النساء في مراكز الإيواء… خصوصية غائبة وأعباء مضاعفة
- تاريخ النشر: 9 يناير 2020
- |
*سلوى عبد الرحمن
يعيش أكثر من 250 ألفًا من النازحات والنازحين ظروفًا إنسانية صعبة، إثر الحملة العسكرية الأخيرة التي يشنها النظام السوري وحليفته روسيا على ريف إدلب الشرقي والجنوبي منذ تشرين الثاني وحتى كانون الأول الحالي، حيث عمد التحالف السوري الروسي على استهداف الأسواق والمنشآت الحيوية ومنازل المدنيين بكافة أنواع الأسلحة، مما اضطر السكان لمغادرة مدنهم وقراهم هربًا من الموت دون أن يتمكنوا حتى من حمل أغراضهم واحتياجاتهم.
تحولت المساجد والأبنية غير المكتملة والمستودعات في مدن وبلدات الشمال السوري الآمن نسبيًا إلى مراكز إيواء للنازحات والنازحين الجدد، يفتقر غالبيتها لمقومات السكن الإنساني، إضافة للمخيمات الجديدة التي أقيمت على عجل لإيواء النازحات والنازحين فيها.
لم تعد سميرة (اسم مستعار) وهي أم لأربعة أولاد، قادرة على تحمل المزيد من المعاناة بعد نزوحها قبل أيام من منزلها في معرة النعمان إلى أحد مساجد مدينة إدلب مؤخراً. ليس بوسع زوجها إيجاد منزل للإيجار بسهولة، في ظل عدم توفر منازل كافية لأعداد كبيرة من النازحات والنازحين الجدد.
قالت سميرة بصوت مختنق وملامح القهر والبؤس تبدو على وجهها: “لست مرتاحة رغم توافد منظمات مدنية إغاثية وصحية عديدة، وتقديم الخدمات لنا، إلا أن الضجيج طوال اليوم وعدم توفر حمامات أو غرف مستقلة يزيد الوضع سوءًا، خاصة حين تأتي أم جديدة مع أطفالها، موضحة أن التكيف مع الظروف الجديدة أمر مستحيل مع عشرات الأسر في مكان غير مهيأ للسكن أصلًا”.
لا خصوصية للنساء
أوضحت غيداء (اسم مستعار) وهي متطوعة بفريق الحماية في منظمة بنفسج أن ضيق المكان في جامع “شعيب” جعل الوضع مأساويًا، وهو أكبر مركز إيواء للنازحين في مدينة إدلب حيث يحوي 115عائلة تضم قرابة 350 طفلة وطفل و200 سيدة، حيث أن النسوة يعانين من عدم توفر الحمامات للاغتسال بعد الانتهاء من الطمث (الدورة الشهرية) إضافة لوضع الحجاب وعدم قدرتهن على تبديل ملابسهن طيلة الليل والنهار، بعضهن أيضًا اشتقن لأزواجهن وأولادهن الكبار ويتقابلن معهم خارج المسجد مما يزيد وضعهن النفسي سوءًا.
تختلف احتياجات الأفراد من أسرة لأخرى، ولكل أسرة عادات وتقاليد يومية مختلفة مرتبطة بعدد الأفراد والوضع الاقتصادي والاجتماعي للعائلات، والتأقلم مع وضع سيء جديد ليس بالأمر الهين، مما دفع بعض النسوة للقول: “لو بقانين تحت القصف أرحم من عذابنا، هلأ الموت تحت القصف موتة وحدة… بس هون عم نموت ألف مرة باليوم”.
يشترك الجميع بدورة مياه واحدة، وغالبًا ما يتطلب الأمر الانتظار لوقت طويل لقضاء الحاجة، أما الغسيل فهو يدوي ولا مكان له سوى المكان المخصص للوضوء الذي تحول لحمام غسيل، وهو للألبسة الضرورية فقط، كملابس الأطفال وخاصة الصغار منهم، وينشر بالقرب من أمتعة العائلة على طرف الجامع الذي يطل على الطابق السفلي حيث يتواجد الرجال.
بكاء الأطفال وتشتت الأسر
تتداخل أصوات أحاديث النسوة حول المدفأة مع أصوات لعب الأطفال حولهم واقتتالهم وبكائهم بصخب وضجيج، إلى جانب الأمتعة المنتشرة هنا وهناك.
