكلة تؤدي إلى حرب شاملة.
وبتاريخ 11/11/ 2021 قامت القاذفات الروسية والتي تستطيع حمل رؤوس نووية بالتحليق فوق بيلاروسيا وعلى حدود الاتحاد الأوروبي لدعم بيلاروسيا. كما يوجد تهديد بوقف إمدادات الغاز الروسي الذي يمر عبر بيلاروسيا إلى أوروبا وهذا سيسبب أزمة وقود كبيرة.
لدى الاتحاد الأوروبي مخاوف من حدوث تبادل إطلاق نار على طرفي الحدود، وطبعاً إن من يدفع ثمن كل ذلك هن/م اللاجئات/ين الذين يتكبدون مصاريف بآلاف الدولارات للوصول إلى أوروبا هربًا من الاستبداد.
الاتحاد الأوروبي لديه عدة مشاكل إذ يجب عليه إظهار التضامن والوحدة بشأن حماية حدود الاتحاد والاستعداد للدفاع عنه والالتزام بالقانون الأوروبي وفي الوقت نفسه التعاطف مع الأزمة الإنسانية التي ت/يعاني منها اللاجئات/ون على الحدود ومن الصعب تجاهل الوضع الإنساني للنساء والأطفال والرجال في ظروف مناخية باردة جداً عالقين بين الأسلاك الشائكة البولندية وبين القوات البيلاروسية.
بولندا حاليًا بإدارة حكومة يمينية، وهي رفضت قبول المساعدة للاجئات/ين من الاتحاد الأوروبي، الذي عرض المساعدة في حراسة الحدود الخاصة بها وأن تسمح بإرسال موظفات/ين مختصات/ين بقضايا اللجوء لفحص المهاجرات/ين للحكم على مؤهلاتهن/م للحصول على اللجوء، وأصرت بولندا على إغلاق حدودها حتى لا يتم إرسال المزيد من المهاجرات/ين واللاجئات/ين.
الاتحاد الأوروبي يدعو إلى تطبيق عقوبات بحق المسؤولين البيلاروس وعلى شركات الطيران التي تقوم بنقل اللاجئات/ين من الشرق الأوسط وخاصة لبنان ودبي ودمشق إلى مينسك. ومازالت القضية مرشحه للتطور وقد تقود إلى صدام عسكري لا تحمد عقباه.
إن حكومات الدول المتدخلة في الشأن السوري لم تستجيب طوال العشر سنوات الماضية لطلب السوريات/ين بمساعدتهن/م لتحقيق انتقال سياسي وساعدت على بقاء نزيف الدم السوري، وتم تدويل القضية السورية وخرج الوضع من أيدي السوريات/ين وتشابكت المصالح ولم يعد من السهل تحقيق الاستقرار، كان واضحاً أن ما يحدث في سوريا سيؤثر على الأمن والسلم الإقليمي والعالمي ولكن عدم اهتمام الإدارة الأمريكية وأوروبا وترك الأوضاع تتفاقم وتدخل روسيا وإيران لدعم النظام وكسر إرادة السوريات/ين أدى كل ذلك لتدمير سوريا.
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية