المطالب النسوية في الحراك اللبناني
- updated: 4 مارس 2020
- |
*أسامة العاشور
منذ 17 تشرين الأول 2019، تتظاهر/يتظاهر اللبنانيات واللبنانيون من كافة المناطق احتجاجاً على فساد الطبقة السياسية الموجودة في الحكم
منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، والتي عجزت عن حل أبسط المشاكل المعيشية.
وقد شكّل حضور النساء في مظاهرات موجة الربيع العربي الثانية معلماً لافتاً، واستقطب حضورهن وهن يرقصن أو يغنين أو يهتفن أو يساهمن في تنظيم التجمعات في الشوارع الاعجاب والتقدير من قطاعات واسعة من المجتمع اللبناني والعربي وحتى العالمي واهتمام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في العالم كله.
وبالمقابل استفز هذا الحضور القوي قطاعات أخرى من المجتمع اللبناني، وصلت حد الاعتداء الجسدي على النساء من قبل مجموعات
القمصان السوداء وراكبي الدراجات النارية والميلشيات الطائفية التي تقف ضد الثورة أساساً، وتورط في ذلك أيضاً بعض جنود الجيش المفترض منهم الحفاظ على الأمن والنظام وحرية التظاهر كما ينص القانون اللبناني، ومثال ذلك الاعتداء المخزي على الثائرة “رفيف سوني” أمام ثكنة الحلو بتاريخ 15/1/2020 والتي فقدت خلاله بصرها وذاكرتها في حدث قد يبدو مغزاه العميق أن كسر المرأة لدورها النمطي أكثر خطراً على السلطات الأبوية من فقد بعض الامتيازات السياسية.
لم تقتصر مشاركة النساء بشكل واسع في التظاهرات، وإطلاق الهتافات وترداد الأغنيات بل نظمن التجمعات، وقدن الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبن بحل مشاكل البطالة والكهرباء، ووقف هجرة الشباب و”استرجاع الأموال المنهوبة” وإسقاط الطبقة السياسية الطائفية… الخ، كما طالبن أيضاً بحل مشاكلهن المزمنة مع القوانين المجحفة بحق النساء، كالأحوال الشخصية الطائفية والعنف الأسري وقانون الجنسية وغيرها.
وفي أحد مساءات الحراك وسط بيروت قرعت/قرع آلاف المشاركات والمشاركين على الطناجر لمدة ساعة وأكثر في مسيرة سلمية، مطالبة بحقوق المرأة مردّدين شعار “يا سلطة أبوية حق المرأة مش تفصيل“.
ما كان من الممكن لهذا الوعي في المجتمع اللبناني أن يظهر لولا سنوات من نضال الناشطات النسويات ودفاعهن عن حقوق النساء اللبنانيات في منح الجنسية لأولادهن، إذا تزوجن من أجنبي، والمطالبة بإقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية بدلاً من خمسة عشرة قانون أحوال شخصية حسب عدد الطوائف المعترف بها ولكل منها محاكم شرعية ومذهبية وروحية خاصة بها، تعتمد التفسيرات الذكورية للنصوص الدينية والتي تقوم على التمييز ضد النساء وتعطي الأولوية للأب في ما يتعلق بالزواج والحضانة والوصاية على الأولاد، كما طالبت النسويات بقوانين تسهل حصول النساء على حضانة أولادهنّ في حال الطلاق حيث يختلف سن الأطفال التي يحق للأم حضانتهم عندها في حال طلاقها من الأب بين مذهب وآخر. وينسحب الاختلاف هذا على الميراث وعلى السن الأدنى للزواج المسموح به قانونياً، مما يفتح الباب أمام زواج القاصرات ممن هنّ دون سن الـ 18 عاماً عند بعض المذاهب. وطالبت النسويات بقوانين تحمي النساء من العنف الأسري أو العنف المبني على التمييز الجندري، ورغم نجاحهن في حمل البرلمان على إقرار قانون خاص بالعنف الأسري في نيسان 2014 ولكنه جاء ناقصاً لا يوفّر الحماية للضحايا ولا الوقاية من العنف، وإنما يوقع العقوبة في حق المعتدي بعد حصول الاعتداء واثباته بالأدلة ولم يعالج “مواضيع محورية” كالاغتصاب الزوجي والتعنيف الاقتصادي والنفسي، حسب ما أوردته منظمة هيومن رايتس ووتش.