تنفصل الأسرة الواحدة في مراكز الإيواء، فيمكث الرجال في مكان، والنسوة في مكان آخر، وهذا ما يثير غضب سميرة ومثيلاتها حين يكون أزواجهن بعيدين عن أطفالهن: “يستيقظ ابني محمد وعمره 4 سنوات باكيًا في الليل، راغبًا في رؤية والده إلى جانبه كما كان معتادًا سابقًا، وهنا ممنوع دخول الرجال، أنا حامل أيضًا في الشهر السابع وأحتاج لأن أكون مستلقية ولو لساعتين على الأقل بسبب وضعي الصحي الذي ازداد سوءًا بعد النزوح”.
بالعودة إلى غيداء التي أشارت إلى أن تجمع الأطفال في مكان واحد وهم في مرحلة عمرية واحدة زاد من حالات الشجار بينهم، وتأزم الوضع النفسي للأمهات والآباء، فضلًا عن أن أصوات الضجيج التي يصدرونها تزعج النساء المسنات وكذلك الرجال في الجامع ممن يقرؤون وردهم الصباحي أو المسائي أو يأتون لإقامة فروض الصلاة.
تعمل المتطوعات من المنظمات المحلية منذ الصباح الباكر حتى ساعة متأخرة من اليوم لمساعدة النازحات ضمن امكانياتهن المتاحة، ويدأبن لتأمين احتياجات الأطفال والنساء، إلا أن الأعداد الكبيرة المتواجدة في مراكز الإيواء تضعهن أيضًا أمام صعوبات يحاولن التعامل معها بعقلانية، كحالات الشجار بين النساء لأسباب مختلفة منها تنظيف المكان وترتيب الأغراض وفقدان الأحذية وعشوائية العيش.
سارة 22 عامًا (اسم مستعار) تروي مبتسمة: “خرجت لأشتري بعض الحلوى لابني من البقالية المجاورة لكنني لم أجد حذائي بسبب كثرة الأحذية المتواجدة مما اضطرني للباس حذاء كل فردة مختلفة عن الأخرى، ثم اشترى لي زوجي حذاءً جديدًا أضعه بالقرب مني لأستخدمه كلما احتجت إليه عند الخروج. لقد مللت من العيش هنا ومن الأكل الجاهز أحب أن أعود لمطبخي وأطهي لأسرتي ما يشتهون من طعام ونلتف حول المائدة من جديد”.
أمراض وأوبئة
مع حلول فصل الشتاء تكثر الأمراض خاصة التنفسية ومن المفترض أن يبقى المريض منعزلاً حتى لا تنتقل العدوى لباقي أفراد الأسرة، الرشح والكريب والانفلونزا عدا عن أمراض الربو والأمراض المزمنة بسبب البرد، فما بالكم بالوضع الصحي مع تواجد هذه الأعداد الكبيرة ضمن مكان مغلق.
يعمل الفريق الطبي الذي يزور الجامع بشكل يومي على تأمين كافة الأدوية للحالات المرضية الموجودة في المسجد.
من جهته أكد أحمد حاج لطوف، أحد المشرفين على عمل المنظمات، أنه سيتم تأمين الأسر المتواجدة في المساجد ضمن مراكز إيواء مؤهلة للسكن وغرف منفصلة لكل أسرة خلال مدة قريبة جدًا.
تختم غيداء حديثها: “للنزوح سكرات مثل سكرات الموت لا يدركها سوى من تذوقها، نحاول رغم جراحنا ترميم جراح هذه الأسر ورسم البسمة على وجوههم رغم أن الألم يعتصر قلوبنا جميعاً، خاصة حين يطلبون أشياء لا يمكننا تقديمها لهم. الكارثة كبيرة ومن الصعب تلبية الاحتياجات جميعها، خاصةً في ظل توقف المنظمات الدولية عن تقديم مساعدتها”.
حواملٌ ومرضعاتٌ وكبارٌ في السن وذوو احتياجات خاصة وأطفالٌ اجتمعوا رغمًا عنهم في مسجد خرجت منه أولى صرخات الحرية، يأملون أن يجدوا مسكنًا يأويهم مع أزواجهم أو إخوتهم أو أولادهم ليعودوا للاستقرار الأسري، الذي دمره النزوح، بعيدًا عن صخب الآخرين وبراميل الموت.