الوعي النسوي والحراك الثوري
تميزت مشاركة النساء في ثورات الربيع العربي الثاني و”الثورة” اللبنانية خاصة ببعدين الأول: سياسي وطني، فهن كمواطنات طالبن برحيل الطبقة السياسية التي تعتمد المحاصصة الطائفية في كل هياكل الدولة ومؤسساتها (كلن يعني كلن) ورفض سياسات هذه الطبقة الاقتصادية والاجتماعية، والثاني سياسي شخصي يتجسد بمطالبتهنّ الخاصة بحقوق لا زلن محرومات منها. وهي مطالب محقة وضرورية ولا تُؤجل ورفعن شعارات “لن ننتظر الثورة حتى تنتهي لكي نطالب بحقوقنا، نحن الثورة” و”الثورة أنثى”
ورغم أن مشاركة النساء ليست ظاهرة حديثة ولا طارئة، لكنّ حضورها في التواريخ الرسمية والإعلام و الثقافة المجتمعية وداخل الأحزاب والنقابات مُحاربٌ ومغيب واستبعدت النساء من حصد أي مكسب معنوي أو سياسي في كل النضالات التحررية التي شاركت بها فسرعان ما كانت تنسب القيادات الذكورية الانتصارات لنفسها، وتفرض سرديتها الخاصة وتسعى لتكريس سيطرتها بقوانين تمييزية مستندة إلى الآليات الذهنية القائمة على التنميط التاريخي لدور النساء بحيث أصبح الكثيرون يتفاجأون عند مشاهدتهم النساء الثائرات في الساحات وكأنهن هبطن من كوكب آخر، فالوعي الذكوري يرى الساحة العامة ملك طبيعيّ للرجل، ويبررون ممارساتهم العدوانيّة والإقصائيّة تجاه المرأة بالدفاع عن حقهم في السيطرة على هذا الحيز لأنه لهم وحدهم، وغالباً ما يأخذون دور الضحية بإلقاء اللوم على الفتيات والنساء اللواتي يتعرضن للعنف الذكوري والتي تتجلى في توجيه الشتائم والتحرّش و السرقة والاعتداء الجسدي والاغتصاب والاعتقال من قبل الأجهزة الرسمية لأنهن خرجنّ من مساحتهنّ الخاصّة “الطبيعية” إلى المساحة العامّة، ويبررون ذلك بحجج واهية شتى، منها تواجدهن في المكان الخطأ أو التوقيت الخطأ أو اللباس الخطأ. ويبيحون لأنفسهم أن يحددوا ما هو الصواب والخطأ وما هي معاييرهما.
إن من أهم دروس الربيع العربي في موجتيه الأولى والثانية أن المجتمع المبني على العنف والاقصاء لا يمكن إصلاحه ويحتاج إلى ثورة، وأي ثورة لا تعالج قضايا النساء وتلبي طموحاتهن هي ثورة ناقصة، وهذا ما أدركته النساء الثائرات اللواتي استمرّين في تحدّي العوائق والحضور في المكان العامّ بأشكالٍ مختلفة، في الحياة اليوميّة والحياة المدنية أو ضمن حركات الاحتجاج والتظاهر والتنظيمات السياسية وسيستمر النضال لإلغاء كل القوانين التمييزية ضد المرأة كمقدمة لإلغاء كل أشكال الظلم والاستبداد في المجتمع.
*المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة.